الخدمة المدنية تعلن غداً الأربعاء إجازة رسمية بمناسبة العيد الوطني 22 مايو    إصابة امرأه وطفلين بانفجار لغم زرعته المليشيات غرب تعز    تناقضات الإخواني "عبدالله النفيسي" تثير سخرية المغردين في الكويت    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن حملة علاجية مجانية لمرضى القلب بمأرب    "وثيقة".. كيف برر مجلس النواب تجميد مناقشة تقرير اللجنة الخاصة بالمبيدات..؟    سياسيون ونشطاء: تراخي الأمم المتحدة شجع المليشيا لاستغلال ملف قحطان للابتزاز    المنتخب الوطني للشباب يواجه نظيره السعودي وديا منتصف يونيو استعدادا لبطولة غرب آسيا    أكاديمي اقتصادي: فكرة البنك المركزي للحد من تدهور الريال اليمني لن تنجح!    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    انهيار مرعب للريال اليمني.. ووصول أسعار صرف الدولار والريال السعودي إلى أعلى مستوى    المشاط يدافع عن المبيدات الإسرائيلية وينفي علاقتها بالسرطان ويشيد بموردها لليمن    ناشط إيراني بارز يكشف معلومات صادمة عن الرئيس الراحل "إبراهيم رئيسي"    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    شراكة الانتقالي وتفاقم الازمات الاقتصادية في الجنوب    ذكرى إعلان فك الارتباط.. جدار جنوبي راسخ لفظ الوحدة المشؤومة    خاصموا الانتقالي بود وأختلفوا معه بشرف    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدب بلامناهج...أدباء بلا أسلوب..
نشر في الجمهورية يوم 25 - 02 - 2007


- عبد الله علوان ..
عندما يرفض الأديب مثاله ،ويفقد أرضيته الثقافية، يختل توازنه الإبداعي،لأنه يفقد منهجه،وإذا فقد الأديب منهجه الجمالي،اضطرب الأسلوب وتفرقع المقياس،ذلك هو واقع الأدب الحديث وأدبائه من السياب ونازك،إلى البياتي ومحمود درويش ،ومن خليل حاوي حتى أحمد عبدالمعطي حجازي ولايشذ عن ذلك المقالح وعبدالرحمن فخري في اليمن، فأدباء الحداثة كلهم بدون استثناء رفضوا أدبهم العربي،وبذلك الرفض رفضوا المثال العربي المحكم،وراحوا يستبدلونه بمصطلحات الأدب البرجوازي وبمعانيه الطائشة ومصطلحاته الدخيلة على اللغة العربية التي يفكرون بها كما يدعون،وراحوا يفكرون في معان يجهلون مصادرها ومواردها، فاضطرب المقياس وضلت مناهجهم الأوروبية بهم، وضلوا بها، وأتى أسلوبهم الأدبي يخبط العشواء في وجه الثقافة العربية الإسلامية،ورجعوا من متاهاتهم بدون خفي حنين، جاءوا بأسلوب حافٍ وجاف، وضيعوا في الصيف اللبن،فلا هو أدب عربي محكم، ولا هو يوناني ينفع القبارصة،إنه أدب حديث مرقع من ذا وهذا «يهودي على فقه البوادي».
لابأس على الأديب أن يجمع بين الماء والنار،بين ماء الرياض العربية ونيران المجوس الرأسمالية فقد فعل مثل ذلك أبوالطيب المتنبي،منذ ألف عام عندما جمع بين فلسفة العرب الإسلامية وفلسفة اليونان الأرسططالية ،كما يقول:
وما الجمع بين الماء والنار في يدي
بأصعب من أن أجمع الجد ولفهما
كان أبوالطيب المتنبي يعتمد بلغته العربية على فلسفة أرسطو،ولكنه كان يقف على أرضية الثقافة العربية الإسلامية، وفي كلتا الحالتين كان يوظف الفلسفة والدين لمعاني الشعر فاستقام مثاله، وانصاع له المنهج الجمالي، وانسبك أسلوبه، وذلك هو معنى الجمع بين الماء والنار، أو الجمع بين الحرية والوعي السليم فالجد يعني المسئولية،والمسئولية تعني الحرية،أما الفهم فهو كما الوعي وجماله:
ذكي تظنيه طليعة عينه
يري قلبه في يومه ما ترى غدا
وصول إلى المستصعبات بخيله
فلو كان قرن الشمس ماء لأوردا
أما الأدب الحديث فهو يفتقر إلى هذه الطلعات الذكية،ويفقد الماء ويفقد الحرية، وإن ادعى الحرية إلا أنها حرية الرافضي المتمرد على مثاله ،ولكنه العبد المنصاع لمثال أوروبي حديث،لايفهمه ولايدرك واقعه،فيجيء رفضه عبودية تقيد حريته،وتشل وعيه،وتهد كيانه،وتجعله أطرش في الزفة.
سأضرب على ماأقول من الأدب الكلاسيكي مثالاً ومنهجاً وأسلوباً،ثم من الأدب الرومانسي مثالاً ومنهجاً وأسلوباً،ثم سأمر على الأدب الواقعي مرور الكرام.
الكلاسيكية
يقولون عن الشاعر أحمد شوقيإأنه كلاسيكي المذهب، أي إنه ينصاع لقواعد المثال الكلاسيكي الذي يقوم على معاني البطولي ويدور حول معاني الحرية والوطنية وفق الفلسفة المثالية وأصلها أرسطو وديكارت.
ويقولون وهو لا يعترض على مايقولون ....إن لغته الشعرية العربية تطابق تلك المعاني الإفرنجية مطابقة المربع لزواياه،أو طباق زوايا المثلث لنصف الدائرة...وإن شعره يقوم من حيث الشكل العمودي،على مبدأ التناسب بين عناصر البناء وشكله وتطابق عناصره البنيوية لمضمونه..هذه دعوى النقاد على أدب أحمد شوقي وأنصاره.
وبنظره سريعة إلى نماذج من شعر أحمد شوقي العمودية أو حتى التمثيلية سنجد أن روح أمير الشعراء ،مغتربة ومنقسمة في اتجاهين مصطرعين:
الاتجاه الأول هو الاتجاه الليبرالي وهو ما يقول به الليبراليون ،وهو موقفه من الحرية والوطنية والأخلاق والغزل العفيف كما في أبياته:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
ثم قوله:
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
ثم قوله:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإنهم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال يصف مرقصا في قصر عابدين:
مال واحتجب
وادعى الغضب
ليت هاجري
يشرح السبب
فليست الحرية في البيت الأول سوى العنف الأحمر منغلقاً خلف أبواب الاستعمار وأعوانه،ومنغلقاً على كل حق،وليس له من مخرج غير القوة والعنف،والأيادي المضرجة بالدم كناية عن ذلك ،وهذه «الحرية الحمراء» كما في قصيدته بهذا العنوان،هذه الحرية عدوة العلم والمعرفة،وعدوة التحرر من الظلم والاستغلال والنهب،ولهذا رفضها البردوني من موقف رومانسي ثوري،كما يقول في قصيدته لاتسألي من ديوانه «في طريق الفجر»:
لا حر في الدنيا ولاحرية
إن التحرر خدعة الأقوال
والحرية هي العلم والمعرفة،عند الشاعر القروي كما في قصيدته «ياحياة الأنام» حيث يماثل الحرية بالنور والهواء:
أنت أجريت في القلوب حياة
وهي ماء بدونها ورغام
أما بيت شوقي الثانية أعلاه فهي تسعى إلى معنى لم تقدر عليه،فارتد عليها،فالبيت تحاول امتداح الليبرالي،ولكنها ارتدت عليه فراحت تدينه وتهجوه،فالليبرالي مدان للأوطان بدينين دين التكوين المنكر منه،ودين الولاء المفقود فيه،أي أن شوقي يتهم الليبرالي بنكران الجميل وقلة الوفاء فهو«يريد الحليب ويبطش بالضان» هكذا شعره دائماً.
أما البيت الثالث فهو اتهام شنيع للأمم الخانعة للكرباج العثماني فهو يتهمها بفساد الأخلاق لخروجها على الدولة العثمانية ،ومن هذه الأمم الأمة المصرية بزعامة الخديوي،وهي من الشواهد التي استخدمها الاستعمار لمهاجمة الشعوب المعارض لسياسته الاستغلالية، لأن البيت خطاب موجه بلغة العرب للعرب.
وفي البيت الرابع صفاقة جمالية وانحطاط أخلاقي شنيع كما يرى سيد قطب في كتابه.«النقد الأدبي» فأي قيمة نكسبها في معرفة السبب من معشوقة تدعي الغضب...؟فإذا كان الغضب ادعاء كاذباً فليس لمعرفة السبب أي قيمة بعد بيان الحقيقة،وهكذا تأتي كل التعليلات في غزله.
أما اتجاه شوقي الثاني فهو اغترابه في الدولة العثمانية التي تشكل كيانه البطولي وعبدالحميد العثماني هو مدار هذه البطولة كما في قصيدته«صدى الحرب»:
بسيفك يعلو الحق والحق أغلب
وينصر دين الله أيان تضرب
وماالسيف إلا أية الملك في الورى
ولا الأمر إلا للذي يتغلب
ومعلوم أن الإسلام قام على الهدى والفرقان،أي على العلم والإدراك،ولم يكن السيف مع الإسلام إلا دفاعاً عن السلام والإنسان،أما السيف مع شوقي فهو القوة الرعناء،فأينما تضرب تغلب،وأينما غلبت كان الحق،أما إذا انهزمت على يد الليبرالي كمال أتاتورك،فإنها الباطل،وهكذا عندما يكون الملك كرسياً يقف على العنف،فإنه يسقط بالعنف ذاته،أما إذا كان العدل أساس الملك فإن العدل يبقى وإن زال الملك.
فقد زالت دولة يثرب على يد معاوية،لكن عدل الدولة مازال قائماً في تاريخ محمد عليه الصلاة والسلام.وفي تاريخ أصحابه رضي الله عنهم،ولا داعي للمحاججة،فشوقي ليس إلا مشاعر زائفة، ومعاني مشقلبة على شكل العمود المسروق من المتنبي والبحتري وابن زيدون وسيد قطب وطه حسين والعقاد شهداء على شعره ومشاعره.
وقبل أن تغيب إمارة شوقي الشعرية،ظهرت عمادة طه حسين الكلاسيكية في الأدب العربي وتاريخه.
أتى طه حسين بالمنهج الكلاسيكي كأداة ليدرس بها المثال العربي «الأدب الجاهلي فالإسلامي».
ومع قصور طه حسين في امتلاكه المنهج كما يقول ذلك بحق الدكتور حسين مروة، وبسبب نزعته البرجماتية ومحاولته التجريب في تطبيق منهج ديكارت كما يدعي ،مع هذا القصور والادعاء المنهجي، فإننا نلاحظ ازدواجية الأديب طه حسين.
وهذه الازدواجية تتجلى أكثر في التلفيق بين المنهج والموضوع،أو في الزواج العسفي بين المنهج الإفرنجي المفصل تفصيلاً محكماً على دراسة الوجد بشقيه المادي والروحي لأوروبا الرأسمالية،والموضوع الأدبي السائر على مناهج البلاغة العربية كما أملاها الأزهر على طه حسين ،ولكنه أنكرها إنكاراً متعمداً ،وهذه المناهج البلاغية،الأزهرية،كانت سبباً ،لا في نكوصه،فقد فاز الأكاديمي بإثارته الشكوك،بل في نكوص منهج ديكارت الذي لم يجد الأمانة العلمية لا مع طه حسين الشكاك،ولا في الجامعات العربية طولاً وعرضا،وتشهد لي بذلك دراسة الشهيد حسين مروة في نزعاته المادية عن طه حسين.
لم يكن المنهج في رأس طه حسين سوى مفهوم أحادي مقتصر على مفهوم الشك والتشكيك وبعيداً عن قوام المنهج المركب من المفاهيم كالاستدلالات والتجريب والملاحظة والمقارنة والتحليل والتركيب ثم من المقولات الفلسفية كمقولات العام والخاص والجوهر والعرض والسبب والنتيجة..الخ.
ثم من قوانين النظر الفلسفي كالامتداد والانكماش والكمون والظهور وقوانين صراع الأضداد والكم والكيف ونفي النفي..وما إلى ذلك من ثنائيات تقبع في عصب المنهج الديكارتي وغيره من مناهج النظر الفلسفي كالهيجلية والماركسية...الخ.
اضطرب عمود الشعر مع شوقي، فانصاع الشكل لمضمون لا يعرف الشاعر كيف يجمع بينهما ولم يوفق الله شعراء الحداثة بعده في الجمع بينهما كما جمع المتنبي بين الماء والنار وبين الجد والفهم،أو كما يسر الله له،يغترف الماء من عين الشمس،ولا امتلكوا قلباً مثل قلب المتنبي الذي يرى ببصيرته الثاقبة ما سوف تراه عينه بعد أيام .
لذلك جاء الشعر الكلاسيكي ثوباً مرقعاً من ذا وهذا عروبياً بروح تركماني..أو قل ما قال طه حسين عن بيان الثقافة المصرية لمحمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس من أن بيانهم الثقافي «يوناني لا يقرأ».
وكذلك اضطرب الأدب العربي بتشكيكات طه حسين فجاء بحق«يوناني لايقرأ» كما ينعت طه حسين حفيديه عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم،فكل إناء بالذي فيه ينضح،فليست أحكام طه حسين إلا إقراراً بموقفه الأدبي من منهج ديكارت الملفق زوراً وبهتاناً على أدب العرب ،إنه يوناني لايقرأ.
وقد يبهرنا أحمد شوقي بالنسق العمودي لكن أسلوبه ليس إلا محاكاة خادعة لإشعار العرب وبالمقارنة بين تراكيبه الشعرية ومفرداته الجافة،مع تراكيب المتنبي وابن زيدون والبحتري ندرك تفاهة شوقي وزيف شعره،كما يقول عنه أصحابه الثلاثة: طه حسين وسيد قطب والعقاد.
كذلك أسلوب طه حسين البلاغي ليس إلا ثوباً ملطوشاً من ابن المقفع والجاحظ وأبي هلال العسكري،وأساليب البيان العربي لطشها طه حسين من الأزهر الشريف وأعاد صياغتها على مواضيعه المرقعة من ديكارت وتاريخ الأدب العربي،فجاء ملفقاً من ذا وهذا:« عروبياً بطربوش حميدي».
الرومانسية
وكما لطش الكلاسيكيون عمود الشعر ومناهج البلاغة العربية، وكفنوا بها أدبهم الأفرنجي البارد،جاء الرومانسيون ،فأحرقوا بنيرانهم ليس فقط الأدب الكلاسيكي.بل ودقوا جدران البيت العربي ، وشققوه بمعاول المنهج الرومانسي بعدما لطشوا أنساق الشعر الموشح،وكفنوا بها معانيهم الفاترة...ويمكن النظر إلى ذلك من جماعة الديوان بزعامة عباس محمود العقاد،وجماعة المهجر بزعامة ميخائيل نعيمة وجبران.. ومن جماعة «أبوللو» بزعامة أبي القاسم الشابي وسيد قطب،فمع هؤلاء يختل الأسلوب ويضطرب المقياس،ويضيع المنهج الذين هم يدعونه أو يدعون إليه.لأنهم يقفون على مثال رومانسي أكثر ضياعاً من الكلاسيكية.
فالعقاد يدخل في حقول الأدب العربي ،لا لكي يدرسه بأساليبه البلاغية،رغم علمه ودرايته بهذه الأساليب،وإنما لكي يمارس تجاربه الداتية عليه،بمنهج فرويد المرقع بالأدب العربي،وبصورة أشنع من تجربة طه حسين الديكارتية المرقعة على الأدب العربي.
وبقراءة سريعة للعبقريات الست،أو كتاباته عن بشار وأبي نواس وابن الرومي،وأشعاره الفاترة،بقراءة سريعة لذلك سنجد المثال العربي بمقاييسه ، من الرسول صلى الله عليه وسلم،إلى الخلفاء الراشدين ثم إلى خالد بن الوليد، سنجد أن هذا المثال العربي الإسلامي، قد وقف على خط فرويدي واحد لا نجد فيه ما يفصل بين الماء والنار وليس فيه برزخ يفصل بين أحكام الرسالة الإسلامية، كما نجدها مع الرسول عليه الصلاة والسلام ولا بين أحكام الخلفاء الراشدين.. وكل على حده،ولا الصحابي الوليد،فكلهم في سلة العقاد ظاهرة فرويدية واحدة اسمها العبقرية.
ولايختلف بشار بن برد المتكلم بعاهته البصرية،عن أبي نواس المتهتك،فكلاهما عيال العاهة الفرويدية الخرقاء،لكن هذا العباس محمود ،يضطرب مع منهجه الفرويدي البائس ويصطرع عندما يقف بين يدي ابن الرومي شاعر الشيعة،وليس شاعر البلاط العباسي ،وهو شاعر الخبازين وليس شاعر الحواري والغلمان،وهو أبوالوصف الغذائي اللذيذ،وليس شاعر البرك المتوكلية وقصور بني ساسان،هذا ابن الرومي هو كذلك ليس لأنه شاعر شيعي من أنصار العلويين،بل لأنه من أصل رومي فعاهته حميدة لأنها عاهة عرقية،يطرب لها فرويد قبل العقاد،وعليها يرقص العقاد وسيد قطب والدكتور محمد النويهي.
ونحن نعلم أن ابن الرومي،شاعر عربي ،وليس يونانياً لا يقرأ،ولاعيب فيه إلا الإسهاب كما يقول النقاد العرب،فالإسهاب كما يقول النقاد العرب هو عيب بلاغي مع إمكانية الإيجاز، والإيجاز عيب مع غموض المعنى، وذلك أحد قوانين البلاغة العربية التي لم يفطن لها العقاد فجاء كلامه يونانياً لايقرأ، كما يقول طه حسين عن عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم.
كذلك ليس كل ذي عاهة هو مبدع فكم ياعميان، لم يقولوا بمقالات بشار ولا بأشعاره، وكم خلعاء عاجزين عن بيان خلاعاتهم كأبي نواس، وكم شعراء يمتازون بسلامة الحس والحواس، مثل البحتري وأبي تمام والمتنبي وايليا أبو ماضي والشاعر القروي، فليست العاهة معيار الإبداع وإنما للإبداع معاييره العقلية والجمالية والأخلاقية التي تجاهلها الفرويديون العرب فتجاهلهم التاريخ.
أما الشعر الرومانسي أو الأدب الرومانسي بشكل عام فهو ليس أكثر من ترجمة هزيلة للأشعار الإنجليزية، أنه شعر ملطوش من مختارات الكنز الذهبي بشهادة الدكتور محمد مندور في كتابه «الشعر المصري بعد شوقي» وكما فضحها عبدالرحمن شكري وسفهه المازني والعقاد على تعريته لهم.
أما جماعة أبولو فقد أتت كتلة متوحدة غرضها محاربة الشعر العربي، تحت ستار التحديث، فهم رغم النزعات النفسية المتنافرة، اتحدوا على الشعر العربي وضده، كما يقول محمد مندور في كتابه «الشعر المصري بعد شوقي» وقراءة سريعة لأشعار أبي القاسم الشابي وعلي محمود طه وإلياس أبي شبكة ولطفي جعفر أمان، قراءة سريعة لهؤلاء سنجد أن أشعار هؤلاء ومثالهم الجمالي يلتف ويدور حول مفهوم «القومية» وهو مفهوم افرنجي، دسته مدارس التبشير الأوروبية ومناهجها الليبرالية الحديثة دسته سماً قاتلاً في أواني الأدب العربي عبر هؤلاء الأدباء الذين كان لمدارس الاستعمار دور كبير في تكويناتهم الثقافية.
صحيح أن هذا الشعر الرومانسي يستخدم أنساق الموشحات اأندلسية، والأزجال، الحمينيات، لكنه وبسبب ذلك جاء منهجهم شعارات أحادية ملفقة، ليس له من الفلسفة المثالية الذاتية غير مصطلحات مرقعة من ذا وهذا «فرنجياً ونصفاً بهلواني» لقد جاءت الرومانسية بالمناهج التجريبية.. من فرويد النمساوي كماهو حال العقاد ومحمد النويهي، إلى «جون دوي» الأمريكي كما جاء به سيد قطب في كتابه «النقد الأدبي أصوله ومناهجه» ولم تكن هذه المنهجية سوى مصطلحات مسروقة من سياقها المنهجي، وهي لاتكاد تفصح عن مقومات المنهج، من مفاهيم ومقولات وقوانين نظرية بل هي ادعاءات منهجية خرساء لاتكاد تفصح عن ماهيتها، وبهذه المناهج الخرساء راح العقاد والنويهي وسيد قطب كلهم، يجربون مناهجهم على الأدب العربي، بأساليب همجية رعناء، وبلغة عنيفة تهدد وتتوعد، وترعد وتبرق في وجه كل من يخالفهم، أو حتى يعارضهم مع أنهم أكثر جهلاً بمناهجهم من فقيه المعلامة، أو شاعر الخديوي أحمد، هم أجهل الناس بمناهجهم لأنهم همشوا فقه المعلامة وهمشوا مناهج البلاغة العربية وأصولها لقد كان منهجهم يقوم على تجريب منهجي فاشل، وتجريب شعري أكثر فشلاً من مناهجهم على مثال رومانسي أصله الخرائب الرأسمالية ونعيقها المزعج والمفرغ من كل ذوق أو أدب، إنهم أدباء بلا أدب.
لم يفسر الرومانسيون العرب مقومات مناهجهم على غرار مايقدمها الأوروبيون لقرائهم، فلا أديب بلا منهج، ولا أدب بلا مثال، وإذا كانت الفلسفة هي مثال الأوروبي ومنهجه فإن البلاغة العربية وعلم الكلام هما فلسفة العربي إنها المثال والمنهج، كما نجدها عند الجاحظ والجرجاني وأبي هلال العسكري، وابن سنان الخفاجي، وأبي القاسم الأمدي.
إن الرومانسيين العرب وهم أصل الحداثة الناعقة، لايعرفون ماالمنهج من المثال، ولا الأسلوب من الموضوع ولايعرفون ماالمفهوم من المقولة ولايميزون قوانين النظر الفلسفي، من قوانين النظر الديني فهم يرون أن كل البساتين بصل، إنهم لايدركون أن الدين هو فلسفة العرب وإن الفلسفة هي دين أوروبا..وبسبب من جهلهم المنهجي، اضطرب الأدب العربي، وجاء أسلوبهم خطاً واحداً لايعرف ماالوصل من الفصل ولايعرف ماالعروض من البحور ولايعرف ماالعراق من الشام.
جاءت المناهج النظرية الأوروبية مع الرومانسيين العرب كمقدمات نظرية مالها أي علاقة بمواضيع الأدب العربي وأدواته اللغوية والعروضية وجاء منهجهم موضوعاً بدون مقدمات نعرف بها ذلك المنهج، فكانت مناهج عمياء ليس لها من عكاز تهتدي به سوى الهراوات السياسية وكيفما يدين المرء يدان، فكما انهدت الخيمة الكلاسيكية على يد العقاد وزمرته انهدت الرومانسية على يد السياب ونازك، وهاهي حداثة الحداثة تزول تحت غبار الدبابت والاباتشي.
الواقعية
وبعد الكلاسيكية والرومانسية جاءت الواقعية خصماً عنيفاً على الجميع على عمود الشعر وعلى الكلاسيكية وعلى الرومانسية فكلهم عدوان قومي على بعضهم، وعلى غيرهم، من الأعداء الطبقيين والوطنيين.
وكما ضاع المنهج في انشاءات طه حسين الأدبية، عجز محمود أمين العالم ورفاقه، عن تقديم لوحة بلاغية تفصح عن ماهية المنهج الماركسي، وعن مقوماته ومكوناته من مفاهيم ومقولات وقوانين نظر فنحن مع الواقعيين لانعرف ماالخاص من العام ولانعرف ماالسبب من النتيجة، ولانعرف ماالجوهر من العرض، وكل قرائهم لايعرفون معنى قانون نفي النفي، أو قانون صراع الأضداد كما تسفسط مقالتهم في الأدب ووظيفته، وتسقط في مذاهب الأدب الأوروبي ومواقفهم الطبقية، و..وشعارات براقة لانعرف رأسها من رجلها.. غير التناحرات الطبقية والصراعات القومية والمتاجرات بالشعوب وبالأوطان.
فالأستاذ محمود أمين العالم في دراسته أدب نجيب محفوظ..لا يتجاوز القول بالعلل الارسططالية الأربع، التي قرأناها عند الأمدى والشهرستاني، أما قوام المنهج الجدلي، فهو مفاهيم مبعثرة هنا وهناك، أو مقولات مشتتة، ليس لها أي رابط في أدبهم الواقعي، أو مجرد قوانين نظرية مطبقة على الأدب العربي، بشكل تجريبي مكرر وممل، وبأسلوب يرفضه المنهج قبل الموضوع..فجاءت كتاباتهم الماركسية مرقعة من ذا وهذا «فرنسي وروسي الدنان».
وحتى الشهيد حسين مروة كان كما تقول يمنى العيد، يمنع رفاقه عن بيان المنهج الماركسي ومقوماته فليس عندهم وقت لذلك، وإنما الوقت كما تقول يمني العيد في تطبيق المنهج..تطبيقه على الثقافة العربية وواقعها وذلك ضرب من التجريب الذي مارسه الدكتور حسين مروة على الثقافة العربية والإسلامية بنزعاتها المادية كما في كتابه الكبير ومثلها تجريبات مهدي عامل الواقعية كما نجدها في كتابيه «مقدمات نظرية» و« الحرب الطائفية في لبنان».
وحتى يمنى العيد، وهي تدرس الأدب الرومانسي، لاتعني بالمقدمات البلاغية القائمة على مناهج اللغة والعروض وعلم الكلام العربي وإنما تعتني بواقعية الأدب وفق مناهج ماركس وجارودي ولينين ولايختلف عنها محمد دكروب، فهم لايخرجون عن حقول التجريب الممل والمطفش وبصورة فجة، تراجعوا عنها قبل حكم التاريخ عليها، لكن ليس كل الماركسيين كذلك فهناك الدكتور عفيف دمشقية وكتابه «الانفعالية، والإبلاغية في بعض أقاصيص ميخائيل نعيمة» فهذا الكتاب يقوم على منهج مادي جدلي، تاريخي واجتماعي بالأصل ولكنه لايهمل قواعد البلاغة العربية بل هو يعتمد عليها في دراسة الأدب الحديث ومقارنته بالأدب العربي الأصيل وإن تأثر بمناهج البلاغة الفرنسية لكنها ترجع بأصولها إلى جذور البلاغة العربية، وسيقانها المخضلة، وأوراقها الوارفة، مجسدة في ثلاثة علوم، هي علم الدلالة ، وعلم النحو وعلم الأسلوب وعلى طريقة أبي بكر الجرجاني.
كل هذه المناهج الهمجية..كلها مناهج تجريبية، انهالت على الأدب العربي ضرباً ولطما وطعناً وتقتيلاً حتى أعمته، ومناهج لم تقل لنا بما تقوم عليه من مفاهيم ومقولات وقوانين نظر..ولو حتى على طريقة الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه «معيار العلم» وتعريفاته الكريمة لمقولات أرسطو وحدوده وأشكال القياس الأربعة والعلل المادية الأربع وروابط الكلام الفلسفي..الخ.
الأدب العربي، لاتلائمه مناهج النظر الأوروبي، وإنما تنتجه وتنعشه مناهج البلاغة العربية، قد تساعدنا المناهج الأوروبية في المعارف النظرية الأخرى، كالمعارف السياسية والفلسفية والحقوقية والدينية والأخلاقية لكنها لاتخدم الأدب بمختلف أنواعه من شعر إلى قصة ومن مسرحية إلى مقالة ومن خطابة إلى محاضرة.. الخ بل تضره فهذه الآداب العربية، تقوم على أداة واحدة هي اللغة ولاتخضع لغير مقاييس البلاغة العربية ولغتها، وقواعدها ولمقاييس علم العروض وضوابطه ولأحوال البيئة العربية من مناخات فصلية متقاربة وأحوال نفسية واجتماعية متباينة تبايناً شاسعاً مع أحوال المجتمعات الأوروبية ومناخاتها القارصة.
معرفة المناهج الأوروبية ضرورية، وهي قد أقول قد تساعد السياسي والحقوقي والديني ولكن هؤلاء لايكونون إلا بالمعرفة الشاملة وبامتلاك الثقافة العربية امتلاكاً شاملاً وبالمناهج الأوروبية الملائمة لثقافتنا العربية، وهذه المناهج قد تساعد الأدباء ولكنها ليست البديلة عن مناهج البلاغة العربية وقواعدها اللغوية، فليس الأدب إلا ظاهرة لغوية..والله من وراء القصد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.