لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    هدية من خامنئي.. شاهد لحظة العثور على "خاتم" الرئيس الإيراني متفحما وردة فعل فريق الإنقاذ: عويل مرتفع    رسميًا.. محمد صلاح يعلن موقفه النهائي من الرحيل عن ليفربول    رئيس الوفد الحكومي: لدينا توجيهات بعدم التعاطي مع الحوثيين إلا بالوصول إلى اتفاقية حول قحطان    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    وهم القوة وسراب البقاء    في اليوم 227 لحرب الإبادة على غزة.. 35562 شهيدا و 79652 جريحا واستهداف ممنهج للمدارس ومراكز الإيواء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    غاتوزو يقترب من تدريب التعاون السعودي    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغنى رجل في بابل
اكتشف سر تحقيق الثروة الشخصية
نشر في الجمهورية يوم 24 - 11 - 2007


الحلقة الخامسة
كيفية التعامل مع الفرص
«إذا كان الرجل محظوظاً، فلا يمكن لأحد أبداً أن يتنبأ بالمدى المحتمل لهذا الحظ السعيد، حتى إذا القيته في نهر الفرات، فسيسبح للشاطىء حاملاً لؤلؤة في يده». «مثل بابلي»
كيفية التعامل مع الفرص
إن رغبة الإنسان في أن يكون محظوظاً هي رغبة عامة عند كل البشر، ولقد كانت رغبة شديدة في صدور رجال بابل القديمة منذ أربعة آلاف عام مضت، كما هي الآن في قلوب الرجال، فنحن كلنا نتمنى أن يختارنا الحظ السعيد ليكون حليفاً لنا.
ولكن هل هناك من طريقة تجلب الحظ السعيد؟
هذا ما تمنى رجال بابل القديمة أن يعرفوه، وهذا بالضبط ما قرروا أن يكتشفوه، ولقد كانوا رجالاً يتميزون بالدهاء، كما كانوا مفكرين شديدي الذكاء، وهذا ما يفسر السبب الذي جعل مدينتهم هي الأغنى والأكثر قوة في عصرهم.
ففي ذلك الماضي البعيد، لم يكن لديهم أية مدارس أو كليات، ولكن على الرغم من ذلك كان لديهم مركز للتعليم، وقد كان مركزاً عملياً بحق، فقد كان هناك من بين المباني الشاهقة في بابل مبنى قد تم تصنيفه من حيث الأهمية مع قصر الملك والحدائق المعلقة، وستجد ذكراً ضئيلاً لهذا المبنى في كتب التاريخ، وعلى الأرجح لم يكن هناك أي إشارة له على الإطلاق، على الرغم من أنه أثر تأثيراً قوياً على فكر ذلك العصر.
وكان هذا المبنى هو دار التعلم، حيث كان يقوم فيه الأساتذة المتطوعون بتقديم المعرفة الآتية من خبرات الماضي، كما كان يتم فيه مناقشة موضوعات ذات اهتمام عام في منتديات مفتوحة، وبين جدرانه، كان الجميع سواسية، وأحقر العبيد كان بإمكانهم أن يناقشوا بحرية وبلا عقاب آراء أمير من أمراء القصر الملكي.
ومن بين الكثيرين ممن كانوا يترددون على دار التعلم هذه كان هنا رجل ثري وحكيم يدعى «أركاد»، وكان يطلق عليه أغنى رجل في بابل، وقد كانت له قاعة خاصة به، وكان يأتي إليها في كل مساء تقريباً مجموعة كبيرة من الرجال، بعضهم من الشيوخ وبعضهم من صغار السن، ولكن الغالبية كانت من الشباب، وكان كل هؤلاء يجتمعون ليتناقشوا ويتجادلوا في موضوعات شيقة، تخيل أننا نستمع لحديثهم كي ندرك ما إذا كانوا يعرفون بحق كيفية جلب ذلك الحظ السعيد.
كانت الشمس قد غربت لتوها مثل كرة عظيمة حمراء من النار تلمع عبر غبار الصحراء، عندما كان أركاد يمشي متمهلاً نحو منبره المألوف، وكان هناك في ذلك الحين ثمانون رجلاً ينتظرون وصوله، وهم جالسون على عدد من السجاد المفروش على أرضية القاعة، وكان لا يزال يتدفق المزيد منهم.
وعندما وصل أركاد، بدأ حديثه متسائلاً: «ماذا سنناقش الليلة»؟
وبعد تردد وجيز، نهض رجل طويل القامة يعمل حائكاً للملابس ووجه كلامه إليه قائلاً: إن لديّ موضوعاً أود أن نناقشه، ولكنني متردد في عرضه، خشية أن يبدو سخيفاً بالنسبة لك يا أركاد، وبالنسبة لأصدقائي الأعزاء الجالسين هنا.
وبعد أن طالبه أركاد، كما طالبته الهتافات الصادرة من الآخرين بأن يعرض هذا الموضوع، أكمل حديثه قائلاً: «لقد كنت محظوظاً اليوم حيث وجدت كيساً به عملات ذهبية، إذ أن أمنيتي الكبيرة هي أن أظل محظوظاً هكذا دائماً، ولأنني أشعر بأن كل الرجال يشاطرونني هذه الأمنية، فإنني أقترح أن نتناقش في كيفية جلب الحظ السعيد، ومن يدري فقد نكتشف طرقاً تقربنا من ذلك.
فعلق أركاد قائلاً: لقد عرض صديقنا هذا موضوعاً ذا أهمية قصوى، يستحق بدرجة كبيرة أن نضمنه في مناقشتنا اليوم، إن الحظ السعيد بالنسبة لفكر بعض الأشخاص مثل الحادثة المفاجئة، مجرد مصادفة تحدث للإنسان بلا هدف أو سبب، فتحدثوا إذن يا أصدقائي، وعبروا عن رأيكم، هل نسعى لنكتشف ما إذا كان هناك طرق يمكننا من خلالها أن نغري الحظ السعيد بأن يقوم بزيارة كل واحد منا؟
فأجابته مجموعة كبيرة من المستمعين المتحمسين لمناقشة الأمر قائلين: نعم! نعم! بل الكثير والكثير من ذلك الحظ السعيد!.
وعليه فقد أكمل أركاد حديثه قائلاً: «حسناً، نبدأ نقاشنا، أقترح أن نستمع أولاً إلى وقائع حدثت لبعض الحاضرين معنا ممن قد استمتعوا بتجارب مشابهة لتلك التي قصها علينا صديقنا حائك الملابس، حيث وجدوا أو تلقوا كنوزاً أو جواهراً قيمة بلا مجهود يذكر من جانبهم.
كانت هناك برهة قصيرة من الصمت، ظل كل واحد من الحاضرين ينظر حوله متوقعاً أن يرد أحد الأشخاص ولكن أحداً لم يفعل.
فتساءل أركاد: «ألا يوجد أحد؟ إذن فهذا النوع من الوقائع المتعلقة بالحظ السعيد نادر بحق، فمن لديه اقتراح نواصل بحثنا في هذا الشأن من خلاله؟.
فقام على الفور تاجر كبير السن، يرتدي ثوباً أبيض أنيقاً وقال: إنني أود أن أتقدم باقتراح، بعد إذنك أنت وأصدقائي الحاضرين هنا، فلو كان الأمر منوطاً بنا فقط ولا علاقة له بالحظ، ولو أن الفضل في نجاحنا في العمل ينسب فقط إلى قدرتنا، فلمَ لا نفكر في تلك النجاحات التي كدنا نتمتع بها ولكنها فلتت من بين أىدينا، تلك الأحداث التي كان من الممكن لو وقعت أن تحقق أكثر الأرباح، وكانت ستعتبر نماذجاً نادرة للحظ السعيد، إذا ما حدثت في الواقع، ونظراً لأنها لم تتحقق، فلا يمكننا أن نعتبرها مكافآتنا المستحقة، وأنا واثق بأن العديد من الحاضرين هنا له تجارب من هذا القبيل ويمكنهم أن يقصوها علينا.
فوافق أركاد قائلاً: يا لها من طريقة حكيمة لفهم هذا الموضوع، إذن فمن منكم كان لديه حظ سعيد في حوزته ثم رآه يفلت من بين يديه؟
فارتفعت العديد من الأيدي، وكانت بينهم يد ذلك التاجر، فأشار أركاد إليه طالباً منه التحدث قائلاً: بما أنك عرضت هذا الأمر، فإننا نود أن نسمع منك أولاً.
فاستأنف التاجر حديثه قائلاً: إنه ليسعدني كثيراً أن أقص عليكم هذه الحكاية، والتي ستعطينا مثالاً لإمكانية اقتراب الحظ السعيد من إنسان، كيف أنه سيسمح لهذا الحظ بأن يهرب منه بعيداً، فيخسر كثيراً، ثم يندم بعد ذلك.
منذ سنوات كثيرة، وعندما كنت شاباً متزوجاً حديثاً ولا زلت أبدأ بخطوات جيدة في كسب المال، جاء إليّ والدي ذات يوم وطلب مني بإلحاح أن استثمر جزءاً مما أكسبه من مال، كان ابن أحد أقرب أصدقائه قد لفتت انتباهه بقعة قاحلة من الأرض لا تبعد كثيراً عن الأسوار الخارجية لمدينتنا، وتقع على ضفة عالية فوق مستوى القناة، مما يجعل المياه لا تصل إليها.
قام هذا الابن بوضع خطة لشراء تلك الأرض وإنشاء ثلاث سواقٍ كبيرة يمكن تشغيلها عن طريق الثيران، وبالتالي يتم رفع المياه التي ستبعث الحياة في تلك الأرض الخصبة، وكان يخطط أنه عندما يحقق ذلك، فسيقسم تلك الأرض إلى أجزاء صغيرة ويبيعها إلى سكان المدينة بعد أن أصبحت أراضي عشبية.
ولم يكن هذا لشخص يملك مالاً كافياً لإتمام مثل هذا المشروع، فقد كان مثلي تماماً، شاب في مقتبل العمر يكسب مبالغ جيدة بعض الشيء، وأبوه مثل أبي، يعول أسرة كبيرة وموارده المالية ضئيلة، لذا فلقد قرر ذلك الابن أن يغري مجموعة من الأشخاص كي يشاركوه في هذا المشروع، وكانت هذه المجموعة ستتألف من اثنى عشر رجلاً، بشرط أن يكون كل منهم ممن يحصلون على دخل ثابت، ويوافق على أن يدفع عُشر إيراداته لهذا المشروع حتى تصبح الأرض جاهزة للبيع، وبعدها سيتقاسم الجميع الأرباح، كل على قدر ما وضع في المشروع من مال.
وجدت أبي يقول لي: إنك الآن يا بني في ريعان شبابك، وأمنيتي العميقة هي أن تبدأ في العمل على تكوين ممتلكات قيمة لنفسك، حتى تصبح ذا شأن بين الرجال، كما أتمنى أن أراك تستفيد من الأخطاء التي وقعت أنا فيها من قبل.
فأجبته قائلاً: وهذا هو ما أرغب فيه بشدة يا أبي.
إذن، فهذا هو ما أنصحك به يابني، وهو أن تفعل ما كان عليّ أن أفعله وأنا في مثل عمرك. ادخر عُشر إيراداتك وضعه في استثمارات مربحة، فيمكنك بذلك العُشر الذي تدخره وبما سيجنيه أيضاً بأن تجمع لنفسك ممتلكات ذات قيمة قبل أن تصبح في مثل عمري.
يالها من كلمات حكيمة يا أبي. إنني أرغب وبشدة في أن أصبح غنياً، ولكن هناك حاجات كثيرة تقتضي أن أنفق إيراداتي فيها، لذا فإنني متردد في أن أفعل ما تنصحني به، فأنا لازلت صغيراً، ولا زال أمامي وفرة من الوقت.
لقد فكرت وأنا في مثل سنك مثلما تفكر أنت الآن، ومع ذلك لم أنتبه حتى مرت العديد من الأعوام، وأنا لازلت كما أنا، ولم أستطع أن أفعل شيئاً.
إننا نعيش في عصر مختلف يا أبي، وسأعمل على تجنب أخطائك التي وقعت فيها.
إن الفرصة سانحة أمامك يا بني لتقودك إلى الثراء، فأرجوك أن لا تتواني في استغلال تلك الفرصة، واذهب في الصباح إلى ابن صديقي هذا واعقد صفقة معه على أن تعطيه عشرة في المائة من إيراداتك ليضعها في هذا الاستثمار، اذهب صباحاً على الفور، فالفرصة لا تنتظر أحداً، فإن كانت بين يديك اليوم، فستزول عاجلاً، لذا فلا تتأخر!
وعلى الرغم من نصيحة أبي، فإنني قد ترددت في تنفيذها، كانت هناك ثياب جميلة أحضرها التجار للتو من بلاد الشرق، وكانت ثياباً نفيسة ورائعة، لذا فقد شعرت أنا وزوجتي العزيزة بأنه لابد وأن يمتلك كل منا ثوباً من تلك الأثواب، فلو كنت قد وافقت على أن أدفع عُشر إيراداتي في ذلك المشروع، كنا سنضطر إلى أن نحرم أنفسنا من ذلك، ومن المتع الأخرى التي نرغب فيها بشدة، تأخرت في اتخاذ القرار حتى فات الأوان، وندمت كثيراً بعد ذلك، إذ ثبت أن هذا المشروع قد أعطى أرباحاً كثيرة تفوق ما تنبأ به أي إنسان، وهذه هي حكايتي التي توضح لكم كيف إني سمحت للحظ السعيد بأن يفلت من بين يدي.
فعلق رجل داكن البشرة قائلاً: في هذه الحكاية، نرى كيف أن الحظ السعيد ينتظر ليأتي للرجل الذي يستغل الفرصة، ولكي نؤسس ملكية خاصة بنا، فلابد دائماً أن يكون هناك بداية لذلك، وهذه البداية قد تكون عملات قليلة من الذهب أو الفضة يقوم الإنسان بتحويلها من إيراداته إلى استثماره الأول، وأنا مالك الآن لكثير من قطعان الماشية، وقد كنت في بدايتي مجرد خادم واشتريت عجلاً صغيراً بعملة فضية واحدة، وكانت هذه هي بداية ثروتي التي كانت تمثل أهمية كبيرة بالنسبة لي.
إن اتخاذ الخطوة الأولى في تأسيس الممتلكات يعتبر بمثابة الحظ السعيد الذي قد يأتي لأي إنسان، إن تلك الخطوة الأولى تعتبر هي الخطوة المهمة بالنسبة لكل الرجال، لأنها تحولهم من رجال يكسبون مالهم من عملهم، إلى رجال يحصلون على الأرباح من إيرادات أموالهم، البعض يخطون تلك الخطوة وهم صغار السن، وبالتالي يسبقون في النجاح المالي هؤلاء الذين يأخذونها في وقت متأخر، أو هؤلاء الذين لا يخطونها أبداً، مثل والد ذلك التاجر.
فلو أن صديقنا التاجر كان قد خطى هذه الخطوة في مراحل عمره الأولى عندما واتته هذه الفرصة لتمتع بالكثير والكثير من نَعِم هذه الحياة، ولو أن الحظ السعيد الذي صادف صديقنا حائك الملابس قد جعله يتخذ الخطوة الأولى في هذا الوقت، لكانت هذه هي مجرد البداية الحقيقية الآن لحظ أكبر وثروة أكبر بكثير.
وهنا نهض رجل غريب من بلد أخرى قائلاً: استأذنكم، فأنا أود أن أتحدث أىضاً، إنني سوري ولا أتحدث لغتكم بطلاقة، وأنا أرغب في أن أطلق على صديقنا التاجر اسماً ما، قد تعتبرون من سوء الأدب أن أطلق عليه هذا الاسم، إلا أنني أرغب في أن أطلقه عليه، ولكني للأسف، لا أعرف ما يقابل هذا الاسم في لغتكم، ولو أني قلته باللغة السورية، فلن تفهموا ما أقصده، لذا فمن فضلكم أخبروني أيها الرجال الأفاضل عن التسمية الصحيحة التي تطلقونها على رجل يؤجل القيام بأشياء نافعة إلى حد بعيد بالنسبة له. فعلى صوته في القاعة قائلاً: «المسوف أو المماطل».
فصاح السوري ملوحاً بيده قائلاً: هذا ما أقصده، فهذا الشخص هو من لا يغتنم الفرصة عندما تواتيه، ويقوم بتأجيل المسألة إلى وقت آخر، ويقول: إن لديه الكثير من الأعمال الأخرى في الوقت الحالي، ولكن الفرصة لا تنتظر الإنسان المماطل، فهي ترى أن هذا الإنسان إذا كان يرغب في أن يكون محظوظاً، فسيتخذ إجراءً سريعاً، وأي إنسان لن يتصرف بسرعة عندما تواتيه الفرصة، فإنه سيكون مماطلاً كبيراً، تماماً مثل صديقنا التاجر هذا.
فنهض التاجر وانحنى احتراماً للرجل السوري وقال: كل إعجابي وتقديري لك أيها الغريب الجالس بيننا، لأنك لم تتردد في قول الحقيقة.
وهنا طالبهم أركاد قائلاً: والآن دعونا نستمع إلى حكاية أخرى عن الفرص، فمن منكم لديه تجربة أخرى ويمكنه أن يقصها علينا؟
فرد رجل في منتصف العمر يرتدي ثوباً أحمر اللون قائلاً: أنا لدي، إذ إنني أعمل تاجراً للحيوانات، فأنا أشتري الإبل والخيول وأحياناً أشتري الضأن والماعز، إن هذه الحكاية التي أنا بصدد قصّها عليكم ستؤكد لكم بما لا يدع مجالاً للشك، كيف أن الفرصة قد واتتني في ليلة لم أكن أتوقع على الاطلاق أن تأتيني فيها، وربما لهذا السبب تركتها تفر من بين يدي، وهذا ما ستحكمون عليه بأنفسكم فيما بعد.
ففي ليلة من الليالي، وبينما أنا عائد إلى المدينة بعد رحلة مضنية دامت عشرة أيام بحثاً عن الإبل، إذ أغضبني كثيراً، أن وجدت أبواب المدينة مغلقة، وبينما كان الخدم يقومون بإعداد خيمتنا التي سنقضي فيها ليلتنا بلا ماء وبقليل من الطعام، إذ اقترب مني مزارع عجوز كان قد وجد نفسه محتجزاً خارج أسوار المدينة مثلنا تماماً.
وجه كلامه إليّ قائلاً: يبدو لي من خلال مظهرك ياسيدي أنك تعمل تاجراً للحيوانات، فلو كان ما أظنه صحيحاً، فإن هناك الكثير مما أود أن أبيعه لك من أفضل قطعان الغنم التي أحضرتها تواً، فللأسف الشديد ترقد زوجتي الطبية مريضة جداً بالحمى، ولابد أن أعود لها بأسرع ما يمكن، فاشتر مني أغنامي هذه حتى أتمكن أنا وخدامي من تجهيز إبلنا لنسافر عائدين بلا تأجيل.
كان الليل قاحلاً حتى أني لم أتمكن من رؤية قطيعه هذا، إلا أنني تأكدت من أنه قطيع كبير من خلال الثغاء الصادر عنه، أسعدني أن أعقد مثل هذه الصفقة معه، بعد أن قضيت عشرة أيام بحثاً عن الإبل التي لم أتمكن من إيجادها، ونظراً لحالة القلق التي كان فيها، فقد عرض سعراً معقولاً جداً للبيع، فوافقت على ذلك وأنا أعلم جيداً بأن خدامي سيتمكنون في الصباح من سوق هذا القطيع عبر أبواب المدينة وسيبيعونها بأرباح ضخمة.
وعندما عقدت الصفقة، دعوت خدامي كي يحضروا المشاعل حتى نقوم بعد هذا القطيع والذي كان المزارع قد أخبرني بأنه يحتوي على تسعمائة شاة، ولن أثقل عليكم يا أصدقائي بوصف الصعوبة التي واجهناها في محاولة عد عدد كبير جداً من الغنم الضآن الهائج، فقد اتضح أنها مهمة مستحيلة، لذا فقد أخبرت المزارع بفظاظة: بأني سأعدها في وضح النهار، وبعدها سأدفع له المال.
فرجاني المزارع قائلاً: أرجوك يا سيدي أن تدفع لي ثلثي الثمن فقط في هذه الليلة حتى أتمكن من السفر الآن، وسأترك معك أكثر خدامي ذكاءً وتعلماً ليساعدك على القيام بعد الغنم في الصباح، ويمكنك أن تثق به، كما يمكنك أن تدفع له باقي الحساب.
ولكني كنت عنيداً ورفضت أن أدفع له في تلك الليلة، وفي الصباح التالي، وقبل أن أستيقظ، فُتحت أبواب المدينة واندفع عبرها أربعة تجار بحثاً عن قطعان، فقد كانوا متلهفين ومستعدين بدرجة كبيرة لعرض أسعار عالية، وذلك لأن المدينة كانت محاصرة ولم يكن هناك طعام وافر، ولذلك حصل المزارع العجوز على ثلاثة أضعاف السعر الذي كان قد عرضه عليّ تقريباً، وكانت هذه فرصة نادرة للحظ السعيد الذي تركته يفر من بين يديّ.
فعلق أركاد قائلاً: «حكاية غريبة بحق، فما الحكمة التي نستشفها منها؟
فاقترح صانع السروج بهيئته المهيبة قائلاً: إن الحكمة تكمن في أن نقوم بالدفع الفوري عندما نكون مقتنعين بصحة الصفقة التي عقدناها، فعندما تكون الصفقة ناجحة، فإنك تحتاج إلى أن تحمي نفسك من نقاط ضعفك، تماماً مثلما تحميها من أي شخص آخر. فنحن البشر قابلون للتغيير، وللأسف يجب أن أقول: إننا نميل إلى تغيير آرائنا عندما نكون على صواب بدرجة أكبر مما نغيرها عندما نكون على خطأ، إذ إننا نتصف بالعناد الشديد عندما نكون مخطئين، وعندما نكون على صواب، نكون عرضة للتردد وترك الفرصة تفر من بين أيدينا، إن الرأي أو الحكم الأول دائمًا ما يكون هو الأصح، ولكنني دائماً ما أجد صعوبة في إجبار نفسي على إكمال صفقة رابحة عندما يتم عقدها، لذا فلكي أحمي نفسي من نقاط ضعفي، فإنني أدفع عربوناً فورياً لتلك الصفقة، وهذا ما يحول بيني وبين الندم بعد ذلك على الحظ السعيد الذي كان بين يدي.
فوقف السوري مرة أخرى وقال: إذا سمحتم لي، أود أن أتحدث مرة أخرى. إن كل هذه الحكايات متشابهة، ففي كل مرة تهرب الفرصة ولنفس السبب، وفي كل مرة يأتي ذلك الحظ السعيد حاملاً معه صفقة جيدة إلى شخص مماطل، وفي كل مرة يتردد هذا الشخص في اتخاذ قراره، ولا يقول: إن الوقت الحالي هو أفضل الأوقات ويجب أن أستغل هذه الفرصة بسرعة، إذن فكيف يتوقع المرء أن ينجح بهذه الطريقة؟
فرد تاجر الحيوانات قائلاً: يا لها من كلمات حكيمة يا صديقي تلك التي تحدثت بها، فقد هرب الحظ السعيد في كل هذه الحكايات بسبب المماطلة، ولكن على الرغم من ذلك، فهذا ليس بالأمر الاستثنائي . إذ إن روح المماطلة موجودة داخل كل إنسان منا، فنحن نرغب في الثراء، ولكن ما أكثر المواقف التي تظهر فيها الفرصة أمامنا، وتقوم روح المماطلة الكائنة في داخلنا بتحفيز عوامل التأخير في استغلالها، وإذا ما استمعنا إلى هذا العامل، فإننا نصبح ألد أعداء لأنفسنا.
في أيام شبابي، لم أكن أدرك المسألة بالطريقة التي طرحها بها صديقنا السوري، ففي بادىء الأمر، كنت أعتقد أن حكمي الضعيف كان هو الذي سبب لي الخسارة في كثير من العمليات التجارية المربحة، وفي مرحلة تالية لذلك، كنت أنسب الأمر إلى موقفي العنيد ثم في النهاية، أدركت المسألة على حقيقتها، إنني قد اعتدت تأجيل الأمور بشكل لا داعي له عندما يحتاج الأمر إلى العمل الفوري الحاسم، وكم كرهت هذه العادة عندما كُشف لي عن وجهها الحقيقي، فبمرارة حمار بري مربوط في مركبة، تحررت من هذا العدو لأمضي في طريق النجاح.
وهنا تحدث السوري قائلاً: شكراً لك! ولكني أود أن أسأل السيد التاجر سؤالاً، إنك ترتدي أفخر الثياب التي لا تشبه تلك التي يرتديها الفقراء، كما أنك تتحدث كرجل ناجح، فأخبرنا إذاً، هل لا زلت تنصت إلى المماطلة عندما تهمس في أذنك؟
فرد التاجر قائلاً: إنني مثل صديقنا تاجر الحيوانات، فأنا أىضاً كنت مضطراً إلى أن أفهم وأتغلب على المماطلة، فقد ثبت لي أن هذه المماطلة هي عدو يتربص بي وينتظر ليحول دون تحقيق الإنجازات التي أتمنى تحقيقها، إن الحكاية التي قصصتها عليكم هي مجرد واحدة من ضمن الأمثلة الكثيرة المشابهة التي أستطيع أن أقصها كي أوضح لكم كيف أن المماطلة قد أضاعت كم الفرص التي أتيحت لي، ليس من الصعب التغلب على هذا الأمر، بمجرد فهمه، فلا أحد يسمح برغبته للص بأن يسرق صناديق الحبوب الخاصة به، كما لا يسمح أي إنسان برغبته لأي عدو بأن يقضي عملاءه عنه ويحرمه من أرباحه، وعندما استوعبت تلك الأفعال التي يرتكبها عدوي هذا، صار بإمكاني التغلب علىه بشيء من العزيمة، لذا فلابد لكل إنسان أن يسيطر على روح المماطلة الكائنة بداخله قبل أن يتوقع أن يأخذ نصيبه في الكنوز النفيسة المتوفرة في بابل.
فما قولك أنت يا أركاد؟ فإنك أغنى رجل في بابل، يدعى الكثيرون أنك أكثر الناس حظاً، فهل توافقني الرأي في أنه ما من إنسان يستطيع أن يصل إلى أعلى مستويات النجاح ما لم يسيطر سيطرة كاملة على روح المماطلة الكائنة بداخله؟
فرد عليه أركاد موافقاً: قولك صحيح تماماً يا صديقي فخلال حياتي الطويلة، رأيت جيلاً وراء جيل، يحرز تقدماً إلى الأمام في أساليب التجارة والتعليم والتي أدت إلى النجاح في الحياة، إن الفرص قد جاءت لكل هؤلاء الرجال، بعضهم اغتنمها وتقدم بخطى ثابتة لتحقيق رغباتهم الماسة، ولكن الأغلبية منهم قد ترددوا وتلعثموا وتخلفوا عن غيرهم.
ثم أدار أركاد وجهه إلى حائك الملابس وقال: إنك من اقترح أن نطرح الحظ السعيد موضوعاً للنقاش، فهل لنا أن نستمع إلى رأيك الآن في هذا الموضوع.
لقد كنت أرى الحظ من زاوية مختلفة، كنت أراه على أنه شيء مرغوب فيه بشدة، قد يحدث للمرء بلا مجهود من جانبه، ولكني الآن أدرك أن مثل تلك الأحداث من الممكن للإنسان أن يجلبها لنفسه، لقد تعلمت من خلال نقاشنا هذا أنه إذا أراد المرء أن يجلب الحظ السعيد لنفسه، فمن الضروري أن ينتهز الفرص التي تتاح له، لذا فإنني سأسعى في المستقبل لاستغل، بأفضل صورة ممكنة، الفرص التي تصادفني.
فرد عليه أركاد قائلاً: لقد استوعبت الحقائق التي أثمر عنها نقاشنا جيداً فالحظ السعيد كما اكتشفنا، غالباً ما يصاحب الفرص ونادراً ما يأتي بطريقة أخرى، إذ إن صديقنا التاجر كان سيجد حظاً سعيداً إذا كان قد قبل الفرصة التي أتيحت له، وكذلك صديقنا تاجر الحيوانات كان سيتمتع بالحظ السعيد إذا كان قد أكمل عملية شراء قطيع الغنم وباعه بأرباح هائلة.
إننا يا أصدقائي قد تابعنا هذا النقاش لكي نكتشف الوسائل التي يمكننا من خلالها أن نجلب الحظ السعيد، وأنا أشعر بأننا قد حققنا ما نصبو إليه، فكلتا الحكايتين قد أعطتنا أنموذجاً يوضح لنا كيف أن الحظ السعيد يأتي مصاحباً للفرص، وهنا تكمن الحقيقة التي لا تستطيع مثل تلك الحكايات المتعلقة بالحظ السعيد مهما كثرت، وسواء كللت بالنجاح أو بالخسارة، أن نغيرها، وهذه الحقيقة هي: يمكننا أن نجلب الحظ السعيد عن طريق استغلالنا للفرص.
إن من يحرصون على انتهاز الفرص من أجل تحسين حياتهم، هم من يجلبون الحظ السعيد، لذا فلابد أن نسعى لاستغلال الفرص ولا نقف ساكنين، فالحظ السعيد لا يأتي لمن لا يسعى له.
فالعمل الإيجابي سيؤدي إلى الأمام، صوب النجاحات التي ترغب في تحقيقها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.