لم تفاجئني الحالة التي وصل إليها وضع الاخوة ممثلي الشعب في البرلمان؛ خاصة لجهة الغياب عن الجلسات أو التهرب من بعض الاستحقاقات الكبيرة التي يقف أمامها البرلمان في بعض المحطات التي تمر بها البلاد.. ذلك أن قضية الغياب ملاحظة في أكثر من بلد؛ إلا أن تفاقمها في اليمن يجعل الكثيرين يتساءلون عن النموذج الذي يقدمه البرلمانيون لناخبيهم، والذين صوتوا لمصلحتهم في انتخابات العام 2003م؟!. التقارير التي نقرأها عن حالة الغياب عن جلسات المجلس من قبل نواب الشعب وممثليه تبدو مفزعة للغاية، فالأرقام التي توردها الجهات المختصة في البرلمان المعنية بمسألة انضباط أعضائه تؤكد أن ما يقارب من ثلث الأعضاء غائبون دون عذر عن جلسات البرلمان، بل إن حالة الغياب في دورة الانعقاد الحالية للمجلس وصلت إلى أكثر من ثلثي الأعضاء. وللأسف فإن مثل هذه الظاهرة لا تجرى مناقشتها بشكل جدي في البرلمان، كما لا تجرى مناقشتها في أوساط الأحزاب الممثلة فيه، خاصة أن كثيراً من الأعضاء هم قيادات في هذه الأحزاب، وغالبيتهم بالطبع من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، الذي باستطاعته أن يقوّي من البرلمان أو يضعفه نظراً للغالبية التي يتمتع بها الحزب منذ العام 1997م. نحن لا نريد نواباً يضحكون ويبتسمون للكاميرا كلما توجهت إليهم عدستها، ولا نريد منهم أن يتظاهروا بأنهم يقرأون التقارير بشغف كبير؛ فيما أعينهم تتلصص إلى الكاميرا وكيف ستسلط الأضواء عليهم!!. كما لا نريد نواباً يحتجّون على التلفزيون لعدم إظهار صورهم في جلسات البرلمان وهم يفكرون أو يصرخون حتى يراهم أبناؤهم وزوجاتهم وأبناء قراهم ليؤكدوا لهم أنهم حاضرون في قلب المعركة، بل نريد نواباً يقررون مصائر ناخبيهم تحت قبة البرلمان من خلال الحضور الدائم والمناقشة الواعية لقضايا الناس بعيداً عن المنافع. نريد نواباً يلجأ إليهم الوزراء، تماماً كما يلجأ إليهم ناخبوهم، لا أن يلجأون هم إلى الوزراء للحصول على منافع شخصية وتجارية ومصلحية. نريد نواباً يصرفون الأنظار عن الصفقات التجارية والامتيازات داخل البرلمان وخارجه، لا نواباً يلهثون وراء الصفقات والامتيازات التي توفرها لهم مكانتهم البرلمانية. لا نريد نواباً ينتظرون على أحر من الجمر استلام بدل الجلسات والحصول على السيارات وتوابعها من وقود وغيرها، والمنح العلاجية السنوية، وتذاكر السفر، وحضور المؤتمرات الدولية والعربية والإقليمية، ومرافقة الرئيس في زياراته التفقدية، بل نريد نواب برلمان يمثلون الشعب تمثيلاً حقيقياً تحت قبة البرلمان، ولهم الحق في الحصول على حقوقهم كما يمنحها القانون. سيكون من الضروري التنبّه إلى قضية غياب نواب الشعب عن جلسات البرلمان والبدء الجدي في ملاحقة الظاهرة ومحاسبة الأعضاء الذين يتعمدون الغياب أو الذين لا يعيرون اهتماماً للحضور باعتبار مكاناتهم الاجتماعية والسياسية، وعلى الأحزاب التفكير الجدي في معاقبة أعضائها داخل البرلمان، خاصة أولئك الذين يتغيبون عن جلسات المجلس دون عذر حقيقي ومقنع. وعلى الإعلام الرسمي أن يبدأ وبشكل جدي برصد الظاهرة من منطلق مهني بحت بعيداً عن الحسابات السياسية، وإعلان أسماء النواب المتغيبين عن جلسات البرلمان. والأمر نفسه يقع على دوائر مراقبة انضباط الأعضاء داخل المجلس من خلال نشر التقارير في وسائل الإعلام عن النواب الحاضرين والنواب الغائبين بعذر وبدونه حتى يعرف الناخبون أي نواب انتخبوا. ومن الأفضل أن يستمع النواب في كل جلسة من الجلسات إلى تقرير عن أوضاع الجلسة التي سبقتها، بما فيها أسماء أعضاء البرلمان الذين كانوا حاضرين أو الذين تغيبوا عن الجلسة بعذر وبدونه. ومن المهم أن تبدأ الأحزاب منذ اليوم بالبحث عن مرشحين لها في الانتخابات المقبلة العام 2009 بحيث يكونون من خارج نطاق المسؤوليات الحكومية؛ إذ لا يمكن لوزير يمارس مهاماً تنفيذية في الحكومة أن يُنتخب عضواً في مجلس نواب، كما هو الحال مع المسؤولين التنفيذيين الآخرين كالمحافظين وغيرهم. إن قدراً من الحزم مطلوب داخل البرلمان المفترض أن يكون قدوة للآخرين في مدى التزام أعضائه بالانضباط، ذلك أن غياب هذا النموذج سيجعل من البرلمان مكاناً لتجمع نواب سيقال عنهم ذات يوم إنهم "عاطلون عن العمل"!!