جماعة الحوثي تعلن ايقاف التعامل مع ثاني شركة للصرافة بصنعاء    أمطار رعدية غزيرة على 15 محافظة خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للمواطنين    ثلاث محافظات يمنية على موعد مع الظلام الدامس.. وتهديد بقطع الكهرباء عنها    أبوظبي اكستريم تعلن عن طرح تذاكر النسخة الرابعة التي ستقام في باريس 18 مايو الجاري    مأساة في تهامة.. السيول تجرف عشرات المساكن غربي اليمن    عندما يغدر الملوك    النائب العليمي: مليشيا الحوثي تستغل القضية الفلسطينية لصالح اجندة ايرانية في البحر الأحمر    بعد إقامة العزاء.. ميت يفاجئ الجميع ويعود إلى الحياة قبيل وضعه في القبر    جزار يرتكب جريمة مروعة بحق مواطن في عدن صباح اليوم    قارورة البيرة اولاً    أساليب أرهابية منافية لكل الشرائع    المحطات التاريخية الكبرى تصنعها الإرادة الوطنية الحرة    حرب غزة تنتقل إلى بريطانيا: مخاوف من مواجهات بين إسلاميين ويهود داخل الجامعات    مهام العليمي وبن مبارك في عدن تعطيل الخدمات وإلتقاط الصور    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    العدالة تنتصر: قاتل حنين البكري أمام بوابة الإعدام..تعرف على مراحل التنفيذ    متصلة ابنها كان يغش في الاختبارات والآن يرفض الوظيفة بالشهادة .. ماذا يفعل؟ ..شاهد شيخ يجيب    أتالانتا يكتب التاريخ ويحجز مكانه في نهائي الدوري الأوروبي!    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    ضوء غامض يشعل سماء عدن: حيرة وتكهنات وسط السكان    قوة عسكرية جديدة تثير الرعب لدى الحوثيين وتدخل معركة التحرير    لا وقت للانتظار: كاتب صحفي يكشف متطلبات النصر على الحوثيين    الحوثي يدعو لتعويض طلاب المدارس ب "درجات إضافية"... خطوة تثير جدلا واسعا    مراكز مليشيا الحوثي.. معسكرات لإفساد الفطرة    ولد عام 1949    الفجر الجديد والنصر وشعب حضرموت والشروق لحسم ال3 الصاعدين ؟    فرصة ضائعة وإشارة سيئة.. خيبة أمل مريرة لضعف استجابة المانحين لليمن    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    أمين عام حزب الشعب يثمن موقف الصين الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة مميز    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    منذ أكثر من 70 عاما وأمريكا تقوم باغتيال علماء الذرة المصريين    الخارجية الأميركية: خيارات الرد على الحوثيين تتضمن عقوبات    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و904 منذ 7 أكتوبر    وفاة الشيخ ''آل نهيان'' وإعلان لديوان الرئاسة الإماراتي    امتحانات الثانوية في إب.. عنوان لتدمير التعليم وموسم للجبايات الحوثية    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    5 دول أوروبية تتجه للاعتراف بدولة فلسطين    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ميونخ ويواجه دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    البدعة و الترفيه    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغنى رجل في بابل احتفظ بجزء من إيراداتك
اكتشف سر تحقيق الثروة الشخصية
نشر في الجمهورية يوم 21 - 11 - 2007


الحلقة الثانية
كان هناك في بابل القديمة رجل ثري جداً يدعى أركاد ،وكان هذا الرجل مشهوراً في طول البلاد وعرضها بثروته العظيمة.كما كان أيضاً مشهوراً بسخائه،وكان كريماً في الإنفاق على أعمال الخير،كما كان كريماً مع عائلته،وكان سخياً في نفقاته الشخصية. ولكن على الرغم من ذلك، كانت ثروته تتزايد بسرعة في كل عام بمعدل يزيد عما ينفقه منها.أتى إليه ذات يوم مجموعة من أصدقاء الصبا وحدثوه قائلين: "إنك أكثر حظاً منا يا أركاد ،إذ أصبحت أغنى رجل في بابل كلها،بينما ونحن مازلنا نكافح من أجل البقاء ،أصبح في مقدورك أن ترتدي أفخر الثياب وتستمتع بأندر المأكولات،بينما نحن لابد وأن نشعر بالرضا إذا تمكنا من كساء عائلاتنا بثياب متواضعة وإطعامهم بأفضل ما نستطيع أن نوفره.
"ولكننا كنا سواسية فيما مضى ،كنا نتلقى تعليمنا على يد نفس المعلم.،وكنا نلهو بنفس الألعاب،ولم تكن حتى تتفوق علينا في الدراسة أو في اللعب، وفي السنوات التي تلت ذلك ،لم تكن أكثر منا شرفاً.
«لم تكن تعمل بكدٍ أو بإخلاص أكبر مما كنا نحن نعمل، ولكن لم اصطفاك القدر من بيننا وجعلك تستمتع بكل متع الحياة بينما تجاهلنا نحن، من نستحقها مثلك تمامًا؟».
وهنا رد أركاد على ذلك معترضاً وقال: «إن السبب في عدم كسبكم لمال أكثر مما يكفي لتعيشوا حياة متواضعة في تلك السنوات التي تلت شبابنا يرجع إلى أنكم قد فشلتم في تعلم القوانين التي تحكم بناء الثروة، أو أنكم لم تلتزموا بها».
«إن القدر متقلب دائماً، ولا يأتي بالخير الدائم لأي إنسان، بل على العكس تماماً، فقد يأتي بالفقر والإفلاس لكل من أغدق عليهم بمالٍ لم يبذلوا جهداً في كسبه، وكانوا أشخاصاً مبذرين، وهؤلاء سرعان ما يبددون ما يعطيه لهم ثم يتركون أسرى لشهواتهم ورغباتهم الغامرة التي أصبحوا لا يملكون القدرة على إشباعها، وهناك آخرون، وهم المفضلون لديه، يصبحون بخلاء ويدخرون أموالهم خوفاً من تبديدها، لأنهم يعرفون أنهم لايملكون القدرة على تعويضها، كما أنهم يتركون أنفسهم أسرى للخوف من اللصوص ويحكمون على أنفسهم بالعيش في جوع وبؤس لا يعلم عنه الناس شيئاً.
«وقد يكون هناك آخرون ممن يحصلون على ثروة بدون جهد منهم، ولكنهم يضيفون إليها ويسعون دائماً ليكونوا مواطنين سعداء ومرتاحي البال، ولكن ما أقل هؤلاء الناس، فأنا أعرف عنهم عن طريق السمع فقط، فكروا في أولئك الذين ورثوا ثروة مفاجئة، وانظروا إن كانت تلك الأمور لا تنطبق عليهم».
اعترف أصدقاؤة بأن هناك رجلاً يعرفونه ممن ورثوا ثروة كبيرة تنطبق عليهم هذه الكلمات، وطلبوا منه أن يشرح لهم كيف أصبح مالكاً هذا الثراء، لذا استمر في حديثه قائلاً:
«إبان شبابي، نظرت حولي وفكرت في كل الأشياء الجيدة التي تجلب السعادة والاطمئنان، وأدركت أن الثروة تزيد من فعالية هذه الأشياء.
فالثروة هي القوة وبها يمكنك تحقيق الكثير من الأشياء.
يمكنك أن تزين منزلك بأغلى الأثاثات.
ويمكنك أن تبحر عبر البحار البعيدة».
ويمكنك أن تنعم بأشهى المأكولات المتوفرة في البلاد البعيدة.
ويمكنك أن تشتري الحلي المصنوعة من قِبَل صائغي الذهب وملمعي الأحجار الكريمة.
يمكنك أن تفعل كل هذه الأشياء وكثيراً من الأشياء الأخرى التي تضمن البهجة للحواس والإشباح للروح.
وعندما أدركت كل هذه الأشياء، عزمت في قرارة نفسي على أن أطالب بنصيبي في الخيرات المتوفرة في الحياة، لم أكن من أولئك الذين يقفون بعيداً وينظرون بحسد إلى الآخرين وهم يستمتعون، كما لم أكن قانعاً بأن أرتدي الثياب الرخيصة المتواضعة، لم أكن لأرضى أن أنال حظ رجل فقير، بل على العكس تماماً، فقد كنت أعمل على أن لا أكون ضيفاً على هذه المأدبة المليئة بالخيرات.
ولما كنت، كما تعرفون جميعاً، ابناً لتاجر بسيط، وفرداً في عائلة كبيرة ليس لديها أي أمل في الإرث، كما قلتم صراحة، فقد توصلت بعقلي وقدرتي إلى أنه إذا أردت أن أحقق ما أصبوا إليه، فإن الأمر سيتطلب الوقت والدراسة.
بالنسبة للوقت، فكل الرجال لديهم من الوقت الكثير، وأنتم جميعاً قد ضيعتم ما يكفي من الوقت الذي كان يمكن أن تجعلوا فيه من أنفسكم رجالاً أثرياء، ولكنكم رغم ذلك، وكما تعترفون، ليس لديكم الآن شيء تتباهون به سوى عائلتكم الفاضلة، والتي يمكنكم أن تفخروا حقاً بها.
وبالنسبة للدراسة، ألم يخبرنا معلمنا الحكيم بأن التعليم نوعان: النوع الأول هو الأشياء التي نتعلمها ونعرفها، والنوع الآخر هو الممارسة التي تعلمنا كيف نكتشف ما لا نعرفه؟
لذا فقد قررت أن أكتشف كيف يمكن للإنسان أن يجمع ثروة كبيرة، وعندما اكتشفت ذلك، قررت أن أجعل هذا الأمر مهمتي وأن أنجزها بطريقة متقنة، أليس من الحكمة أن نستمتع بالحياة ما دامت تشرق علينا الشمس؟
وجدت بعدئذ وظيفة عملت فيها كناسخ في دار المحفوظات، وعملت ساعات طويلة كل يوم في الكتابة على الألوان الصلصالية، وظللت أعمل أسبوعاً بعد أسبوع، وشهراً بعد شهر، ولكنني لم أستطع أن أدخر شيئاً في النهاية، فالطعام والملبس وبعض الأشياء الأخرى التي لا أتذكر ماهيتها قد استنفدت كل أجري، ولكني لم أفقد عزيمتي وتصميمي.
وفي يوم من الأيام، أتى «الجاميش»، التاجر الثري، إلى بيت مُعلم المدينة، وطلب نسخة من القانون التاسع، وقال لي: يجب أن أحصل على طلب هذا خلال يومين، وإذا أنجزت هذه المهمة قبل انتهاء هذا الوقت، فسأعطيك قطعتين من النحاس!
لذا فقد عملت بكدٍ، ولكن نص القانون كان طويلاً، وعندما عاد الجاميش، لم أكن قد انتهيت من عملي بعد، استشاط غضبه حتى أني لو كنت عبداً عنده، لكان قد ضربني، ولكن لأنني كنت أعرف أن معلم المدينة ما كان ليسمح له بإيذائي، لم أكن خائفاً، لذا فقد قلت له: الجاميش، أنت رجل غنيُّ جداً، أخبرني كيف أصبح غنياً مثلك، وسأعكف طوال الليل على نقش هذا اللوح، وعندما تشرق الشمس سأكون قد انتهيت منه.
فرد عليَّ مبتسماً وقال: يا لك من ماكر طموح، ولكن دعنا نعتبرها صفقة.
وعليه فقد ظللت أعمل طوال الليل، رغم آلام ظهري ورائحة فتيلة المصباح التي سببت صداعاً في رأسي، إلى أن أصبحت أرى بصعوبة، ولكن عندما عاد ألجاميش مع شروق الشمس، كنت قد انتهيت من نقش الألواح.
قلت له: أخبرني الآن بما وعدتني به.
فرد عليّ رداً عطوفاً وقال: لقد أوفيت بالجزء الخاص بك من الصفقة يا بني، وأنا مستعد لأفي بالجزء الخاص بي، سأخبرك بهذه الأشياء التي تتمنى معرفتها، فأنا الآن رجل عجوز ولساني العجوز يجب أن يتحرك بالكلام، وعندما يأتي الشباب إلى الكبار من أجل النصيحة، فسيتلقون حكمة السنين، ولكن الشباب في أغلب الأحيان يعتقدون أن الشيوخ يعرفون فقط حكمة الأيام الماضية، ولذا فهم لا يستفيدون شيئاً، ولكن عليك أن تتذكر أن الشمس التي تشرق اليوم هي نفس الشمس التي كانت تشرق عندما جاء والدك إلى الحياة، وستظل تشرق عندما يموت آخر أحفادك.
ثم أردف قائلاً: إن أفكار الشباب هي أضواء ساطعة تلمع بعيداً، تماماً مثل الشهب التي غالباً ما تصنع بريقاً في السماء، ولكن حكمة الشيوخ كالنجوم الراسخة التي تلمع ولا يتبدد نورها حتى إن البحارة يعتمدون عليها في تحديد وجهتهم.
وانتبه لكلماتي جيداً، لأنك لو لم تفعل، فستفشل في استيعاب الحقيقة التي سأخبرك بها، وستظن أن عملك طوال الليل قد ذهب سدى.
ثم نظر إليّ بدهاء من تحت حاجبيه الأشعثين، وقال لي بنبرة منخفضة وقوية: لقد وجدت الطريق إلى الثراء عندما قررت أن أحتفظ بجزء من إيراداتي، وأنت أىضاً يجب أن تقوم بذلك.
ثم استمر في النظر إليّ بنظرةٍ شعرت وكأنها تخترقني، ولكنه لم يقل شيئاً بعد ذلك.
فسألته: أهذا هو كل شيء؟
فرد علي قائلاً: إن هذا كفيل بأن يغير عقلية راعي الأغنام إلى عقلية التاجر.
فتساءلت قائلاً: ولكنني أحتفظ فعلاً بكل إيراداتي، فهل هذا تصرف سليم؟
فرد عليّ قائلاً: إن هذا بعيد عن الصواب، أفلا تدفع إلى الترزي؟ أفلا تدفع إلى صانع الأحذية؟ أفلا تدفع مالاً من أجل الحصول على طعام تأكله؟ هل يمكنك أن تعيش في بابل بلا انفاق؟
ما الذي ادخرته في جيبك من مكاسبك في الشهر المنقضي؟ وماذا عن العام الماضي؟ يا لك من أبله! إنك تدفع لكل الناس فيما عداك أنت، فأنت تعمل فقط من أجل ما يعطيه لك سيدك كي تأكل وتلبس. ولكن إذا كنت تدّخر لنفسك عُشر إيراداتك، فكم سيكون معك خلال عشر سنوات؟
لم تتخل عني خبرتي في العمليات الحسابية، لذا فلقد أجبته قائلاً: تماماً مثل إيراداتي في عام واحد.
فرد عليّ بحسم قائلاً: إنك تدرك نصف الحقيقة فقط، إذ إن كل قطعة ذهبية تدخرها هي خادم لك يعمل في صالحك، وكل قطعة نحاسية يكسبها هذا الذهب هي ثمرته التي يمكن أن تكسب أيضًا من أجلك. فإذا أردت أن تصبح ثرياً، فعليك أن توظف ما تدخره كي يكسب أكثر، وكذلك ثمرته لابد وأن تكسب أيضاً، فالكل سيساعد على إعطائك كمية وافرة مما ترغب فيه.
وأردف قائلاً: إنك تظن أنني قد احتلت عليك حتى تنجز لي عملي طوال الليل، ولكني أعطيتك أكثر مما أخذته منك آلاف المرات، إذا كان لديك الفطنة الكافية لإدراك الحقيقة التي أعطيتك إياها.
لابد أن تحتفظ بجزء من إيراداتك، ويجب ألا يكون هذا الجزء أقل من العُشر مهما كانت إيراداتك متواضعة، ربما يكون هذا العشر أقل مما تستطيع تحمله، ولكن يجب أن تدفع لنفسك أولاً، لا تشترِ من صانع الملابس وصانع الأحذية أكثر مما يمكنك أن تنفقه من الباقي بعد خصم العشر، وعمل على ادخار ما يكفيك من أجل الطعام والأعمال الخيرية.
إن الثروة مثل الشجرة تنمو من بذرة ضئيلة، وأول قطعة نقدية نحاسية تدخرها هي البذرة التي ستنمو من خلالها شجرة الثروة، وكلما سارعت في زرع هذه البذرة، سارعت الشجرة في النماء، وكلما كنت حريصاً أكثر على تغذية وري هذه الشجرة بالمدخرات الثابتة، كان تنعمك بالراحة تحت ظلالها قريباً.
ثم قام بعد كلامه هذا وأخذ ألواحه وغادر المكان.
وظللت أفكر ملياً في كل ما قاله لي، وبدا الأمر معقولاً جداً، لذا فقد عزمت على محاولة تطبيقه. ففي كل مرة يُدفع لي فيها مال، آخذ قطعة نقدية من كل عشر قطع نحاسية وأخفيها بعيداً، وكما قد يبدو الأمر غريباً، فلقد أصبحت مقتصداً في نفقاتي أكثر من ذي قبل. وقد لاحظت فارقاً طفيفاً عندما تمكنت من أن أعيش لفترة طويلة بدون هذه النفقات. وعندما بدأت مدخراتي في النمو، كان هناك دائماً من يغريني لأنفق هذه المدخرات في بعض الأشياء الجيدة التي يعرضها التجار عن طريق إحضارها بالجمال والسفن من بلاد الفينقيين. ولكني أحجمت بحكمة عن فعل ذلك.
وبعد اثنى عشر شهراً من تأريخ لقائي مع ألجاميش، عاد إليّ مرة ثانية وقال لي: هل دفعت لنفسك يا بني ما لا يقل عن عُشر إيراداتك في العام الماضي؟
فأجبته بفخر: نعم يا سيدي، لقد فعلت.
فأجابني مبتسماً: هذا شيء جيد، وماذا فعلت بها؟
أعطيتهم إلى أزمور، صانع القرميد، والذي أخبرني بأنه يسافر عبر البحار البعيدة، وأثناء وجوده في ميناء تيروس سيشتري لي بعضاً من الجواهر النادرة عند الفينقيين، وعندما يعود سنقوم ببيع هذه الجواهر بأسعار عالية ونتقاسم المكاسب.
فقال متذمراً: لابد لكل أحمق أن يتعلم من حماقته، لماذا وثقت في دراية صانع القرميد بالمجوهرات؟ هل ستذهب إلى الخباز كي تستفسر منه عن أحوال النجوم؟ لا، فمن البديهي أن تذهب إلى عالم الفلك، إذا كان لديك مقدرة على التفكير، لقد ذهبت مدخراتك هباءً يا بني، لقد اقتلعت شجرة ثرائك من جذورها، ولكن يمكنك أن تزرع شجرة ثانية، حاول مرة أخرى، وفي المرة القادمة إذا أردت أن تحصل على نصيحة بشأن الجواهر، فاذهب إلى تاجر المجوهرات. وإذا أردت أن تعرف كل شيء عن الأغنام، فاذهب إلى راعي الأغنام. إن النصيحة شيء من السهل على الناس منحه، ولكن تأكد من أنك لا تأخذ من النصائح إلا ما يستحق أن تأخذه، فالمرء الذي يتلقى نصيحة بشأن مدخراته من شخص ليس لديه أية خبرة في هذا المجال، سيخسر كل هذه المدخرات ليثبت عدم صحة آرائهم، ثم غادر المكان بعد قوله هذا.
ولقد تحقق كل ما قاله، فلقد قام بعض الفينقيين الأوغاد ببيع قطع من الزجاج لا قيمة لها إلى أزمور، وتبدو كأنها جواهر، ولكني فعلت كما أمرني ألجاميش؛ فقد بدأت مرة أخرى في ادخار عشر ما أكسبه، حتى اكتسبت هذه العادة، ولم يعد الأمر صعباً عليّ مثلما كان من قبل.
وبعد اثنى عشر شهراً أخرى، جاء ألجاميش إلى دار المحفوظات، ووجه كلامه إليّ قائلاً: ما التقدم الذي حققته منذ آخر مرة رأيتك فيها؟
فأجبته قائلاً: لقد حرصت على أن أدفع لنفسي، ولقد أعطيت كل مدخراتي إلى «أجار»، صانع التروس، كي يشتري البرونز، وهو يعطيني حصتي في الأرباح كل أربعة أشهر.
هذا أمر جيد، لكن ماذا تفعل بهذه الأرباح؟
أصنع لنفسي مأدبة كبيرة مليئة بالعسل وأنواع الشراب الممتازة وكعكة التوابل، وقد اشتريت أيضاً لنفسي رداءً قرمزياً جميلاً، يوماً ما سأشتري حماراً صغيراً كي أركب عليه.
فضحك ألجاميش على ذلك وقال: «إنك تأكل ثمار مدخراتك، إذن فكيف تأمل أن تعمل هذه الثمرات لصالحك؟ وكيف يمكنها أن تنتج ثماراً أخرى تعمل أيضاً لصالحك؟ احصل لنفسك أولاً على جيش من العبيد الذهبيين، أي من القطع الذهبية، وبعد ذلك سيكون بإمكانك أن تستمتع بالكثير من الموائد المشتملة على أفخر أنواع الطعام والشراب وبدون أن تندم على ذلك. ثم انصرف مغادراً المكان بعد قوله هذا مرة ثانية.
لم أره لمدة عامين بعد ذلك، حتى عاد مرة أخرى وكان وجهه مليئاً بالتجاعيد، وكانت عيناه واهنتين حيث أصبح رجلاً عجوزاً جداً، وقال لي: ألم تحقق بعد الثروة التي حلمت بها يا أركاد؟
فأجبته قائلاً: ليس كل ما أتمناه تماماً، ولكني حققت جزءاً منها، وهي تكسب المزيد، وإيراداتها تكسب المزيد.
وهل لا زلت تأخذ بنصيحة صانعي القرميد؟
فأجبته بحسم قائلاً: إنهم يعطونني نصائح جيدة فيما يتعلق بصناعة القرميد فقط.
فأردف قائلاً: لقد استوعبت الدرس جيداً يا أركاد، ففي البداية تعلمت كيف تعيش بنفقات أقل مما تكسب، ثم تعلمت أن تطلب النصيحة فقط من المؤهلين من خلال خبرتهم لإعطائك هذه النصيحة، وفي النهاية تعلمت كيف تجعل المال يعمل لصالحك.
لقد علمت نفسك كيفية اكتساب المال وكيفية المحافظة عليه وكيفية استغلاله، لذا فقد أصبحت مؤهلاً لأن تتقلد منصباً مسئولاً، وأنا قد أصبحت رجلاً مسناً الآن، وأبنائي لا يفكرون سوى في الإنفاق ولا يلقون بالاً لكسب المال، إن لي مصالح كثيرة وأخاف جداً من ألا أتمكن من الاعتناء بها، فإذا ذهبت إلى «نيبور» واعتنيت بالأراضي الخاصة بي، فسأجعلك شريكي وستشاركني في ممتلكاتي.
وعليه فلقد ذهبت إلى نيبور، وتوليت مقاليد هذه الممتلكات والتي كانت كبيرة بحق، ونظراً لأنني كنت مفعماً بالطموح، ولأنني قد فهمت جيداً القوانين الثلاثة للتعامل مع الثروة والمال بنجاح، فقد كنت قادراً على رفع قيمة ممتلكاته هذه بدرجة كبيرة، ولذا حققت نجاحاً اقتصادياً كبيراً، وعندما مات ألجاميش، أصبح لي نصيب في ممتلكاته كما حدده هو، وفي ظل القانون.
وعندما انتهى أركاد من سرد قصته هذه، قام أحد أصدقائه قائلاً: «لقد كنت رجلاًَ محظوظاً بالفعل يا أركاد، لأن ألجاميش جعل منك وريثاً له».
كنت محظوظاً فقط لأنه كانت لديّ الرغبة في أن أحقق نجاحاً مادياً حتى قبل أن أقابله، ألم أبرهن لمدة أربع سنوات على إصراري على تحقيق هدفي هذا عن طريق القيام بادخار عُشر إيراداتي؟ أتقولون على صياد بأنه محظوظ بالرغم من أنه ظل طوال سنوات يدرس جيداً عادات الأسماك حتى إنه مع كل تغير لا تجاه الرياح استطاع أن يُلقي بشباكه نحوها؟ إن الفرص الجيدة لا تأتي لأشخاص غير مستعدين لاستغلالها.
فقال رجل آخر من أصدقائه: لقد كنت تملك قوة الإرادة التي جعلتك تستمر في العمل للوصول إلى ما تصبو إليه بعد ما فقدت مدخراتك في العام الأول، فيا لك من فذٍ فيما قمت به.
فرد أركاد بحسم قائلاً: قوة الإرادة! ما أحمق ما تقول، هل تعتقد أن قوة الإرادة تعطي للإنسان القوة كي يحمل ثقلاً لا يستطيع الجمل أن يحمله، أو يجر حملاً لا تستطيع الثيران أن تزحزحه؟ إن قوة الإرادة ليست سوى التصميم الذي لا يلين على أداء مهمة قد أخذت على عاتقك أن تنجزها، فإذا ما حددت لنفسي مهمة، فسوف أنجزها، مهما كانت تفاهتها، فإذا لم أفعل ذلك، فكيف ستكون لديّ الثقة بنفسي للقيام بالأشياء المهمة؟ فإذا قلت لنفسي بأني سأقوم ولمدة مائة يوم أثناء عبوري جسر المدينة بالتقاط حصوة من الملقاة على الطريق وألقيها في النهار، فسأفعل ذلك، وإذا ما اجتزت الجسر في اليوم السابع مثلاً ولم أتذكر أن أفعل ذلك، فلن أقول لنفسي : غداً سألقي حصوتين، كما أنني لن أتي في اليوم العشرين وأقول لنفسي: إن هذا الشيء عديم الفائدة يا أركاد، فما المنفعة التي ستعود عليك من إلقائك لحصوة كل يوم؟ ألق بحفنة منها إذن وتكون قد انتهيت من هذه المهمة تماماً. لا، لن أقول ذلك ولن أفعله أيضاً، فعندما أضع على كاهلي أداء مهمة ما، لابد وأن أكملها حتى النهاية، لذا فأنا حريص على ألا أكلف نفسي بمهام صعبة وغير عملية، وذلك لأني أحب أن أكون خالياً من العمل لبعض الوقت.
ثم قام رجل آخر من أصدقائه وقال: إذا كان ما تخبرنا به صحيحاً، وهذا ما يبدو، فببساطه إذا فعل كل الرجال ذلك، فلن يكون هناك مال كافٍ لتسير به الحياة.
فرد أركاد قائلاً: ستنمو الثروة كلما بذل الإنسان جهداً لذلك، فمثلاً، إذا أراد رجل ثري بناء قصر جديد، فهل سيذهب المال الذي دفعه هباءً؟ لا، فصانع القرميد سيأخذ جزءاً منه، والعمال سيأخذون جزءاً منه، وكذلك النحاتون، كل شخص قد بذل مجهوداً في بناء هذا القصر سيأخذ جزءاً من ذلك المال، ولكن عندما يكتمل بناؤه، فهل لن يساوى كل ما دفع من أجله؟ وهل الأرض التي يقف عليها لن تزيد قيمتها بعد أن شيد عليها؟ وهل الأرض المجاورة له لن تزيد قيمتها أيضاً لأنه قد شيد بجوارها؟ إن الثروة تنمو بطرق سحرية، ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بالحد الذي تقف عنده، ألم يشيد الفينيقون مدناً عظيمة على سواحل قاحلة، بالأموال التي يكسبونها من سفنهم التجارية التي تجوب البحار؟
فسأله صديق آخر: إذن، فبماذا تنصحنا لنكون أغنياء أيضاً؟ فالسنون مرت، ولم نعد شبابًا، ولم ندخر أي شيء.
أنصحكم بأن تأخذوا بحكمة ألجاميش ويقول كل منكم لنفسه: سأحتفظ بجزء من كل إيراداتي، رددوها كل صباح عندما تستيقظون من نومكم، رددوها في الظهيرة، رددها في الليل، رددها في كل ساعة في كل يوم، رددها في قرارة أنفسكم حتى تبرز هذه الكلمات في السماء مثل حروف من نار.
على كل منكم أن يطبع هذه الفكرة في ذهنه، ويشبع نفسه بها، ثم يدخر جزءاً معقولاً من إيراده، واعلموا على ألا يكون هذا الجزء أقل من العشر وادخروه للمستقبل. ونظموا نفقاتكم الأخرى إذا ما اقتضى الأمر حتى يمكنكم فعل ذلك. ولكن ادخروا هذا الجزء أولاً، وسرعان ما ستدركون ذلك الإحساس بالثراء الذي ستشعرون به عندما تمتلكون ثروة وحدكم أنتم من له الحق في التصرف فيها، وإذا نَمَت هذه الثروة فستحثكم على جني المزيد منها، وستحسون بمتعة جديدة من متع الحياة، وسوف تجدون أنكم تبذلون جهداً أكبر من أجل جني المزيد، وعندما تصبح إيراداتك متزايدة، ألن تزيد نسبة مدخراتك منها بنفس نسبة هذه الزيادة؟
ثم يجب على كل منكم أن يتعلم كيف يجعل هذه الثروة تعمل في صالحه، اجعلوها عبداً عندكم، واجعلوا ثمراتها وثمرات ثمراتها تعمل في صالحكم.
اضمنوا دخلاً لمستقبلكم، انظروا إلى الشيوخ ولا تنسوا أنكم في الأيام القادمة سوف تصبحون من بينهم، لذا اعملوا على استثمار ثروتكم بحذر بالغ حتى لا تفقدوها.
وفروا لعائلاتكم ما يحتاجونه في المستقبل عندما تموتون ومن أجل هذه الحماية، فمن الممكن دائماً أن تدخروا عن طريق توفير مبالغ ضئيلة على فترات منتظمة، ولذا فإن الرجل الحصيف لا يعتمد على أنه سيأتيه مبلغ كبير من المال الذي سيخصصه لهذا الغرض.
تشاوروا مع الرجال الحكماء، اطلبوا النصيحة ممن يتعاملون مع المال يومياً، ودعوهم ينقذوكم من الوقوع في الخطأ مثلما وقعت أنا عندما وضعت مالي تحت تصرف أزمور، صانع القرميد، فالعائد البسيط والمضمون أفضل بكثير من المخاطرة.
استمتعوا بحياتكم التي تعيشونها، لا ترهقوا أنفسكم أو تحاولوا أن تدخروا أكثر من اللازم، إذا كان بإمكانكم اخار عُشر إيراداتكم بدون أن ترهقوا أنفسكم، فكونوا قانعين بهذا الجزء، واعملوا على العيش طبقاً لهذا الدخل، ولا تتصرفوا بشح، ولا تخشوا الإنفاق، إن الحياة جميلة، ومليئة بالأشياء الجديرة بالاهتمام، والأشياء التي من الممكن الاستمتاع بها.
قدم أصدقاء أركاد الشكر له، ثم تركوه ومضوا، وكان البعض منهم صامتاً لأنهم لم يكن لديهم تصور لما سيفعلونه، ولم يستطيعوا أن يفهموا ما قاله لهم، والبعض الآخر كان متهكماً لأنهم ظنوا أن الرجل الغني جداً يجب أن يتقاسم ماله مع أصدقائه القدامى الذين لم يسعفهم الحظ مثله، ولكن البعض منهم كان في عينيه بريق جديد، لقد أدركوا أن الجاميش كان يعود كل مرة إلى دار المحفوظات لأنه كان يحب أن يشاهد رجلاً يمشي على خطاه وينتقل من الظلمة إلى النور، وعندما اكتشف هذا الرجل النور، كان هناك المكان الذي ينتظره.
لم يستطع أحد أن يملأ هذا المكان حتى جاء هو وفهم الأمر، وحتى أصبح مستعداً لاستغلال الفرصة.
وكان هؤلاء هم الأشخاص الذين زاروا أركاد كثيراً في السنوات التالية، والذين استقبلهم أركاد بترحاب كبير، فقد كان يجتمع بهم ويعطيهم الكثير من حكمته كرجل واسع المعرفة، وكان يسعد كثيراً بقيامه بذلك، كما ساعدهم في استثمار مدخراتهم التي أثمرت عن أرباح جيدة ومضمونة، وهذه المدخرات لم تفقد أو حتى تقع في مصيدة الاستثمارات التي لا تعطي أي أرباح.
إن نقطة التحول في حياة هؤلاء الرجال حدثت عندما أدركوا الحقيقة التي نقلها ألجاميش إلى أركاد، ونقلها أركاد إليهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.