صباح اليوم وبينما كنت ذاهبا لامتحان طلبتي في فلسفة العلوم للدور الثاني، أخبرني مدير مكتب العميد سعد هود سالم بان هناك وفد إعلامي من التليفزيون التشيكي، يريد مقابلة عمادة الكلية، والسيد العميد أ.د. علي عمر مبلغ غير موجودا، هل يمكنك التحدث معهم؟ رحبت بالفكرة وانتظرت في مكتب العميد حتى انهت الزميل د. رضية باصمد استاذ علم الاجتماع الطبي مقابلتها مع مراسل القناة، وانتقلنا الى مكتب الشؤون الأكاديمية لإجراء المقابلة. رحبت برئيس الوفد وعرفني عن نفسه وزملائه قائلا: أنا الدكتور ياكوب سانتو، اختصاص فلسفة حديثة ومراسل التلفزيون التشيكي في الشرق الأوسط واتعلم اللغة العربية، أتيت اليكم لكي أعرف ماذا يدور في اليمن؟ وكان المترجم هو صالح البطاطي استاذ اللغة الانجليزية في الكلية والمصور التشيكي Marek مارك وحارس طيب اسمه محمد باعزب. قلت له اهلا وسهلا بموطني ميلاد كونديرا، ابتسم وعقب نعم هو روائي تشيكي فرنسي مشهور. وعرفته عن نفسي ثم بدانا المقابلة بسؤال ذات طابع فلسفي قائلا : اريد أن افهم الصورة الكلية لما يدور في اليمن، ماذا يحدث ومن يحارب من؟ من حسن حظي أنني كنت البارحة أكتب ورقة عن طبيعة الأزمة اليمنية، استحضرت ما سطح بالذاكرة وكان جوابي على النحو الأتي: يعيش اليمن منذ أكثر من نصف قرن، أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية بنيوية معقدة ؛ إذ رغم مرور ستة عقود على الثورتين؛ ثورة 26سبتمبر 1962م ضد الحكم الإمامي في صنعاء عاصمة الشمال وثورة 14أكتوبر 1967م ضد الاستعمار البريطاني في عدن عاصمة الجنوب وإعلان الجمهوريتين؛ الجمهورية العربية اليمنية في صنعاء وجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في عدن ومسيرتهما المضطربة حتى إعلان مشروع الوحدة الاندماجية في 22مايو 1990م في إطار كيان سياسي جديد هو (الجمهورية اليمنية) وما تلاها من أزمة وحرب أهلية في صيف 1994م ومن ثم انتفاضة الحراك السلمي الجنوبي التي تصاعدت منذ 2007م وحركة الشباب المؤمن (أنصار الله) في صعده وما تلاها من الحروب الستة في شمال اليمن وقيام انتفاضة شباب التغيير في فبراير 2011م والمبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني برعاية الأممالمتحدة مرورا بصعود الحركة الحوثية كقوة عسكرية وتحالفها مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وانقلابهما على الرئيس عبدربه منصور هادي والشرعية التوافقية وإعلانها البيان الدستوري في 6فبراير 2015 ووضع الرئيس الشرعي تحت الإقامة الجبرية وهروبه إلى عدن ونشوب الحرب الطائفية الأخيرة ودخول القوى الانقلابية إلى عدن في 25مارس 2015م وبداية عاصفة الحزم من تحالف الدول العربية في 26مارس 2015م، واشتداد اوار المعارك في الجنوب ( عدن ولحج والضالع وابين وشبوة وحضرموت) وتحريرها من المليشيات وصعود قوة المقاومة الجنوبية المسلحة وإعلان عدن عاصمة مؤقتة للشرعية، وتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي والجمعية الوطنية، وتفكك تحالف طرفي الحرب في صنعاء ومقتل الرئيس المستقيل علي عبدالله صالح بتاريخ 4/12/2017م وأزمة حكومة الشرعية في إدارة المناطق المحررة، وما صاحبها من نزاع عنيف في عدن مؤخرا. ومفاوضات السلام برعاية عربية في الكويت، ومؤتمر جنيف 16 يونيو 2015م وما تلاه من مشاورات ولقاءات متعددة بين الأطراف المتنازعة في مسقطوجده وعمان وغيرها، جميعها بائت بالفشل. في ظل استمرار أعمال النزعات المسلحة على مدى ثلاثة سنوات متواصلة، تسببت في موت عشرات الالف من الضحايا المدنيين اغلبهم من النساء والأطفال، عن طرق القتل المباشر، وبحسب (مكتب المفوض السامي الأممي لحقوق الإنسان، بلغ عدد القتلى من بداية العاصفة إلى 10 أكتوبر 2016م (4125) مدنيا على الأقل، وعدد الجرحى ( 7207)، أصيب أغلبهم في غارات التحالف الجوية). وربما تضاعف عدد ضحايا القصف الجوي اليوم ثلاث مرات، فضلا عن ضحايا المعارك المشتعلة بين الأطراف المتنازعة في جبهات القتال على عموم الأراضي اليمنية جنوبا وشمالا ناهيك عن ضحايا الفقر والجوع والعطش والامراض والاوبئة والنزوح والاختطاف والإرهاب. إذ تشير التقارير الميدانية الى أن النزاع المسلح في اليمن منذ اندلاعه في مارس 2015، قد أُجبر أكثر من 11% من سكان اليمن، أي حوالي 3 مليون شخص، على الفرار من منازلهم بحثاً عن الأمان. وقد أشار تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الصادر يوم الاثنين الموافق 18 سبتمبر 2017 أن هناك 2 مليون نازح داخلياً في اليمن ومليون نازح عائد وأن الكثير من النازحين داخلياً يفكرون، نظراً لاستمرار تدهور الأوضاع في البلاد، في العودة إلى مناطقهم التي لا تزال تشهد ظروفاً أمنية واجتماعية واقتصادية صعبة، ويشير التقرير الى أن 84% من النازحين يعانون من نقص الغذاء وسوء التغذية، كما يسلط التقرير الضوء على أن 40% من النازحين ينون الرجوع إلى المناطق التي فروا منها نتيجة عدم حصولهم على الدخل والخدمات الأساسية في مناطق النزوح وهو السبب الأساسي الذي يدفع النازحين داخلياً إلى العودة إلى مناطقهم الأصلية. الدكتور ياكوب، أعاد طرح السؤال بصيغة أخرى قائلا: بعد اغتيال علي عبدالله صالح في صنعاء وتفرد الحوثي بالقوة هناك ووجود الحكومة الشرعية في عدن وصراعها مع المجلس الانتقال وما شهدته عدن قبل أسابيع من احداث مؤسفة كيف يمكن تفسيره ومن يحارب من في اليمن الآن ؟! قلت له هذا السؤال يفترض أن يوجه للحكومة الشرعية بالأساس ومع ذلك دعني أقول لك ما اعتقده بوصفي مواطنا وليس نائبا للعميد، فكان جوابي، أن الوضع الحالي للحرب شديد التعقيد والضبابية بسبب تعدد الأطراف المتنازعة والفاعلين الإقليميين والدوليين وأعتقد ولا أجزم بأن الأمور أخذت تسير نحو اضمحلال الشرعية اليمنية التي اثبتت فشلها الذريع في إدارة الأزمة اليمنية واختبار ومنح الفرصة للمشاريع الجديدة التي برزت في صنعاءوعدن لتأكيد شرعيتها وقدرتها على إدارة الأمور في حدودها التي آخذت ملامحها تتضح للفاعلين الدوليين كما يبدو من تقرير مجلس الأمن الآخير. وهكذا هي طبيعة الحروب نعرف بدايتها ولا نعلم حقيقة نهايتها ونتائجها! إذ افرزت الحرب اليمنية طبيعة ونمطا تتداخل فيه المصالح والأهداف وتتعارض بين عددٍ من الأطراف على مختلف الصُعد المحلية والإقليمية والدولية في آن واحد. وذلك ما زاد من مستويات الإرباك والتشتت، ليصبح من الصعب لأي طرفٍ سياسي التفرد أو الاستئثار بالسلطة والقرار وإقصاء الآخرين أو ترضيتهم بالفتات، فقد أصبح لدى كل طرف ما يرتكز عليه من مصادر القوة التي تجعل منه عنصرا فاعلا ومؤثرا بالإيجاب أو السلب. وسيجد المتتبع لتجليات المشهد السياسي اليمني، أن هناك الكثير من المتناقضات التي تجعل من الصعب الوصول إلى حل عسكري، يمكن أحد الأطراف من حسم المعركة لصالحه والتغلب على الطرف الآخر. ولعل أبرز تلك المتناقضات تتمحور في الآتي: - تعدد الأطراف المتصارعة محلياً واختلاف أهدافها وتوجهاتها وإن كانت تتفق مع بعضها حول بعض النقاط فإنها تتقاطع وتتعارض في نقاط أخرى، ولدى كل طرف منها الاستعداد لخوض حرب مع أحد حلفائه، في حال وجد أن ذلك الحليف قد يعيق أهدافه. - تعدد الأطراف الدولية التي لها تدخلات بارزة في الساحة اليمنية، ما يعني استناد كل طرف من أطراف النزاع المحلي إلى حليف دولي يقف خلفه ويمنع سقوطه. - تداخل مصالح الدول المؤثرة على الساحة اليمنية وتعارضها في آن واحد، ما يجعل من القوى المحلية وكلاء للاقتتال بالنيابة عن حلفائهم الخارجيين. - يلعب الاقتصاد السياسي دورا فاعلا في رسم معالم العلاقات السياسية، سواءٌ على صعيد علاقة الأطراف المحلية فيما بينها، أو بما يربطها من علاقات بالخارج، وعلى قدر المنافع المتوقع تحققها لكل طرف تتحدد مستويات الدعم المقدم وحدود السيطرة والنفوذ. ويأتي ذلك لكون النظام اليمني ليس نظاما مؤسساتيا، بل هو مجرد إقطاعيات تتقاسم حكمها أقطاب وقوى النفوذ المحلية، وتتسع سطوتها ونفوذها بقدر ارتباطاتها بمصالح وعلاقات مع الخارج وبما تقدمه من تسهيلات لقوى وشركات دولية، بالشكل الذي يضمن احتكار تقاسم السلطة والثروة بين عددٍ محدود من القوى والشخصيات المحلية، وهي نفس الوجوه التي تمكنت خلال العقود الثلاثة الماضية من حكم صالح أن ترسي أسسا صلبة تضمن بقاءها متربعة على عرش الاقتصاد والسياسة المحلية، ما لم توجد قوى مجتمعية واسعة تضمن سحب النفوذ من تحت أيدي القوى التقليدية. - أصبحت الشرعية تمثل نقطة ضعف تهدد حسم الحرب، بعد إهدارها لجميع الفرص التي قدمها التحالف العربي منذ بداية الأزمة، حيث لم تستفد منها وتسخرها لحسم الصراع مع الانقلاب الحوثي، لذا فإن ما أهدرته من الفرص المتتالية التي منحت لها ستتحول إلى مخاطر تهدد وجود الشرعية، فما تشهده جبهات الحرب من جمود لدليل دامغ بأن الشرعية لا تنوي تحرير صنعاء، بل تهدف إلى استنزاف أموال دول التحالف، وذلك ما أدى إلى فقدان مصداقية الشرعية وبرزت كنقطة ضعف تهدد التحالف العربي. لذا فقد تصبح خارج حسابات التسويات العسكرية والسياسية القادمة، لأنها أثبتت فشلا ذريعا وانحسارا حادا يتزايد يوماً بعد يوم ليولد حالة إحباط يستحيل معها تحقيق أي انتصار. - تسخير الحكومة كافة مقدرات الدولة لجيش الأحمر الذي يراوح في تباب صرواح ونهم منذ أكثر من ثلاث سنوات، وإهمال وتهميش بل ومضايقة قوات الأمن والجيش الجنوبي التي لها قصب السبق وبادرة النصر، بل إنها لاتزال هي الطرف الوحيد الصادق والمتقدم والمنتصر على الأرض في كافة جبهات الحرب ضد الانقلاب، فجوزيت من قبل القوى المسيطرة على القرار السياسي في الحكومة بالإهمال والتهميش، وذلك ما تسبب بإحداث صدع في جدار القوى المساندة للشرعية والتحالف العربي. - ممارسات الحكومة القائمة على تهميش وحرمان مواطني المحافظات الجنوبية من أبسط حقوقهم، ما خلق معاناة شديدة وأوجد واقعا محبطا، أقعد أبناء المحافظات الشمالية عن نصرة الشرعية. - تساهل المملكة العربية السعودية مع ممارسات بعض القوى المسيطرة على قرار الحكومة الشرعية وعلى رأسها حزب الإصلاح، ساهم في إطالة أمد الحرب، وخلخلة أطراف الشرعية، وحال دون تحقيق أي تقدم في الجبهات التي يقودها الأحمر وقواته. - عدم استشعار الأشقاء في الشمال لما تمثله ممارسات الحوثي الحالية من مؤشرات بشأن توجهاته المستقبلية، والهادفة لإقامة دعائم دولته الطائفية المقبلة عليها، غير عابئ بمظلومية وحقوق ومصالح الشعب. - عدم التعامل مع الجنوب كشريك، والنظر إلى واقع الجنوب اليوم بنظرة واضحة تضمن الحفاظ على مصالح شعبه أولاً، ومصالح الشعبين الشمالي والجنوبي ومصالح الإقليم والعالم أجمع، في هذه المنطقة الحيوية والهامة من العالم، وبما يضمن دوام روابط العلاقات الأخوية بين الشعبين حاضراً ومستقبلاً، ويحقق الاستقلالية الكاملة للجنوب بعيداً عن تدخلات قوى النفوذ الزيدي، ويحدد بوضوح موقع الجنوب في أي استحقاقات سياسية قادمة، بما يضمن حق شعب الجنوب في تقرير مصيره، ويسهم بإيجاد معالجة عادلة للقضية الجنوبية، يرتضيها ويقرها شعب الجنوب. ومن الخطأ تصوير الاحداث المؤسفة التي شهدتها عدن قبل أسابيع بوصفة حرب المجلس الانتقال مع الشرعية اليمنية، كما يحلو لبعض اْبواق الجوقة الإعلامية الشرعية تصوير ذلك، بل هي محولات خائب لتمييع الاستحقاق الجنوبي ونضاله السلمي الطويل منذ حرب عام 1994م الغاشمة التي جرى فيها اجتياح الجنوب عسكريا وتدمير دولته وفرض الاحتلال الداخلي بالقوة العسكرية. ويفترض بالشرعية اليمنية وحكومتها وجيشها أن تصوب حرابها باتجاه من سلبها شرعيتها وعاصمتها التاريخية في صنعاء لا تجاه من قاتل معها وحرر لها المكان الذي تربض فيه الآن ومنحها شرف إعلان عدن عاصمتها المؤقتة. الحوثي المدعوم من إيران في صنعاء هو الخصم الذي يجب على الشرعية اليمنية والتحالف العربي أن يولوه الاهتمام ويتدبروا أمره معه وكل الجنوب معهم وفِي مقدمة صفوفهم، وهو بالنسبة اقرب الأهداف الى جيش الشرعية المحتشد في مارب منذ ثلاثة أعوام، وعينها على عدن المقاومة والمتحررة من زمان. هذا فحوى المقابلة واشياء واشياء أخرى لم أعد أتذكرها الآن ، واختتمت الكلام بأن اليمن اليوم يبحث عن السلام والأمن والاستقرار ولابد من ممارسة الضغط على جميع الاطراف المتحاربة للجلوس على طاولة المفاوضات وانهاء هذة الحرب العبثية التي انهكت الشعب اليمني الطيب. اليمن يحتاج الى إعادة الأمل! وفِي الختام شربنا كوفي الآداب الشهي