عندما دخل الجيش السوفياتي افغانستان- بداية الثمانينات بدعوة من حكومتها الشرعية الوطنية آنذاك برئاسة محمد نجيب الله لمساعدتها في تثبيت النظام والامن - ارتدت امريكا عمامة المفتي وقالت ان ما حصل من دخول القوات السوفياتية لأفغانستان هو احتلال لبلد مسلم واعلنت النفير العام ودعت الى الجهاد في سبيل الله تحت رايتها لتحرير هذا البلد المسلم من هذا المحتل الكافر فكان ان استجابت لها الحكومات العربية والاسلامية الدائرة في فلكها وارسلت مجاهديها للقتال في ذلك البلد وكان علي عبدالله صالح احد الرؤساء الذين استجابوا لهذه الدعوة وبينما تعب غيره من الزعماء لم يتعب هو كثيرا في البحث عن رجال لهذه المهمة اذ كان قد جمع الكثير منهم بمساعدة الاخوان المسلمين لمهمة مشابهة وهي محاربة المد الشيوعي في المناطق الوسطى وجنوب اليمن وبعد انتهاء مهمة المجاهدين -الذين اطلق عليهم لاحقا تنظيم قاعدة الجهاد او الافغان العرب- في افغانستان ونجاحهم في اخراج الجيش السوفياتي منها وتحويلها الى دولة فاشلة عادوا ادراجهم كلا الى بلده لكنها كانت عودة الى السجون او الاقامة الجبرية وفي اقل تقدير ظلوا تحت مراقبة امنية صارمة في كل الدول التي عادوا اليها الا مجاهدي علي عبدالله صالح فانهم عادوا الى معسكرات انشأت خصيصا لهم يتلقون فيها التدريب والاموال تمهيدا لاستخدامهم في مهمات هي بالنسبة لعفاش جهاد اكبر مقارنة بجهادهم في افغانستان وفعلا كانت أولى مهامهم هي القضاء على اكبر عدد من القادة الجنوبيين البارزين الذين هاجروا الى صنعاء عشية اعلان دولة الوحدة ونجحوا فعلا في اغتيال ما يقارب من 150شخصية جنوبية من خيرة رجال الدولة
وما ان قرعت طبول حرب صيف 94م وبتوجيه من عفاش طاف بهم ذو اللحية الحمراء كاهنهم وعرابهم وكبيرهم الذي علمهم القتل صاحب الكرامات والمعجزات الزنداني وحثهم على قتال الكفار في الجنوب الا وكان هؤلاء القتلة المحترفين في مقدمة الصفوف التي غزت الجنوب وقضت على حلم الوحدة وكانت هذه مهمة ناجحة لكن بعدها لم يعودوا الى معسكراتهم السابقة في بلاد الروس وارحب ومأرب بل فتحت لهم معسكرات جديدة في عدنوحضرموت وفي خاصرة الجنوب ابين لان المهمات الجديدة التي ستوكل اليهم ستكون مسارحها قريبة لهذه المناطق وفعلا قاموا بتنفيذ هذه المهام ومنها اختطاف السياح في ابين من قبل جماعة جيش عدن-ابين وتفجير الناقلة الفرنسية لومبرج في سواحل حضرموت وتفجير المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن وحصل عفاش نتيجة نجاح هذه العصابات في مهامها على دعم هائل تحت مسمى مكافحة الارهاب تمثل هذا الدعم في انشاء جهاز الامن القومي- الذي سيلعب الدور الذي كان يلعبه جهاز الأمن السياسي الذي لم يعد عفاش يثق به-وكذا حصل على دعم مادي ولوجيستي هائل لإنشاء قوات خفر السواحل وقوات مكافحة الارهاب واستمرت الحكاية باستدرار الأموال وابتزاز المجتمع الدولي ونجح عفاش في كل ذلك بل حتى عندما ضغطت عليه امريكا واتهمته بالتساهل مع هؤلاء القتلة المدللين قام بالقبض على اكثر من 45 قياديا منهم واودعهم اعتى سجونه وعندما اوشكت أمريكا على ارغامه بتسليمهم لها أطلقهم من السجن وبرر للعالم هروبهم بأنهم تمكنوا باستخدام ملاعق الأكل في حفر نفق طوله أكثر من 40 متر في حادثة تجمع بين البكاء غيضا والضحك شماتتا وسخرية
ثم استمر عفاش في الاستفادة من خدمات هؤلاء القتلة زرافات ووحدانا فكان عندما يحتاج للتخلص من شخصيات معارضه لحكمه وتحظى بثقل شعبي ودهاء سياسي سرعان ما يلجأ لفرق الموت هذه للتخلص منها اغتيال جارالله عمر مهندس اللقاء المشترك وعبدالعزيز السقاف الصحفي اللامع امثلة لذلك التوظيف السيء وهكذا استخدمهم عشية انتخابات 2006م في محاولة تفجير ميناء الضبة النفطي تخويفا للرأيين المحلي والدولي من عدم انتخابه وارسال احدهم -اي جماعات القاعدة- ليظهر في وسائل الاعلام بجانب المرشح بن شملان رحمه الله تشويها له ليتم القبض على هذا المناصر الدعي بحجة انتمائه للقاعدة ويفرج عنه بعد الانتخابات مباشرة باعتباره تم تبرئته من التهمة المنسوبة له
ويستمر مسلسل تعامل عفاش مع هؤلاء القتلة فعندما ثار شعب الجنوب بحراكه السلمي التحرري سارع للعب بهذه الورقة اذ وبمساعدة علي محسن وابو لحية حمراء تحول الفضلي بعشية وضحاها الى قيادي حراكي وهو القاعدي التليد لينجز مهمة واحدة وخطيرة هي الصاق تهمة القاعدة والارهاب بالحراك الجنوبي السلمي والزاحف بقوة لاستعادة حقه المغصوب ونجحت المهمة فعلا في فعالية حراكية نظمها الفضلي في ساحة عامة بأبين غالبيتها العظمى ظهر فيها البسطاء من ابناء الجنوب الاحرار يرفعون اعلام دولتهم المغتصبة وينادون بتحريرها وفي زاوية صغيرة منها ظهر مجموعة من فرق الموت العفاشية بدقونهم المرعبة واياديهم الملطخة بالدم يهددون ويتوعدون امريكا والغرب بالويل والثبور ويا للمفارقة كان كل مراسلي وسائل الإعلام العالمية الكبرى الذين هم شماليين وكأمر دبر بليل يصورون هذه الشرذمة الدخيلة وصورهم النتنة امست تملأ الشاشات وتهديداتهم تتصدر نشرات الاخبار بينما بقية الفعالية لم يلتفت اليه احد
استمر عفاش باستخدام هذه الجماعات العدمية بشكل او بأخر حسب احتياجه ويظهر ذلك جليا عندما ظهر ما يسمى بالربيع العربي وشعر عفاش بالقلق هدد في خطاب متلفز ان المطالبة برحيله من الحكم يعني سقوط محافظات في يد القاعدة وفعلا تم هذا كما رسم له إذ بعدها مباشرة اجتاحت جماعات القاعدة محافظة ابين وعاثت فيها فسادا وقتلا وترويعا لأكثر من عام واحتاج الرئيس عبدربه وعند استلامه لسلطة صنعاء شكليا احتاج لاستخدام اقرب أصدقائه واوثقهم عنده من القادة العسكريين الموالين له لقيادة معركة تحرير محافظته ومسقط رأسه ونجح في مهمته لكنه والجنوبيين خسروا قائدا عظيما هو الشهيد سالم قطن طيب الله ثراه والفترة التي كان فيها الرئيس عبدربه رئيسا شكليا لصنعاء كان فيها عفاش اكثر اعتمادا على فرق الموت القاعدية واستخدمها عددا من المرات اكثر من اي وقت مضى كل ذلك لإظهار الرئيس عبدربه كرئيس فاشل لا يستطيع ان يحمي نفسه من القاعدة فكيف يحمي شعبه منها وظهر ذلك جليا عندما كان الرئيس هادي يريد ممارسة ابسط صلاحياته بان يحضر عرض عسكري في مناسبة وطنية استكثر عليه عفاش ذلك واوحى الى فرق الموت فأرسلت من يغتال اكثر من مائة جندي امن مركزي كانوا في ميدان السبعين يتدربون على العرض الذي سيقام في اليوم التالي بحضور الرئيس هادي لكنهم للأسف كانوا في اليوم الموعود جثث محترقة وضعت في توابيت تمهيدا لدفنها والمفارقة الغريبة أيضا أن قنوات عفاش الفضائية كانت وسائل الإعلام الوحيدة التي صورت لحظات القتل بصورة مباشرة
وجاءت جريمة مستشفى العرضي الذي اراد منها عفاش اغتيال الرئيس عبدربه منصور على ايدي القاعدة بقيادة رجل عفاش قاسم الريمي كدليل دامغ على عمق العلاقة بين صالح والقاعدة لكن مشيئة الله كانت مع عبدربه وعاش بعدها ليشهد جريمة تفجير ميدان التحرير الذي كان تقام فيه فعالية حاشدة للحوثيين واسفرت الجريمة عن قتل وجرح المئات ووجه صالح اصابع الاتهام للرئيس هادي ثم توالت الاستخدامات لهذه الجماعات الارهابية وتم اغتيال العديد من القادة العسكريين والطيارين والمدربين والخبراء وضباط الاستخبارات المخضرمين الجنوبيين كما شمل مسلسل القتل العفاشي القاعدي الكثير من القيادات الحوثية الخبيرة بعفاش ومكره والتي كانت سترفض التحالف معه. وبأسلوب واحد تقريبا قتل الدكتور عبدالكريم جدبان والدكتور احمد شرف الدين والدكتور محمد المتوكل والصحفي عبدالكريم الخيواني والدكتور المرتضى المحطوري وغيرهم من الأشخاص والكثير من الحوادث التي لا تستطيع الذاكرة استعادتها في اللحظة الراهنة
عموما الحديث عن علاقة النسب والمصاهرة والرضاع بين علي عبدالله صالح وجماعات القاعدة يحتاج الى كتاب كامل ولا يمكن استيفاؤه بمقال صحفي كهذا الشاهد الذي أريد توصيله من مقالي هذا الى ابناء الجنوب هو ان هذه العصابات المحترفة للقتل والتي طفت على السطح لإقلاق الجنوبيين وتعكير فرحتهم بنصرهم المؤزر على عفاش وحلفاؤه انما هي صنيعة لهذا العدو الماكر تتحرك عندما يريد لها ان تتحرك وتسكن عندما يريد لها ان تسكن وسترحل برحيله واحب ان اطمئن نفسي وابناء الجنوب ان هذه الشراذم المحترفة للقتل ليست اقوى ولا اخطر ولا اخبث من الحرس الجمهوري وكتائب الحسين الحوثية وبقية المليشيات الغازية وان شاء الله وبيقظة وحنكة رجال الحق من ابطال المقاومة الجنوبية وبدعم من دول التحالف وعلى رأسها مملكة الخير السعودية ودولة الكرم الامارتية وقريبا سيتم التخلص منهم الى الابد فالجنوب بيئة طاردة لهم ولن يقبل الخبث ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .