قابلتُ اليوم العديد من الأشخاص في الشارع العام بالضالع وكان جل حديثهم هو عن عودة حكومة بن دغر .. الغريب جداً أن بعض العامة قد صدقوا أكذوبة تم تسريبها عن أن الحكومة عادت لتمارس عملها لمدة شهر فقط وهي إحدى المسكنات السياسية التي اعتدنا سماعها !!.
في 28 ياناير الماضي كان الجنوب على وشك رسم خارطة سياسية جديدة . أتذكر حينها كيف اعترتنا النشوة ونحن نسمع تساقط المعسكرات التابعة للشرعية تباعاً ، ولا أخفي الجميع أنني شخصياً كنت فخوراً جداً بالأداء الجنوبي ممثل بالانتقالي حيث رفع شعار إسقاط الحكومة ليعزز مكانه على الأرض، ويسقط المعسكرات التي تشكل خطراً على مشروعه، وكم كنتُ متفاعلاً ومعجباً بالتغريدات التي كانا ينشرانها لطفي شطارة و سالم ثابت العولقي عن سقف المطالب التي قيل أنها ترتفع حينها . مرت الأيام لنكتشف الحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها وهي أن الانتقالي لم يحقق شيء من خلال التحرك الذي قاده بل خسرنا الكثير لمصلحة طرف آخر . اليوم وبعد أن عاد بن دغر وحكومته تغيرت المعادلة وانخفض سقف المطالب فأصيب الكثيرون من أنصار الانتقالي نفسه بالصدمة ولو تعمد البعض إخفاء ذلك . المعسكرات التي أُسقطت عادت كما هي وبقوة أكبر من ذي قبل ، والحكومة التي رُفع شعار إسقاطها عادت محملة بضمانات أعطيت لها من الإمارات نفسها التي دفعت بالانتقالي للقيام بذلك التصعيد .
خسر الجنوب العشرات من الشباب المخلصين الذين تمتلئ شرايينهم وأوردتهم بالدماء المختلطة بحب الجنوب وحب التضحية لأجله والذين تهتف نبضات قلوبهم باسم الجنوب ، كما خسرنا ولو بعضاً من الترابط الاجتماعي بين أبناء الشعب الواحد . لو عملنا مقارنة بسيطة ولو افترضنا أن الحوثيين مثلاً أو غيرهم من القوى الشمالية الأخرى قاد نفس التحرك الذي قاده الانتقالي وحقق ما حققه الانتقالي هل كان سيتراجع بسهولة عن هذه المكاسب بعدما كان على مرمى حجر من القصر الرئاسي وبعدما تساقطت المعسكرات تباعاً بين يديه ؟ وهل كان من السهل لإي طرف داخلي أو خارجي إرغامه على التراجع عن هذه المكاسب ويهديها بطبق من ذهب لطرف آخر يساوم بها كما يشاء ووفقاً لما تقتضيه مصلحته ؟!.
الحقيقة المرة التي يجب أن يعترف بها الانتقالي والتي يجب أن يسعى لتداركها مستقبلاً هو أننا لم نكن طرفاً في ذلك الصراع الذي دار بين الشرعية والإمارات والتي كان علينا كشعب جنوبي دفع ثمن ذلك الصراع دون مقابل ، وأن الارتهان للغير بلغ حد لا يجب استمراره والسكوت عنه .