أثناء قيامي بجولة تطفلية فضولية لإحدى المدارس قلب مدينة تعز لفتت نظري طالبة إعدادية عامة تستذكر دروسها باجتهاد كبير، وهذا يثير إحساسي بالاحترام والتقدير لمن يقف خلف هؤلاء ويصور لهم العلم كأداة وحيدة للتطور، لكني طلبت منها تزويدي بكراسة اللغة العربية حيث بدأت باستعراض الجانب الإداري في الموضوع من حيث إتمام خطة المنهج الخاص بالترم الأول من العام الجاري وكانت النتيجة مرضية نوعاً ما، إلا أن الجانب الفني بدا قاصراً جداً بزخم الأخطاء الإملائية الكثيرة جداً جداً والتي أوحت لي ولبرهة قصيرة أن معلمة اللغة العربية قد تكون خريجة ابتدائية، ولهذا صعقت عندما قابلتها وكانت خريجة بكالوريوس لغة عربية...ومن ضمن الأخطاء التي وجدتها في كراسة الطالبة كلمة(منذ) حيث كتبتها (منذوا) مزودةً إياها بواو الجماعة مع ألف الجمع في آخر الكلمة بينما لا تعدو الكلمة عن كونها ظرف زمان أو دالة على ظرف زمان كإعراب تقديري أولي أيضاً كلمة (له) كتبتها (لهوا) أيضاً مع واو الجماعة وألفها. المحزن أن الأستاذة مرت عليها بالخط الأحمر وكتبت في آخر الصفحة بعد النجمة(نظر مع الشكر والتقدير) لا تقولوا زحمة فصول وأعداد متكدسة من الطلبة والطالبات ولكن قولوا: أين كانت معلمة المرحلة الابتدائية من مادة القراءة؟! وأين هو التفعيل الخاص بهذه المادة على أساس أن القراءة هي مفتاح العلوم الأخرى وأن امتلاك القدرة على القراءة والكتابة منذ الصغر يسهل كثيراً الاهتمام بالعلوم الأخرى ،لأن الخطوة الرئيسية في محو أمية الطلبة والطالبات هي إتقان القراءة والكتابة باللغة العربية، أما ما يحدث من الاهتمام في الصفوف الأولى باللغة الإنجليزية أو التركيز على مادة الرياضيات فهذا لا يجدي نفعاً ما دام هؤلاء الصغار لم يحصلوا على السلاح الحقيقي لمحاربة الجهل وهو القراءة، ومن عظيم شأن القراءة أن تكون الكلمة الأولى التي نزل بها القرآن الكريم هي كلمة(اقرأ)وبعدها يأتي دور الكتابة لما لها من أهمية في تدوين العلوم وإثبات وقائع التاريخ. على إدارات المدارس الحكومية والخاصة البحث عن طرق تطوير مهارات القراءة والكتابة لدى الأطفال منذ الصف الأول ابتدائي وحتى الصف السادس حيث إن هذه المرحلة هي مرحلة البناء الحقيقية التي تصقل مهارة الطفل وتعرفه على أصول العلم الأولى وهي القراءة والكتابة. إن التركيز على تناول القراءة بشكل جيد سيجعل من باقي المواد الدراسية مجرد مراجع هامة لاستقاء العلم وهذا هو العكس مما يحصل على أرض الواقع حيث يتم تلقي المواد الدراسية تلقياً حرفياً بعيداً جداً عن التطبيق والبحث والغوص في فنون كل علم، ولهذا فإن الابتداء بمادة القراءة شرحاً وتفصيلاً وانتقاءً سيجعل العملية التعليمية أكثر متعة وفائدة واستيعاباً من سياسة البذر في الصحراء التي لم تؤتِ أكلها في جيل عريض من الشباب الذين لا يعلمون عن اللغة العربية سوى أنها تبدأ بالألف وتنتهي بالياء. في نظري من العار أن يكون من أبنائنا وبناتنا من لا يجيد القراءة والكتابة وهي عنوانه وهويته، دينه وتاريخه ومن العار أيضاً أن يكون من بين المعلمين والمعلمات من لا يعطي هذه المادة ما تستحق من التقديس والاحترام والإخلاص في الطرح.. على وزارة التربية والتعليم أن تضع ضمن استراتيجياتها خطة متكاملة للنهوض بمستوى هذه المادة وتشجيع الطلاب على التحدث بها كونها لغة الكتاب السماوي المقدس، كتاب المسلمين الذي حماه الله من التحريف، منهج الحياة المتكاملة ديناً ودنيا.. وعلى الوزارة أيضاً أن تعيد النظر في معلمات الصفوف الأساسية وفق خبرات تراكمية وقدرات عالية في التواصل والتوصيل واقتدار كبير على تغيير واقع اللغة التي اندثرت تحت غبار العلوم الأخرى قيمةً ومعنى. إن ما يحدث اليوم في صفوف المراحل الأساسية دعوة (نحو الأمية) وليس محواً لها، بل إنه همش الدور الأساسي لوجود اللغة العربية كلغة خطاب إسلامية عالمية ذات منشأ سماوي ديني قادر على صهر جميع القوانين الاجتماعية في مبدأ محمدي واحد. القراءة مفتاح العلوم بأكملها والقلم الذي نشير به إلى الكتابة جاء بعد أمر القرآن بالقراءة في إشارة بليغة إلى أن تعلم القراءة أولاً لحروف اللغة يقود هجائياً إلى إتقان الكتابة.. ولهذا كان الأمر بالقراءة والإشارة إلى التعلم بالقلم من أول ما أنزله جبريل عليه السلام على محمد «صلى الله عليه وسلم» وعليكم مراجعة سورة «العلق» مع أبنائكم لمعرفة أهمية القراءة والكتابة لهذا الجيل الفاشل إملائياً مع الاعتذار عن هذه الكلمة لأبنائي وبناتي طلاب وطالبات المدارس ولكني أحب أن أذكركم بآية قرآنية في سورة الجمعة يقول فيها ربنا عز وجل {مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا..} عليكم أن تحملوا حقائبكم يومياً وأنتم تؤمنون بما تحويه حقائبكم!!