سياسيون ونشطاء: تراخي الأمم المتحدة شجع المليشيا لاستغلال ملف قحطان للابتزاز    المنتخب الوطني للشباب يواجه نظيره السعودي وديا منتصف يونيو استعدادا لبطولة غرب آسيا    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    أكاديمي اقتصادي: فكرة البنك المركزي للحد من تدهور الريال اليمني لن تنجح!    انهيار مرعب للريال اليمني.. ووصول أسعار صرف الدولار والريال السعودي إلى أعلى مستوى    المشاط يدافع عن المبيدات الإسرائيلية وينفي علاقتها بالسرطان ويشيد بموردها لليمن    العليمي يطلب دعمًا لبسط سيطرة الشرعية على كامل التراب اليمني    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    رئيس برلمانية الإصلاح يتلقى العزاء في وفاة والده من قيادات الدولة والأحزاب والشخصيات    ذكرى إعلان فك الارتباط.. جدار جنوبي راسخ لفظ الوحدة المشؤومة    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    خاصموا الانتقالي بود وأختلفوا معه بشرف    شراكة الانتقالي وتفاقم الازمات الاقتصادية في الجنوب    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    شاهد :صور اليوتيوبر "جو حطاب" في حضرموت تشعل مواقع التواصل الاجتماعي    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات النعمان الذي لانعرف
نشر في الجمهورية يوم 11 - 07 - 2010

نشرت الجمهورية على حلقات قبل بضعة أشهر مذكرات الأستاذ أحمد محمد النعمان ،التي سلطت الضوء على حقبة هامة من التاريخ اليمني الحديث.. الكاتب أحمد عبدالله الصوفي كان قد أعد في ربيع 2003 عقب صدور مذكرات النعمان دراسة نقدية (تقييمية) للمذكرات ولم يقم بنشرها حينها بناءً على نصيحة تلقاها من أحد السياسيين اليمنيين.. وهنا ننشر الدراسة وذلك لتعميم الفائدة وبما يؤدي إلى إثراء المذكرات وإزالة الشوائب عن تلك المرحلة الهامة من مراحل الثورة اليمنية الخالدة.
وأخيراً صدرت مذكرات أحمد محمد النعمان بعد انتظار طويل لتعيد إحياء جدل حول حركة الأحرار، ومخططهم للتغيير،وحول الثورة اليمنية 26سبتمبر ،وأبرز رموزها ولكن صدور المذكرات في هذا التوقيت حدث مهم على مستوى التاريخ ،وعلى مستوى قضايا الحياة السياسية اليوم ،كونها تصدر عن رجل لعب دوراً محورياً في مخطط تحويل وتغيير، رفع شعاره في وقت مبكر ، وكونه الشاهد الرئيسي لأحداث ظلت مبتورة ومبتسرة وغامضة ،بل وناقصة حتى أدلى هذا الشاهد بدلوه في قضايا مصيرية وعلاقات شخصية، ربطته بأكثر الرجال فعالية في حركة التاريخ السياسي اليمني والعربي، لتمثل إضافة نوعية من رجل نوعي التفّت حياته بجلباب المأساة والإخفاق القائم وصادف لحظات أيقن فيها (أنه ليس له حياة بعد الآن)لكنه عاش عمراً مديداً ،وقد توارى خصومه وأحباؤه مطمورين بالتراب ومأخوذين في غياهب النسيان مايجعل هذه المذكرات ذات قيمة تاريخية أو قل إنها آخر دروس “أستاذ” ترجل صهوة الحياة السياسية منذ أكثر من ثلاثة عقود لكنه يعود رافعاً فوق قبره راية التحدي للأحياء ،ومضيفاً إلى القلق والتسلط والاضطراب في فهم التاريخ السياسي لليمن من خلال القرن العشرين غموضاً جميلاً يستحق العناء في نص أقرب إلى الرواية والإبداع الأدبي المتمازج باتحاد لاينفصم مع الغمز السياسي والتوجيه المتبصر للنفاذ رغم طول الأمد الزمني إلى بيئة الصراع اليوم مستدرجاً القارىء لغة ذكية ينتزعها النعمان من كتاب فلسفة الثورة التي قال عنها”إن أعظم الأثر في نفسي”ص55 ،يأخذ عن عبد الناصر (لو سؤلت ماهي أعز أمانيك ؟ لأجبت على الفور أن أسمع مصرياً يقول كلمة إنصاف في مصري آخر وان أرى مصرياً قد فتح قلبه بالصفح والحب والغفران لإخوانه المصريين .لكن لم نجد إلا هذا يتحدث عن ذلك ،وهذا يشين بهذا ، وهذا يريد أن ينتقم من ذاك .وكأن الثورة قامت لتكون سلاحاً في يد الأحقاد .ولكن الثورة لم تكن هكذا)ص55.
وبعد أن قرأت مذكرات النعمان مازلت ألهج هل تحول التاريخ سلاحاً لقتل الذات وطمس معالم التاريخ ؛وهل تأثر النعمان فعلاً بمقولة عبد الناصر وهو يكتب مذكراته ؟
باعتقادي أن إشكالية التاريخ السياسي اليمني تتلخص في هذه الجملة ،حتى أنني وددت لو أن أبطال تلك الحقبة لم يكتبوا شيئا حتى لايدمروا مخيلتنا المترعة بالزهو والاعتزاز بالأخيلة والأوهام التي نرسمها عنهم لأننا جيل مرتهن في قياس قامته بالنظر إلى تلك المخيلة التي يدمرها عاصف الحقائق التي تكشف أننا شعب ينكسر ظله في التاريخ تحطمه مشاعر ومصالح لاتجد العصر بتحولاته وتبديلاته الغريبة كريماً معها.
الفتك بالتاريخ :
إذا كان الإنسان ظل التاريخ على الأرض فإن التاريخ ظل الإنسان في الأرض بما جعل الولع في كتابة التاريخ لتخليد المآثر ونقش الدروس والعبر واحدة من الأعمال العزيزة على النفس البشرية المأخوذة بنشوة الانتصار على الطبيعة المبهرة .ادراكات الأجيال بأمجادها وحوادثها المسطرة في أسفار تطلب خلود الإنسان في التاريخ يكتب الإنسان تاريخ امته ،ويذكر بأدوار باحثاً عن البطولة والعرفان ليتبوأ في الضمير الوطني والكوني مركزاً يحتله بالحقائق أو الأوهام والأكاذيب التي ماانفكت تتسلل لتعطي الحقيقة الواحدة والحدث الواحد معاني مختلفة ،الأمر الذي جعل كتابة تاريخ حدث كالثورة الفرنسية يحتاج إلى مائة عام من المراجعة والتدقيق والتنقية ليفوز الشعب الفرنسي ،بالحقيقة العزيزة على عقله والضرورية لمستقبله .فالتاريخ ظل الشعوب في الأرض ولايمكن الشعب أن يصل إلى المستقبل بلا ظل متسق وهيئة إنسانية.
التاريخ كان واحدة من الخرافات الوطنية الملهمة للإنسان اليمني الذي يمد بظله ليغطي أزمنة وأمكنة وحوادث وأمجاد تجترحها مخيلته ولا يستطيع تأكيدها عقله .هذه الفجوة ربما كانت أخطر مناحي الخلل في تكوين وعينا لأنفسنا وصدعاً يمزق حاضرنا عن ماضينا وعنصراً يغذي الانفعالات الجامحة من اختياراتنا وأفعالنا .لهذا كان اليمني إنساناً بلا ظل متسقاً لإنه لم يكتب التاريخ بموضوعية وأمانة .
وربما كان كتابة تاريخ اليمن خلال القرن العشرين واحدة من مصادر تعميق ابتعادنا عن ذواتنا فالسير الذاتية والمذكرات والاعترافات حول ثورة سبتمبر وحركة الأحرار الصادرة عن رموزها تمثل المأزق الأخلاقي للتاريخ المعاصر بسبب تناقضات ،واختلاف يجعل النص الواحد يتعارض بقسوة جارحة مع نصوص عدة دفعها أشخاص لعبوا أدواراً فيها مقادير من البطولة لكنها لاتتردد في احتكار كل معنى لصياغة التاريخ بحثاً عن التفرد والتميز وهي شهوة طائشة اختص بها صناع الأحداث الكبرى في التاريخ اليمني المعاصر .فالتاريخ والبطولة حين يكونان مصدراً للمشروعية في الحكم وسبباً للفوز بامتيازات يدفعها الامتنان الوطني يتحول صناع الحدث إلى كتاب للتاريخ محكومين بهوى الرغبات والمصالح المصطرعة في الواقع والمتلونة بشعارات الثورة والريادة والبطولة وجميعها أمراض أصيب بها صناع الحدث ليعتاد صياغة فضاءاته واسراره بتلاعب يفسد الشعور الفذ بالتاريخ ويفسد الشعور بالانتماء إليه.
الأمر الذي يجعلنا جيلاً محروماً من الحقيقة وضائعاً في سراديب أبطاله ،محرومين من الشرف ،أفسدنا الاحترام للتاريخ والحرية،ومستريبين بأمجادنا ومسيئين الظن بثوارنا .مما يجعل الحاجة إلى كتابة التاريخ للفترة من 1948م حتى1978م حاجة تتصل بتدعيم الثقة بالنظام السياسي ،ولايمكن لهذه الحاجة أن تحقق مالم يكتب التاريخ عناصر قادرة على حب الحقيقة وماهرة في استخدام مناهج البحث والتفتيش عنها .ومالم تكن قبل هذه وذاك منصاعة للموضوعية والأمانة وتتوفر على خطة بحث فعالة عن حقيقة ضائعة بين حقائق تطمس إحداها الأخرى ،وتلعن إحداها الأخرى لتخلص الأجيال من آفة الشك وتحريرهم من استبداد الأبطال على الذاكرة حتى لاتورث اختلافاتهم موضوع صراع بين الأجيال المهددة أصلاً بالسير بذاكرة متصدعة ووجدان ممزق وعقل مجهد بالتعارضات والانشقاقات والتجاذبات السياسية التي تشوه التاريخ وتضلل الوعي .فاليمن حسب فرنسوابورغا (لا يشكل اليمن استثناء على القاعدة التي تفيد بأن معرفة نظام سياسي مالا يمكن أن تتم خارج إطار الخلفيات التاريخية فالتحالفات والانشقاقات والتقارب والتباعد والشد والجذب التي بدأت منذ العام 1962م ، والى مابعد الوحدة في1990م والحرب الاهلية1994م كلها تلقي الضوء على الثوابت المؤسسة للنظام)هذه الحاجة المعرضة والسياسية التي أصاب –فرانسوابورغا-في تعين أهميتها لكل نظام سياسي تبدو محملة بشحنة من الدلالات الاستثنائية حين ترد من مقدمة “مذكرات احمد محمد النعمان “احد أهم الشخصيات السياسية والثقافية التي لعبت أدواراً أساسية في التاريخ اليمني المعاصر .فينظر إلى سيرته الذاتية كفصل مثير وشائك من تاريخ القرن العشرين الذي يرشح بإشكالات الانتقال من نظام له قاعدته الاجتماعية إلى تحول تحديثي.”ساهم النعمان في ولادته”حسب المقدمة التي ترى أن ولادة النظام الجمهوري عام1962م مدين له بالكثير “ومع ذلك فقد عاش النعمان ومات في المنفى ولم يجد حتى اليوم الموقع الذي يليق به ضمن مؤسسي اليمن الحديث مما جعله يستحق اهتمام برنامج “الأسس التاريخية للانتماءات السياسية في اليمن المعاصر المقدم من المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية تمويل إصدار مذكرات النعمان التي نظر إليها “كشهادة أساسية لأحد مناضلي التحديث “من شأنها ان تلعب دوراً في بناء جدل “سيسمح بكتابة تاريخ هذه المنطقة من العالم علاوة على تاريخ العلاقات الدولية خلال الفترة المفصلية لنهاية عصر الاستعمار”حيث سجلت عام 1969م في عصر “عودة الاستعمار”الأمريكي إلى المنطقة مفتتحاً هذا العصر باحتلال العراق بعد أفغانستان وتأجج النزعات الانقسامية في النظم العربية والإسلامية .
وهنا تتكشف أهمية وخطورة الدور التاريخي للنعمان “مهندس”العقل والشعور السياسي”الشافعي”الذي يمثل النعمان أرضية سياسية قاومت التغييرات العاصفة التي تجتاح اليمن منذ 1984م واحتفظت لنفسها موقعاً في اللاشعور السياسي حتى في أكثر الأحزاب السياسية تقدمية التي تعود لترضع من”حليب” النعمان فارضاً قضيته على كل الأوضاع والمتغيرات التي دأبت على التواؤم مع حقيقة الانقسام الاجتماعي لبنية السلطة ..واذا كان النعمان قد ناصب النظام السياسي الجفاء وترجل الحياة السياسية إلا أنه ظل شبحاً أرق النظم التي استفادت من المنظور النعماني بتشريع عرف المزاوجة السياسية للسلطة بوضع تحبه من تلاميذ الأستاذ في مراكب السلطة العليا.
لقد صاغ النظام أفق التحول الكبير في طبيعة السلطة السياسية وهو الجزء الذي لاتعرف من النعمان الذي راوح بين الثورة والردة في بنية نفسية وفكرية اتسمت بالتعقيد واحتضانها لتعارضات صارخة تجعل النعمان الثائر الذي مقت الثورة والزعماء وناصب زعماء المرحلة الخصومة والكراهية أسس المدرسة السياسيةوالتغييرات العميقة لم تسقط رايته أو تبدل موقفه .وتعد مذكراته “مجازاً”سجلاً يتقصى النضال الجهوي في ذاكرة رجل غادر الحياة وهو يرفع راية النزعة “الشافعية”التي تجد ضالتها في مذكرات النعمان المليئة بالمفارقات مثل حياته التي بدأت 1909م مع بزوغ فجر دولة حميد الدين التي تدفعه إلى تركيز نظره إلى فكرة “الدولة الشافعية”الذي يصبح التجسيد الثقافي والسياسي والاجتماعي لها لكفة يرث أول خيانة لهذا الحلم من أسرته عام 1922م التي تجهض ثورة المقاطرة وتسلم رقاب الثوار ونساءهم لمصير مهين .الفراغ الذي تركه الأتراك وفشل الثوارات حين كان في ريعان الصبى لم يضعف عزمه أو يقيد إرادة البحث عن منفذ الشراكة في الحكم “ثورة1948م”لكن فشل المحاولة يفرض عليه وضع مخطط السلخ لليمن الأسفل عن يمن منفصل مجزأ والمفارقة هنا أنه أراد الاستعانة بنظام ملكي لتدعيم تغيير الملكية .وهو ثأر لايعرف الكثير عن تكوينات مجتمعه “لايعرف أن في اليمن كان يوجد يهود “انظرص224.بعد عقدين ونصف يؤسس ابنه حزباً يتجه باستراتيجيته لضم أعضاء من طائفة اليهود اليمنيين .هذه المفارقة مثل أخريات تدعو إلى الابتسامة من النعمان الذي أنفق جزءاً من عمره في العداء للإمام احمد الذي يحوز وحده الثناء من بين كل من تناولتهم المذكرات وهو رجل ناضل من أجل تغيير اليمن لكنه لايتوانى في مجابهة هذا التغيير ،والعمل على الحد من تأثيره وإضعاف زخمه وتدمير قوته ،فهو ممثل الثورة في الجامعة العربية لكن حديثه ضد سياستها وأهدافها وتصب في صالح خصومها مناضل من أجل اليمن يتخذ قرار مفارقتها ،مرة والى الأبد رجل ينتهز الفرص ليكون في موضوع القوة مسكوناً بها حس التفرد ممتلئاً بإرادة الزعامة ،لكنه رجل في الزمان والمكان الخطأ .زمن التغيير الجامح برياح الثورات التي تجعله ريشة في مهب القدر الذي يجمعه مع أعداء الأمس في مصير غامض في قسوته ومحير في قبول الرجل المتصالح مع المنفى والعزلة والصمت لثلاثة عقود متصلة ،مضمراً في ضميره الوفاء لقضية أسرته وطموحها الذي لايتسع لقضية اليمن وطموح شعبه بخصائص تكوينه التأسيسي المتعدد ،ينام ويصحو على فراش الانكسارات يتفحص وجه ملك الموت الذي صاحبه في كل مراحل حياته ،مختطفاً أحب الناس إليه زوجته ،الإمام احمد والإمام البدر وزملاء النضال مبغوضين –الموكشي- الحورش- الزبيدي- الأحمدي- الوزير- السلال- الإرياني- عبد الناصر- السادات – والملك سعود- ،تاركا هذا الكهل يعتصر من الصمت لحظة في القول..وقد حانت بعد انتظار طويل ،من هو النعمان ..كما يراه النعمان؟
من هو النعمان؟
بين الانتظار الطويل لمذكرات النعمان الذي يستحفر فيها سيرته الحياتية والثقافية والسياسية ،بين زمن صدورها بفاصل زمني يقارب من أربعة وثلاثين عاما هو انتظار طويل يجعل القارىء المتأمل لتلك الحقبة يبرز سؤالا من هو النعمان ؟وماقمته الثقافية والسياسية في التاريخ اليمني المعاصر ؟ربما وجد طائفة من الإجابات وشخصيته ذات أبعاد لايمكن تناولها دون الرجوع إلى مذكراته التي تتضمن اعترافات خطيرة عن الأحداث والأشخاص الذين عاصرهم ،وكان بالإمكان الحصول من رجل تميز بموهبة القول الشفهي ،وتربع على عرش الخطابة يكمل لنا تفاصيل وحقائق لم يبذل السائل جهداً ضرورياً لمعرفة جوانب حول شخصية ربما بسبب أن السائل لم يعرف حقيقة دور النعمان، ولم يكن مطلعاً بخفايا وأحداث عاصرها النعمان أو شارك فيها ،ربما لأن ذلك الجزء من التاريخ لم يكن معروفاً البتة .
لكن النعمان الذي لم تطرح عليه أسئلة كان يجيب بصورة توحي أنه من يدير دفة الحوار ويتقصد ترك الفجوات أو التوسع في عرض جوانب جعلت الكتابة عملاً سياسياً محترفاً ،أراد به الإدلاء بشهادته في مخطط تغيير النظام السياسي في اليمن ليوجز مدى استفادة ثورة سبتمبر من المقدمات التي أسهم بدور بارز في التحضير والإعداد لتغيير يجتث النظام الإمامي من جذوره ،وربما كان ذلك مدخلاً لمعرفة النعمان الرجل الذكي الذي يبلغ حد الدهاء في بيئة شديدة الوعورة ، ينعدم فيها المتعلمون ويختفي فيها الصدق ، ويعوز أبطالها الدسائس والتردد لأنهم لم يمتلكوا رؤية لتغيير الواقع .. فإذا كنا نحن جيل المتلقي للشهادات قد عرفنا النعمان باعتباره قائداً لحركة الأحرار فإننا نصاب بمفارقة قاسية أننا لا نجد في مذكراته عرضاً لقضية الأحرار ومشروعهم السياسي ،بل نرى النعمان سياسياً متردداً بين الإصلاحات الجزئية التي يعول على النظام احداثها وبين مناهض للثورة الوليدة ، كما نراه مفارقا ً لكل حليف أو شريك تجمعه الأقدار في طريق النضال من اجل مشروع باهت بلا معالم ،طيع لكل صاحب هوى ،فهو شريك في ثورة48م لكنه يدفن هذه الثورة باعترافات تجعلها ثورة الإخوان المسلمين وهندتسهم على يد الفضيل الورتلاني مايجعل عمق حضور البناء الإسلامي في الحياة السياسية ذا أبعاد أكبر وأعمق حين نعرف من خلاله أن الميثاق وقوائم الأسماء ورسم مخطط التنفيذ ظلت واحدة من أسرار حركة الإخوان المسلمين في مصر .
هل كان النعمان يترك للأجيال القادمة آخر دروسه في مذكراته التي رسم معالم شخصيته فيها دون تزويق أو تلميع باعتباره رجلاً أتهم باحتكارة للقضية ص143.ثم يقدم نفسه كرجل أعد نفسه مسؤلاً عن كل جهة “عن كل القضية “ص143.
ويكشف بصورة سافرة نفسيته الصلبة كأستاذ يعترف أنه نال هذا اللقب من آل حميد الدين خصومه الذين نراهم في مذكراته في هيئة بهية وكأنة لم يرتبط فقط بعلاقات شخصية ولكن بواعث هذه العلاقة تجعله غامضاً شديد الانطواء لايثق حتى بأقرب اصدقائه الزبيري وهو فضلاً عن ذلك صعب المراس أو عنيد يميل إلى الاستبداد ص169،يستخدم علاقاته الشخصية بالدول والزعماء والأشخاص دون أن يكشف أبعاد وأهداف مساعيه الشخصية حتى أنه لا يتردد في تدعيم نفسه في هيئتين مختلفتين إحداها تتصف بالذكاء والحنكة وقدرة الإقناع حتى وهو يواجه لحظات فاصلة مع اقرب من جمعتهم به القضية اليمنية ،وربما كانت السطور التي وردت عن لقائه بالأمير إبراهيم ص158،بإيعاز من الفسيل حول موارد الأحرار، فقد عرض في المشهد الأول عرضاً ينتهي بنا إلى الثقة أنه يمتلك من الدهاء القدر الكافي لقيادة ذلك العدد المتنافر من الزعامات التي تحيط به لكنه في صفحات أخرى يعيد عرض هذه القضية بصورة مختلفة عن ذلك العرض حول ذات الموضوع ،حتى اننا لم نعد على يقين من صدق الرواية حول حقيقة ماحدث لكننا نعلم طباعه القوية التي تمنحه القدرة على الجلوس مع الأمير إبراهيم بعد مكاشفة مريرة وأليمة يعترف خلالها للأمير أنه لا يثق به ولايثق بأحد من شركائه في القضية التحريرية ،ثم يجلس معه بعد برهة من المكاشفة ليتناول الطعام متجاهلاً الأذى الذي قد لحق بقائده الأمير إبراهيم متجاهلاً تهمة سرقة أموال ، وحده من يعرف عنها ووحده من يمتلك حق التعرف بها تاركاً القارىء مصاباً بالدهشة من حجم القسوة التي يمتلكها النعمان حتى مع اقرب حلفائه ص252.
إن الروايات المتعارضة للوقائع والأحداث تكاد تكون واحدة من أبرز ماتتسم به مذكرات النعمان الغاضب الناقم والذي يقدم نفسه كزعيم شافعي ،قرر أن يجعل هذه المذكرات استقالته المتميزة عن المشاركة في الحياة السياسية ليختار أجمل معاني الأرض متعجلاً في شهادته متأخراً في الإفصاح عنها ،وكأن لغز النعمان قد اختزل في ظروف تسجيل هذه الشهادات التي تزامنت مع ترتيبات إقليمية كما في 67-1968م ليعيش وحيداً ويموت وحيداً تاركاً من حوله صخباً مااظنه سيهدأ حتى وهو في قبره الذي جعله منبراً لمحاكمة جيل كامل وتجربة سياسية يصدق عليها الحكم بأنها طفولتنا السياسية وحكمتنا المدخرة ويعكس لهفة الأفراد للصعود إلى مسرح التاريخ عراة محملين بالضغائن والمشاعر الكبيرة ضد كل شيء باستثناء رجل واحد نفذ من بين يدي النعمان وفاز بمحبته واعتذاره الجم ألا وهو الإمام أحمد.
الإمام أحمد:
إذا كان النعمان رائدا من رواد حركة التحرر الوطني وحسب قول الرائد لايكذب أهله ،فان الصورة التي يرسمها النعمان لعبد الناصر والبيضاني والسلال والملك سعود والقاضي عبدالرحمن الإرياني أو السادات وبيت الوزير فٍإن تلك الصور تبدو مغايرة لما عرفناه وألفناه عن هؤلاء بالمقارنة بصوره البارزة التي تنسل في صفحات الكتاب من أولة إلى آخره وعن الإمام احمد الذي يتوزع بدءاً من الصفحة (47)وحتى(211) وكأن الإمام احمد ظل يلاحقه بين صفحة وأخرى وكأن علاقته بهذا الرجل واحدة من الآثام التي حملها في كل حياته الصاخبة مذكراً بمزاياه التي لا تقل لديه عن أعظم الشخصيات التي يمر بها النعمان .فهو يتحلى بالصبر بينما كانت الصورة عنه متسرعاً وكريماً ومتسامياً مع من قتلوا ابنه وهو مؤمن يتحري اليقين في احكامه وثبوت الدليل حتى يعمل الشرع وكأن حب النعمان يتحرى في إصدار الأحكام الشرعية (ولا يرغب في ان يتلقى الأحكام من افواه الناس
وهو رجل وفي ويتبادل مع قتلة ابيه الرسائل من قصره الى سجن حجة .بل ان الامام احمد هو من الهم النعمان كتابة مذكراته فقد ابلغ انه يكتبها في السجن واشاد الامام القابض لأرواحهم ومصالحهم يترجى سجينه ان يواصل العمل في هذا السبيل والنعمان يبادل الامام احمد مثل هذا الوفاء شاهراً القلم الذي ارسله اليه الامام احمد في السجن (لايزال هذا القلم الى الآن موجودأ معي)والمفارقة ان قائد حركة أحرار اليمن يعترف ان الروح الوطنية قد تعلمها من الامام احمد الذي دفعه ان يبثها في نفوس النشء.
ويعترف النعمان انه لايجوز له الخروج على الإمام بأي حال من الاحوال ،فقد كان الرجل يستطيع ان يتبصر ويطور أوضاعه داخل بلاده بشكل ما وكان في أوقات يصفه بأنه مستجيب لكل شيء معقول، ولايقبل بالوشاية مماجعله في نظر النعمان أذكى حاكم عربي له ذوق أدبي ممتاز هل كان النعمان مديناً للإمام احمد ويخفي مشاعر طيبة له مما يجعله يذكر هذا الرجل اكثر من 24 مرة بأفضل السجايا وأكرم الخلق ؟الأمر الذي يدعونا الى التساؤل طالما والحاكم بهذه الهيئة ما الداعي للخروج عليه ؟ومامبرر الثورة على نظامه؟وماهي قضية الاحرار التي اخذت جزءاً من شباب النعمان ولكنها لم تنل ذات القدر الذي فاز به الإمام احمد من الوضوح والمدح والعرض حتى أننا نشعر أن الكتاب أطول رسالة اعتذار للإمام والإمامة وبالاخص إذا قرأنا بإمعان لقاء النعمان الاخير بالبدر بعد قيام الثورة فاردين بسؤال لاذع وحقيقة مريرة عن المركز والجبهة التي قاتل من أجلها وفيها هل هوالتغيير أم الحفاظ على الملكية والتدرج في التغيير في إطار النظام الإمامي؟ أم أن علاقة النعمان بالإمام احمد ثم اعمق بيت النعمان بأسرة حميد الدين بعد جلاء الاتراك من اليمن وبالاخص شراكتهما في إسقاط قلعة المقاطرة التي لعب فيها بيت النعمان الدور الحاسم في انتصار قوات الامام على ثورة المقاطرة ،وهي كانت فاتحة تعاون مرغوب لدى النعمان الذي اراد لنفسه واسرته لعب دور مركزي في اطار النظام الامامي الذي لم يحسن ادراك مثل هذه الغايات اوقل لم يبق ببيت النعمان فحسب المذكرات يرسمون لأنفسهم موقع التعبير عن الزعامة الشعبية الموسومة بالميل الى الاستقواء بالخارج والتعاون مع المستعمرين ،ممايجعل هذه المذكرات إعادة انتاج لصورة اليمن والمنطلقات السياسية التي حكمت قادة حركة الاحرار اذا كان النعمان هو المعبر عن تطلعاتها .وربما يحتاج الامر لقراءة ما وراء الاسوار وهو كتاب اغفل الاشارة اليه الاستاذ النعمان في مذكراته وكأنه يتنقل مما جاء في تلك المراسلات من مشاريع سياسية تصل إلى حد تمزيق اليمن الى يمنيين أعلى وأسفل لماذا ؟ انظر ص (47) حتى ص (176) .
هجاء الثورات:
لم يكن إغفال ماورد في الكتاب “ماوراء الاسوار”سهواً أو تجاهلاً مدروساً بل هو من صميم التلاعب بالشهادة التاريخية التي تفسر لنا الاسباب الكامنة وراء صموده وجلده على العمل منفرداً باسم حركة الاحرار المحاطة بالريبة والشك والمطوقة بمشاعر مضطربة لاتأمن من جانب الشركاء(الزيود) الذين يريدون معرفة مصادر التمويل والممولين فذلك واحدة من أسرار النعمان التي اراد لها أن تموت معه بعد ان فشل في إيجاد دولة شافعية في اليمن الاسفل التي كانت حافزاً سياسياً تدفع الممولين لدعم توجهاته السياسية المضمرة حتى عن اقرب حلفائه واصدقائه الزبيري ،وإلا كيف نفسر ابقاء عمل وطني شامل حكراً على رجل واحد يعترف ان من يمولوه بالموارد المالية هم من ابناء الحجرية او اليمن الاسفل كما يسميه ،ممايجعل النعمان واحداً من الغاز الحياة السياسية التي يحتاج الى بحث لإدراك نوع التغيير الذي يرغب به النعمان والتي جاءت ثورة سبتمبر لتباغته بتحول يدخل لاعبين كثر فما كان يمتلك حيلة المواجهة إلا عبر اللعب في ملعب حددت قواعده واختيرت شخوصه بإدارة اقليمية توزعت بين مصر والمملكة العربية السعودية والاردن .وهو مايجعلنا اكثر ثقة للقول ان المذكرات شهادة ندم على الامامة والاعتراف من زعيم يعتذر للامام احمد والبدر عن اخطائه التي لم تكن كبيرة ولم يكن المسؤول عن حدوثها بقدرما كان العصر المتسم بالثورات والتغيرات هو الذي باغت النعمان والامامة ..لذلك نرى تأكيداً من النعمان الزعيم الشافعي الذي لايثق بالتوارث ويقبل ان يصم (الشوافع) عموماً بتهمة الاستقواء بالعنصر الخارجي للانتصار على الزيود ويصف ثورة الجنوب التي هو خارجها بسخرية تجعل منها (جمهورية شقية)رغم انها كانت واحدة من أحلام النعمان أن تقوم دولة للشوافع ولكنها قامت دون ان يكون النعمان مهندسها او قائدها فهو بتر منها بل ويسخر ونجد في المذكرات هجاء مقذعاًً للثورات المصرية واليمنية وعرضاً لمساوىء وعيوب الزعماء في تلك الحقبة حيث يقدم عبد الناصر في هيئة بائسة ضامرة تخالف مارسم عن هذا الرجل العملاق من صورة جسدت في وقت من الاوقات طموح وقوة الانسان العربي انظر ص(75،78،80،93،116،117،118،126،199).لترى أقذع وأقسى هجوم عرفته الثورة المصرية من ثأثر يمني او هكذا تبدى لنا. كما ان صورة السلال أول رئيس لنظام الثورة الذي يسميه بالبلادة والغباء ويخوض معه مواجهة مشككاً بثوريته ويجزم انه قائد حرس الإمام بينما يصور نفسه المعبر ا لأحدث عن الثورة فقط لأن السلال ينحدر من العنصر القبلي الممقوت بمرارة من قبل النعمان(انظر صفحة 113،110،96،76) وليس الملك سعود احسن حالاً من السلال ص 76 وكذا السادات الذي يزيد بوجهه المعتم اجواء المكان قتامة وسواداً حسب النعمان –انظرص91.
أما البيضاني وبيت الوزير والارياني لايجدون لأنفسهم عند النعمان من شفيع إلا أن الطريق في أمر الإرياني الذي ربطته صداقة وشراكة نضال بالنعمان متهماً بالباطنية والتآمر ويصفه بالضعف وخيانة الاصدقاء بمجرد ان وافق تجريده (أي النعمان )من الجنسية اليمنية دون ان يقدم لنا أسباب اتخاذ أية دولة كانت في وقت من الأوقات لتجريد عضو بارز يرأس مجلس شوراه الى اتخاذ مثل هذا التدبير ولا يجد لرجل دولة صديق عذراً لواجباته التي تجعله فوق الصداقة فخيانة واجباته ستكون افدح من خيانة الأصدقاء الذين يثيرون سؤالاً كبيراً ،اين يقفون من عملية التغيير في اليمن ،هل كان النعمان مع الثورة أم ضدها ؟وماهوشكل العلاقة التي ظلت تربطه بالملكية ومن يدعمونه؟حتى الزبيري الذي يضعه في خانة المقدسين ويعتبره من أخلص اصدقائه الذين تجمعهم مودة نقية وحب صافٍ نرى صورته في المذكرات مضطربة بل وساذجة حتىأنه بعد ان قتل بين يديه ظل النعمان يعمل مع من قتلوه،حاملًا إلى البدر في لقائه الأخير شعوراً غريباً بالظفر وكأن النعمان قرر الاستقرار في مساحة هذه المذكرات بعد ان ترجل صهوة الحياة السياسية وهو لايحتفظ بقلبه غير شعور من ندم على الامامة ، مرفوعاً بزهوٍ أخرس لعرض انتصار مزعوم على عبد الناصر والسلال ، منتشياً بشعور النجاح بجهد إفساد الثورة واحساساٍ مظفراً بالتفوق على لحظات التغيير التي تجعل يحب ضحاياة احمد والبدر ويكره حلفاءه ويتحتم كل ساعة لكشف الجفاء والكره والعداوة وبالأخص مع السلال او حين عين رئيسياً لمجلس الشورى الذي لم يلتئم ولم ينتخب ،لكنة استخدمة كقضية خلافية بذريعة دعوة رؤساء المجالس حيناً وحيناً آخر بذريعة البحث عن دور مركزي لإدارة هذا المجلس الذي يريد من خلاله إدارة مؤسسات دولة هشة ،عمرها القليل لم يشفع لها عند النعمان أي عذر حتى يستقيل وكأن النعمان الذي عاش عقوداً يتحمل مساوىء النظام الامامي لايحتمل أياماً وأشهراً من جموح الثورة وهو يغفر للامامة مساوئها واحتفظ بأمل إصلاحها ولكنه يرفض التحلي بالصبر مع الثوار وهي صورة تتكرر في صفحات الكتاب اذا ماجمعت مع الثناء الذي رأيناه للإمام احمد.
نجد النعمان يقر بفساد الرأي في ثوريته مهيلاً التراب على 1962،48م وفكرة التحرر المستجلبة من سوق الثورة العربية في صفحات تتكرر الإشارة فيها الى هذا الامر بدءاً من ص52وحتى ص211 بعدد مرات تصل الى25مرة تتحطم فيها صورة أبطال التغيير ومحاولات التغيير وكأنه رجل نضج عمراً وخبرة وقام يعترف بإدانته لطفولة التاريخ السياسي ماسكا بارادة لاتلين فأساً يحطم بها مشاهد التاريخ وشخوض المسرح التاريخي الذين نراهم يدخلون في رحمة النعمان وينالوا منها المودة والرحمة ويحوزون على غفرانه حين تجمعه بهم المنافي والرعاية السعودية.كماحدث مع بيت الوزير من خصومه في رواية التاريخ انظر(207،192،191،188) بعد هذا ماقيمة النعمان في التراث السياسي والثقافي وماأهميته بالنسبة للأجيال الراهنة والقادمة ؟وماحقيقة دوره بعد قيام الثورة 62م وماهي اجازاته في حركة الاحرار ؟هل كان مع الامامة ومثل خطها المتقدم في صفوف الثورة وهل انتظر حقيقة سبتمبر؟
تلك اسئلة تجد إجابتها ما ان تتم قراءة النعمان في مذكراته التي تعرض اندلاع الاسئلة في العقل ومهما بحثت عن الإجابة وحتى لو تجاهلت عقلك وفتشت في ضميرك عن صفح وغفران لتعارضات صفحاتها التي ترد الوحدة على الاخرى وكأنا في مشهد سريالي ،فهو يتنافض في كل حين وفي كل وقت ومع كل شخص وهو ذكي وساذج في آن معاً ،وكأنه حلل تكويننا الاخلاقي المقيد بشعور لايتحرج في الكذب ولايتردد في اقتحام مشاهد التاريخ مكتنزا بالغضب والكراهية يظهر ميلا الى مناطق القوة التي يعرف كيف ينحاز إليها .انه رجل من صميم التاريخ تجد امثاله يحيطونك في أقل الاماكن احتشاداً وفي أضيق زوايا التاريخ لكنك ستكون مجبراً ان تطلب من النعمان وانت تطوي مذكراته لتضعها في ركن من مكتبتك مغادرة ذاكرتنا ولايبقى بعد ذلك منه شيء غير حطام تمثال تفتت مع أول كلمة افصح عنها النعمان لانّه رجل نحتته مخيلتنا بإزميل الاشواق الباحثة عن بطل ،وقدوة نضالية .. أردنا ان نتعلم من تجربته دروساً لاتعلمها كتب التاريخ ولكننا أصبنا بأكبر خيبة أمل فمذكراته لاتتحدث بأسلوبها المشوق عن أمجادٍ صنعها أحد رواد التحرر بل تعترف بأمجاد عمل بعنادٍ وقوة على افسادها وها نحن في آخر صفحة نلملم أشلاء تلك الامجاد ونتفحص حطام رجل كان مثلاً لان يغادر ذاكرتنا في هيئة بطل.. لو كنت من بيت النعمان لعملت بكل الوسائل على منع صدور هذه المذكرات حتى أبقي فكرة البطولة وهمها الجميل.
هذه المقالة كتبت عقب صدور مذكرة (النعمان) ولم ينشرها الكاتب حينها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.