انا ابن تلك المرحلة مرحلة الجبهة القومية والحزب الاشتراكي والنظام السابق في الجنوب تربية وعشت في تلك المرحلة من طالب ثم عسكري ابتداء من الحرس الجمهوري ثم الجيش وامن الرئاسة واخرها أمن الدولة وكنت من نشطاء أشيد والحزب ولجان الدفاع الشعبي وتدرجت في العديد من المناصب الحزبية من سكرتير منظمة قاعدة الى سكرتير ثاني لمنظمة الحزب في امن الدولة قبل الوحدة وشاركت في تلك المرحلة بحلوها ومرها وسلبياتها وايجابياتها بكل جد وإخلاص وصدق وكنا مقتنعين تماما بصواب ما نعمله بحكم التوعية والتعبئة المتأثرة بأفكار القومية العربية وعبدالناصر ومصر وحركات التحرر الوطني وأفكار الاشتراكية ولذلك كأن الحماس الثوري والمبادئ المقتنعين فيها هي المحرك والمسيطر على وعينا وتصرفاتنا و لم يكن كما يحاول البعض اليوم ان يسوق او يبرر أننا كنا مخدوعين او مجبرين او أنه انصحك علينا الخ. .. لكننا اليوم وبحكم التغيرات التي حدثت اكان للواقع او لوعينا ادركنا هنا اخطاء بعض تلك الشعارات والمصطلحات والتصنيفات والتصرفات وبعض القرارات والسياسات ويمكن إجمالا ايعاز ذلك بمجمله إلى النهج والفكر الذي تم اعتناقه والذي يتنافى مع طبيعة وواقعنا كشعب ومجتمع عربي مسلم..
ولذلك فان الوقوف أمام تجربة الماضي بنبغي ان يكون شجاعا بحيث نعترف بأخطائنا دون البحث عن شماعات نرمي عليها اخطاءنا كما يحاول بعض الجنوبيين اليوم حتى ممن كان في موقع القرار بالمكتب السياسي واللجنة المركزية التهرب من المسؤولية وتحميل مسؤولية ذلك فريق عبدالفتاح وأصحابه الخ ... ويتناسون مثل هؤلاء ان القرارات كانت تتخذ في المكتب السياسي واللجنة المركزية بشكل جماعي وان مواقف الناس مدونه ومعروفة .. ولذلك فمن لا يمتلك الشجاعة اليوم للاعتراف بأخطاء تلك المرحلة ويحاول البحث عن شماعات ليتهرب من المسؤولية هو مع الأسف لا يريد ان يتعلم ويتعظ من تلك الأخطاء والسلبيات ولأيمكن الوثوق فيه ..
الامر الاخر ان اي تقييم للماضي ينبغي ان يكون منصفا ومسؤولا بعيدا عن المغالاة والافراط في ايجابيات وإنجازات تلك المرحلة فلم يكن كل شيء فيها جميل ووردي .. وبعيدا في نفس الوقت عن التشطيب ووصف كل شيء فيها بالسيئ والسلبي فكما كان لتلك المرحلة سلبياتها واخطاءها فقد كان لها في نفس الوقت ايجابياتها ..
لقد تم في تلك المرحلة بناء دولة مركزية فرضت سيطرتها وهيبتها على كل تراب الجنوب وتم فيها بناء مؤسسات الدولة في كل مناطق الريف ..كما نشاء وتعلم جيل من مختلف التخصصات وتحققت الكثير من الخدمات والمكاسب للناس وبالذات في الأرياف التي حرمة ابان الاستعمار من الكثير من الخدمات الخ ...
ان مرحلة حكم النظام السابق في الجنوب الممتدة من 67 م إلى 90م هي جزء من التأريخ الوطني الجنوبي لا يمكن لنا ان نلغيه من تاريخ الجنوبي او' ننتقي منه ما نريد او ان نعيد تشكيلة كما نريد اليوم بل ينبغي ان نأخذه كما هو والمهم والأهم هو كيف نجعل من تلك المرحلة وتجاربها مدرسة نتعلم منها كيف نستفيد من الجوانب والتجارب الجيدة وكيف نتجنب تلك السلبيات والاخفاقات التي وقعنا فيها وعانينا منها والتي قادة مع الأسف إلى ضياع الجنوب وما نعانيه اليوم ...
كيف يمكن لجيل اليوم ان يتعلم ويتعظ من أخطاء الجيل السابق في بناء جنوب جديد خالي من تلك الأخطاء والسلبيات فنقد الماضي شيء لابد منه ولكن الأهم من النقد هو كيف يمكن لشباب هذا الجيل بتقديم البديل الافضل في صنع تاريخ جديد لجنوب جديد يتسع الجميع ويحقق لهم الحياة الحرة الكريمة جنوب يسوده الحب والسلام ...
والسؤال هل فعلا تعلمنا من أخطاء الماضي؟ ؟.
المتبع للواقع السياسي الجنوبي يلاحظ مع الأسف أننا لم نتعلم بل نعيد إنتاج الماضي وأن اختلفت التسميات فلا زالت العاطفة الثورية في المزايدات بالشعارات والقفز عن الواقع وثقافة التخوين وجلد الذات وعدم احترام وقبول الآخر والعصبية الخ.. تتحكم في الشارع السياسي الجنوبي وتدفع فيه مرة أخرى نحو الضياع والمجهول فلازالت العقول الجنوبية مغيبة وغير مسموعة التي يمكن ان يعتمد عليها في إنقاذ الجنوب وبناء جنوب جديد ...ولذلك فانه لا يمكن للعقلية والشعارات التي كانت سببا في صراعات وضياع الجنوب ان تستعيده وان تبنيه ....