المطرب الأصيل فرسان خليفة، الصوت الرخيم الشجي عذب النبرات، البلبل الطروب وشادي الألحان الذي أطربنا منذ مطلع الستينيات من القرن المنصرم بعديد الأغنيات الوطنية الثورية ،وبروائع عاطفية جميلة لا تنسى، أنتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الثلاثاء ال22 من نوفمبر 2016م في أحد مستشفيات الإمارات العربية المتحدة ، بعد معاناة من المرض، ورحلة حياة امتدت نحو سبعة عقود بحلوها ومرها، ومشوار غنائي متميّز زاخر بالأبداع والعطاء والتجديد الفني الخلّاق والإيمان الراسخ بحب الحياة والوطن والناس، وكل ما هو جميل وإنساني في الحياة، امتد لنحو خمسة عقود منذُ بداية شبابه في نهاية الخمسينات و مطلع الستينات من القرن المنصرم حين بدأ أولى خطوات مشواره مع الغناء والطرب غناءً وتلحيناً في مسقط رأسه مدينة عدن ،التي كانت حينها دوحة اليمن والجزيرة والخليج الثقافية والفنية والإعلامية، وملتقى لرواد الفكر والثقافة والفن، وعشاق الحرية والحياة المدنية، ومروراً بفترة دراسته في القاهرة، وتنقّله في الستينيات بين صنعاءوالقاهرة ، وزياراته للغناء في عدد من البلدان العربية منها ، العراق - قطر والكويت ، واستقراره بعد ذلك في دولة الإمارات في الربع الأول من عقد السبعينات، حتى وفاته . فمن هو الشادي الطروب - فرسان خليفة- الذي غنّى للحب والأرض والإنسان وللثورة والوطن، وقدّم أروع الأغنيات الوطنية، وأعذب الألحان والأغنيات الموضوعية والعاطفية، وكيف كانت بداية شهرته، وماهي محطات حياته الخاصة والفنية، وماذا قدم خلال مشواره الفني والغنائي ؟
هو فرسان عبدالله حسن خليفة الشهير باسم فرسان خليفة ..
ولد في منطقة (كريتر)، في مدينة عدن عام 1941 م ، ودرس مراحل التعليم النظامية فيها ، ودرس الموسيقى في القاهرة بعد حصوله على منحة دراسية عام 1960م .
استقر عام 1972م في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ فعمل موظفًا في هيئة الهجرة والجوازات حتى أحيل للتقاعد.
تزوّج من سيدة عراقية فاضلة (رحمها الله ) وأنجبت له أربعة أبناء (الشاعرة برديس, والإعلامية دارين، وعامر , وأحمد ) .
بدأت شهرة المطرب المبدع فرسان خليفة في مدينة عدن، وبدأ الغناء وهو في سن صغيرة , حيث كان يشارك في إحياء الأنشطة الفنية المدرسية , وكانت مدرسة ( البادري) الثانوية هي نقطة البداية الفنية له , لاحتوائها على مسرح كبير , يقدم فيه الطلبة أنشطتهم , وتقام على خشبته مختلف الحفلات الفنية . وبعدها أعطاه الشاعر الكبير الراحل محمد سعيد جرادة اول كلمات عاطفية.. وهي أول اغنية سجلت له من إذاعة عدن . الاغنية اسمها «مثل القمر».. وكلماتها تقول: حيّا ومرّْ مثل القمر من شاهده لما خطر قلبي وقف له وانتظر.. ودق ناقوس الخطر جاهل غرير حسنه مثير قلبي يطير لما أراه..
شدا فرسان خليفة للثورة والوطن، وقدّم أغنية وطنية من كلمات الشاعر احمد الجابري بعنوان «ثورة شعب» وهو في الخامسة عشرة من عمره قبل أن يقدّم أغاني وطنية في القاهرةوصنعاء .. تقول مطلع الأغنية : من دم الحر اسقها واستمت يا وطني ثورتي فامض بها عزة لليمن .. أثناء دراسته الموسيقى في القاهرة تعرف على كبار الفنانين هناك؛ أمثال: (فريد الأطرش)، و(عبدالحليم حافظ)، و(نجاة الصغيرة)، و(محرم فؤاد)، و(فايدة كامل)، و(ليلى نظمي)، و(وردة الجزائرية)، وربطته بهم صداقات حميمة، ومشاريع فنية عديدة ..
غنّت من ألحانه الفنانة الكبيرة فائزة أحمد من كلمات الشاعر الكبير الدكتور سعيد شيباني الرائعة اليمنية (جاء الشباب أو يا أخي الصغير ) وقدّمتها للجمهور العربي من إذاعة صوت العرب في الستينيات بصورة رائعة.
تقول بمطلعها : جاء الشباب يا مرحباً بنوره يا سعد من يقطف لنا زهوره كما غنّت من ألحان فرسان خليفة أيضاً الفنانة المصرية (شريفة ماهر) رائعة ( نجم الصباح بكر ) للشاعر اليمني الراحل عبدالله سلام ناجي بصوت وأداء جميل ورائع .. نجم الصباح بكر بكر سحر يلألئ ليته كان يدري يد ري بيمو جرى لي خلي أنا يا ناس من شخبره بحالي صبري خلاص وأنا وأنا أسهر الليالي..
وكان هناك تعاون فني بينه وبين الفنان محرم فؤاد في أغنية "كيف تنسينا الليالي" من كلمات قيس غانم نعمان , والفنانة نجاة الصغيرة في أغنية "ياما كنا حبايب " كلمات الشاعر اليمني زكي بركات , إلا أن هذان العملان الفنيان لم يجدا طريقهما الى النور بسبب عودة الفنان فرسان الى وطنه . غَنَّى للثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر , منذ ستينيات القرن الماضي , وغنّى للمرأة والفلاح والراعي والمغترب ولغيرها من القضايا الاجتماعية .
طَرَّب وترنَّم لعدد من الشعراء اليمنيين الكبار ؛ مثل: (محمد سعيد جرادة)، و(أحمد الجابري)، و(قيس محمد عبده غانم)، و(عبدالله سلام ناجي)، و(عبدالله عبدالكريم )، واحمد شريف الرفاعي ومحمد شفيق ، وشكّل ثنائيًا فنيًا مع الشاعر الكبير الدكتور (سعيد الشيباني).
أنشد أول أغنية وطنية وارسلها الى صنعاء عبر «صوت العرب» عقب قيام ثورة 26سبتمبر بأيام من كلمات قيس غانم نعمان بعنوان «الثورة اليمنية» وخلال ثلاثة أيام لحنّها، وأُرسلت عبر «صوت العرب» الى اليمن لإذاعتها تقول كلماتها : الثورة اليمنية ذي وثبة عربية عنوانها الحرية والعزة القومية لا قبلية لا عصبية كلنا أمة عربية
كان من ضمن الفنانين المشاركين في إحياء احتفالات أول عيد لثورة 26 سبتمبر الخالدة عام 1963 م في مدينة صنعاء . وقدم اغنية (حيّ نصر الشعب ) من كلمات قيس غانم نعمان تقول كلمات الاغنية : حيّ نصر الشعب في اليمن السعيد ان صنعاء اليوم على عهد جديد وانثر الزهر أكاليل الورود فدم الثوار في ارض الخلود واسمع الدنيا أهازيج الوجود قد مضى الظلم توارى في اللحود
وتنقّل فرسان خليفة في الستينيات بين صنعاءوالقاهرة ، وأثناء حصار السبعين زار وغنى الفنان فرسان خليفة والفنانون الآنسي والحارثي والسنيدار معاً في المعسكرات وعدد من المحافظاتاليمنية .. ومن الأغنيات الوطنية التي قدمها أغنية (حنَّت رعود) للشاعر سعيد شيباني يقول فيها: حنَّت رعود على حرض وصرواح سقى الجرب سيله كبير وربّاح إبْ الغروب وشرقي المشنة صوت الحبيب من سفح صنعاء غنىَّ حبيبي حبك عليَّ سُنَّة أرضي بقت بعد الإمام جَنّة
أشتهر الفنان المبدع فرسان خليفة بأداء الأغنية الوطنية، وكانت الأغنية العاطفية بالنسبة له شيئاً مضافاً وكان اهتمامه كله للأغنية الوطنية منذ بدايته الفنية عام 1962م ، ومن أروع تلك الأغنيات « ريح الشروق» .. كلمات: د/ سعيد الشيباني تلحين : فُرسان خليفة .
أداء: فُرسان خليفة والمطرب المصري جلال فكري والمطربة الشامية رويدا عدنان والمجموعة .. و«ريح الشروق» بحسب المطرب (فرسان ) في لقاء له مع صحيفة 26سيتمبر، فيها سمة الاهزوجة الشعبية وفيها تغيير المقامات والايقاعات والكورس.. وكأنها دويتو .. تقول بعض كلماتها : أحبابي يا أحبابي يا صبايا يا صبيان يا شراح يا رعيان في((قرات)) وفي ((وعلان)) الخدين طلع الكادي والعينين ك ( المشنجان) يا حبيبي في الوادي يا مليح يا فتان بلغ حبي لأحبابي في عدن وفي ((ردفان)) هبهم شعري كلماتي ((بازوكا)) ضد القرصان وأبعث لأهلي أشعاري في ((عرش)) أرض الخلان وَىْ جنني قد جنني بالحواجب والأعيان وَىْ ((نعامة)) شلتني من ((سطوح)) إلى ((ذبحان))
ومن أغانيه أيضا التي فيها تغيير المقامات والايقاعات والكورس، أغنية «يا رشا يا باردية» وهي أغنية طويلة تقول كلها: يا رشا يا بأردية شربة البارد هنية يا نسيم الفوج اضرب من جناب الوازعية انا غنيت لشعبي لصبي وصبية لمواويل الرعاة للأغاني الغزلية لحقول البن تجنى بأيدي يمنية ولفلاح بلادي وبلادي العربية
ومن كلمات الشاعر الكبير الراحل محمد عبده غانم لحّن ووزّع ( أغنية طويلة ) دويتو منوّع فكرته كانت قائمة على عملية فدائية ناجحة، وقدمه المطربان محمد صالح عزاني وابو بكر سكاريب والمطربة صباح منصر .
تقول بعض كلماته : يا هلا.. يا هلا بالطرب والسلا سير.. سيرة دلى.. في المدن والخلا غني لحن الوطن.. في بلادنا اليمن في تعز في تبن.. في صنعاء في عدن قل لهم يا رجال.. يا رفاق النضال لا جنوب لا شمال.. طاب طاب النزال قل لشعبي البطل.. حان وقت العمل من أغانيه الشهيرة أيضا (من فوق جبل شمسان ) ورائعة (طير الحمام ) للشاعر الكبير سعيد شيباني ،التي لم تخلو أيضا من النّفس والهم الوطني والاجتماعي، وغيرها من الروائع الغنائية الوطنية . طير الحمام.. قم رتل الأغاني وافرد جناح وردني يماني صوت المذيع من بلدتي أتاني إلى الرجوع.. لموطني ..دعاني
من الأغاني العاطفية للمطرب المبدع فرسان خليفة (حيا ومر مثل القمر)، تلاها أغنيات عديدة قدّمها في فترات مختلفة مثل (ألا يا طير خبرنا) (جبل صبر) - (زين الورود يا فل)- (حامل الجرة)- (ظبي الفلا ) – (قُمري من وادي بنا ) - (إيش أقول لك)- (خائف أحب ) –( حكاية حب ) –( أتذكرك ) - ( أنا مشتاق)- ( غريب) (صدقيني) – (ضوء الصباح )- (يالله رضاك)- ( يا قلب مالك ) – ( يا حبايب ) و(الليل بعيونك سهرني ) وغيرها من الروائع.
كما قدّم أغنية الدودحية الشهيرة للشاعر الراحل عبدالله سلام ناجي، التي جمعت بين الهم العاطفي وبين المعاناة الناتجة عن القهر الاجتماعي ، بانسياب غنائي جميل ، أداه المطرب الكبير فرسان خليفة بلحن وبصوت جميل.. غدّر عليّ بوادي الدودحي ورده فراجم وغصنه مستحي ومن تصدع قلبيه ما يحي أمان يا نازل الوادي أمان يا دودحية أنا بعمك أنا أنت اللي تدري بمو تم بيننا لا الذنب ذنبك ولا ذنبي أنا ذنب الذي من دجا الباب ردنا
غنّى في عدد من البلدان العربية منها ، العراق - قطر والكويت ، وفي دولة الإمارات التي أستقر فيها تعرّف على أسماء فنية كثيرة، ولحّن أغاني عديدة لعدد من الفنانين ، وظل مرتبطًا ببلاده اليمن، يشارك في المناسبات الوطنية كلما سنحت له الفرصة بذلك.
حصل على عدد من الجوائز الفنية؛ منها : جائزة أفضل صوت عربي إلى جانب المطربتين الجزائريتين (وردة)، والتونسية (علية) في مسابقة في مدينة القاهرة مطلع الستينات ،شارك فيها عدد من الفنانين العرب؛ مثل (محرم فؤاد)، و(ليلى نظمي)، و(طلال المداح)، و(موفق بهجت)، وقد كتبت الصحف المصرية عن هذه المسابقة حينها . كُرّم من قبل رئاسة الجمهورية عام 1999م بمنحه وسام (الوحدة) ، ثم وسام (الاستقلال) الوطني، كما كُرم من قبل وزارة الثقافة والسياحة بمنحة درع الثقافة عام 2005م ،
لقد شدا ( بلبل اليمن وشاديها الطروب ) الرائع الراحل فرسان خليفة (رحمه الله )خلال مسيرته الفنية الطويلة، التي امتدت نحو 50 عاماً بعدد كبير من الأغنيات، فأطرب وأسعد، وغرّد بعذوبة صوته وألحانه وعبق كلمات أغنياته لكل قرى ومناطق ومدن اليمن، أرضاً وانسانا ، حباً وأحلاما، وأسهم في تطوير الأغنية اليمنية والتعريف بها عربياً، وأثرى ورفد مكتبة الغناء اليمني بأروع الأغاني والألحان الوطنية الحماسية والعاطفية، وقد أحسنت الإعلامية والشاعرة برديس فرسان خليفة صنعاً بنشر السيرة الذاتية والفنية المختصرة لحياة والدها الراحل على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي ( فيسبوك ) ونتمنى أن تواصل الشاعرة برديس نشر المزيد عن حياته الفنية، خاصة ما يتعلق بأعماله الغنائية المسجّلة غير المنشورة في المواقع الفنية والمكتبات الغنائية على شبكة الأنترنت، لتبقى أغانيه وألحانه المتفرّدة المحفورة في ذاكرة الأجيال اليمنية ، والخالدة في الوجدان وفي عقول ونفوس كل محبيه وكل محبي الفن الأصيل، نبراساً للأجيال الصاعدة والقادمة . * من نجيب محمد سعيد