كتب / وثيق القاضي بعد أن جعلتني جسد بدون روح، جُثة هامدة، خاليٍ من كل شيء إلا من العبور في الطرقات بحثا عنها، كلما زُرتُ حارة مارستُ مِهنتي عَبر فَمي ألا وهي التَفنن بِترتيل حروف إسمها لعل تسمعني وتجاوبني، مارستُ هذه المهنة سنوات حتى غضب مني كل أفراد الحي وكل حي، طُفتُ جميع شوارع المدينة وتسللت إلى كل مقهى لكن لم أجدها،وحين تعبت وأُصبتُ بالتعب أستسلمتُ للغياب كما يستسلم الطرف الضعيف للطرف القوي في أرض المعركة. هذا المساء عُدتُ للبحث عنها تركتُ أصدقائي وشديت الرحال من جوارهم هكذا فجأه،إنه الحُب الذي جعلني أخذ هذا القرار الذي أغضب أصدقائي،تركتهم في قصرٍ جميلٍ أعلى الجَبل،قصر ورثته بعد رحيل والدي لأني غُصنه الوحيد .! عَبرتُ شارع المدينة كالتائه بدون بوصلة لا يدري إلى أين ذاهبا، صُدفة نظرتُ إلى جوار محلات المجوهرات الذي يوجد في زاوية الشارع المكتض بالفاتنات،وقعت عينيّ في جسد إحداهن فشعرتُ بِمسٍ كهربائي جعلني أواصل الطريق نحوها،كلما مشيتُ خطوة وأقتربتُ منها يبتسم قلبي ويرتلُ الأغنيات والقصائد، كنتُ أنا كقطعة حديد وكانت هي المغناطيس.
نَظرت إليّ بنظرة خالية من تأنيب ضمير الغياب فعرفتُ بأن غيابها كان دون إرادتها، حَركت جفنيها ورَقَصت عينيها كما ترقص الغمازات في أعلى عمود إنارة وكأنها تقول : واصل خطواتك نحوي يا أيها العاشق الصادق الذي تمتلك قلبٍ مفعمٍ بالحُب، عَزفت بخطواتها على جسد وتر الأرض وفي كل خطوة كنتُ أشعر بأن قلبي يرقصُ رقصة السامبا والساليساو و شَرح مدينة سام.
واصلتُ طريقي دون كلل أو ملل حتى أختارت زاوية جميلة موطن لها، زاوية تبعدُ كثيرا من ضجيج سُكان الحارة،هُناك قضينا ليلة رمادية ممتلئة بالقُبلات والعِناق والعِناق،رأيتني أجلسُ في جوار حديقة غزيرة بالفواكهة لا جوار أُنثى من لحم ودم وقلب،قضينا عشر ساعات في حظرة الحُب الذي لم يتلاشى ولم يندثر رغم طول الغياب. شعرتُ بأنني طفلٍ حديث الولادة تسكنه الشراهة لِنثر قُبلاته الصادقة فوق ثدي أمه ، وضعتُ فَمي تحت فَمها الذي يشبه تقويسة قوس قُزح ،حيث الرمانتان اللاتي يوجدن في صدرها الممتليء بالنور والبراءة، ثم مارست مِهنتي التي أعشقها كما عَشق قيس ليلى العامرية. كنتُ العاشق قيس وكانت ليلى، وبعد أن أطلق قلبي رَنة جرس الإكتفاء، قطفتُ ثلاث وعشرين سلة فواكهة من حدائق صَدرها،ثم ودعتها بِقبلة حارة تليق بِجمال ونقاء تلك اللحظات العامرة بالحُب ،ثم غادرتُ من جوارها أحملُ في جيب قميص قلبي الغذاء ، وها أنا سأوزع الفواكهة على جميع منازل فُقراء المدينة.!