يحتفل أبناء الشعب اليمني يوم الخميس القادم الموافق 22 مايو2014م بمرور أربعة وعشرين عاماً على استعادة وحدتهم في تاريخهم الحديث وسط ظروف صعبة ومعقدة قابلة للانفراج بإذن الله وفي وقت يستعدوا فيه لتصحيح مسار الوحدة من خلال بناء دولة يمنية اتحادية جديدة مقسمة إلى ستة أقاليم يسودها النظام والقانون والمواطنة المتساوية.. وأياً كانت الصيغة الجديدة التي ستحفظ لليمن وحدتها أرضاً وإنساناً فإنها ستؤكد أن اليمنيين قد عاشوا فترة طويلة من الصمود والتصدي لكل المحاولات البائسة بهدف تفكيكها والعودة بعجلة التاريخ إلى الوراء والتي كلها باءت بالفشل الذريع وهو ما يدل على أن الوحدة اليمنية قد تخطت الصعاب وترسّخت جذورها رغم ما شاب مسيرتها من سوء إدارة بفعل أولئك الذين وثق فيهم الشعب اليمني وجعلهم قادة له ولكنهم استغلوا الوحدة وحوّلوها إلى مشروع للمتاجرة به والمزايدة خدمة لمصالحهم الخاصة فتسببوا في إيجاد شرخ بين أبناء الشعب اليمني الواحد.. ومع ذلك فقد أثبت اليمنيون فعلاً من خلال دفاعهم وتمسكهم بوحدتهم والمحافظة عليها إنهم رجال قادرون على أن ينتقلوا بالوحدة من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس المتمثل في ترسيخ دولة النظام والقانون ومحاسبة الفاسدين أياً كانوا في السلطة أو المعارضة أو من أصحاب الجاه والنفوذ.. فالكل أمام القانون سواسية ولا يجب أن تتم محاباة أو مجاملة أحد على حساب مصلحة الوطن اليمني العليا وعازمون على صنع مستقبل جديد ومزدهر. إن الوحدة اليمنية التي تخطت بنجاح مسيرة الصعاب والعقبات وواجهت التحديات والمؤامرات التي تُحاك ضدها في الداخل والخارج ستظل تلك الشمعة المضيئة الوحيدة في سماء الأمة العربية حتى تأتي شمعة أخرى تنافسها كاتحاد دولتين عربيتين أو أكثر.. ولكن عندما ننظر إلى الوضع العربي الراهن.. وكيف حاله؟ ونعتبر بانفصال جنوب السودان عن شماله بسبب الصراع على كرسي الحكم لا نجده إلا انه يسير من سيء إلى أسوأ، وهو الأمر الذي جعل المواطن العربي يفقد ثقته في الأنظمة العربية وفي الحكام العرب بشكل عام ويكاد اليأس يقضي على كل أمل يخالجه بأن تتغير الأمور ويعود العرب إلى سيرتهم الأولى متربّعين على عرش الزعامة العالمية حينما كانوا يحكمون العالم من شرقه إلى غربه والدول الأوروبية التي استفادت حينها من حضارته كانت تغط في نوم عميق تعيش ظلام القرون الوسطى التي كانت تتحكم فيها الكنيسة.. ولكن عندما وعت مصلحتها انتفضت وأخذت من العلوم والمعارف العربية ما أعانها على الدفع بمسيرة انطلاقتها وتحديد مسارات مختلفة لنفسها أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم من حضارة وتقدم أصبح العالم العربي اليوم عالة عليها في كل شيء رغم امتلاك العديد من دوله ثروات هائلة لو وظّفت التوظيف السليم لخدمة مصالح الشعوب لتحول العرب إلى دولة عظمى يُحسب لها ألف حساب.. وهو ما يؤكد أن مشكلتنا في العالم العربي ليست مشكلة تتعلق بالموارد وعدم وجود الكفاءات التي تحكم، وإنما المشكلة تتعلق بحب التسلط والسيطرة، فأي طرف يصل إلى السلطة بأية طريقة كانت ديمقراطية أو انقلاب عسكري من الصعب عليه أن يفكر بمغادرة السلطة حتى لو ضحّى بشعبه كاملاً ليبقى هو وحده ومستعداً أن يسخر كل موارد شعبه وجيشه ونظامه للدفاع عن الكرسي بدلاً أن يعمل على تحقيق مصالح الشعب ويؤسس لنظام إداري جيد يمكن على أساسه بناء دولة المؤسسات كما هو حاصل في الدول المتقدمة.. ومن هذا المنطلق أو المفهوم عند الحكام العرب، فإنه من الصعب على أي مواطن عربي يتخيل أن تتحد دولتان عربيتان حتى لو في شكل تنسيق المواقف.. ولذلك ستظل الوحدة اليمنية التي تخطت عامها الرابع والعشرين بحلول الخميس القادم الموافق 22مايو 2014م هي الشمعة المضيئة في سماء الأمة العربية، كما أشرنا آنفاً وستفرض بعدها الإقليمي والقومي والدولي على كل الأقطار العربية بحيث تشكل إنموذجاً يُحتذى به. ويقيناً إن الوحدة اليمنية المعاصرة تشكل حلقة متفردة وذات أكثر من خصوصية في تاريخ اليمن الراهن لاسيما بعد أن يتم تصحيح مسارها تنفيذاً لمخرجات الحوار الوطني وإعلان الدولة الاتحادية المكونة من ستة أقاليم لكونها تمخضت عن إرادة شعبية وطموح جماهيري قبل أن تكون إرادة سياسية أو قرارات سلطوية يكون الشعب فيها رقماً مفقوداً.. ولذا فإن مجرد التفكير في فض هذا الإجماع التاريخي والوطني والنكوص نحو أشكال التفرق والتشرذم والتشطير سيكون خيانة وطنية وتاريخية يدفع ثمنها الجميع عاجلاً أو آجلاً.. ويكفي أن نشير إلى أن مجرد وجود أزمة سياسية قد ألحقت الضرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالبلاد وكادت أن توصلها إلى مفترق طرق.. فما بالنا بما يترتب عليه عودة البلاد إلى عهود الانفصال. إن التفكير في غير الوحدة مهما كان يعد انتكاسة وكارثة لليمن وشعبها لا سمح الله ونصر لأعداء اليمن المتحينين الفرص دائماً حيث يختارون الوقت المناسب ليضربوا ضربتهم من خلال المندسين بين صفوفنا الذين هانت قيمهم وأخلاقهم وكرامتهم أمام مغريات الصفقات المادية المشبوهة كتجار أزمات ومستغلين أي خلاف يحدث بين أبناء الشعب اليمني الواحد فيوعزون إلى عملائهم في الداخل، وما أكثر من يتجاوب معهم للأسف الشديد، لتغذية أي خلاف يحدث وتجييره لمصلحة أعداء الشعب اليمني وثورته ووحدته.. غير مدركين أن التآمر على الوحدة اليمنية سيلقى نفس مصير التآمر على الثورة في الستينيات الذي تحطمت كل معاوله على صخرة مقاومة أبناء الشعب اليمني الشرفاء المؤمنين بالثورة والجمهورية والوحدة كقدر ومصير 25 مليون يمني ومن شذ عن هذه القاعدة فليس منا.. بقي أن نقول: إن المستقرئ للتاريخ اليمني في مختلف الحقب والعصور بنوع من الحصافة والعقلانية، يدرك أن انفراط عقد المحاولات المتصلة لتوحيد اليمن أرضاً وإنساناً كان ينسحب دائماً وبالاً وكوارث تطال عامة الشعب حكّاماً ومحكومين ..وهو ما يجب علينا أن نعتبر به في عصرنا الحاضر ونحن نخوض معركة وطنية كبرى متعددة الاتجاهات لبناء اليمن الاتحادي الجديد. [email protected]