قبل عامين أقدمت مليشيا الانقلاب على اختطاف رجل الإبداع السياسي ومهندس التعايش السلمي في اليمن- كما يصفه كثيرون- "محمد قحطان"، من داخل منزله بالعاصمة صنعاء، ليتم إخفائه قسراً، ومنع أسرته من زيارته، بل منع أي معلومات حول صحته أو مكان اعتقاله.. في الذكرى الثانية لاعتقاله تستحضر فاطمة قحطان، ذكريات عاشتها مع والدها، بينما تسبق دموعها الحديث كنزيف لذاكرتها الحزينة بغياب الأب الحنون.. كما يستحضر اليمنيون والدها السياسي اليمني الذي تنبأ بزوال "الانتفاشة" التي أطلقها على المليشيا.. تتحدث فاطمة عن الفراغ الكبير الذي خلفه إخفاء والدها قسرا.. "بغياب أبي غابت الحياة من بيتنا، فهو بهجة منزلنا ونوره الذي لا ينطفئ.. مضى عامان من الإخفاء القسري.. يكفي هذا الظلم، ماذا تستفيدون من إخفائه؟ نريد أن نسمع صوته، نريد رؤيته". ولاتنسىى فاطمة أن تتساءل بوجع:" لماذا كل هذا الحقد والكراهية ضد أبي؟.. اتقو الله.. هل توجد ذرة إيمان في قلوبكم لتحرمونا من والدنا؟".. قبل عامين اختطف مسلحون ينتمون لجماعة الحوثي السياسي محمد قحطان، وأخفته، ولم تمكن أسرته أو أولاده من معرفة مكان احتجازه حتى اليوم. من حينها وقحطان في سجون الحوثيين، إلى جانب سياسيين وقادة عسكريين، وصحافيين بسبب مواقفه المناهضة للجماعة المسلحة، في ظل موقف دولي إقليمي متخاذل. وحتى اليوم ترفض جماعة الحوثي الإفراج عن أي معلومات حول صحته أو مكان اعتقاله منذ اختطافه في الرابع من أبريل/ نيسان 2015م، بعد أن وضعته قيد الإقامة الجبرية منذ فبراير/شباط نفس العام، وطالب قرار مجلس الأمن (2216) بالإفراج الفوري عنه إلى جانب وزير الدفاع محمد محمود الصبيحي، والقائد العسكري فيصل رجب، وناصر منصور شقيق الرئيس عبد ربه منصور هادي. في حضرة الغياب لا تتوقف دموع ابنته فاطمة التي تنهمر بصمت ويفضحها حزن الحديث حين تقول: "اشتقنا لكل شيء يذكرنا به، غرفته التي حملت معظم ذكرياته، رائحته، ابتسامته، صوته، عندما نشاهد حديثه للقنوات الفضائية تنزل دموعنا حنينا وشوقا، نحاول إخفاء كل هذه المشاعر لكن حرقة الفراق تزداد كل يوم مع اشتياقنا لأبي". وتعيش أسرة قحطان وضعاً نفسياً سيئاً جراء الإخفاء القسري لوالدهم وعدم السماح لهم بزيارته ومعرفة حالته الصحية، واستمرارهم في وقفات احتجاجية أسبوعياً بلا توقف في العاصمة صنعاء أمام منزله وبعض من مقار الأممالمتحدة وعدد من سفارات دول العالم. ومنذ اختطافه من داخل منزله في الرابع من أبريل 2015م في صنعاء من قبل مسلحين حوثيين، تم إخفائه قسراً حيث منعت أسرته من زيارته، وفشل المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ في الكشف عن حالته الصحية، أو الحديث عن مكانه احتجازه. وترفض مليشيات الحوثي والمخلوع صالح حتى اللحظة السماح لمنظمات محلية ودولية زيارته والتأكد من سلامته، فيما خرجت معلومات العام الماضي تتحدث عن وفاته جراء قصف الطيران للمكان الذي وضع فيه، فيما لم يتم تأكيد المعلومة أو نفيها من أي مصدر. الرمز الغائب كان اختطاف المليشيات لقحطان، حد تعبير سفير اليمن في لندن- الدكتور/ ياسين سعيد نعمان بمثابة قمع لمقدمات صاغها سياسي من الطراز الرفيع أخذت تتبلور في الحياة السياسية وعنواناً لما مثله من موقف سياسي مقاوم للتسلط، وموقف من المنهج السياسي الذي مثله الحوار والذي كان تجسيداً للتطور العام الذي شهدته الحياة السياسية اليمنية وكان قحطان أحد رموزه. فيما كتب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية عبد الملك المخلافي على "تويتر": "محمد قحطان رمز لمقاومة الانقلاب ورمز لإجرام الحوثي صالح في حق المدنيين واعتقالهم وإخفائهم قسريا، في سجنه ينتصر و(الانتفاشة) كما سماها تتلاشى". واعتبر سفير المملكة العربية السعودية لدى اليمن محمد سعيد آل جابر، إخفاء مليشيا الحوثي والمخلوع للقيادي الإصلاح محمد قحطان وناصر هادي شقيق الرئيس واللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع، بأنه يؤكد أن المليشيا ترفض الحوار السياسي. وقال، في تغريدة له على حسابه الرسمي "توتير"، أن إمعان المليشيا الانقلابية في العنف لإرهاب وتخويف من يعارضهم دليل بعدم جديتها للجلوس على طاولة الحوار. وقال الدكتور محمد سعيد السعدي- وزير التخطيط والتعاون الدولي إن "غياب محمد قحطان خلال عامين أدى إلى خلل ونقص في الرؤى والآراء السياسية". وأشاد بمناقب السياسي محمد قحطان، واصفا إياه بأنه "قامة وطنية، واسع المدارك والرؤى، متميز في أفكاره ومتمسك بالقيم العليا منذ أن عرفناه وهو مضحي في سبيل وطنه، جاذب في طباعه، مرن في مواقفه، يقنع من يحاوره بما يمتلك من استدلالات وتجارب وخبرات ومواقف تاريخية، مؤسس رئيسي لتحالف اللقاء المشترك، مستمع متميز لأفكار وآراء الآخرين". إخفاء المعلومات إلى ذلك قال نائب وزير حقوق الإنسان، محمد عسكر، إن ميليشيا الحوثي والمخلوع تواصل إخفاء أي معلومات عن "محمد قحطان" ويريدون تحويل قضيته الإنسانية إلى مزايدة سياسية. وأشار، في حديث "للحملة التضامنية مع محمد قحطان" إلى أنه التقى بالصليب الأحمر الدولي والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، و"أبلغناهم بخصوص المعتقلين السياسيين بما فيها قضية المعتقلين السياسيين المشمولين بقرار مجلس الأمن (2216)"، وأوضح إن هناك: "هناك تعنت كبير من جانب الحوثيين ويستخدمونهم كرهائن". وقال نائب وزير حقوق الإنسان إن "نائبة الصليب الأحمر الدولي أبلغته إنها لا تملك معلومات حول صحة وأوضاع محمد قحطان، وأن هناك تعمد من الحوثيين لإخفاء أي معلومات حول صحته وأوضاعه". وأكد أن قضية محمد قحطان هي مسؤولية وزارة حقوق الإنسان وهي في أولى أولياتها. وأشار إلى أن الحوثيين يريدون وضع القضية في بند من بنود التفاوض، ويعتقدوا إنها ورقة قوية في أيديهم، ولكن يجب النظر إليها من جانب إنساني وليس سياسي، ونبحث عن معلومات حول أوضاعهم والحوثيون يرفضون ذلك. موقف ضعيف وعبرت وزيرة حقوق الإنسان السابقة "حورية مشهور" عن أسفها لموقف المجتمع الدولي إزاء قضية السياسي محمد قحطان الذي اختطفه الحوثيون من منزله بالعاصمة صنعاء قبل سنتين وقاموا بإخفائه قسرا. وقالت إن المجتمع الدولي موقفهم "ضعيف"، "ولا يمارسون الضغط الكافي على المليشيات في قضية حقوقية بامتياز" وأن هذا "يجرح مصداقيتهم ويشل فعاليتهم لأن موضوع الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والتعذيب يأتي في سلم أولويات حقوق الإنسان". وعبرت مشهور بلهجة استهجان لما أسمته "الجولات المكوكية" للمبعوث الأممي التي يجري فيها اللقاءات "مع مختلف الأطراف حسب تعبير الأممالمتحدة"، مستدركة: "لكنهم لا يبذلون أي جهد يُذكر في موضوع المعتقلين بما فيهم كبار القيادات السياسية والعسكرية والأمنية والإعلاميين ونشطاء حقوق الإنسان". مؤكدة في تصريحها ل"الحملة التضامنية مع محمد قحطان" أن كل المواثيق الدولية تدين هذه الأفعال التي يقوم بها صالح والحوثيون بحق السياسي قحطان وزملائه، وتعتبرها غير مبررة على الإطلاق وتحت أي ظرف كما تعتبرها من الجرائم ضد الإنسانية. تقاعس دولي فيما أبدى سفير اليمن لدى واشنطن أحمد عوض بن مبارك استغرابه مما وصفه ب "سكوت الهيئات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية" عن قضية استمرار الإخفاء القسري من قبل الانقلابيين في صنعاء للسياسي محمد قحطان واللواء محمود الصبيحي واللواء ناصر منصور واللواء فيصل رجب. وقال سفير اليمن لدى واشنطن إن هذا الصمت من الهيئات والمنظمات الدولية بشأن هؤلاء المخفيين في سجون الانقلابين "يشكل حالة تقاعس غريب إن لم يكن تماهيا مع أجندات دأبت فيها بعض الهيئات الحقوقية القريبة من الانقلاب على تسويق أنهم أسرى حرب ويجب تسوية الأمر ضمن التسوية السياسية الكاملة". وأشار، في تصريح ل"الحملة التضامنية مع محمد قحطان"، إلى أن "القادة العظماء محمد قحطان، ومحمود الصبيحي، وناصر منصور، وفيصل رجب، عنوان واضح للتضحية والبطولة والشرف، وإن استمرار أسرهم يظهر مدى انعدام المعايير الأخلاقية واحترام حقوق الإنسان لدى المليشيات الانقلابية". وأكد أن الحكومة حاولت "خلال جولات المشاورات المختلفة وضمن إطار مناقشة ملف الأسرى والمختطفين إطلاق سراحهم أو حتى تأمين اتصالهم بذويهم عبر الصليب الأحمر الدولية إلا أنهم رفضوا ذلك، وأصروا على استخدامهم كورقة تفاوضية"، معتبرا أن هذا الموقف "يمثل حالة انتهاك صارخة لكل المواثيق والقوانين الدولية وقبلها تعاليم ديننا الحنيف". أسوأ الصور من جانبه قال نايف البكري وزير الشباب والرياضة إن مليشيا الحوثي والمخلوع الانقلابية جسدت أسوأ الصور في تدمير اليمن أرضا وإنسانا ، بإخفائها القسري للواء الصبيحي وناصر منصور ومحمد قحطان وفيصل رجب والكثير غيرهم من الشخصيات التي تتعرض في سجونهم لمختلف أنواع التعذيب. وطالب وكيل محافظة عدن/ محمد نصر شاذلي المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لإطلاق سراح الأستاذ محمد قحطان واللواء الصبيحي واللواء ناصر منصور واللواء فيصل رجب وكل المعتقلين السياسيين والعسكريين وتنفيذ قرارات المجتمع الدولي دون انتقاص. واستنكر "إصرار الحوثيين على عدم الالتزام بالدعوة إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين لديهم وفي مقدمتهم اللواء الصبيحي واللواء ناصر منصور واللواء فيصل رجب والأستاذ محمد قحطان". معتبرا في تصريح ل"الحملة التضامنية مع محمد قحطان" أن استمرار رفض الحوثيين إطلاق سراح هؤلاء المختطفين "بمثابة إصرار وتعنت أحمق وغبي تمارسه تلك المليشيات بحقهم". وأضاف "كلنا ثقة أن تحريرهم من سجون الجهلة الحاقدين سيكون قريبا، بإذن الله وبفضله أولا، ثم بفضل الانتصارات المتلاحقة في أرض المعركة". تظاهرة الكترونية وأطلق نشطاء ومنظمات حقوقية وإنسانية أمس الثلاثاء، تظاهرة إلكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي للتضامن مع "محمد قحطان" بمناسبة مرور عامين على اختطافه في سجون الحوثي بصنعاء. ودعت اللجان المنظمة للتظاهرة الإلكترونية جميع النشطاء والمنظمات الحقوقية الإنسانية المحلية والعالمية للتضامن مع قضية السياسي "قحطان" والضغط على جماعة الحوثي بسرعة الإفراج عنه. ودعت رابطة أمهات المختطفين جميع النشطاء إلى التفاعل مع قضية "قحطان" على الوسم #الحرية_لقحطان. وعلقت على القضية قائلة: إن محمد قحطان مخفي قسرا في سجون جماعة الحوثي وحليفها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ولا أحد يعلم مصيره. وأضافت:" سنتان وأم قحطان لم تسمع صوت فلذة كبدها، والضمير الإنساني لم يحرك ساكنا تجاه قضيته. وطالبت الرابطة جماعة الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح بالكشف عن مكان احتجازه وتمكين أسرته من الاطمئنان على صحته وسلامته وإطلاق سراحه دون قيد أو شرط". ويقود الحملة ناشطون وحقوقيون داخل اليمن وخارجها، وفي عدد من الدول الغربية والأوربية، مطالبين المجتمع الدولي الضغط على جماعة الحوثيين المسلحة وقوات المخلوع علي عبد الله صالح، بالإفراج الفوري عن قحطان بعد مخاوف من تدهور وضعه الصحي جراء إصابته بمرض السكري. ////////// في منزل جدو المختطف قصته ليست كبقية القصص، تجد بدايتها من منزله الذي يحمل جانبا آخر لرجل الإبداع السياسي ومهندس التعايش السلمي في اليمن. هناك تجد بعض أحفاده يحملقون في صورته يتهامسون باسمه، يتذكرون خطواته ومداعبته لهم، ويتساءلون ببراءة: لماذا خطفوا جدو؟ لماذا ليس جدو معنا؟ يرى عبثنا بكتبه وأوراقه. ذكريات وصور هو كل ما تبقى لأسرة القيادي الإنسان محمد قحطان، ومعهما عزيمة وإصرار تجعلهم قادرين على مواصلة النضال لإحقاق العدل الذي طال انتظاره وأملها في إنهاء حربا خطفت أحبتهم الذين غيبت الكثيرين ومنهم سيرة وطن اسمه محمد قحطان. مع أحفاده كان قصة أخرى.. في منزل الجد "محمد قحطان" ذي القلب الواسع والذي يضم تحت جناحيه كل أحلام وفوضوية طفولتهم. فهو كما تصفه بناته وأحفاده "حنونا ومحبا، فليس لمحبته حدود". كانوا يعبثون بأوراقه وكتبه ودفاتره. يجعلون من غرفته شكلا من الفوضوي العارمة ويقلبونها رأسا على عقب، فينظر إليهم وهم يلعبون بكل حب متعجبا من شقاوتهم التي لا تنتهي. تصرخ الأمهات بالأبناء ليدعو أشياء والدهن فيقول بكل محبة "خليهم.. شوفي كيف يفكروا يستكشفوا".. فقد كانت فرحته أن يرى أحفاده وهم يلعبون حوله ويملأون قلبه سرورا، كما روت فاطمة قحطان.