اختفت صحف يومية يرقى تاريخها إلى أكثر من مئة سنة في الولاياتالمتحدة وأوروبا وانخفضت بحدة مبيعات صحيفة عالمية كالنيويورك تايمز منذ العام 2008.. في مقابل استمرار زيادة مبيعات الصحف في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا لتبلغ ما نسبته 8.8 في المئة خلال أربع سنوات. الأمر يعود الى الطوفان الهائل لوسائل الاتصال الحديثة في البلدان المتقدمة من حواسيب وهواتف نقالة وتطبيقاتهما كالانترنت والفيس بوك والتويتر والصحف الالكترونية، ذات المحتوى الرقمي ، التي سحبت البساط من تحت قدمي الصحف الورقية ، فيما في البلدان النامية ما زال المواطن يتوسل الصحف الورقية، كمصدر للمعلومة لمحدودية انتشار وسائل الاتصال الحديثة..... إلا أن المفارقة في زيادة مبيعات صحيفة ناشئة، تصدر من قلب أوروبا، ما يثير تساؤلا مبعثه كيف لصحيفة ورقية السباحة ضد تيار الوسائط الرقمية الجارف. صحيفة (آي) اللندنية صدرت العام 2010 وفي أقل من سنتين ارتفعت مبيعاتها لتصل الثلاثمائة ألف نسخة يوميا بزيادة مائة ألف نسخة.. فما الذي يجعل صحيفة كهذه تقدم نموذجا ملهما عجزت عنه صحيفة عريقة كالنيويورك تايمز، ؟ وما الذي يجعل مائة ألف متلقي يهجرون هواتفهم النقالة وحواسيبهم لصالح اقتناء صحيفة ورقية ؟! سعرها الزهيد الذي لا يتجاوز النصف دولار، يظل احتمالية لتفسير زيادة المبيعات، لكن المؤكد أن سر نجاحها يكمن في تصميم ومضمون ابتكر الحس الرقمي على الورق عبر المختصرات وعدم إرهاق القارئ بتقارير طويلة غير مصورة، وبمضمون متنوع من أخبار وترفيه ورياضة لقارئ مستعجل يمكنه تصفحها في المقهى، الباص أو في طريقه للعمل ، ذلك غير الاستلهام الذكي لمزايا الصحف الورقية: العشق التاريخي لملمس الورق ورائحته العبقة، ولأنها تظل أكثر راحة وأيسر تصفحا.. وهي مزايا لن تصمد أمام التطورات المتسارعة في وسائط الاتصال التي أفرزت حواسيب محمولة ولوحية (آيباد) تتسع لتخزين عشرات آلاف الكتب مع أنها اخف من الكتاب وأقل سماكة ..وفي قادم الأيام يمكن أن تسود صحف من رقائق إلكترونية تشبه الصحيفة الورقية، لحين الانتقال إلى شكل جديد من الصحافة الإلكترونية. السجال بين الصحافة الورقية والرقمية لما يحسم بعد، غير أن مستقبل الصحافة الورقية غير مبشر، ما حدا ببعضها أن توجد لها مواقع على الانترنت، ، لتفيد من مزاياه في إيصال المعلومة الفورية لمتلقي لم يعد عليه الانتظار صباح اليوم التالي للحصول على صحيفته المفضلة.. وكيما لا تفقد القارئ أيضا... فيما الصحفي ذاته يقف في المنطقة الآمنة، وبإمكانه التحول إلى الصحف الالكترونية والفضائيات، طالما ان الكلمة مادته الخام وان اختلف وعاؤها رقميا كان ام ورقيا، وطالما وظيفته الأساس نقل المعلومة كحاجة بشرية عريقة في أصالتها... بخلاف عمال المطابع ومندوبي التوزيع، وتجار الورق والأحبار الذين يفقدون وظائفهم تباعا .. فيما الخاسر الأكبر من انحسار الصحافة الورقية هو القارئ ذاته باعتبار أن الموضوعات المعقدة وغير المحببة للقارئ، تتراجع على حساب الموضوعات الاستهلاكية السريعة الغالبة في الوسائط الرقمية، والمفتقرة بالقدر نفسه للمصداقية والموثوقية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك