مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    ماذا تعني زيارة الرئيس العليمي محافظة مارب ؟    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    استشهاد 6 من جنود قواتنا المسلحة في عمل غادر بأبين    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شركات عسكرية عملاقة مع فاغنر.. لِمَ يهتم فلاديمير بوتين بالمرتزقة إلى هذا الحد؟
نشر في يمن فويس يوم 14 - 08 - 2023

في السابع من فبراير/شباط الماضي، أعلن مسؤولون بوزارة الدفاع الأوكرانية في بيان صحفي أن شركة النفط الروسية الأكبر والأقوى في البلاد "غازبروم نفط" بدأت بالفعل إجراءات إنشاء "شركة عسكرية خاصة"، بعدما وقَّع رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين الموافقة على الطلب. في بيانهم، ادعى الأوكرانيون أن هذه الشركة تحديدا يمكن أن تكون بمستوى مجموعة المرتزقة الروسية الأشهر "فاغنر".
لفهم الأمر علينا أن نشير إلى أن "غازبروم" ليست مجرد شركة مواد بترولية، ولكنها عنصر فاعل في السياسة الروسية، ويكفي فقط أن تعرف أنها رفعت سعر الغاز لأوكرانيا بنسبة 80% بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش عام 2014، لذلك ليس من الغريب أن تقوم شركة بهذا الثقل الاقتصادي والسياسي ببناء شركة عسكرية خاصة، على الأقل لحماية خطوط الأنابيب الخاصة بها أثناء الحروب والنزاعات، كما أن الشركة تركز حاليا على التنقيب عن الموارد في القطب الشمالي، وهي منطقة تداخل مصالح بين الروس وغيرهم.
ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء في هذا النطاق أن الأمر سيتجاوز ذلك، لتصبح هذه المنظمة -في وقت غير بعيد- نسخة ضارية من مجموعة فاغنر الشهيرة التي تعمل اليوم في عشرات الدول حول العالم، وهي المجموعة التي تصدرت عناوين الأخبار خلال الساعات الماضية إثر دعوة قائدها "يفغيني بريغوجين" إلى "تمرّد مسلّح" ضدّ قيادة الجيش الروسي بعد أن اتهمها بقصف قواته في أوكرانيا وقتل عدد كبير من جنوده.
لكن مجموعة فاغنر ببساطة ليست شركة المرتزقة العسكرية الروسية الوحيدة، ولا يقف الأمر عند حدود "غازبروم نفط" كذلك، فقد أشارت تقارير إلى أن أكثر من 70 شركة عسكرية خاصة تابعة لموسكو شاركت في الحرب على أوكرانيا، واحدة منها يُعتقد أنها على علاقة بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، اسمها "باتريوت" وتعمل منذ عام 2018. بعض هذه المجموعات المسلحة مسجلة رسميا ولها عناوين قانونية ومواقع إلكترونية، وتصف أنشطتها والخدمات التي تقدمها على أنها "شركة استشارات عسكرية خاصة"، لكن معظمها موشى بالضبابية في كل أنشطته.
هيكل شركات المرتزقة الروسية ولفهم التركيبة المعقدة لهذه الشركات، دعونا نُشِر الآن إلى أبرزها. أحد أهم الأعضاء في القائمة هي شركة "إينوت" (E.N.O.T) التي يلفها الكثير من الغموض. أسَّس المجموعة عام 2011 القومي الروسي "إيغور مانغوشيف"، وسرعان ما تركز هدفها على تجنيد الروس الراغبين في القتال في مقاطعة دونباس الأوكرانية، ومنذ عام 2015 تدربت هذه المجموعات في صربيا وبيلاروسيا، وجندت مقاتلين من جميع الأعمار بينهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 12-18 عاما.
تشمل المجموعة أيضا أفرادا من جنسيات وأصول عدة، سواء روسيا أو الجبل الأسود وصربيا وبيلاروسيا ومرتفعات قرة باغ. وتُصنِّف هذه المجموعة نفسها بأنها "مجتمع أرثوذكسي روسي"، ونعرف الآن أنها قامت بأنشطة مسلحة في أوكرانيا وسوريا. لكن علاقة المجموعة مع النظام الروسي سرعان ما توترت إثر خشيته من إمكانية تحويل نشاطها لاستهداف النظام السياسي نفسه، وهو توتر صاحبته حملة أمنية لتصفيتها. وبحلول عام 2022 حُكم على زعيم المنظمة رومان تلينكيفيتش بالسجن بتهمة تنظيم مجتمع إجرامي والابتزاز والتهديد بالقتل أو التسبب في أذى جسدي خطير، وفي أوائل فبراير/شباط 2023 أُصيب مانغوشيف نفسه برصاصة قاتلة في مؤخرة رأسه أثناء وجوده داخل أوكرانيا.
أما مجموعة "أنتي تيرور – أوريل" (Antiterror-Orel) فيعود تاريخها إلى أبعد من ذلك. بدأت الشركة عملها في العراق في عمليات إزالة الألغام وحماية البنية التحتية للطاقة في العراق في التسعينيات، لكن مثلها مثل مجموعة فاغنر شاركت في مهام ببعض البلدان الأفريقية مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وكينيا ونيجيريا. تكونت المجموعة بشكل رئيسي من الضباط السابقين أو ضباط الصف الذين خدموا في وحدات القوات الخاصة الروسية أو القوات المحمولة جوا أو مشاة البحرية. كان عملاء من هذه المجموعة هم الذين أنشأوا عام 2013 شركة "الفيلق السلافي" (Slavonic Corpus PMSC) التي كانت بمنزلة مقدمة لشركة فاغنر.
يساعدنا نموذج شركة أوريل على فهم المنظومة المعقدة التي تترابط بها تلك الشركات، فهي عبارة عن شبكة تنشأ وتفنى الشركات فيها وترث بعضها بعضا، فبجانب أن هذه المجموعة كانت جزءا رئيسا من نشأة فاغنر، فإنها كانت كذلك نواة شركة أخرى هي "ريدوت أنتي تيرور" (Redut-Antiterror)، وهي تتكون كذلك في الغالب من عسكريين روسيين سابقين، وخاصة من فوج القوات الخاصة التابع للقوات الروسية المحمولة جوا. تأسست الشركة عام 2008، وشاركت في الحرب الروسية، وكانت من أوائل القوات التي دخلت إلى أوكرانيا.
نمر الآن إلى مجموعة "آر اس بي" (RSB-Group) التي سُجلت رسميا في موسكو لأول مرة عام 2011 بوصفها منظمة غير ربحية، وأُنشئت على يد مزيج من ضباط الاستخبارات العسكرية الروسية وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي السابقين. شاركت هذه الشركة في حماية السفن البحرية في المياه الأفريقية قبالة شواطئ الصومال وفي خليج غينيا، وعملت في إزالة الألغام في ليبيا، وشاركت كذلك في ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.
مجموعة مجموعة "آر اس بي". (المصدر: RSB-Group) ما سبق يسلط الضوء على نقطة مهمة، وهي أن وجود ضباط سابقين في مثل هذه المجموعات (وخاصة من الاستخبارات العسكرية) يسمح لهذه المجموعات بالتواصل مع المخابرات الروسية للحصول على البيانات أو ربما لتجنيد مصادر استخبارات بشرية، بل وتوجيه البنية التحتية للمراقبة والاستطلاع من أجل خدمة أهدافها، التي بالتأكيد تتشابك مع أهداف الدولة الروسية. ويُعَدُّ هذا فارقا جوهريا بين الشركات الخاصة الروسية وبين نظيرتها الغربية عموما (والأميركية خصوصا)، وهي أن الأولى تظل تابعة -بأشكال مختلفة- للإدارة الروسية وأهدافها السياسية، وليست بأي حال من الأحوال مجرد مؤسسات رأسمالية تهدف إلى تحقيق الربح من خلال الاستثمار في تجنيد ونقل المواطنين بمعزل عن الدولة. بالطبع تظل الشركات الغربية قريبة من السياسات الخاصة بدولها، لكنها ليست مرتبطة بها تماما كما هو حال الشركات الروسية.
في الواقع، فإن الشركات العسكرية الخاصة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأوليغارشية القريبة من رجال الكرملين وفي مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه (وهم رجال الأعمال في الجمهوريات السوفيتية السابقة الذين بنوا ثروتهم في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي، مثل مالك فاغنر يفغيني بريغوزين)، وبذلك يعمل معظمها عبر روابط غير رسمية مع الحكومة الروسية.
لكن جنود تلك الشركات ليسوا فقط من ضباط الجيش السابقين، بل تقوم بعض تلك الشركات بالحصول على الأفراد من كل الخلفيات عبر الإنترنت، وتدريبهم للعمل جنودا، وخلال السنة الأولى للحرب الأوكرانية غمرت إعلانات فاغنر المدن الروسية، داعية الشباب للمشاركة في الحرب مع شعارات "الوطن، الشرف، الدم، الشجاعة، فاغنر"، الغريب أن الكثير من جنود فاغنر هم بالأساس من المعتقلين المدانين والموضوعين على القوائم السوداء لأجهزة الأمن الروسية.
لِمَ يحتاج بوتين إلى المرتزقة؟
يتحصل الكريملين على مكاسب سياسية من تلك القوات الخاصة، فهو ينشر قوات غير نظامية رخيصة نسبيا يمكن أن تضغط سياسيا على أية دولة تعمل بها تلك القوات، كما يفيد ذلك في تعزيز التصورات العالمية عن النفوذ الروسي المتوسع عالميا.(رويترز) هناك عدة أسباب تجعل من مثل هذه المجموعات فرصة لروسيا لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية في آنٍ واحد، منها مثلا أنها تُمكِّن الكرملين من الحصول على القوة البشرية اللازمة في الجبهة دون الاضطرار إلى القيام بتوظيف الجيش الرسمي، وهو أمر لا يحظى بشعبية كبيرة في كل الأحوال. من خلال الاعتماد على الشركات العسكرية الخاصة، تمكَّنت روسيا من تقليل استخدام القوات النظامية مع الحفاظ على القدرة على المناورة في العمليات البرية.
في هذا السياق أشار استطلاع للرأي أُجري بالتزامن مع بداية العمليات الروسية في سوريا إلى أن نسبة صغيرة من الشعب الروسي أبدوا استعدادهم لدعم سوريا بجنود الجيش النظاميين، لكن على الجانب الآخر أشارت نسبة كبيرة إلى إمكانية إرسال المرتزقة، لأن هؤلاء الأشخاص -وهنا نقتبس حرفيا- "يتقاضون أجورا عالية، ويعرفون ما هم مقبلون عليه"، ما يعني أن موتهم في سياق المعارك هو جزء من "الوصف الوظيفي" المتفق عليه.
المفاجأة هنا هي أن مواد عدة في القانون الروسي تحظر تكوين المرتزقة وتمويلهم، وتحظر جميع التشكيلات المسلحة غير المنصوص عليها في القانون الاتحادي الروسي، لكن رغم ذلك توجد هذه المجموعات وتنتشر، بل وتتزايد أعدادها يوما بعد يوم. ورغم محاولة العديد من المشرعين الروسيين تنظيم صناعة الشركات العسكرية الخاصة، لا يزال هناك خلاف بين جهات السلطة المختلفة حول أي جزء من جهاز الدولة الروسية يجب أن يُكلَّف بالإشراف على الشركات العسكرية الخاصة، لكن السبب الأهم من ذلك هو أن ترك الشركات العسكرية الخاصة في حالة من عدم اليقين القانوني يجعل من السهل على الحكومة إنكار الصلات بمثل هذه الجماعات، خاصة حينما تُستخدم لإجراءات متطرفة جدا أو غير إنسانية.
يعني ما سبق أن روسيا تستخدم هذه المجموعات بوصفها "أداة لتحقيق المصالح الوطنية، حين لا يتعين على الدولة نفسها المشاركة"، ويتعمق ذلك إلى ما هو أبعد مما قد تظن، حيث تُستخدم هذه الشركات مثلا لتوفير الدعم والحماية للقادة المستبدين من حلفاء روسيا الذين يواجهون مخاطر انتفاضات شعبية أو منافسة على السلطة من قِبَل فصائل مسلحة.
إجماليا، توفر الشركات العسكرية الخاصة (المرتزقة) مثل "فاغنر" أو "إينوت" أو "آر بي إس" أو غيرها أداة لتوسيع النفوذ السياسي الروسي في جميع أنحاء العالم، ربما لن تصدق بسهولة أنه بحلول عام 2020 كانت هذه الشركات قد عملت لصالح روسيا في غالبية الدول الأفريقية، بما في ذلك مالي ونيجيريا والسودان وموزمبيق وليبيا والسنغال وتشاد وجنوب أفريقيا، إلى جانب مناطق متفرقة أخرى مثل سوريا والعراق وأفغانستان وطاجيكستان وفنزويلا.
تشترك تلك المجموعات في الإستراتيجيات نفسها في كل مرة، فهي دائما ما تقدم الدعم العسكري المباشر من أجل تقوية شوكة قائد أو مجموعة ما لتخطي أزمة قائمة محددة، عادة في دولة غير مستقرة، من خلال المهارات والقدرات العسكرية الخاصة بها، إلى جانب الدعم الاستخباراتي وخدمات التضليل المعلوماتي وحماية مناطق أو أشخاص بعينهم، ثم من بعد ذلك تقوم تلك القوات بتدريب قوات خاصة في البلد نفسه، وفي خطوة ثالثة تقوم بإنشاء شركات لأغراض اقتصادية، مثل شركات الطاقة والتعدين والخدمات اللوجستية التي تفتح مصادر جديدة للإيرادات بالنسبة للروس.
إلى جانب ما سبق، فإن الكرملين يتحصل على مكاسب سياسية، فهو ينشر قوات غير نظامية رخيصة نسبيا يمكن أن تضغط سياسيا على أية دولة تعمل بها تلك القوات، كما يفيد ذلك في تعزيز التصورات العالمية عن النفوذ الروسي المتوسع عالميا. خلصت دراسة أُجريت لمجموعة الحرب غير المتكافئة التابعة للجيش الأميركي إلى أن "الشركات العسكرية الخاصة الروسية تُستخدَم مضاعفا للقوة لتحقيق أهداف لكل من الحكومة وأصحاب المصالح الخاصة المتحالفة مع روسيا، مع تقليل التكاليف السياسية والعسكرية".
رجال دونباس
تلك المجموعات الخاصة مفيدة للدولة الروسية للحد من عودة المقاتلين المتمرسين والمصابين بخيبة أمل أيديولوجية إلى روسيا، فهؤلاء الأشخاص عادة ما يتسببون في درجة من الاضطراب السياسي والاجتماعي إذا ما قرروا التمرد. (رويترز) تقترح دراسة صدرت عام 2018 أن هناك ما لا يقل عن خمسة محركات رئيسية لبناء هذه الشركات وتنوعها الشديد، اثنان منها أشرنا إليهما في الفقرات السابقة (تجنب الغضب الشعبي، والتنصل من المسؤولية)، يلي ذلك دافع آخر يتفق عليه الجميع هو الأرباح، في هذا السياق لا بد أن نوضح أن الشركات العسكرية الخاصة ليست ابتكارا روسيا، بل أميركي، وكان نجاح مثل هذه الشركات في عمليات خاصة (تتعلق بخدمة أفراد) أو في حروب مثل العراق وأفغانستان، والأرباح التي حققتها، محركا دفع الروس إلى المُضي قُدما في بناء مجموعات شبيهة. أكبر دليل على ذلك ما قاله ميخائيل إميليانوف، أحد نواب مجلس الدوما، ذات مرة: "تاريخنا حتَّم علينا دائما خوض الحروب. لماذا لا تستغل هذه التجربة من أجل الربح؟".
إلى جانب ذلك، فإن هذه الشركات هي نماذج تجريبية لفرق صغيرة مسلحة جيدا يمكن فيما بعد أن تستفز الجيش الروسي لمحاكاتها، ما يعني إضافة أنماط مختلفة وغير تقليدية من التشكيلات للجيش النظامي، يتضح ذلك في تحركات عدة لمخططي حرب روسيين لتجربة التحول من جيش مجند كبير إلى قوة أصغر لكنها احترافية بشكل أكبر.
النموذج الأبرز على ذلك هو عملية إعادة بناء تشكيلات المشاة الروسية خلال عامي 2022 و2023 في أثناء الحرب على أوكرانيا، فبعد فشل "مجموعات الكتائب التكتيكية"، أو ما تُعرف اختصارا ب"بي تي جي" (BTG)، وهي وحدة المناورة مشتركة الأسلحة التي تُمثِّل أداة الجيش الروسي الرئيسية على الأرض، عاد الجيش الروسي إلى نظام غير رسمي يتضمن إنشاء أربع فئات مختلفة من رجال المشاة: المتخصص، والهجومي، والخطي، والقابل للتصرف، الأول والثاني يُدعمان بالسلاح والتدريب، والثالث والرابع يُستخدمان في عمليات غير مكلفة.
وأخيرا، تقول الدراسة إن هناك سببا آخر مهما يجعل هذه المجموعات مفيدة للدولة الروسية، وهو الحد من عودة المقاتلين المتمرسين والمصابين بخيبة أمل أيديولوجية إلى روسيا، هؤلاء الأشخاص عادة ما يتسببون في درجة من الاضطراب السياسي والاجتماعي إذا ما قرروا التمرد، أو ربما تقديم الدعم السياسي لأطراف بعينها ضمن منظومة السلطة. منذ نحو عقد من الزمن وخلال معركة دونباس في 2014، كان هناك نقاش في وسائل الإعلام الروسية حول المشكلات السياسية والاجتماعية المحتملة التي قد تصاحب عودة المقاتلين الروس، الذين شعر الكثير منهم بخيبة أمل تجاه الكرملين لتشجيعهم على الذهاب والقتال من أجل "العالم الروسي" وخذلانهم في نهاية المطاف.
في النهاية تجدر الإشارة مجددا إلى أن الشركات العسكرية الخاصة ليست اختراعا خاصا بروسيا، ولكنها نمط عسكري جديد نسبيا يتطور يوما بعد يوم، وقد حقق بالفعل نجاحا عملياتيا يقول إنه جاء ليبقى. مجموعات محترفة أجنبية ليست من مواطني الدولة، ماهرة في عملها، باردة في تحقيق أهدافها، وغير أخلاقية في الكثير جدا من الأحيان، تسيطر بالفعل على سوق الحروب حول العالم، وخاصة في الدول الضعيفة، فقط تخيل حجم المأساة.
(ميدان)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.