فجر السبت الماضي صعدت روح "عبد الله الوادي" إلى السماء للقاء روح شقيقه الشهيد.. وفي أبين لم يُسمع ضجيج العزاء في منزل "عبد الله"، فهؤلاء المتضورون جوعاً والمتوجعون مرضاً وبؤساً استنفذوا حتى الدموع، وذاقوا سكرات الموت لأشهر طوال، ظلوا خلالها يسمعون صوت "الجنرال" يتحدث باسم ثورة الشعب وآلاف النعاج الذليلة تركع بين قدميه في الشوارع، وتلعق جزمات اللصوص والقتلة..!! وقبلهانقل "عبد الله" إلى المستشفى الجمهوري.. لم تزره زوجته، ولا أحد من أبنائه، فليس بينهم من يمتلك ثمن "بيضة" وليس أجرة سيارة.. كما لم تهتز شعرة لقائد الفرقة ليرسل أحد يتابع أمره، بل صب عليه اللعنات لأن هناك من نشر الخبر.. غير أن نائب الرئيس أرسل طبيبه ليتفقد حالته ومعه مليون ريال.. لكن ماذا عسى "عبد الله" أن يفعل بالمليون وهو يتجرع سكرات الموت، وأنين زوجته وأطفاله وأسرة شقيقة الشهيد يخنقه ويعجل من زمن رحيله..!! ففي يوم 28 يناير 2012م ذهب "عبد الله" إلى مقر الفرقة حاملاً "دبة بترول"، وهدد حراسات البوابة بأنه سيحرق نفسه إن واصل قائد الفرقة رفض مقابلته.. فيتصل أحد جنود البوابة بمكتب القائد ليعلمهم بالتهديد، فيأتيه الرد: "إلى جهنم وبئس المصير" وسيل من القهقهات الساخرة التي لم يحتملها "عبد الله" بعد أن غارت في نفسه كما نصل الخنجر المسموم.. فصب البترول على جسده، وأخرج "ولاعة" وأضرم النيران أمام مرأى الجميع، ليتحول إبن أبين من مقاتل باسل إلى قطعة لحم متفحمة..!! وفيما كان قائد الفرقة يبات متخماً بلحوم الذبائح، كان "عبد الله" يبيع اثاث منزله قطعة تلو الأخرى، وكان آخرها "دبة الغاز" فما جدواها وليس هناك ما يطبخ.. فيما سماء أبين لم تعد تمطر سوى رصاصاً، وشظايا حارقة.. وسكرات موت تدخل البيوت بغير استئذان.. وفي "لودر" كان المشهد كارثة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة..فالشهيد الذي قدم روحه فداء للوطن ها هم أبنائه ينامون جياعاً يئنون من الألم، حتى بانت عظامهم من خلف الثياب، فيما الدموع لا تفارق عيون أرملته.. فكلما سقط طفل مريضاً تركته يتلوى حتى يشفق عليه خالقه.. فيما أسرة "عبد الله" الذي غامر بحياته في ستة حروب من أجل اليمن لا يكاد حالهم يختلف بشيء بل أسوأ، فزوجته تصارع فيروس الكبد منذ أشهر وظلت طريحة الفراش تترقب عودة عبد الله بالمرتبات عله يشتري لها دواءً الجدير بالذكر ان مأساة الجندي "الوادي" بدأت أبان حرب صعدة السادسة، حين ابلغ بنبأ استشهاد شقيقه، وتعهد رعاية من خلفهم وراءه. إلاّ أنه منذ أكثر من عام أوقفت قيادة الفرقة الأولى صرف مستحقات الشهيد لأسرته، فصار "الوادي" يقسم رغيف الخبز بين أبنائه وأبناء الشهيد، والكل يكابد ضنك العيش، فلا يكاد يتجاوز نصف الشهر حتى ينفذ معاشه فتبدأ وجبات الطعام بالاختفاء واحدة تلو الأخرى حتى يتعهد جيرانه تدبير ما يسد الرمق..!