قرارات مفاجئة لنجمين في الهلال والنصر السعوديين قبل النهائي    محكمة العدل الدولية تأمر إسرائيل بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في رفح مميز    مانشستر يونايتد يقرر إقالة إيريك تن هاج    توقيع اتفاقية بين اليمن والامارات بحضور وزير الخارجية.. والكشف عن تفاصيلها    لصوص الشرعية آل عفاش يسرقون شهريا من تغذية مقاومة تهامة 4,5 مليون ريال سعودي    رسميا.. إقالة تشافي من تدريب برشلونة    عالم يرد على تسخير الإسلاميين للكوارث الطبيعية للنيل من خصومهم    بيان هام من وزارة الاوقاف بشأن عرقلة مليشيا الحوثي لترتيبات خدمات الحجاج والنقل الجوى    الفن والدين.. مسيرة حياة    بعد استراليا ..تحرك اوروبي وشيك لمواجهة تصاعد تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية    قياديان بارزان في جماعة الحوثي يستببان في اخطر كارثة صحية بصعدة    عن طريق أمين جدة السعودية.. بيع عشرات القطع الأثرية اليمنية في لندن    أحدث ظهور للفنان ''محمد عبده'' بعد إصابته بالسرطان.. كيف أصبحت حالته؟ (فيديو)    احباط تهريب 213 شخصًا من اليمن ومداهمة أوكار المهربين.. ومفاجأة بشأن هوياتهم    أمطار على 8 محافظات يمنية.. وارتفاع درجات الحرارة خلال الساعات القادمة    دورة الانعاش القلبي الأساسي للطاقم الطبي والتمريضي بمديرية شبام تقيمها مؤسسة دار الشفاء الطبية    بصعوبة إتحاد النويدرة يتغلب على نجوم القرن و يتأهل إلى نصف النهائي    الدوري الايطالي ... سقوط كالياري امام فيورنتينا    الشراكة مع الشرعية هرولت بالإنتقالي لتحمل جزء من فاتورة الفساد!!    محاولات التركيع وافتعال حرب الخدمات "يجب أن تتوقف"    المهندس "حامد مجور"أبرز كفاءات الجنوب العربي تبحث عنه أرقى جامعات العالم    تصحيح التراث الشرعي (32) أين الأشهر الحرم!!؟    الروس يذّكرون علي ناصر محمد بجرائم 13 يناير 1986م    السعودية تقدم المزيد من الترضيات للحوثي    إعلان سعودي رسمي للحجاج اليمنيين القادمين عبر منفذ الوديعة    رونالدو يفاجئ جماهير النصر السعودي بخطوة غير مسبوقة والجميع ينتظر اللحظة التاريخية    هل لا زالت تصرفات فردية؟.. عبدالملك الحوثي يبرر اعتقال الناشطين وتكميم الأفواه ويحذر: مواقع التواصل عالم مفخخ وملغوم    المشروع السعودي "مسام": 84 مدرسة في تعزز تضررت من الألغام الحوثية    نجل القاضي قطران: والدي معتقل وارضنا تتعرض للاعتداء    احتجاز نجم نادي التلال العدني وثلاثة صيادين في معاشيق: نداء عاجل لإطلاق سراح أبناء صيرة المقاومين    مأساة في عدن: فتاة تنهي حياتها قفزًا بعد تراجع معدلاتها الدراسية    شاهد: "المشاط يزعم أن اليمن خالٍ من طبقة الأوزون والاحتباس الحراري ويثير سخرية واسعة    الحوثيون يسرقون براءة الأطفال: من أيتام إلى مقاتلين    منارة أمل: إنجازات تضيء سماء الساحل الغربي بقيادة طارق صالح.    العطس... فُرصة للتخلص من السموم... واحذروا كتمه!    بنك اليمن الدولي يرد على شائعات افلاسه ويبرر وقف السحب بالتنسيق مع المركزي .. مالذي يحصل في صنعاء..؟    بنك مركزي يوقف اكثر من 7شركات صرافة اقرا لماذا؟    الحكومة تطالب دول العالم أن تحذو حذو أستراليا بإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب    الهلال الأحمر اليمني يُساهم في توفير المياه الصالحة للشرب لمنطقة عبر لسلوم بتبن بدعم من اللجنة الدولية ICRC    "القسام" تواصل عملياتها برفح وجباليا وجيش الاحتلال يعترف بخسائر جديدة    مصادر: مليشيات الحوثي تتلاعب بنتائج طلاب جامعة إب وتمنح الدرجات العالية للعناصر التابعة لها    سنتكوم تعلن تدمير أربع مسيّرات في مناطق سيطرة الحوثيين مميز    بسبب مطالبته بدفع الأجرة.. قيادي حوثي يقتل سائق "باص" بدم بارد في ذمار    نايف البكري يدشن صرف البطاقة الشخصية الذكية لموظفي وزارة الشباب والرياضة    وزير الأوقاف يحذر ميليشيا الحوثي الارهابية من تسييس الحج والسطو على أموال الحجاج    الهلال يُشارك جمهوره فرحة التتويج بلقب الدوري في احتفالية استثنائية!    اتالانتا بطلا الدوري الاوروبي لكرة القدم عقب تخطي ليفركوزن    شاب سعودي طلب من عامل يمني تقليد محمد عبده وكاظم.. وحينما سمع صوته وأداءه كانت الصدمة! (فيديو)    تغاريد حرة .. الفساد لا يمزح    للوحدويين.. صنعاء صارت كهنوتية    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله معجب:ثورات الربيع العربي فجرت طاقات الإبداع لدى الشباب
نشر في الجمهورية يوم 29 - 09 - 2012

شاعر مسكون بالوطن والوطنية منذ وقت مبكر من حياته الأدبية، ولطالما حلّق عاليا في العديد من القصائد الوطنية التي اشتهرت خاصة في مرحلة الثمانينيات وتغنى بها الكثير، وعلى قدمها لا تزال فرائد ودررا على لسان الكثير من أبناء الوطن في الريف قبل المدينة، خلد مؤخرا إلى القراءة والتأمل على حساب نظم الشعر أو حتى الكتابة كما يرى المحرر، ملتزماً بالإجادة كعادته في قصائده المتأخرة، ومحافظا على ذات الروح العالية التي عرف بها، بين يدي القارئ هذه الطيافة الأدبية الرائعة كانت معظم أسئلتها من وحي ديوانيه الشعريين, خاصة الأول منهما “آيات من سور الغضب” لا تخفى على القارئ.
- أين توارى الشاعر عبدالله معجب في الآونة الأخيرة؟
لست أدري ما ذا تعني بالتحديد بعبارة “في الآونة الأخيرة” فالحقيقة أني لم أتوارَ نهائيا من الساحة الشعرية في السنوات القريبة الماضية، فقد نشر لي عدد لا بأس به من القصائد في صحيفة الثورة وصحيفة 26 سبتمبر والثورة الثقافي وغيرها.
- جميل.. ما الموضوع الفني الذي تناولته هذه القصائد؟
دار بعضها حول أوضاع وهموم الأمة والوطن والثورة والوحدة، ودار بعضها “وهي بضعة نصوص” حول شخصية الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم حبا ومدحا وثناء وردا على الهجمات والحملات الحاقدة والجاهلة التي مست وأساءت إلى ذاته وإلى سيرته وأخلاقه العظيمة التي ما زال إشعاعها وهداها يملأ الدنيا حتى يوم الناس هذا، وسيظل متوهجا وضاءً ما دامت الحياة، وبعض تلك القصائد كانت رثائية وتوديعية لعدد من الشخصيات الوطنية الكبيرة والأصدقاء الحميمين الذين التحقوا بالرفيق الأعلى بعد أن تركوا إرثا عطائيا وأخلاقيا رائدا ومتميزا. هذا بالإضافة إلى عدد من النصوص التي كتبتها ولم أنشرها وأودعتها في خانة الانتظار تترقب موعد نشرها وصدورها. وأريد أن أؤكد لك من جديد هنا ما قلته لك أخي ثابت في لقاء سابق معك قبل سنوات أنني شاعر هَاوٍ ولست شاعرا محترفا، وقد تستغرب لهذا التوصيف، فأنا أكتب الشعر وأتعاطاه على “أقل من مهلي” كما يقول الناس في تعبيرهم اليومي المتداول، وأقوله في فترات متباعدة بعض الشيء عن بعضها، ولا أنخرط في كتابته والتعاطي معه عند كل هاجس أو إحساس يستدعيني أو ينتابني، أو عند أية فكرة أو تصور أو همِّ أو قضية تستوقفني وتعتري حياتي.
- إذن أريد الآن تعريفا أو تشخيصا للشاعر الهاوي والشاعر المحترف من وجهة نظرك؟
يمكن القول إن الشاعر الهاوي هو شخص متمرد على الشعر، قليل الانقياد له، يقو الشعر ويكتبه؛ لكن بقدر غير قليل من المزاجية والانتقائية “وعلى راحته” بعكس الشاعر المحترف الذي يكرس للشعر الكثير من وقته والكثير من جهده وتركيزه، فتراه خادما مطيعا للشعر عاكفا عليه منشغلا به في كل شاردة وواردة، وفي كل صغير وكبيرة، وهذا النوع المطواع للشعر لا يرى بأسا في أن يكتب كل يوم نصا شعريا، ويصبح عنده ما يمكن أن نطلق عليه “إسهالا شعريا”!! وعلى الرغم من سماتي التي تجعلني من هواة الشعر لا من محترفيه، ومن المتأبّين عليه لا المنقادين له، فإن بين يدي الآن أربع مجموعات شعرية أنوي إصدارها خلال الفترة القادمة إن شاء الله، لتلتحق بالثلاث المجموعات الشعرية التي صدرت لي خلال السنوات المنصرمة من حياتي الشعرية، وهي: “آيات من سور الغضب” و “قصائد انتفاضية” و “مواكب الحب” ولكني أعود لأقول بصراحة: إنني أتعامل مع أشعاري ومسألة نشرها وإصدارها بقدر لا أُحسد عليه من الكسل والبطء؛ بل ومن التسويف والمماطلة أيضا.
- لطالما صدح الشاعر عبدالله معجب وتغنى بسبتمبر المجد وأكتوبر النصر، فأين قصائد وروائع الثورة الجديدة؟
من المؤكد أن ثورات الربيع العربي قد فجرت في الإنسان العربي، وخاصة في جيل الشباب طاقات خلاقة لا حدود لها وينابيع ثرية من الإبداع والعطاء الأدبي والفني المتدفق، أحيا الأرض العربية بعد مواتها، وأترع أرجاءها وآفاقها بثورة هائلة من الروائع والأعمال الخالدة من شعر وأنشودة وأغنية، ومن قصة ومسرحية وتمثيلية ومقالة وخاطرة وحكاية شعبية، ناهيك عن البحوث والدراسات والمؤلفات، كما أن هذا الإبداع الربيعي الثوري قد أدهش الإنسان في العالم كله وليس في الوطن العربي وحده وأمدّه بقيم وأخلاقيات ومسلكيات إنسانية شامخة وساطعة من الإرادة والصمود والصبر والثبات، ومن النضال السلمي والمقاومة السلمية الأسطورية، وما فيها من صور البسالة والبطولات والتضحية، ومن الفداء والشهادة التي تقدم في سبيل الأوطان وقضاياها وحقوقها العادلة والمشروعة حتى أصبحت هذه المثل والقيم ملهمة لكل شعوب الأرض، وحتى أصبح الشباب العربي الثائر مضرب المثل والأسوة والقدوة في العالم كله.
- أستاذ عبدالله قد ينظر لكم البعض من الشباب من الملتحقين بثورات الربيع العربي بأنكم أنتم الرواد الأوائل قد قصرتم في حق هذه الثورات والشعوب، ما ذا ترى؟
ربما هذا صحيح.. وإذا كان الكثير من كبار الشعراء، وأعني بهم من بلغوا من العمر عتيا، وليس الكبار في مواهبهم وعطائهم وأنا واحد منهم قد قصروا في حق ثورات الربيع العربي فإن الله قد هيأ لهذا الربيع وثوراته العظيمة أفواجا من الشباب المبدعين الرائعين الذين كفوا ووفوا، وأعطوا هذه الثورات الشعبية حقها بكل حب واقتدار، وبكل أمانة وتفان وإحساس بالمسئولية، وانتماء مخلص وصادق إليها.
- أين أنت شخصيا من هذا الربيع ذاته؟
فيما يخصني فقد كان لي تجاه هذا الربيع العربي الثوري إسهام متواضع جدا، هو عبارة عن نصين طويلين، الأول: عمل شعري غنائي صيغ ليتغنى به، عنوانه: “نشيد الربيع العربي” والثاني قصيدة اتخذت اسم: “إرادة الأمة إرادة الله” والنصان لما يتم نشرهما بعد.. وكما سبق وأن قلت، فإن الربيع العربي غني بما فجره من ثروة وثورة أدبية وفنية عظيمة، فما عسى أن تزيده أو تضيف إليه بضعة نصوص تأتي من هنا أو هناك؟
- “سبتمبر المجد هل راقتك دنيانا”؟ رائعة “معجبية” من طراز فريد لطالما هام بجمالها الأثير عامل الحقل وراعي الغنم قبل الأديب أو المتأدب بحميمية لامست شغاف القلوب، ولا تزال واسطة عقد القصائد الوطنية ودرة تاجها وفي وجدان كل يمني سمعها وهام بها.. ما ذا يعني لك سبتمبر المجد وأكتوبر النصر كيمني أولا وكشاعر ومثقف ثانيا؟ ثم لماذا انقطع نتاج وإبداع الشاعر عبدالله معجب في الآونة الأخيرة؟ هل للأدب عمر محدد؟
سبتمبر وأكتوبر معا يعنيان لي الانعتاق والانطلاق، الانعتاق من الاستبداد والإذلال، من التخلف والتبعية، من الجهل والفقر والمرض، من قيود الإمامة وأغلال الاستعمار.. والانطلاق إلى آفاق العزة والحرية، إلى عوالم الثورة والتجديد والحضارة، إلى مواكبة العصر بكل ما يحمله العصر الجديد من أحلام وأشواق وآمال وتطلعات وبما يرسمه ويعج به من معانٍ وقيم ومبادئ تعلي قيمة الإنسان وتمجد كرامته وحقوقه باعتبار الإنسان غاية القيم وأعلاها على الإطلاق.
ومن يتأمل في صورة اليمن القاتمة والكالحة قبل سبتمبر وأكتوبر من استبداد وبؤس وتخلف وجهل ومرض في الشمال ومن إذلال وتبعية وتناثر المحميات والمشيخات والسلطنات في الجنوب، وما كان يخيم على أبنائها من تخلف شامل، أقول: من يتأمل بإمعان وعمق في تلك الصورة المأساوية المحزنة التي كانت عليها اليمن شمالا وجنوبا في ذلك العهد يعرف كل المعرفة ما تعني له ثورة 26 سبتمبر 1962م، وما تعني له ثورة 14 أكتوبر 1963م.
ومن أجل هذا ضحى اليمنيون، واسترخصوا في سبيل انتصار ثورتهم أغلى التضحيات، وتدافعوا إلى ميادين النضال والمقاومة، وسقطت الآلاف المؤلفة منهم في دروب الشهادة والفداء، وتحمل الآلاف منهم أيضا آلام العاهات والإعاقات الدائمة ممن أصيبوا في خضم المواجهة والمقاومة التي فرضتها وحتمتها الثورة.. كل هذا فعله اليمنيون لأنهم أدركوا ما تعنيه الثورة، وأدركوا أن الخروج من ذلك الظلام والظلم والبؤس الذي كانوا يرزحون تحت نيره يحتاج إلى تلك الثورة، ويحتاج إلى كل تلك النضالات والتضحيات، وهذا ما فعلوه وأقدموا عليه، وتركوه إرثا خالدا للأجيال من بعدهم ليحفظوه ويفاخروا به، ويستلهموه عبر الزمن.
أما عن قولك: هل للأدب عمر محدد؟ فأظن أنها مقولة قد لا تكون صحيحة على إطلاقها، بمعنى أنها قد تكون صحيحة حينا، وفي حالات معينة، وقد تكون غير صحيحة حينا آخر وفي حالات أخرى. على أن هناك من النقاد والدارسين من يميل إلى القول بأن للأدب والإبداع عمرا محددا، ولكن هناك من زملائهم النقاد والدارسين من لا يوافقهم هذا الرأي.
ونحن نجد أن بعض الأدباء والمفكرين لا يزيدهم تقدم العمر إلا نضجا وعمقا وأصالة فيما يبدعون وينتجون، وهذا دليل ينسف مقولة من يرون أن للأدب والإنتاج الفكري عمرا محددا يتوقف عند بلوغه.
- ثمة أطياف “لازوردية” من بقايا حلم لطالما حلقت وحامت في وجدان الشاعر عبدالله معجب وهو ينسج صورها البديعة قبل ربع قرن من الزمن.. هل تجسد شيء منها على أرض الواقع؟ أم أن أحلام الأمس لا تزال أحلام اليوم؟
لا شك كما جاء في السؤال أن أحلام الأمس تظل هي أحلام اليوم.. لا. بل إن أحلام الأمس قد تضاعفت اليوم وأضيفت إليها أحلام كثيرة أخرى، بمعنى أن التركة والأعباء التي كانت تثقل واقعنا وحياتنا قد ازدادت شدتها ووطأتها. وكثير ما يلقاني أناس ممن يهتمون ويولعون بالشعر ويقولون لي: إن قصائدك التي ألقيتها قبل أكثر من ربع قرن من الزمن وهي قصائد تنتقد الأوضاع والأحوال التي كانت سائدة عندما قيلت ما زالت غضة طرية وكأنها قيلت اليوم، ومثلما كانت صالحة لتناول أوضاع تلك الأيام الخوالي فهي ما تزال محتفظة بصلاحيتها لتناول أوضاعنا الآن وفي هذه اللحظة. مثلا كنت في تلك القصائد الملتهبة أنتقد بشدة مساوئ الواقع العربي، بعد كل هذه السنوات الطويلة من نقد الناقدين له والمتبرمين به والمتذمرين من حكامه وممارساتهم وأخطائهم لن تجد شيئا ذا بال قد تغير من هذا الواقع إلا نحو الأخزى والأسوأ. ولم تزدد المشاكل والمآسي والمخازي فيه إلا تراكما وتعقيدا وحدة؛ ولكن بعد أن “بلغ السيل الزبى” و “طفح الكيل” من سوء هذا الواقع وترديه وبشاعته أشرقت شمس الربيع العربي وتفتقت أوراقه وأغصانه وأزهاره مع إطلالة العام 2011م وبدأت ثورات هذا الربيع العربي تسطر عهدا عربيا جديدا مشرقا بكل الآمال والتطلعات والأحلام التي ينشدها أبناء الأمة، وخاصة الأجيال الصاعدة منهم ولتنتهي كل التركات والمواريث الثقال التي رزح العرب تحت وطأتها عقودا، بل قرونا، على أن طريق هذا الربيع العربي ما يزال صعبا وكؤودا ومليئا بالأخطار والتهديدات والتحديات الكثيرة، ولكننا نؤمن بأن إرادة الجماهير هي المنتصرة في نهاية المطاف لأنها من إرادة الله، ولا أمل ولا مستقبل لمن يقف في وجه هذه الإرادة.
- “وغدا يطل الحق من عليائه ليطير في الآفاق والآماد” ألا ترى أن هذا الغد قد طال كثيرا؟ أم أن غد الشاعر لا يأتي أصلاً؟!
حتى وإن كان هذا الغد كما تقول قد طال فها هو قد أتى، وليس كما جاء في السؤال بأن غد الشاعر لا يأتي أصلا. هذا الغد “غد الشاعر” قد أطل من عليائه حقا، من علياء الربيع العربي وسحابه وبروقه، ورعوده وغيوثه التي ملأت الآفاق ودوى صداها ملء دنيانا العربية بل وملء الدنيا كلها. هذا هو الغد الذي ظللنا ننتظره طويلا، وليس للشاعر غد آخر خاص به إلا إذا كان شخصا نرجسيا يعيش داخل قوقعة ذاته، أما الشاعر الجماهيري فليس له غده الخاص لأن غده هو غد الناس، وغد الناس هو غده، بفرحهم يفرح، ولآلامهم يتألم، جراحاتهم تصيبه، وسعادتهم تناله وتصل إليه.
- الشعر موقف.. الشعر قضية إلى أي حد تنطبق هذه المقولة على كثير من شعرائنا؟ وهل تتفق أولا مع المقولة على إطلاقها؟ أم أن في النظرة استثناءات أخر؟
أنا مع مقولة أن الشعر قضية، والشعر موقف تماما، ولا مكان عندي لرأي يغاير هذا، حتى إن الشعراء الذين يحيدون بالشعر عن دروب الجماهير وقضاياها وآمالها وينصرفون إلى عبادة الأشخاص وتمجيدهم والدوران في فلكهم إنما يعمل الكثير منهم هذا لاعتقادهم خطأ وتوهما طبعا بأن مسلكهم وتوجههم الشعري هذا إنما يعبر عن قضية يؤمنون بها، ويعبر عن موقف يقتنعون به ويدافعون عنه، وهم على أية حال أحرار فيما يؤمنون ويقتنعون به، ولكن تقييم مواقفهم وقناعاتهم هذه والحكم عليها بالصواب أو الخطأ إنما يكون أولا وأخيرا للجماهير وحدها، فهي وحدها تعرف مَن مِن هؤلاء معها ومن منهم ليس معها، وعلى هذا الأساس يتفاوت الشعراء ويتفاضلون ويبقون إما محمودين في ذاكرة الشعوب أو مذمومين مقبوحين لديها.
لا مال قارون يثنينا اليوم بوفرته
ولا عصي السحر تجدي اليوم هامانا
إن الطموحات دين لا نخالفه
فكيف نعبد شيكات وأطنانا
لا بنك علان تغرينا خزائنه
ولن نداهن زعطانا وفلتانا
لنا إباء تعالى أن يدنسه
كسب رخيص فقري يا ضحايانا
دماك والله ما زالت تعلمنا
أن السيادة تأبى الخلد أحيانا”
-حبذا لو قدم لنا الشاعر قراءة نثرية لهذه الرائعة الرمزية؟
تستطيع أنت أن تقرأ هذه الأبيات وأن تفسرها وتفهمها أو تنتقدها كما تشاء، ويستطيع أي دارس أو ناقد أن يفعل ذلك، ومن هنا تتعدد القراءات للنص الواحد بحسب تعدد الدارسين والنقاد الذين يتناولونه ويقرؤونه، وما يحمله كل منهم من ثقافة وآراء وتصورات، والزاوية التي ينظر بها إليه وينفذ إليه من خلالها. أما الشاعر أو مبدع النص أي نص أدبي أو فني فلا يحسن به أن يقرأ نصه بنفسه أو أن يقدم للقراء رؤية تفسيرية أو شارحة له كما يقول بعض النقاد لأن هذا العمل يفقد النص جزءا كبيرا من متعته لدى المتلقين الذين يحب الكثير منهم أن يقوموا بهذه المحاولة هم أنفسهم وليس مؤلف أو قائل النص.
- سأخاطب فيك الآن الناقد والمثقف عبدالله معجب لا الشاعر لأن يقدم لنا قراءته الخاصة؟
إن كنت مصرا على معرفة قراءتي النثرية لهذه الأبيات فإنني أقول وباختصار شديد على الرغم مما أسلفت: إن الأبيات تؤكد على ثبات القيم والمبادئ والمواقف الوطنية التي لا يمكن أن تزعزعها وتزحزحها كل عوامل القوة والإغراء والتطميع التي قد تتأثر بها النفوس الضعيفة والطباع المنجرة وراء نزواتها ورغباتها. والأبيات تأكيد على هذا الثبات، وعلى هذه الثوابت التي لا تقبل المس ولا المساومة حتى ييأس المحاولون والطامعون ويعلموا ألا حيلة لهم في اختراق هذا الثبات والنيل من هذه الإرادة وزلزلة هذه الثوابت.
- جراحات الأمس جراحات اليوم.. هكذا تبدو الصورة. ندفن بؤسا ببؤس.. نودع ليلا بليل.. نواري دمعة بغصة.. وفيما بين الدمعة والغصة شهقة التمني. حتام يكتبنا الأسى؟ وهل قدرنا شقاء “أطلس” وبؤس “جان فالجان”؟
يبدو لي أن السؤال مغرق في التشاؤم ويحمل صورة مركبة من السواد والمأساوية. صحيح أن الواقع يغص بالأحزان والمآسي، ويمتلئ بالإحباطات والشقاوات والتحديات الجبارة، ويكتض بالحزانى والمحبطين والبائسين والمنكسرين، ولكنها الحياة، وهذه طبيعتها، وهذا ديدنها منذ أن خلق الله الأرض إلى أن يرثها، وقدر الإنسان في كل زمان ومكان أن يواجه تحديات الحياة وأزماتها ومشاكلها، وقدره أن يكافح البؤس ويتصدى للظلم والطغيان والفساد، ويقاوم الشر بشتى صوره وأشكاله، فتارة ينتصر في كل هذه المواجهات والمقاومات أو في بعضها، وتارة ينهزم وينكسر؛ ولكنه لا ييأس ولا يستسلم؛ بل ينهض من وسط ركام انهزاماته وانكساراته بإرادة جديدة وعزم أشد وأكثر صلابة ليواصل المواجهة والمقاومة. وفي هذه العصر الذي يتغول فيه الطغيان والظلم والفساد ويستأسد فيه الشر والقوة الباطشة العمياء المتعددة الأشكال والصور، يتحتم على الإنسان أن ينذر نفسه للمواجهة والمقاومة، وأن يتسلح بالأمل الذي لا يلين في غد أنظف وأطهر، وفي غد تسود فيه قيم الحق والعدل والخير والمساواة والعيش الكريم الآمن المستقر.
يا صادحا ملأ الحياة بجوده
زدنا هدى حطم لنا الأسوارا
غرد فأنت عطية علوية
تنشي القلوب وتلهب القيثارا
تشدو الحياة فينقشع الظلام
وتزدهي وتعانق الأحلام والأوطار
- من المخاطب هنا تحديدا؟ أين هو هذا النموذج؟ ألا ترى أن الشعر صار عند البعض سلعة تباع وتشترى؟
هذا النموذج من الشعراء موجود منذ عرف الإنسان الشعر وبدأ يدندن به ويتهجاه ويقوله بشيء من العسر والصعوبة. وهذا النموذج من الشعراء هو الذي يتخذ الشعر قضية وموقفا، ولا يعتبره ترفا ولعبا ومطية للوصول إلى أهوائه ونزواته وشهواته الرخيصة. وهؤلاء الشعراء أصحاب القضايا والمواقف هم الذين عبروا عن هموم جماهيرهم وتحدثوا بلسانها، وهم الذين قاوموا الطغيان والظالمين في كل زمان ومكان، وبثوا مشاعر الثورة والحماس والوطنية في نفوس شعوبهم وخاضوا بشعرهم النضال ومعارك التحرر مع شعوبهم حتى انتصرت على جلاديها ومستبديها، وعلى مستعمريها وسالبي خيراتها ومقدراتها؛ وما يزال أولئك الشعراء الوطنيون الأحرار وما تزال أشعارهم الثائرة الملتهبة منارات للثورات والثوار ورمزا للحرية والأحرار في مختلف الأزمة والأمكنة، وما زالت قصائد أولئك الشعراء تدوي في البقاع والأصقاع. وما زالت الألسن والحناجر تتغن بها وترددها، وستبقى كذلك إلى ما شاء الله.
- هذا نموذج وثمة نموذج آخر باع بالشعر وشرى؟!!
صحيح.. الفريق الثاني من الشعراء والذين يجعلون من الشعر سلعة تباع وتشترى فهؤلاء سرعان ما تموت أشعارهم وتمّحي من الذاكرة الجمعية للشعوب، فلا يبقى منها ولا من أصحابها شيء، لكن يبقى الذكر السيء، والسمعة السيئة تطاردهم وتحوم فوق قبورهم حتى يقوموا ويبعثوا منها مزنرين بالخزي ومشيعين بالعار والشنار لأنهم لم يقفوا مع الجماعة، ومع شعوبهم، بل وقفوا في الصف الذي يعادي الشعوب ويسومها سوء العذاب.
- أهديت ديوانك “مواكب الحب” لزوجك.. ما ذا تعني الزوجة للشاعر عبد الله معجب؟
بعيدا عن التعريفات الشاعرية والتحليقات الرومانسية التي يلجأ إليها الشعراء عند حديثهم عن المرأة الزوجة هي شريكة العمر ورفيقة الحياة وأم الأولاد وربة البيت، وحسبنا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “خير متاع الدنيا المرأة الصالحة” فإذا كانت الدنيا متاعا فإن خير متاعها المرأة الصالحة.
- الكلمة الأخيرة مفتوحة..؟
أود أن تكون مجموعة من التمنيات. أقول: بعد مضي نصف قرن من الزمن منذ قيام الثورة في اليمن أتمنى أن يقف اليمنيون وقفة تأمل طويلة دقيقة فاحصة عند هذه المحطة لينظروا في محصلة الأعوام الخمسين الماضية وما تحقق فيها من الإنجازات والنجاحات إن كانت هناك إنجازات ونجاحات، وما حصل من التعثرات والإخفاقات. ثانيا: أتمنى على اليمنيين الوقوف الطويل أمام الصراعات والأحداث المأساوية التي تعرضت لها بلادهم وبحث أسبابها والعوامل التي أدت إلى نشوبها، ووضع معالجات جذرية وصارمة للقضاء على رواسبها وآثارها ولمنع حدوثها وتجددها مستقبلا.. وأتمنى على الجميع أن يجعلوا النضال السلمي طريقا وحيدا للتغيير والتجديد والتطوير والابتعاد عن كل أشكال العنف والصراع. وإذا كان الحوار والنضال السلمي هو الطريق إلى التغيير وإلى تداول السلطة وإلى تنفيذ البرامج والرؤى التي تحملها الأحزاب والقوى السياسية كما هو حاصل في مختلف البلدان المتقدمة والمتحضرة فأتمنى أن أرى يمنا جديدا مختلفا كل الاختلاف عن يمن الماضي.. يمنا يسوده الحوار وثقافة الرأي والرأي الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.