"إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون". إنه مأزق حقيقي فعلا.. إنه يؤثر على الحياة الطبيعية، حياة السعادة والنجاح والرضا. هذا المأزق داء نفسي، وأخطر ما يؤثر على الحياة الأدواء النفسية. إن هذا الداء أمر خلقي نفسي في الإنسان لا علاج له إلا بجرعة الوقاية الإلهية التي ذكرها الله سبحانه في النص وهو علاج ناجح مئة بالمئة؛ لأن الله هو الذي وضعه ولا علاج غيره؛ لأن الله أخبر أن الهلع النفسي لا يخرج منه إلا بهذه المعالجات وهو ما استثناه "إلا المصلين..". دعونا أولا نشخص الحالة لنعرفها، ونعرف إن كان في أحد هذا الداء النفسي، ولا بد أن نقول معلومة طبية في علم النفس هي أن المصاب قد لا يشعر أنه مصاب أو لا يقر إلا أن ظواهر تصرفاته تدل عليه. ولذلك لم يذكر الله هذه اللفظة "الهلع" مفسرا معنى اللفظة لغةً؛ لأنها معلومة في لسان العرب بل فسرها بأمر آخر يلاحظه الشخص على النفس ويلاحظه الغير. إنه أمر مشاهد، إنها تصرفات حتى يكون التشخيص شاملا، كان لا بد من البحث عن التصرفات في الأحوال المختلفة في حال الخيرات وحال الشرور، في حال اليسر والعسر، في حال الشدة والفرج، لذلك ذكر هذين "إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا". هذا هو التوصيف المحدد للحالة النفسية، إنه يجزع في الإصابات، لا يصبر ولا يثبت ولا يرضى بما قسم الله له وقدره. إنه يعيش في حالة نوبات نفسية من الوساوس والهموم والقلق، إن أصابه أي شيء أو خشية أن يصيبه شيء ولو لم يقع بعد، وهنا إذا تطورت الحالة، مع أن هذه الأمور لا بد من وقوعها في الدنيا، إذاً كيف سيعيش هذا الشخص!؟ أيها الإخوة.. انظروا إلى دقة التعبير في "إذا مسه" من جهتين: الأولى استعمال "إذا" التي تدل على تحقق ما بعدها في الوقوع كما هو أصل استعمالها، لماذا لم يعبر ب"إن"؟ الجواب: إننا حينما نعبر في الواقعات عن ما لا بد منه نقول مثلا "إذا غربت الشمس أفطر الصائم" ولا يمكن أن نستعمل أداة "إن" قائلين (إن غربت الشمس أفطر الصائم)؛ لأن الغروب واقع لا محالة فكيف نعلقه بإن التي هي للتعليق المشكك الممكن الحصول وعدمه بخلاف "إذا" فهي لما سيحدث. إذاً هذا التعبير القرآني في "إذا مسه" يدل على تحقق الوقوع لهذه الأحوال المستقبلية لأنها طبيعة الابتلاء والتكليف. وأما الثانية: فهو التعبير بالمس "مسه"، إن الإنسان يجزع لمجرد المس لمجرد الإصابات الخفيفة للخسائر البسيطة أو لوعكة أو صدمة سيارة بسيطة، أو عدم النجاح في أمر ما، أو خبر معكر أو مشاكل، أو مشاجرات أسرية أو مجتمعية أو وظيفية.. ماذا يريد هذا الشخص إذاً؟ إنه يريد حياة بلا متاعب لا خفيفة ولا ثقيلة، يريدها بلا معكرات وهذا مستحيل، إلا في الجنة، ولهذا سميت جنات النعيم؛ لأنه لا معكر فيها. إن هذه النفسية تعيش في كدر وعصبية ونظرة سوداوية متشائمة، وحياة غير راضية؛ لأنه صنع ذلك لنفسه هو، هذا إذاً في حالة الشر. أما في حالة الخير "وإذا مسه الخير منوعا" مجرد مس، هبوب نعمة، خبر سار، معلومات جيدة، نجاح في أمور، استتباب الوضع، صحة وعافية وقوة، سيارة بلا مشاكل، أرباح، فوز، مسرات... الخ. هنا يتسلل إلى نفسه الركون إلى هذه اللحظات، يتسلل له أنها دائمة ولن تتغير، وتظهر عليه صفة جامحة هي الاستغناء والمنع، "إنه منوع" كثير المنع، كما تفيده وزن "فعول" يمنع الخير، يمنع المساعي، يمنع المصالحة، يمنع إيصال الحقوق، يمنع الأمن والاستقرار، يمنع ويمنع... إذاً إنها حركة البطر المانعة للخيرات، وانظروا مثلا إلى قاطع الطريق أو مفجر الكهرباء، أو المغذين للفتنة أو القاتل، إنه إن وجد التسامح والتساهل ركن إلى صفة المنوع لهذا الخير، إنه يواصل الإجرام ومنع التوصل إلى الحلول والمصالحات. ومن باب الشيء بالشيء يذكر، أتذكر الآن الحصانة التي أدرجت في المبادرة الخليجية وقبلت للمصالحة لكنها لم تقرأ عند البعض سوى نعمة أوصلتهم إلى الرتبة العليا في صفة "المنوع" فيمنع الخير عن الشعب والمصالحة واستكمال بنود المبادرة، إنه يمنع الخيرات وهي ضمن تأثيره، هذا مثال. لكن ما هو الدواء.. هذا ما سنتناوله العدد القادم..