لطالما حاول طيران التحالف العربي أن يظفر بعفاش, وكان مستعدا من أجل ذلك أن يقتل إلى جانبه مئات الأبرياء على نحو ما حدث في الصالة الكبرى, لكن عندما لقي الرجل مصرعه على يد حليفه تغير خطاب التحالف والشرعية المدعومة من التحالف 180 درجة وأصبح عفاش وفقا لهذا الخطاب شهيدا مغدورا. إننا هنا أمام قراءة معكوسة لما حدث, فالمشكلة ليست في قتل الرجل وإنما في جنسية قاتله, والقتل وفقا لهذه القراءة حلال خالص إذا كان القاتل هو التحالف وحرام إذا كان القاتل هو جماعة أنصار الله, لذلك رفع التحالف قميص صالح تماما مثلما فعل معاوية حين رفع قميص عثمان ما يعني أن دخان الحرب المتصاعد في سماوات اليمن هو دخان حرب السعودية وما اليمنيون فيها سوى بيادق على رقعة الشطرنج. نقول ما قلناه عن قناعة بأن مقتل عفاش هو موضوعيا نقطة تحول كبرى باتجاه إنهاء الحرب وصناعة السلام لأن هذا الرجل كان قد أصبح وباء سرطانيا منتشرا في كامل جسد اليمن المنهك بأزماته وحروبه, وكان فوق هذا يقدم نفسه على أنه هو كل الصحة وكل العافية وغيره مرض خالص, وكان يعتبر بقاءه الطويل في السلطة دليلا على حكمته وحنكته وعلى قدراته الاستثنائية وذكائه الخارق, وبسبب ذلك تملكته وسكنته مشاعر الأبوية المفرطة إلى درجة أصبحت معها نزواته ورغباته هي معيار صحة كل شيئ, وأي شيئ لا يجب أن يمر دون موافقته. ومن فرط نرجسيته ظل علي صالح يرفض فكرة أنه مخلوع ويعتبر نفسه زعيما تنازل عن السلطة بمحض إرادته, وهذا لأن الزعامةهنا والتنازل من مستلزمات الأبوية التي تبرر له الوصاية على كل اليمنيين والعودة الى السلطة كحق حصري له. ولتلك الأسباب أصبح من المستحيل على اليمنيين أن يتحركوا خطوة واحدة باتجاه السلام الأهلي ما دام علي صالح حاضرا في المشهد العام, لكن الفاعل الإقليمي في اليمن له حساباته الخاصة به ومن أجل هذه الحسابات رفع قميص صالح كي تستمر حرب صفين إلى أجل غير مسمى. * عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي