رُب عطب في محول كهرباء المنطقة كفيل بتحويلك إلى إنسان آخر .. صحيح أنه قد يتسبب بتغييبك التام بضعة أيام عن سماع ما يحدث من تفاعلات وتجاذبات في المشهد السياسي.. لكنك ستعيش اللحظة في المكان الذي أنت فيه, وستصبح أكثر ارتباطًا بما يحدث أمام عينيك وسترقب حركة الشارع بدون أن تسقط عليها أي تصورات تجعلك تسيّس كل شيء تراه حتى إن رأيت بقالة مزدحمة بالمستهلكين وأخرى جوارها لا يأتيها أحد, ستتخلى تدريجيًا عن هذا التسييس اللاإرادي, وستجد أن السر ليس في شيء سوى أن البقالة الأولى يديرها عقل تجاري نشط, والأخرى يديرها عقل جامد لا يتفاعل مع حركة السوق ولا يتابع متغيراته. أقصد بذلك أن المهم اليوم في هذا البلد أن تخف درجة التوتر السياسي والاحتقان السياسي نتيجة الإفراط في الشد والجذب بين الأطراف السياسية ومحاولتها جذب الجماهير إلى قطبيها بين مؤيد لهذا الطرف ومؤيد لذاك, فهذا المواطن الذي ينجذب لا إراديًا إلى أحد الأقطاب لابد أن يعطى فرصة لأن يعيش عالمه المجرد من أي توتر من هذا النوع, كما هي طبيعة المواطن الأوروبي أو الأمريكي الذي لا يسرف في الحديث عن السياسة، لأنه ليس لديه وقت لذلك.. في هذا البلد نحن بحاجة إلى قوى تعمل وتبدع وتنتج, وبحاجة إلى مؤسسات فيها من يؤدي وظيفته بمهنية وشرف .. أناس يأكلون من فوق رؤوسهم كما يقول المثل, كنايةً عن العزة واحترام الذات وعدم تلطيخها بارتكاب ما فيه إساءة إلى الوطن, أو انتظار المال الذي يأتي للصدود عن سبيل الوطن. أنا لا أكرس هنا منطقًا رومانتيكيًا هروبيًا, ولست من دعاة العزلة والخلود إلى العواطف الوطنية المحلقة بعيدًا عن الواقع, ولكنني أرى في ترك الانشداد إلى ضيق السياسة وأزماتها ما يجعل الشاب اليمني يشعر بأنه إنسان يمتلك طاقة يستطيع بها أن يشق طريقه إلى الإسهام في بناء وطنه بدون حاجة معرفة من يصنع القرار في هذا البلد, ومن هي القوى المهيمنة وما طبيعة تحالفاتها السياسية وخلفيتها الأيديولوجية. بإمكانك أن تلقي نظرة على ضاحية مدينتك فتستثير فيك دفعات من العواطف الوطنية والأحلام التي تجعلك تؤمن بضرورة الإبداع والإنجاز وإمكانية تحقيق شيء لهذا الوطن يقوم به الكثير من أبنائه وهم بعيدون عن الأضواء, وعن مقاعد السلطة, ولكن ما السبيل إلى ذلك؟ ما الذي يوصلنا إلى تحقيق ثورة إنتاجية تقلب الطاولة على الذين يريدوننا أن نفني أعمارنا كقطع الحديد الرعناء التي لا تكف عن الرغبة في الانجذاب إلى قطبي مغناطيس قديم لا يكف عن اختلاق المشكلات وإنتاج دورات جديدة من الصراع؟!. أشعر بأن الشباب فينا يشيخ, وتهرم فينا الطاقات والقدرات, لكن بضعة أيام من الانقطاع عن سعار الإعلام الإلكتروني يجعلك تشعر بأن السياسة في هذا البلد ليست كل ما فيه، فهناك عوالم أخرى وقوى مدنية قد تفاجئ الجميع بصنع شيء كبير يدرك معه الساسة أن الوطن أكبر مما يتصورون. [email protected]