هل ستُصبح العملة الوطنية حطامًا؟ مخاوف من تخطي الدولار حاجز 5010 ريال يمني!    في ذكرى عيد الوحدة.. البرنامج السعودي لإعمال اليمن يضع حجر الأساس لمشروع مستشفى بمحافظة أبين    حدادا على شهيد الريح : 5 أيام في طهران و7 في صنعاء !!    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    الرئيس رشاد العليمي: الوحدة لدى المليشيات الحوثية مجرد شعار يخفي نزعة التسلط والتفرد بالسلطة والثروة    رئيس إصلاح المهرة: الوحدة منجز تاريخي ومؤتمر الحوار الوطني أنصف القضية الجنوبية    قيادي إصلاحي: الوحدة اليمنية نضال مشرق    الرئيس العليمي يبشر بحلول جذرية لمشكلة الكهرباء    الرئيس العليمي : قواتنا جاهزة لردع اي مغامرة عدائية حوثية    "العدالة تنتصر.. حضرموت تنفذ حكم القصاص في قاتل وتُرسل رسالة قوية للمجرمين"    "دمت تختنق" صرخة أهالي مدينة يهددها مكب النفايات بالموت البطيء!    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    خبير جودة يختفي بعد بلاغ فساد: الحوثيون يشنون حربًا على المبلغين؟    الونسو: اتالانتا يشكل تهديدا كبيرا    بن عديو: الوحدة تعرضت لسوء الإدارة ولا يعني ذلك القبول بالذهاب نحو المجهول    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إيقاد الشعلة في تعز احتفالا بالعيد الوطني 22 مايو المجيد والألعاب النارية تزين سماء المدينة    محمد قحطان.. والانحياز لليمن الكبير    في ذكرى إعلان فك الارتباط.. الانتقالي يؤكد التزامه باستعادة دولة الجنوب (بيان)    أبين.. منتخب الشباب يتعادل مع نادي "الحضن" في معسكره الإعدادي بمدينة لودر    الوزير الزعوري يناقش مع وحدة الإستجابة برئاسة مجلس الوزراء الملف الإنساني    وزير الشؤون الاجتماعية يشيد بعلاقة الشراكة مع اليونيسف في برامج الحماية الإجتماعية    التعادل يسيطر على مباريات افتتاح بطولة أندية الدرجة الثالثة بمحافظة إب    القبض على متهم بابتزاز زوجته بصور وفيديوهات فاضحه في عدن    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف من رفع الفائدة الامريكية على الطلب    الامين العام للجامعة العربية يُدين العدوان الإسرائيلي على جنين    لاعب ريال مدريد كروس يعلن الاعتزال بعد يورو 2024    المبعوث الامريكي يبدأ جولة خليجية لدفع مسار العملية السياسية في اليمن مميز    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الوزير البكري يلتقي رئيس أكاديمية عدن للغوص الحر "عمرو القاسمي"    تناقضات الإخواني "عبدالله النفيسي" تثير سخرية المغردين في الكويت    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن حملة علاجية مجانية لمرضى القلب بمأرب    "وثيقة".. كيف برر مجلس النواب تجميد مناقشة تقرير اللجنة الخاصة بالمبيدات..؟    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنشودة من محرم بلقيس
نشر في الجمهورية يوم 19 - 03 - 2007

كان المؤرخ اليمني الأستاذ/ زيد بن علي عنان رحمه الله ، هو أول من تعرف على هذا النقش وعمل على استنساخه ، وذلك عام 1952م أثناء عملية التنقيب الأولى التي قامت بها (المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان) برئاسة المستكشف (ويندل فيليبس).
وكان المختص (الإبيوجرافي) في البعثة هو المستشرق الكبير (ألبرت جام) قد صور واستنسخ أثناء تلك العملية أكثر من ثلاثمائة نقش كلها من معبد (أوام بمأرب) ، ومن الغريب أنه لم يتعرف على هذا النقش الذي نحن بصدده ، ولكن الأستاذ/ زيد عنان تعرف عليه ، وقد توفق في استنساخ أجزاء منه، ونشره تحت رقم (11) في كتابه (تاريخ حضارة اليمن القديم) ، ولكنه بموضوعية الباحث الملتزم ، وبكفاءته المتاحة للدارسين في قراءة نقوش المسند آنذاك ، سجل حول هذا النقش ملاحظة اختصه بها فقال : (في هذا النقش كلمات غير معروفة ، وهو يحتاج إلى دراسة أكثر ...الخ ص 196) وامتنع عن محاولة شرحه بينما حاول شرح النقوش الأخرى من مجموعته.
وبعد الأستاذ زيد عنان، جاء المؤرخ اليمني ، الدكتور/ محمد عبدالقادر بافقيه رحمه الله بالتعاون مع المشتشرق الفرنسي الضليع كرستيان روبان ، فحاولا استكناه موضوع النقش وشرحه ، وكاتب هذه الأسطر لم يطلع على ما حققاه من نجاح في هذه المحاولة ، ولكنه يظن أنه كانت أمامهما عقبتان كأدوان .. عقبة صعوبة النقش في ذاته .. وعقبة النقص في النسخة الوحيدة له ، والتي اعتمدا عليها ، ولم يكن أمامهما وهما من هما غيرها وهاتان العقبتان لا تجعلان المهمة صعبة فحسب ، بل تجعلانها شبه مستحيلة.
واليوم أثناء عملية التنقيب الجارية ، والتي تقوم بها بعثة من المؤسسة نفسها ، برئاسة السيدة الفاضلة (ميريلين فيليبس) أمدها الله بعونه ، أعيد الكشف هن هذا النقش من جديد.
ولهذافإن العثور على النقش مجدداً ، سيتيح للدارسين اليوم ، أن يقرأوه أفضل وأشمل ، وأن يحاولوا فتح مستغلقاته، وفهم ما فيه من غموض وإبهامات.
وقد أفضى المسير بهذا النقش إلى يد من هو أكثر تمرساً بقراءة النقوش وحل معمياتها، ألا وهو الأستاذ الدكتور/ يوسف محمد عبدالله صاحب (القصيدة الحميرية) ، التي هي بدورها ، نقش مسندي كان هو ، حفظه الله ورعاه، أول مكتشف له وذلك في منطقة (قانية) الأثرية المهمة ، والتي تقع في (السوادية أو قيفة السفلى) من محافظة البيضاء وقد بذل في هذا النقش جهداً كبيراً ، حتى وصل إلى أقرب نص يعبر عن مضمون ذلك العمل النقشي الفني الشعري على الأرجح ، والذي يشتمل على سبعة وعشرين سطراً كلها بقافية واحدة.
ولهذا فإن هذه المعالجة المدونة هنا لهذا النقش ستكون معالجة بدْئية لا خلفية لها إلا ما جاء في كتاب (تاريخ حضارة اليمن القديم) للأستاذ/ زيد عنان رحمه الله كما سلف وصفها ، ولكنها تعتمد كلياً على قراءة جديدة لهذا النقش في نصه وعباراته ومضمونه.
وهذه القراءة الجديدة ربما أنه أتيح لها من الوقت والجهد ما لم يتح لغيرها، ولهذا فيمكن أن تكون قد تمكنت من الاهتداء إلى مفاتيح لفهم النقش لم يتم الوصول إليها إلا بتوفيق من الله وبخلفية من طول المراس ، ولكن مجال الاجتهاد في هذا النقش لا يزال مفتوحاً أمام الدارسين.
وهذه الدراسة التي أتيح لكاتبها وليس أكثر الدارسين علماً من الوقت والجهد ما أوصلها إلى ما وصلت إليه، وقد خصّت بتوسعات وأعمال للذهن في المجالين العلمي والأدبي بما في الجمع بينهما من تناغ وتضارب ، رغم أن كاتب هذه الأسطر، يؤمن بأن المنهج العلمي الصارم في ا لمجال التاريخي ، إذا لم تشع فيه عاطفة المحب لهذا التاريخ فسد ، وأصبح إلى التقارير الباردة أقرب ، وللمذكرات واليوميات والحوليات أشبه وأنسب . وبأن العمل الأدبي إذاً أقسر على الموضوعية المنهجية فسد أيضاً ، وأصبح لا علماً يزيد في المعارف ، ولا عملاً فنياً يسمو بالإنسان ، ولكن مؤرخين عالميين ملأت شهرتهم الآفاق ، استطاعوا أن يمسكوا وبمقدرة فائقة بالزمامين ، فكان لهم من خلود الذكر ما لم يكن لغيرهم ، لأنهم أضفوا على وجه التاريخ الجهم ، مسحة من جمال الفن ، ولا شك أن موضوع مدى التوافق بين العواطف الصادقة والمنضبطة ، وبين الحقائق الموضوعية المجردة ، موضوع شائق وغني ، ولكن هذا ليس مجاله.
وليس هذا إلا عارض من القول المراد به دعوة بعض المؤرخين اليمنيين إلى أن يضفوا على تاريخهم إشعاعات أرواحهم بلا تهيب ولا غلو، ودعوة البعض من المقتحمين لهذا الميدان إلى الكف عن شطحاتهم وكبح جماح عواطفهم التي تسيء إلى هذا التاريخ أكثر مما تحسن.
تمهيد :
هذه أنشودة دينية عسكرية وطنية ، وهي مكرسة للإله السبئي الأعظم (المقه ثهوان بعمل أوام) وحده ، لأن نصها المسندي موجود في معبده (أوام) ، وهي مع تمثالي الثورين وتمثال الأيل مقدمة كهبة قربانية إليه بنص النقش.
أما ما نقرأه من أسماء وصفات في الأنشودة ، والتي توهم بأن صاحبها المنشد الرائع أو الرئاع يخاطب عدداً من الآلهة ، فما هي إلا أسماء وصفات أخرى للإله (المقه) نفسه ، ولكن الرئاع الذي دون الأنشودة سجعاً ، أو نظمها شعراً (فيه كثير من تفعيلات بحر (الرجز) مستفعلن أو متفعلن بالدرجة الأولى:
بكهل ذي جوب صلل = / متفعلن / مستفعلن).
نعم هذا النشاد قد تفاعل أو اندمج في الحالة الدينية المهومة ، التي كانت تؤمن أن الإله (المقه) هو ذات إلهية كلية كبرى، وأن أسماءه وصفاته تتجلى في ذات إلهية صغرى ، كل واحدة منها قائمة بذاتها ، ثم تخيل هذه الكيانات الإلهية المتعددة وكأنها إذا حل أمرٍ مهم ، تتنادى إلى الاجتماع وتوزيع الأدوار في هذه المهمة، وخاصة إذا كانت حرباً كهذه التي يتحدث عنها النقش.
ولعل القصد المتوخى ، الذي أراد المنشد أن يبرزه ، هو أيضاً ما يتصف به الإله (المقه) من القدرات الخارقة والصفات الكاملة، وقدرته مع صوره المتعددة وصفاته ، على عدد من الأعمال العظيمة بتعاون داخلي منسق بين الذوات ، ومتلائم مع الموضوعي الخارجي زماناً ومكاناً.
ويبدو أن صاحب السمودة أو الأنشودة ، قد اختار من حالات تجلي (المقه) حالته الكهلية، لتكون في الصدارة ، ولعله وقف أمام المجسم الذي يمثل الإله (كهل) فوق الجوب الصلل في معبد أوام وأدى له هذا النشيد غناءً ، إما بترتيل المتدين الوقور، وإما بحماس المنتصر القوي.
ولصاحب النقش أسبابه في هذا الاختيار، وقد يكون من بينها أولاً : أن اسم الإله (كهل) يأتي من مادة (ك ه ل) التي من معانيها النصر والعزة والقوة والنجاح في المساعي ، والفلاح في المقاصد ، وهذا يناسب موضوع النشيد ومضمونه ، وثانياً : أن إله (اليمامة) الأكبر وهي التي دارت فيها هذه الحرب كان الإله السبئي الأصل (كهل) ، فكان صاحب النقش يقول لأهل (اليمامة) : أن إلهكم ليس إلا صورة منعكسة من صور إلهنا (المقه) ، فهنا يوجد الأصل (المقه) بحالته المركبة، وليس لديكم من ذلك إلا صورة من صوره البسيطة ، فهناك الأصل الأكبر ، وعندكم الفرع الأصغر ، و(كهلنا) أجل من (كهلكم) لأنه استمرار ل(المقه) وتمردكم قطع لحبلكم مع (المقه) ف(كهل) هو ناصرنا وليس ناصراً لكم.
وبالاستنتاج من لغة النقش ذات الطابع الحميري الريداني ، ثم من خط النقش ، فإنه يغلب على الظن أن النقش قد يعود إلى المرحلة الأولى من عهد الملك (شمر يهر عش) أي إلى النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي.
وقبل التعليق على مفردات النقش وعبارته ، يحسن إيراد بعض الملاحظات العامة على النص بصفته العامة أيضاً . وهذه الملاحظات يمكن إيجازها فيما يلي :
1) يتكون النقش من ثلاثة وعشرين سطراً ومن ثمان فقرات .. ديباجة وسبع رباعيات أخيرتها ناقصة ، فأما الديباجة فتشمل السطور الأربعة الأولى ، وهي ديباجة ذات طابع معهود فلا تختلف عما يأتي في مقدمة أي نقش آخر، ولكن ذلك لا يمنع التوقف أولاً : عند اسم صاحب النقش (رائع) بمعنى منشد أو (رناع) بمعن نشاد، للسؤال أو التساؤل عما إذا كان هذا هو اسمه العلم الحقيقي الذي أطلق عليه عند ولادته، أم أنه اسم مهني اكتسبه من مهنته الدينية الكهنوتية باعتباره أحد منشدي معبد (أوام) ، ففي الاحتمالات الأول سيكون استهلال النقش هو : أنا منشد بن فلان السبئي أتقدم بكذا وكذا .. الخ ، أي أن اسمه (منشد) وكأنه من عائلة رهبان مختصين بالانشاد الديني في (أوام) ، فلما ولد لهم هذا الولد سموه (منشداً) تيمناً بعملهم المقدس، وفي الاحتمال الثاني سيكون استهلال النقش هو : أنا المنشد السبئي فلان أو المنشد فلان السبئي أتقدم بكذا وكذا ، ولعله لولا الكسر البتة الذي طمس معظم الصيغة الاسمية لكان الأمر أكثر وضوحاً.
كما يمكن التوقف ثانياً : عند نوعية القرابين ، فأما الثيران فإن تقديمها أو تقديم التماثيل التي تجسدها أمر معهود في النقوش لما له من دلالة دينية مقدسة إذ أن الثور يرمز إلى الإله (المقه) ، وأما الأيل فهذا هو أول نقش فيما نعلم يذكر كلمة أيل كقربان ، ولكنه إن كان المراد ذكر الوعول كما تذكر معاجم اللغة العربية في شرح كلمة أيل، فإن تقديم قرابين من الوعول وتماثيلها في حالة الصيد الديني أو تعبداً ، أمر معهود أيضاً الأول لأنه من صميم طقوس الصيد الديني والثاني للوعول أيضاً دلالة دينية مقدسة ترمز إلى الإله (عثتر) وكلا الحالتين لا علاقة لهذا النقش بهما ، وإن كان المراد الأيل كما يعرف الآن بقرونه المتشعبة وقوائمه الأطول مع قلة قيمته كرمز ديني ، فإن هذا هو أيضاً أول نقش فيما نعلم يذكر الأيل كقربان ، ولا نعرف ما هي الدلالة الرمزية في هذه الحالة.
وأما التقرب ب(سمدتن = السمدة أو السمودة) فهذا أيضاً هو أول ذكر لها لفظاً ودلالة فيما نعلمه من النقوش ، وكذلك مسألة تقديمها قرباناً أو جزءاً من قربان على أنه من المعهود أيضاً أن يقدم المسند بمادته وموضوعه كجزء من قربان ، ولهذا فإنه على هذا الغرار يأتي التقرب بالسمودة الأنشودة وهي في محتواها عمل فني أدبي ذو صياغة راقية خاصة ، وهي من جانب آخر عمل فني غنائي له لحنه وطريقة أدائه.
2) من الملاحظ على النقش بصف عامة ، أن له خصوصية لغوية وقواعدية ونحوية ، وهذا أمر يحتاج إلى تناول موسع ، ويمكن الاكتفاء هنا بالإشارة إلى أن هذا هو ثاني نقش بعد القصيدة الحميرية يفك قيد التحدث في النقوش بضمير الغائب المفرد والمثنى والجمع للمذكر والمؤنث ، على الدوام فهذا النقش يستعمل عدداً من الضمائر الأخرى منها : (الكاف) ضمير المخاطب للمفرد المذكر المتصل بالصيغة الاسمية وهو في محل جر بالإضافة مثل (هلك) و(محرمك) (أضررك) و (يدك) و(خميسك) و(تحتك) و(ملكك) وكذلك (الكاف) اليمني الذي يحل بعد الفعل محل تاء المتكلم الذي هو في محل رفع على الفاعلية مثل (أسيك) ، وكذلك (الكاف) ضمير المخاطب المتصل بالأفعال ويكون في محل نصب على المفعولية مثل (ذبرك) ، وكذلك (الكاف) الملحق بأحد حروف الجر مثل (لك) (الشروق لك) و(تعرب لك)،
كما أنه أول نقش فيما نعلم فيه اسم الإله (المقه) مرخماً للتحبب مؤكداً بالتكرار مرتين وذلك بصيغة (المق) بحذف الهاء أو بحذف الهاء والواو حيث أنه جاء في الديباجة (المقهو) بهاء وواو ، وقد سبق أن جاء اسم (المقه) مرخماً بصيغة (المق) لمرة واحدة في النقش الواحد وذلك في أربعة نقوش من نقوش المستشرق الكبير (ألبرت جام) في كتابه (نقوش سبئية من محرم بلقيس) ، وهي النقوش (708،713،317،828) ولمرة واحدة كما سبق في كل نقش منها.
3) ومن الملاحظات العامة والهامة حول هذا النقش بصفته العامة ، أنه وعلى طول ثمانية عشر سطراً نصيب الأنشودة من سطوره الثلاثة والعشرين ، لم تأت فيه إلا كلمة واحدة معرفة بأداة التعريف = ن= .. ان وهي كلمة مرآن (*) = الرجل الكبير ذات السيادة) في السطر / 12 كما لم تأتِ فيها أي الأنشوذة ولا كلمة واحدة مختومة بعلامة التمييم أي التنوين = م ، وهذا مخالف لما هو طبيعي ومتبع في النقوش العادية الأخرى ، وفي عملية إحصاء أجريتها على خمسة نقوش أخرى بطريقة عشوائية ، وجدت أن (النون) علامة التعريف في ثمانية عشر سطراً لا بد أن تتكرر ما بين ست وتسع مرات على الأقل ، وضعف ذلك تقريباً ترد علامات التمييم ، ولعل الطابع الفني للأنشودة من حيث كونها نص أدبي من النثر الفني المسجوع أو من الشعر ، أو طابعها الفني من حيث كونها أبدعت لتغني بلحن فني ، هو الذي أدى إلى هذه الظاهرة اللغوية القواعدية والنحوية الغريبة.
4) الملاحظة الأخيرة وليست آخر ما يلاحظ ، وجود ظاهرة الدمج في عبارات وجمل السمودة ، أي كتابتها بشكل تبدو معه الجملة المركبة وكأنها كلمة واحدة، وذلك لعدم وجود الفواصل التي هي الخطوط الرأسية التي تأتي حسب التقاليد المرعية بعد كل مفردة لغوية فتتميز بالخط الذي قبلها والخط الذي بعدها باعتبارها كلمة اسمية أو فعلية قائمة بذاتها ، بل إن هذا التمييز بالفواصل قد يتبع في النقش حتى مع أدوات الوصل من الحروف ، ومن أمثلة الدمج في جمل الأنشودة (/دأسك مثل/=/ دو / اسيك/ مثل/= لم / أجد/ مثيلاً) وكذلك (الذذبرك) بمعنى (ما لمن خدمك)، و(لجبا شرقلك) بمعنى (بمعيد الشروق اليك) و(ضرك وتعرب لك) بمعنى (ضاق فعاد وخضع لك) ولعل الجملة في آخر السطر قبل الأخير ؤأول الأخير (حملضي...) التي لم نتمكن من قراءتها وفهمها ، هي من هذا القبيل ولها في أول السطر الأخير تكملة زالت بالكسر البته.
(النص بالحروف العربية منفصلة)
1) ر ن ع م / ه ... ي ن / ح و
2) ر و /ه ج ر ن / م ر ب / ه ق ن ي و / ا ل
3) م ق ه و / ث و ن / ب ع ل ا و م / ث و ر ن
4) ه ن / و أ ي ل ن / ذ ه ب م / و س م د ت
5) ن / ب ك ه ل / ذ ج ب / ص ل ل / و س ط أ
6) و م / ه ل ك / ع ض ل / و ل م ح ر م ك
7) د أ س ك م ث ل / ذ أ ق د م / ل ك ف ع
8) ل / ب ك ه ل / ك ب ه ي / أ ل ذذ ب ر ك
9) ج ب أ ش ر ق ل ك / و ذ أ ل/ ذذ
10) ي د ك / ض ر ك و ث ع ر ب ل ك / ب ك ه ل / ك
11) ب ج و / ث و ن / ك ه ل / و ك ل / أ ض رر ك
12) ح س ل / خ م س ك / م ر أ ن / ذ ل ل / ك ل
13) ذ ع ل ي / و س ف ل / ب ك ه ل / ب ح ت / ذ
14) و ه ن / ذ ر ح / ه ر د أ / ذ م ل و ب / و
15) ر ز ح / أ ل م ق / ذ ه س ك ر / أ ر م ح
16) ت ح ز ت ك / أ خ م س / ر ض ح / ب ك ه
17) ك ب م و / م ل ك ك / ت ر ي م / خ م س ك / ج ب
18) أ / ل ن ع م / م ه ن أ ض ر ر / ت ح ت ك
19) ه ل ج م / أ ي م / ث ن / ق د م / ب ك ه
20) ل / ك ب ف ف / ه رد أ ه / ب ش ر ق / أ ل
21) م ق / ذ ج و ب / ر ف ق / و ه ن / أ ض ر ر
22) ت ح ز ت ك / أ ف ق / ع ر ب / و ح م ل ض ي
23) ك ب ع و / ي ف ع / ذ ب ع و / ر أ ي ك
(النص بالحروف العربية متصلة)
1) رنعم / ه .. (سب) اين / حو
2) رو/ هجرن / مرب / هقنيو/ ال
3) مقهو /ثون/ بعل أوم / ثورن
4) هن / وايلن / ذهبم / وسمدت
5) ن / بكهل / ذجب / صلل/ وسط
6) أوم /هلك / عضل / ولمحرمك
7) دأسك مثل /ذاقدم/ لكسف
8) ل / بكهل / كبهى/ الذذبرك
9) جبأ شرقلك . وذو أل أذذ
10) يدك / ضرك وتعرب لك/ بكهل /ك
11) بجو / ثون/ كهل / وكل/ أضررك
12) حسل / خمسك / مرأن / ذلل / كل
13) ذعلي / وسفل/ بكهل / بحث /ذ
14) وهن ذرح / هرداً/ ذملوب/ و
15) رزح /ألمق / ذهسكر . أرمح
16) تحتك / أخمس / رضح / بكهل
17) كبمو / ملكك / تريم / خمسك / جب
18) أ / لنعم / وهن أضرر/ تحتك
19) هلجم / أيم ثون / قدم / بكه
20) ل/ كبفف/ هرد أ ه / بشرق / أل
21) مق / ذجوب / رفق / وهن / أضرر
22) تحتك / أفق / عرب / وحملضي
23) ك بعو / يفع / ذبعو / رأيك
شرح النقش :
1) هذا هو المنشد (رنعم .. السبئي ) من سبأ
2) الساكنين في المدينة (مأرب) وهو يعلن أنه تقرب إلى
3) الإله (المقهو / ثوان / بعل /أوام/) بتمثالي ثورين وتمثال
4) أيل كلها من البرونز ، كما يعلن أنه تقرب إليه بهذه الأنشودة:
5) بحقك يا (كهل) يا صاحب المقام الرفيع على المنصة المرصوصة بإحكام ، ويا من في قلب
6) (أوام) أنت موجود وجوداً يحير الأفهام ، ويا من لعظمة محرمك
7) لم أجد مثيلاً لا فيما بناه الأقدمون ، ولا فيما سيظل الناس يفعلون
8) بحقك يا (كهل البهى) يا من ليس من عَبَدك
9) هو الذي يعيد إشراقك ، ويا من ليس لمن لم يخضع
10) لسلطانك إلا الضيق ، وسوء الحال، حتى يعود فيرضخ لك . بحقك يا (كهل)
11) يا من في (اليمامة) نصرت (ثهوان) فانتصر ، وكل الحروب الت
12) أعلنت عليك دفعها عنك ، وجعل لخميسك اليد العليا فكم من الرجال قهر وأذل
13) من كل من علا شأنه من الناس ومن منهم سفل : بحقك يا (كهل البوحات)
14) يا من أشرقت وهّناً من اليل ، وبإشراقك أعنت (ذاملوب)
15) وأسندته ، وشددت أزره ، وأعنت (المق) الذي سدّ الثغرات ، ودفع الأعداء
16) بعيداً ، وتحت قدميك كم من خميس معاد ألقاه محطماً ، بحقك يا (كهل)
17) في هذا اليوم الذي تعالى فيه ملكك ، وتعاظم أمر خميسك وآل أمره
18) إلى مزيد من القوة والخير ، أما هذه الحروب التي شنت عليك فإن قادتك
19) قد أخمدوها وكبحوا جماحها ، وذلك لأن (ثهوان) كان هو القائد المقدم
20) بحقك يا (كهل) يا من بطلوعه وإشراق نوره جاء نصره ل(ثهوان)
21) وأرفق معه (المق ذا جوب) ، ولهذا فإن كل حرب عليك
22) قد انقطع شرها تحتك ، وانحبس أمرها دونك ، وهؤلاء العرب ومن مالأهم
23) فهاجموا قواتك ، مالبث (ثهوان) أن يافعهم فاعتلى من وجموا مخالفين لك
(النقش كديباجة رباعيات)
الديباجة
رنعم (1) خ ......ين/ حو
ر هجرن / مرب / هقنيو /أل
مقهو / ثون بعل أوم / ثورن
هن / وإيلين / ذهبم / وشُمدت
ن (2)
1111
بكهل . بحت (14) ذوهن / ذرح (15)/
هردأ / ذملوب / ورزح (16)
ألمق / ذهسكر / أرمح/
تحتك . أخمس / رضح/ (17
الرباعيات
1
بكهل / ذجب / صلل (3)/
وسط / أوم/ هلك (4) عضل/
ولمحرمك / ذ أسمكثل (5)/
ذ أقدم (6) لكفعل) (7)
بكهل / كبمو / ملكك / تريم /(18)
خمسك / جبأ / لنعم / (19)
وهن أضر / تحتك / هلجم / (20)
أيم / ثون / قدم / (21)
11
بكهل / كبهى (8) أل ذ ذ برك
لجبأ شرق لك (9)
وذأل / أذذي دك /
ضرك وتعرب لك (10)
1
بكهل / كبفف/
هرد أ ه / بشرق /
ألمق / ذجوب / رفق/
وهن أضرر / تحتك / أفق/
111
بكهل / كبجو / ثون / كهل (11)/
وكل /أضررك / حسل (12)/
خمسك / مرأن / ذلل/
كل / ذعلي / وسفل (13)/
11
عرب / وحملضي
ك / يعو / يفع / ذبعو / وايك
التعليقات اللغوية
(1) رنعم : اسم صاحب النقش من المادة اللغوية (ر ن ع) أما الميم في آخره فهو علامة التميم = التنوين ، وفي هذه المادة معنى اللهو واللعب ورفع الصوت ، قال في لسان
العرب : «قال الفراء : كانت لنا البارحة مرنعة ، وهي : الأصوات واللعب» وجاء في تاج العروس : « رنع فلان : لعب وهم رانعون رنوعاً : لا هون » واللهو في معجمات اللغة العربية : الغناء وكل ما لهوت به ولعبت من هوى وطرب ونحوهما ، والملاهي : آلات الطرب واللهو ، وفي (رزع كما سبق ) معنى اللهو أي الغناء أو الانشاد ، وعلى هذا فإن من المحتمل أن يكون اسم صاحب النقش هو (رانع) أو (رناع) بمعنى : منشد أو نشاد :
(2) سمدتن = السمدة أو السمودة بمعنى : الأغنية أو الأنشودة ، وقد بقيت مادة (س م د) في اللغة العربية بدلالتها على الغناء ، جاء في و(تاج العروس ج / 8 ط الكويت «سمد سموداً : غنى وقوله تعالى : «أنتم سامدون» فسر بالغناء ، وروي عن ابن عباس أنه قال : السمود : الغناء بلغة حمير .. يقال للقينة : اسمدينا ، أي إلهينا بالغناء .. الخ.
(3) ذجب / صلل / = ذي جوب صلل ،. الجوب : المنصة أو القاعدة المبنية لتمثال أو نحوه .. والصلل : المرصوص بالحجارة رصاً محكماً من أرضيات أي بناء ومسطحاته.
ولهذا فإن القراءة الصحيحة لهذه العبارة وتحمل أحد مفاتيج الفهم الأحسن لهذا النقش ، وربما كانت القراءة الأولى عند الدارسين هي (ذي لب) باللام نظراً للتشابه الشديد بين الجيم واللام في خط المسند ، وبالتالي ظلت تشرح بمعنى (اللب) الذي هو في العربية : القلب والعقل والجمع ألباب ، وقراءة الكلمة على هذا الأسطر فقد أدى به تأمله إلى قراءة الكلمة الأولى (جب) بالجيم ، وخرجها تخريجاً مطابقاً لقواعد النقوش وكتابتها إلى (جوب) خاصة أنها وردت في السطر 21 بلفظ (جَوْب) ثم وهذا هو الأهم في شرحها لاعتماده على نقش جديد لما ينشر وردت فيه كلمة (الجوب) في سياق ينم أيضاً عن دلالتها ، ونص هذا النقش يتضمن تشريعاً يحرم الجلوس على (جوب) معين ملاصق أو مجاور لمعبد (أوام) وهو في الانشودة المنصة أو القاعدة الحجرية لتمثال ونحوه.
(4) هلك : وهذه كلمة بل عبارة أو جملة تحمل قراءتها الصحيحة مفتاحاً من مفاتيح فهم النص فهماً أفضل ، وأول ما تبادر إلى الأذهان هو أنها مفردة لغوية واحدة من مادة (هلك يهلك) أي أن الكاف حرف أصلي من حروف اللفظة الثلاثة ، والصحيح أن الكاف فيها هو ضمير المخاطب المفرد ، وأنها مسبقة بكلفة من مادة (ه ل ل) أو (هل المشددة اللام) وهي كلمة يمنية قديمة غريبة الصيغة عجيبة الدلالة تعني : الوجود والحضور والكينونة.
وهذه الكلمة (هل) ذات الصيغة الخاصة وبدلالتها ، تأتي أو يجوز أن تأتي غير مضافة فقد يقال هل وما هل إثباتاً ونفياً.
وعلى كل فإن أكثر مجيء (هل) إنما يرد في اللهجات اليمنية المحكية ، وتأتي بالإثبات وبالنفي وتكون عموماً مضافة إلى الضمائر جميعها مثل: هلك وما هلك وهلك وما هلك ، وهلكم وما هلكم وهلكن وما هلكن ، وهله وما هله ، وهلها وما هلها ، وهلهم وما هلهم ، وهلهن وما هلن .. وقد تدخل عليها نون الوقاية كما لو كانت فعلاً فتقية من الكسر ، سمعت مغنياً مشهوراً يغني :
ما هلني بين الهنا والافراح ما هلني .. وفي القليب أجراح ماهلني ما هلني
عند مجيئها مضافة إلى الكاف ضمير المخاطب فإنها تعني : وجودك ، وأنت موجود ، وعند الثناء تؤكد بطريق النطق فكأنك تقول : إنك موجود بفعاليبة ، وبتأكيد أكثر : أنك لموجود وجوداً قوياً فعالاً في هذا الموقف أو ذاك.
إن فهم (/هلك/ عضل/) التي وردت في النقش على هذا النحو يزيل اللبس الذي قد يقع فيه الدارسون ، فالجملة كاملة تعني : أنك يا كهل لموجود في وسط أوام وجوداً قوياً فعالاً حير بحضوره اللاهوتي القوي العقول والأفهام .
5) دأسكمثل = دو / أسيك / مثل / = لم أجد مثيلاً ، وهذه الجملة تحل بدورها مفتاحاً من مفاتيح الفهم الأحسن للنص ، وقد كتبت (دأسيك مثل) في الأصل بدون الفواصل المعهودة فأشكل فهمها على الدارسين ، وهي في الواقع مكونة من :
أولاً : (دأ) أو (دو) وهي للنفي وهي هنا تعمل عمل (لم) أو (ما) . ثم ثانياً : من الفعل أسى يأسي بمعنى وجد وألقى ، ثم ثالثاً : من ضمير المتكلم المذكر المفرد وهو في عربية اليمن القديمة (الكاف) المبني على الضم ومحلها الرفع على الفاعلية ويقابلها في عربيتنا (التاء) المبني على الضم ، ثم رابعاً : من كلمة مثل أو مثيل وهي واضحة ومنصوبة على المفعولية مثلاً أو مثيلاً وبهذا يزول إبهامها على الدارسين (ولمحرمك لم أجد مثيلاً من كل ما بناه البانون).
(6) ذأقدم/ = ذي / أقدم = في الذي هو ، أقدم ، أي : لم أجد لمحرمك مثيلاً لا في بناء قديم مما بناه الأقدمون ، ولا .. الخ.
(7) /الكفعل/ هذه عبارة تفهم دلالتها من السياق ، أي : لم أجد لمحرمك مثيلاً لا مما بناه الأقدمون ، ولا مما يفعلون أو سيفعلون.
(8) /كبهي / أي : لكونه البهي المشرق ، أو باعتباره بهياً مشرقاً .
(9) /أل ذذبرك/ لجبأ شرق لك / هاتان جملتان كاملتان لم تكتبا بالعدد اللازم من الفواصل المعتادة ، ومعناها معاً : ليس الذي خدمك عبدك هو من يعيد طلوعك وإشراقك كلما طلعت ، بل أنت من يطلع ويعود إلى الشروق بقدراته الإلهية الكاملة، وكلمات (أل) و(ذي) و(ذبر) و جبأ) و (شرق) معروفة في نقوش أخرى ومذكورة في (المعجم السبئي) في أبوابها.
(10) /وذأل/ أذديدك/ ضرك وتعرب لك / هذا عدد من الجمل (ذأل/ = الذي لك ) (/أذريدك/) = (يخضع لسلطانك (وفي قراءة (أذذ) شك كبير) ضرك وتعرب لك /) = (ضاف به الأمر وساءت أحواله حتى يعود فيخضع لك ) ، ومفردات هذه الجملة معروفة ومدونة في (المعجم السبئي) عدا (أذذ) التي في في قراءتها شك ، وعدا (ضرك) وكافها أصلية فهي تردد لأول مرة ودلالتها على الضيق وسوء الحال وردت في المعجمات العربية، جاء في لسان العرب الضريك : الفقير البائس الهالك من سوء الحال ، وقد ضرك ضراكة . وفي التاج الشريك : الزمن المبتلي والضرير ،و الفقير البائس ، السيء الحال.
(11) كبجو /ثون/ كهل/ = حينما في أرض جو ، أحرز (ثهوان) النصر بمعنى باسمك يا كهل أهتف حينما ندبت الإله (ثهوان) لقيادة الحرب في أرض (جو) فاحرز النصر أو أمد الجيش بالنصر.
والقراءة الصحيحة لعبارة كبجو / تحمل مفتاحاً مهماً من مفاتيح فهم النقش ، لأنها تعرف بكنه الحديث الذي تتغنى به الأنشودة ، من خلال التعريف بمكان حدوثه ، وذلك إذا قرأت كلمة (جو) في العبارة بمعناها الجغرافي الدال على مكان بعينه وهو (اليمامة) وليس بمعناها اللغوي الدال على (الحلف) ، أو بالمعنى الذي شرحها به (المعجم السبئي) حيث قال بإبهام في مادة ((Gwy : (جو م : جماعة .. قوم .) واستشهد
C/366 ولكن ما يفهم من هذا النقش ، ومن النقش GL / 1000 هو : حلف .
(12) وكل أضرارك /حسل/ ، الأضرار جمع ضرر وهي الحرب ، وحسل بمعنى دفع وساق بعيداً،وهي ترد في النقوش لأول مرة، فلم ترد في «المعجم السبئي».
وفي معجمات اللغة: الحسل: السوق بشدة بعيداً، أي :إن الإله «ثهوان» صدعنك كل الحروب ياكهل وساقها بعيداً عنك لأنه قاد الحرب في جو.
«13» خمسك، مران، ذلل،كل ذعلي وسفل، والمرأ، هو :الرجل الكبير ذو السيادة والسلطان والعزة،فكأنه قال:«وخميسك ياكهل: كم من عزيز قد أذل ممن علا ومن سفل».
«14» بكهل/بحت باسمك يا «كهل بوحات»،وكهل باحات أو بوحات:
اسم آخر للإله كهل، وهو موصوف بالإضافة بأنه ذو الباحة أو الباحات، أو أنه ذو البوحات، والبوح: الذكر.
«15» ذي ، وهن، ذرح، = الذي أشرق وهناً من الليل، وذرح النجم وزرح في اللغات السامية الأخرى معناها: طلع وأشرق والقمر هو المراد هنا.
«16» هرداً، ذا ملوب، ورزح = أي «كهل» طلع وأشرق وهناً من الليل فأعان بإشراقه الإله
«ذو ملوب» ورزحه مساندا له، و«ذو ملوب» اسم إله آخر وهو مضاف إلى الملوب التي قد تعني المطاف من : لاب حول الشيء يلوب، إذا هو : حام حوله طامعاً به أو بالحصول على شيء منه كما في المعجمات العربية واللهجات اليمنية.
«17» ألمق ذو هسكر، أرمح أي : وأما الإله «ألمق ذو هسكر» فصد ودافع بفضل طلوع كهل البوحات وإشراق نوره.
«18» تحتك، أخمس، رضح ، أي : وكم من جيش ألقاه تحتك محطماً.
«19» بكهل، كمبو، ملكك، تريم = أي باسمك أنوه ياكهل بهذه المناسبة التي تعالى فيها ملكك،وكلمة «تريم» من مادة «ري م» المسندية التي تعني بكل صيغها ومشتقاتها: العلو والارتفاع.
«20» خمسك، جبأ ، لنعم، أي : وجيشك خميسك عاد على خير حال وأنعم بال.
«21» وهن، أضرر، تحتك، هلجم، أي: وهذه الحروب المناوءة لك أوقفها وأخمدها وألجمها دونك، وأضرار جمع ضر ومعناها في المسندية : الحرب، تحتك معروفة ،وألجم من الكبح باللجام.
«22» م= أيم ثون قدم = أيام ثهوان قادم أي:- تحقق لك كل ذلك - في الأيام والمواقع، بفضل الإله «ثهوان» الذي قادم القوم ونازلهم وكان قائداً للحرب فيها، والمراد ب «الأيام» الحروب والمواقع التي تسمى بالأيام مثل «يوف فيف الريح» و«يوم ذي جبلة» و«يوم بدر» و«يوم أحد» ..الخ و«ثوان» المراد بها «ثهوان» وهي أشهر وأخص الصفات ل «المقه» إله سبأ الأعظم، كأنها صفة الرحمن لله سبحانه وتعالى، ومادة «ق دم» لها في لغة النقوش استعمالات كثيرة في مجال القدم الزمني والتقدم المكاني والمقادمة والقدم والقادم والمقدم في الحروب معناها: القائد أو : المقدمي من مقادمة الجيوش كما كان يطلق عليهم إلى وقت قريب ولايزال.
«23» بكهل، كبفف، هردأه، بشرق، أي: باسمك ياكهل أنادي بمناسبة النصر في «يوم فيف» فأنت لما أضأت الليل يا «كهل» نصرت القائد «ثهوان» فبيتنا القوم ليلا وصبحناهم وانتصرنا عليهم.
«24» ألمق، ذو جوب، رفق،أي: أما الإله «ألمقه ذو الجوب» فرافق أو أرفق وساعد على النصر، وهذه الجملة تمثل أحد مفاتيح فهم هذا النص، لأن القراءة التي نرجحها لكلمة «= فف هي :فيف» السهل المعروف في اليمامة ونرجح أيضاً أنه المسمى ب «فيف الريح» كما جاء في كتب البلدان والتراث.
«25» وهن، أضرر، تحتك، أفق، أي: وهذه الحروب جعلها ثهوان والآلهة تحتك ودون مقامك تغيب وتنقطع.
الخاتمة:
«26» هذه هي المقطوعة السابعة والختامية، وفيها نقص واضح عن سابقاتها في الأصل ثم بالطمس، ولكنها تذكر «العرب» ولامعنى لها في المسندية إلا «البدو» وتذكر ال «بعو» وهو : الهجوم، تذكر ال «يفاع» والميافعة والمعنى: الهجوم المضاد واعتلاء القوم للقوم وركبهم، هذا المعنى الذي يصور تطامن المنهزم وإنحناء قامته المعنوية، مع تطاول الغالب واعتلائه للقوم اعتلاء معنوياً غالباً،و«ذي بعو» معناها« من هاجموا» وهم الذين هزمهم خميسك بقيادة ثهوان واعتلاهم ،أما «رأيك» في آخر النقش فهي القافية الثانية الموازية لقافية زالت بالطمس، ولعلها تقرأبفتحات ثلاث ولعلها صيغة مسندية تقابل «رآك».
توضيح
يقول الشعراء الصادقون، ومن يتبعهم من الشعراء الهواة الغاوون إن قراءة قصيدة جيدة جميلة من قديم الشعر أو جديدة، تستدعي مواهبهم إن غابت عنهم، وتستنهضها إن قعدت بهم وتشعلها شعراً وإبداعاً إن كانت حاضرة حضور قوة تطلب مفعلا لتصبح فعلاً.
أي أن الشاعرية الحقة إذا هي برزت شعراً أمام القارئ والسامع، تمثل مثيراً من المثيرات الموضوعية الفعالة للشاعرية الكامنة في نفوس الشعراء.
والتجربة الذاتية مصدق حي لهذه المقولة، فكم من قصيدة تدفع الشاعر دفعاً، أو تجره جراً، أو تثب به وثوباً.. من عالم الشعر «القوة» إلى عالم الشعر «الفعل» .. ولكن ذلك لايكون إلا حينما تقرأ شعراً بلغة هي منك وأنت منها.. ومفرداتها هي أجزاء ثقافتك الكائنة، وكيان ثقافتك مبنى من هذه الأجزاء.. أما أن يقرأ الشاعر أبياتاً كأبيات الشنفري عمر وبن مالك الازدي مثلا والتي تقول:
دعست على غطش وبطش وصحبتي ü سعار وأرزيز ووجر وأفكل
ولي دونكم أهلون سيد عملس ü وأرقط زهلول وعرفاء جيال
دون أن يجد لها هوامش تشرح مفرداتها، بل ودون أن يكون لديه من المعجمات اللغوية مايساعده على فهم جميع مفرداتها.. فتحرضه شعراً، فهو الاستثناء الذي لا يكتفي بتأكيد القاعدة وصدق تلك المقولة فحسب.. بل هو يؤكدها ويؤكدها ويزيدها توكيداً، ويجعل مسألة استدعاء الشعر للشعر أمراً محوطاً بأسرار النفس الإنسانية، وغموض وابهامات ما أودع فيها من الملكات.
وهذا يفسر الحالة القائمة، أي: قراءة رباعيات شعرية غنائية، قيلت وأنشدت في معبد «أوام» ب «مأرب» قبل أكثر من ألف وستمائة عام، بلسان ذلك العصر الذي أميت معظم ألفاظه.. وسر استدعائها لملكة شعرية اليوم.
ولعل تفسيره هنا ولهذه الحالة، يشير فيما يشير إليه.. إلى أن للشعر جسداً أو قل قامة تجسده، كما أن له بالطبع روحاً هي جوهره وسرقوته، ولكن القامة أحياناً قد تكون لسبب من الأسباب من الكثافة بحيث تحجب الروح إلى أي حد .. ولاتشف عنها بصدق، إلا أن للروح قوة وحضوراً وطاقة إشعاعية قادرة على اختراق ما يحجبها في سبيل الخروج من القالب القديم المعتم إلى قالب جديد نير يشف عما فيه ويتم عليه، فتعود الروح القديمة إلى ملامسة الأرواح الأخرى بمقدار ما اتيح لقالبها الجديد أو الجديد القديم من القدرة على إبرازها وإزاحة الحجب عنها.
وأبو تمام الشاعر الكبير، كان له تجربة أدت إلى أن يعبر عن فكرة مضاهية، فقد استمع إلى مغنية من بنات الروم تغني بلسانها الذي لايفهمه، ولكن تلامس الأرواح جعله يقول:
ولم أعلم معانيها، ولكن شجت قلبي ،فلم أجهل شجاها
فالتجربة هنا هي ملامسة روح لاتلامس من داخل قلبها، إلا الأرواح المشتاقة إليها، القادرة على استلهامها، من أجل إبرازها في ثوب جديد تستطيع من خلاله ملامسة الأرواح الأخرى والتواصل معها، على أن يحافظ الثوب المستحدث على هذه الروح كاملة وحية ونابضة، وفي سبيل ذلك لابد من إضافة لمسات في الثوب، ومن التزيد بزينات في هذا الجانب أو ذاك، فإذا اتسع الثوب هنا وضاق هناك، وتحلى ببعض النمنمات والشرائط، بذوق وتناغم مع الروح، فإن كل إضافة وزيادة في الثوب إنما هي من لحمة الروح نفسها ومن سداها، أما اخضاع الشعر قالباً وروحاً لحرفية المهنيين وحرفية المنهجيين، فأمر لاتطيقه أروح الشعراء وإلا لكان في كتابة المواضيع التقريرية واليوميات والحواليات السردية.. مندوحة لهم، وليخرجوا بذلك من عالم الشعراء.
وخلاصة القول هي أن ما في هذه الإعادة لنظم القصيدة، من جمل وعبارات لم ترد في الأصل لايخرج بها عن مضمون النص وروحه وهما معاً الأصل في جوهر الشعر ،ولافضل للقوالب إلا بحسن إبرازها للأرواح، وويل للشعر من إخضاعه المنطق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.