يعتقد جازماً بأنه هو وحده على الطريق الصحيح أما الذين يخالفونه فهم تائهون وحمقى وضالون وتافهون ولا يكتفي القطار بأن يحجر على نفسه داخل هذا الوهم الفظيع وإنما يتوهم أن المخالفين له خطر عليه ، وأنه لا بد من استئصالهم ومنعهم من التعبير عن أنفسهم ،فقد كانت أوروبا في العصور الوسطى والمظلمة غارقة في التعصب ثم شفيت منه بعد مخاضات عسيرة ولم تكتف بأن تكف عن الاقتتال الأرعن وإنما حزمت أمرها بأن تتحد فحققت بذلك أكبر إنجاز بشري إذاً النجاح باالأتحاد .. إننا لا نجد في التاريخ ما هو أكثر منه تسبباً بالمجادلات العنيفة والخصومات المشؤومة والحوادث المفجعة فكل من المتخاصمين يعتبر خصمه عدو لدؤد ..إن القطار يدعي الكمال ضمناً حتى لو لم يعلن ذلك صراحة فهو واثق من صحة تصوراته وآرائه ومواقفه ثقة مطلقة مع أن كل جيل لم يكون ثقافته بنفسه وإنما ورثها عن الجيل الذي قبله فكل جيل يتلقى التعصب من سلفه وكل فرد في هذا المجتمع المجتر المغلق لم يصل الى هذه التصورات والآراء والمواقف عن طريق الدراسة والبحث والاستقصاء وانما تبرمج بها انسياقاً مع السائد فقد اخذها تقليداً ومحاكاة وامتصها من البيئة ..
أن القطار لا يرى ولا يسمع ولا يقرأ ولا يحس الا ما يؤكد تصوراته المطلقة ولا يتقبل الا ما يرسخ قناعاته المتحجرة لذلك لا يطبق رؤية المخالفين ويصاب بالرعب والانفعال اذا سمع او قرأ ما يخالف شيئاً مما لديه ومع وثوقه المطلق بتصوراته الا انه يرتجف خوفاً عليها فيتوهم ان العقائد الراسخة يمكن ان تهتز لمقالة ناقدة .. المعضلة انه إذا كان المرضى يسعون لطلب العلاج فإن مرضى التعصب سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات لا يعترفون بمرضهم بل يتوهمون أنهم الأكثر عافية فهم يسعون لضم الآخرين إليهم أما أن يسعوا للتخلص من كارثة التعصب فهو محال لأن المتعصبين لا يدركون تعصبهم ولا يعترفون به بل يرون أنهم على الحق المبين وأن غيرهم في الضلال يعمهون ..