- عبدالله قيسان الحافلة على وشك الانطلاق.. الركاب يحاصرهم الملل والأنفاس مختنقة بالدخان الذي تنفثه أفواه ماضغي القات.. الساعة الواحدة والنصف.. «محطة الشيخ عثمان»، تزدحم في مثل هذا الوقت بالركاب.. انه وقت الذروة نفران أبين.. باقي نفران.. شفهم أجوا. صعد سلم الحافلة شابان ملتحيان أحدهما بلحية كثيفة، والآخر لحيته طويلة مدببة، ومنقسمة عند نهايتها، لكثرة ماعبثت بها يداه، وكان ثالث قد سبقهما قابعاً في آخر الحافلة، لحيته مهذبة رقيقة محلوق «الشنب»، عند الصعود ألقيا نظرة على الركاب: لو تجلس النساء مع بعض بارك الله فيك! ذلك أفضل «قال صاحبه وهو يداعب لحيته» نظر الركاب بعضهم لبعض.. بدأ الامتعاض والسخرية على الوجوه، فيما رجل يجلس إلى جوار زوجته يرسل نظرة حانقة إلى الشابين، والشرر يطير من عينيه المحمرتين، ولكنه تمالك نفسه واستمر في مضغ القات.. في مقدمة الحافلة، شاب يجلس مرتدياً بنطالاً يحاول أن يفهم مايدور في الخلف وكان المحصل قد فاض كيله: ياخواني هذا جنب زوجته.. نقول له قم؟! لا ياأخي.. استغفر الله بدأ الارتياح على وجوه الركاب، إذ عبر المحصل عن بعض أفكارهم.. جمع المحصل الأجرة.. السائق يراقب الصراع بحياد سلبي.. لايهمه سوى الأجرة، وإتمام الرحلة.. استوى على المقود.. تحركت الحافلة.. خرجت من زحام المدينة.. اخرج ذو اللحية الرقيقة شريطاً حاول إيصالهُ إلى السائق.. استلمه، وادخله في المسجل.. فتحهُ، فجاء صوتُ واعظٍ شديد النبرة.. تهامس الركاب.. احتج أصحاب القات «المخزنين»: يادريول! هذا مش وقته اتعظ يارجل «وكان يداعب لحيته بعصبية» ساد هرج ومرج وتحولت الحافلة إلى مسرح لمعركة كلامية، مما جعل السائق لايستطيع التركيز على الطريق والسيطرة على القيادة، وعند اشتداد الصراع، قام أصحاب اللحى، يوجهون كلامهم هنا وهناك، لكسب بقية الركاب، فاستشاط أحد المخزنين: معنا قات مكلف.. افتح نغم بعدين هذا مش مكان وعظ «وأشعل سيجارة» احتدم الصراع، ولم يستطع السائق التركيز على الطريق، ولم يلاحظ أن مؤشر الحرارة اخذ في الارتفاع: طيب نخلص الشريط وخلاص «محاولاً تهدئة الموقف» خلاص نزّلنا في العريش «قال أحد المخزنين» في وسط الحافلة رجل يحاول القراءة، فلم يستطع، فسخر من هؤلاء الذين يفرضون قناعتهم في سيارات الأجرة، ومع اشتداد المعركة وارتفاع الصراخ، فوجئ الجميع بانخفاض سرعة الحافلة، ولاحظوا الدخان يتصاعد من المكينة، فأخرجها السائق إلى جانب الطريق غاضباً، ولم تنتهِ الرحلة بسلام، فتبعثر الركاب على امتداد الطريق، وبقى آخرون يطالبون السائق بالأجرة.