طائر النورس الذي عشق البحر، ويتنفس هواءه العليل.. ويجوب فضاءاته طليقاً حراً.. محلقاً عبر أصقاع الأرض وبحارها السبعة.. ممتطياً تيارات الهواء في هجرات متواصلة؛ بحثاً عن الدفء ومصادر العيش. رغم هذا السفر المضني، ظل النورس مرتبطاً حميمياً بموطنه الأم وبالأرض التي تفتحت عيناه على نورها عند خروجه الأول للحياة.. يشده الحنين للعودة إليها مع كل سفر طويل ليمارس غريزة البقاء والانتماء.. فيجمع بين انطلاقه في مسارات ودروب يتحرك خلالها يلملم مقتضيات معيشته من أيسر السبل، وبين حواره مع المخاطر البحرية والشواطئ الساحلية حيث الأرض والأشجار.. وحيث الأصحاب والأحباب.. وحيث تتجدد حياته وتتواصل. هكذا هي نوارس اليمن المهاجرة في أصقاع العالم، تظل سعادتها بالوطن والعودة إليه لا تضاهيها سعادة مهما كانت مغريات الغربة أو قوة تأثير دواعيها. الغربة.. طريق مجهول.. والوطن مهوى الأفئدة ومحط الأبصار والعقول، وإن كان العيش يفرض مذاقه لزمن قد يطول أو يقصر.. فالعودة حتمية مهما تبعد الأسفار.. ذلك أن حب الوطن منقوش في الوجدان.. ويسكن الروح إلى أبد الآبدين..! ومن لقاءاتنا وحواراتنا مع إخواننا وأحبائنا المغتربين نلاحظ كم يبدو مدهشاً أن هؤلاء الذين اضطرتهم قساوة الظروف والحرمان وشظف العيش للاغتراب يتمسكون بقدرة فائقة على إضاءة الأمل وبث الطمأنينة في النفوس بثقة أن الكد والنكد بعيداً عن الديار ليس إلا الطريق الأكيد إلى الوطن، حيث الحنين والشوق يعمق تعلق النفوس بالأرض والأحباب. هذا (النورس) الطائر الرقيق الناعم على رقته ونعومته لا يعرف الضعف، بل إنه يحلق في تخوم الغربة بعيداً أينما تدعو الحاجة مع طاقاته وإرادته هذه لا يبرح الحنين ولا التمسك بالوطن..همومه ليست دائرة حول ذاته فقط بل هي أكبر من ذلك إلى ما يخدم بلاده ورفعتها، فالقليل كافٍ مع القناعة والود والمحبة..!. وتبرز الصورة المدهشة إذا نظرنا إلى متاعب الأسفار ومكابدات الغربة في صلابة الإرادة وقوتها..! صحيح لو كان بمقدورهم لاختاروا تعباً محبباً على أرضهم ووطنهم وبين أهلهم وذويهم.. ولكن..آه من لكن..!. إنهم أحباؤنا.. نوارس اليمن أكثر من يعمقون حب الوطن والحنين والشوق والولاء الأبدي له..! [email protected]