الحاكم اليمني النازح الذي عجز عن تحرير أرضه لم ولن يوفر الخدمات لأرض غيره    الأحزاب اليمنية حائرة حول القضية الجنوبية.. هل هي جزئية أم أساسية    العليمي يعمل بمنهجية ووفق استراتيجية واضحة المعالم لمن يريد ان يعترف بهذه الحقيقة.    هل ستُصبح العملة الوطنية حطامًا؟ مخاوف من تخطي الدولار حاجز 5010 ريال يمني!    في ذكرى عيد الوحدة.. البرنامج السعودي لإعمال اليمن يضع حجر الأساس لمشروع مستشفى بمحافظة أبين    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    خبير جودة يختفي بعد بلاغ فساد: الحوثيون يشنون حربًا على المبلغين؟    الرئيس رشاد العليمي: الوحدة لدى المليشيات الحوثية مجرد شعار يخفي نزعة التسلط والتفرد بالسلطة والثروة    الرئيس العليمي : قواتنا جاهزة لردع اي مغامرة عدائية حوثية    رئيس إصلاح المهرة: الوحدة منجز تاريخي ومؤتمر الحوار الوطني أنصف القضية الجنوبية    الرئيس العليمي يبشر بحلول جذرية لمشكلة الكهرباء    جماعة الحوثي تعلن الحداد على ل"7 أيام" وتلغي عيد الوحدة اليمنية تضامنا مع إيران!    "العدالة تنتصر.. حضرموت تنفذ حكم القصاص في قاتل وتُرسل رسالة قوية للمجرمين"    "دمت تختنق" صرخة أهالي مدينة يهددها مكب النفايات بالموت البطيء!    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    قيادي إصلاحي: الوحدة اليمنية نضال مشرق    إيقاد الشعلة في تعز احتفالا بالعيد الوطني 22 مايو المجيد والألعاب النارية تزين سماء المدينة    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    الونسو: اتالانتا يشكل تهديدا كبيرا    أبين.. منتخب الشباب يتعادل مع نادي "الحضن" في معسكره الإعدادي بمدينة لودر    الوزير الزعوري يناقش مع وحدة الإستجابة برئاسة مجلس الوزراء الملف الإنساني    وزير الشؤون الاجتماعية يشيد بعلاقة الشراكة مع اليونيسف في برامج الحماية الإجتماعية    التعادل يسيطر على مباريات افتتاح بطولة أندية الدرجة الثالثة بمحافظة إب    القبض على متهم بابتزاز زوجته بصور وفيديوهات فاضحه في عدن    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف من رفع الفائدة الامريكية على الطلب    الامين العام للجامعة العربية يُدين العدوان الإسرائيلي على جنين    لاعب ريال مدريد كروس يعلن الاعتزال بعد يورو 2024    المبعوث الامريكي يبدأ جولة خليجية لدفع مسار العملية السياسية في اليمن مميز    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الوزير البكري يلتقي رئيس أكاديمية عدن للغوص الحر "عمرو القاسمي"    تناقضات الإخواني "عبدالله النفيسي" تثير سخرية المغردين في الكويت    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن حملة علاجية مجانية لمرضى القلب بمأرب    "وثيقة".. كيف برر مجلس النواب تجميد مناقشة تقرير اللجنة الخاصة بالمبيدات..؟    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغتنا المهدور دمها
نشر في عدن الغد يوم 01 - 10 - 2017


بقلم: صبحي فحماوي
لا أعرف ما إذا قال طه حسين عبارته "لغتنا الجميلة" لأنها كانت جميلة بسيادتها على نطق العرب وكتابتهم، أم لأنه كان يشعر باستضعافها، فأراد أن يدعم تقويتها وسيادتها على سائر اللغات التي كانت ولا تزال تغزو لغتنا في الوطن العربي.
ولا أفهم سر ابتعادنا عن لغتنا الجميلة، سواء بالحديث أو بالكتابة، في الوقت الذي يصر غيرنا في كل بلد أجنبي على أن يتكلم كل بلغته الوطنية.. فمنذ أن كان العثمانيون يضموننا لإمبراطوريتهم، كنا نتكلم كثيرا من كلماتهم التي لا نزال نستخدمها مثل أفندي، وبيك، وباشا، وكلمة طز، التي معناها ملح وغيرها كثير.
ومنذ أن كان الإنجليز يستدمروننا ولا أقول يستعمروننا، صرنا نستخدم في الشارع كثيرا من كلمات لغتهم.. مثل؛ يس بدل نعم، أوكي بدل موافق، ترين بدل قطار، وهكذا....
وأما عن البلاد العربية التي استدمرها الفرنسيون، فحدث ولا حرج..إذ كانت اللغة السائدة في بلدان المغرب العربي هي الفرنسية، ولا يزال ذلك في بعضها، وحتى اليوم، تذهب إلى المغرب العربي، فلا تفهم من كلماتهم الدارجة سوى القليل، والباقي كله بالفرنسية.
وفي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، كانت معظم لافتات المحلات التجارية في دول الخليج الواقعة على شواطئ الخليج، مكتوبة باللغة الباكستانية أو الإيرانية، أو الهندية.
وبالمقابل تذهب اليوم إلى تركيا، فلا تجد أحدا يتحدث بلغة غير التركية، رغم أن لغتهم قد تم تركيبها في عهد مصطفى أتاتورك بحروف أوروبية، بعد نهاية الحرب العالمية. وكانت قبل ذلك بحروف عربية. تسألهم عن أي شيء فلا يجيبونك بغير التركية، تجدهم هم الذين يحتاجونك لتشتري منهم، ولكن اعتزازهم بلغتهم أهم عندهم من البيع الذي هو عصب تجارتهم.
تذهب إلى فرنسا، فتجد الفرنسيين المُتّحدين مع الأوروبيين في "الاتحاد الأوروبي" لا يتحدثون إلا بلغتهم.. فلا يعتمدون الإنجليزية ولا غيرها في الحديث، حتى الحديث السياحي لديهم بالفرنسية.
وفي إيطاليا ذهبت إلى صيدلية أشتري دواء، كلمتها بالإنجليزية التي أعرفها - طبعا انس اللغة العربية، فهي كالعملة غير المستعملة - قلت أتحدث بالإنجليزية. ولكن الصيدلانية رفضت الحديث إلا بالإيطالية رغم حاجتها لبيع أدويتها.
وكان الذي حصل معي في ألمانيا شيء لا يصدق..إذ كنت قد نزلت وحدي في محطة قطارات فرانكفورت، قادما من مؤتمر تجاري في برلين، وأنا لا أعرف اللغة الألمانية. ومن هنا سأتجه إلى المطار للسفر إلى عمان. سألت رجلاً ألمانياً بالإنجليزية عن مكان ركوب قطار الأنفاق، الذاهب إلى المطار، فأشير لي أنه لا يعرف! سألت آخر، فأجاب بالإشارة نافياً معرفته! سألت سيدة تسير مستعجلة أمرها، فلا تتوقف، فأشارت برأسها بعدم المعرفة. حفي لساني لتكرار السؤال لعدة أشخاص. ولكن أحدهم تكرم عليّ فأشار بإصبعه إشارة دون حديث، أن استعلامات المحطة هناك.. استغربت الأمر.. هل يُعقل أن الناس كلهم الذين تغص بهم هذه الساحات لا يعرفون كلمتين بالإنجليزية، وليست العربية المغضوب عليها، والتي سامحْنا بها، فرَطنّا بغيرها، ليدلني أحدهم على الطريق؟ وهل هناك عداء بين اللغتين الإنجليزية والألمانية، كي يرفض الألمان تقديم المساعدة المعلوماتية بتلك اللغة؟
أحمل حقيبتيّ غير المتوازنتين بثقليهما نحو استعلامات فرانكفورت. صف طويل، أقف فيه في انتظار الوصول إلى مصدر المعلومة. نصف ساعة من التقدم في الصف.. خطوة خطوة. أصل إلى الكوخ، فأسأل بالإنجليزية الرجل المنهمك داخله بخرائطه وبنظارته التي يشغله خلعها ثم تثبيتها فوق أنفه الشَّعور، وبسماعته التي يتحدث بها من وراء زجاج ثقيل عن كيفية وصولي إلى المطار، فيشير شَعورُ الأنف بإصبعه إلى أعلى. أنظر إلى أعلى، فأقرأ بالإنجليزية:
"الاستعلامات باللغة الألمانية فقط! (Information only in German language)" يصدمني ما أقرأ! يخنقني هذا الضياع وسط مدينة تغص بالأجانب!
وبالمقابل فإذا مشيت في شوارعنا في أي بلد عربي، ولنأخذ عمّان مثلاً، تجد أن معظم لافتاتها التجارية مكتوبة باللغة الإنجليزية، رغم أن الأغلبية العظمى من زوارها هم عرب.. لماذا تزين المحلات التجارية بهذه اللغة الأجنبية؟ أنا لا أفهم..! ولماذا يتحدث حتى السوقيون في الشوارع في بلادنا باإنجليزية؟ أنا لا أفهم!
وكنا نحن في رابطة الكتاب الأردنية قد ذهبنا إلى أمين عمان الأسبق، وطلبنا منه تعريب اللافتات التجارية، أو على الأقل وضع رسوم مضاعفة على اللافتات المكتوبة بلغة أجنبية، لعل البلدية تستفيد من هذا الريع، فتقلُّ اللافتات الأجنبية. فقال لنا أنه يريد أن تكون عمان مدينة (كوزموبوليتانية).
ما معنى كوزموبوليتانية؟ ولماذا نريدها أن تكون كوزموبوليتانية وليست عربية؟ أنا لا أعرف.
ولترسيخ استخدام اللغة الإنجليزية شعبيا، انتشرت المدارس الإنجليزية الهوى واللسان في كل مكان.. تسألهم: "لماذا يتم نشر اللغة الأجنبية بهذه القوة؟" يقولون: "نريد أن يكون أولادنا أقوياء في اللغة عند دخولهم الجامعات.."
وبالصدفة تحدثت مع دكتورة تُدرِّس في الجامعة الأمريكية في عمّان، قالت لي إنها تضع أولادها في مدرسة عربية..سألتها، وكيف سيفلحون عند دخولهم جامعتك الأميركية لاحقا؟ فقالت إنها وجدت أن طلاب الجامعة المتخرجين من مدرسة عربية، يجيدون اللغة الإنجليزية في الجامعة، مثل، ولا أقول أحسن من الطلاب القادمين من مدارس إنجليزية.
إذن ما المشكلة؟ يبدو أننا نعود في التفسير لقول ابن خلدون في مقدمته، إن المغلوب يقلد الغالب في كل شيء...قلت: "ليتنا نقلد الغالب في صناعته وتجارته .. ولكننا نقلده بمزيد من الانبطاح مع سبق الإصرار والترصد. يا ويلنا من مستقبلنا المهدور."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.