نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    تعيين شاب "يمني" قائدا للشرطة في مدينة أمريكية    الوية العمالقة توجه رسالة نارية لمقاتلي الحوثي    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بمحافظة عمران (صور)    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    التفاؤل رغم كآبة الواقع    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    انهيار وشيك للبنوك التجارية في صنعاء.. وخبير اقتصادي يحذر: هذا ما سيحدث خلال الأيام القادمة    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحات مجهولة من سفر النضال الوطني
مذكرات أول رئيس تحرير ل «الجمهورية»
نشر في الجمهورية يوم 06 - 12 - 2007


الحلقة 3
ثعابين الإجرام والمؤامرة ضد الحركة الوطنية
مسيرة نضال كتاب وثائقي سلط من خلاله الكاتب، والإعلامي محمد حمود الصرحي على صفحات مجهولة من سفر النضال الوطني في سبيل مقارعة البطش والجبروت ونيل الحرية وقيام الثورة والدفاع عن نظامها الجمهوري، لقد حرص المؤلف على تضمين الكتاب مشاهد واقعية للظلم والقهر والاضطهاد الذي عاشه شعبنا إبان الحكم الإمامي البائد وما تعرض له الأحرار قبل الثورة من المآسي والآلام وأبرز الكاتب دور الطلاب في مسيرة النضال الوطني من خلال الأحداث التي عاشها وسرد ذكرياته مع زملاء دربه السياسي.. إلى جانب رصد دقيق للحظات ما قبل انبلاج ثورة سبتمبر وما أعقبها من أحداث ودور الإعلام وإذاعة صنعاء وصحيفة الجمهورية على وجه الخصوص في حشد التأييد الشعبي لمناصرة الثورة وتشكيل لجان المقاومة للدفاع عنها حيث كلف الصرحي بعد الثورة يتحمل مسئولية الإعلام في تعز كما أصبح أول رئيس تحرير لصحيفة الجمهورية وفيما بعد تقلد الأستاذ محمد الصرحي العديد من المسئوليات في الحكومات المتعاقبة آخرها نائباً لوزير شئون الرئاسة ومجلس الشورى في حكومة المهندس عبدالله الكرشمي.
في الحلقة الماضية ذكر تقديم عدداً من رجالات الثورة واستطرد فيها عن انتشار الخلايا السرية في المدارس وانحرافات البعض، ويواصل في هذه الحلقة مذكراته.وممن أضله الله على علم وإن لم يكن بالقدر والمستوى الوزير المفوض للعهد البائد ببغداد حيث انبرى للتنديد بالثورة والجمهورية عقب قيامها مباشرة وذلك في مؤتمر صحفي عقده فيها مع أنه قد سبق وإن عاش الحياة المتقدمة في العراق واليقظة ذات النور الوهاج فيه،وسبق له أن تعين رئيساً لبعثة الطلاب الذين ارتحلوا إلى بيروت ودرسوا فيها،ومعنى ذلك أنه كان على اطلاع ومعرفة بمستوى حياة الشعوب،ولكنه لحاجة في نفس يعقوب شمر عن ساق وخاض مع من خاض معارك الدمار والخراب ضد الشعب وضد الثورة واستمر في ذلك إلى أن تم التصالح.
وقد نزل بعض القول في إحدى الصحف بأن بعض الشخصيات التي سارت في نهج الملكيين قد عادوا بعد التصالح وكانوا خير من عاد وأنهم كانوا أكثر قبولاً للوظائف لدى الجمهوريين وكانوا أيضاً عند المواطنين أفضل من بعض الوزراء الجمهوريين،وهذا القول كما هو الظاهر قد أُلقي على علاته فبماذا يفضلون على الوزير الجمهوري وها أنت أيتها الصحيفة قد قلت أنه جمهوري بماذا يفضلونه،هو جمهوري نهجه هكذا جمهوري وإذا كانت افتراضاً تنقصه القدرة الإدارية فسيتعلم وليس ذلك بعسير وهو جمهوري يعني هدفه وديدنه وإرادته هذا النظام؟
لكن هؤلاء لاعندهم قدرة إدارية ولاعندهم أدنى رغبة في النظام،فماهي الأفضلية التي حازوها،وأما أنهم كانوا أكثر قبولاً في الوظائف لدى الجمهوريين فالواقع أن المسئولين في دولة الجمهورية عندما وافقوا عليهم واختاروهم كممثلين أو كموظفين إنما كان ذلك رغبة في أن يسود السلام في البلد كله لا لأنهم يمتلكون القدرة والكفاءة في إدارة الأعمال وإذا كانوا قد تحركوا ونشطوا كثيراً في الجانب الآخر فقد كان غيرهم من القبائل والذين لم يتخرجوا من أية مدرسة أكثر قدرة منهم وأكثر خبرة في ذلك،والبعض منهم لم يكن له أي دور سياسي أو ثقافي أو علمي وإنما هي ظروف الحرب التي أتاحت لهم الفرصة ليقوموا بأدوار ليست من صنعهم.
نعود إلى الأخ علي الفضيل ففي ذات يوم من الأيام وقبل أن تجرفه رياح التغيير جاء إليّ وأراد أن نخرج سوياً لأمر ما في نفسه ونحن نتمشى في شرارة «التحرير الآن» سألني عن منشورات نزلت ووزعت في الشوارع وهي تدعو القحطانيين إلى أن يتجمعوا ويوحدوا صفوفهم ويقووا من عزيمتهم ويكونوا من أنفسهم وحدة واحدة ضد العدنانيين وأعطاني إحدى هذه المنشورات وبعد أن فرغت من قراءتها أخذتني الدهشة وتعجبت كثيراً،من عساه أن يفعل ذلك ونحن في الساحة نملؤها تماماً ونحيط علماً بالواعين والسياسيين ونحن أيضاً نهتم ونهتم كثيراً بأن لايوجد مثل هذا فيما بيننا،وفي ذلك الوقت العصيب الذي نحن فيه بحاجة للتجمع لا التفرق والوحدة لا الشتات ضد عدو واحد وهو المستبد الماسك للناس في رقابهم؟.
وقلت : أنا عن نفسي لا أعلم من هو صاحب هذه الفكرة وأنه لايجوز بأية حال من الأحوال أن تطرح في الساحة مثل هذه الترهات فنحن شعب واحد والظلم ينزل بنا جميعاً والبؤس والفاقة وسوء الحال يعم البلد بأكملها،لافرق بين زيد وعمر ولا زعطان ولافلتان.
وإذا ثم من يخطيه هذا الواقع فهو قليل ونادر والنادر لاحكم له،وأذكر أن الفضيل حثني على التركيز في من عسى أن يكون صاحب الفكرة؟!ولكني لم أعطه جواباً ولاوصلت إلى حل فبادرني بأنه يظن ظناً غالباً بالأخ...وأنه يكاد أن يجزم بأنه صاحب الفكرة والمدبر لها،وقد سبق في يوم من الأيام أن قال لي أحد أعضاء خليتي ولايزال حياً أن هذا الأخ...إنسان ينطوي على عنصرية خرقاء وأنه يكاد أن يتميز غيظاً بها وأنا والله أكره كل مايؤدي إلى التمزق والشتات وإلى اختلاف الأمة وتفرقها والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال:« ليس منّا من دعا إلى عصبية» ولم أقبل هذا الكلام من الأخ إياه بل أني نهرته وقسوت عليه في الرد ورجوته ألا يعيد مثل هذه النغمة لأنه لافائدة لنا فيها ولاينبغي أن توجد فأجابني بهذا البيت لطرفة ابن العبد في معلقته:ستبدي لك الأيام..ماكنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وهاهو الأخ الفضيل يحاور ويناور من هنا،من هناك حتى أقر الأخ..بأنه من قام بطباعتها في عدن وقام بتوزيعها!!!
وخارت قواي وتبلد ذهني وكدت أن أفقد ثقتي في نفسي وأرتج عليّ وسرحت بعيداً بعيداً أفكر كيف يكون هذا عضواً في خلية ؟ كيف لو علم بأفراد الخلايا الأخرى؟؟!كيف يمكن أن ينطوي هذا الرجل على هذا الشر في نفسه!!وتكون لديه القدرة على المراوغة والتظاهر بأنه أكثر إخلاصاً منا وأنه بعيد كل البعد عما يمكن أن يفرق أو يمزق.
وأشهد لقد لحظت في وجهه الارتباك وفي وجه الفضيل الحيرة،وتفرقنا وأنا أضرب أخماساً في أسداس ماذا يمكن أن يحدث لو أن في الخلايا الأخرى من يماثل هذا الرجل في سلوكه؟! سينفرط عقد التجمع ويذهب الأمل أدراج الرياح وتصبح حياتنا بلا معنى.
وأنا أفكر وأفكر استعدت اللحظة قبل الافتراق عندما جرني الفضيل بيدي ومشينا إلى منزل الأخ المعني للسؤال عنه وبعد أن دققت الباب أجابتني امرأة من الشباك فقلت لها أين الأخ..؟!فأجابتني بالحرف الواحد «سيدك»...مش موجود!!وهذه النبرة والنعرة لاتزال تثار حتى اليوم من بعض أصحاب العقول المظلمة والذين يتمترسون في محاريب بعض المساجد ويأخذون في أيديهم المسابح الطوال ويتشدقون ببعض الكلام الأعوج في هذا المجال مدعيين وموحين للناس بأنهم أبناء «ماء السماء» بأنهم «الدر» وغيرهم «البعر» وبإنهم «الرأس» وغيرهم «الذنب» وبإنهم «الأسود» وغيرهم «الكلاب» كما قال الإمام!!!الإمام!!! عبدالله بن حمزه في بعض قصائده اشار إليها وسجلها القاضي اسماعيل بن علي الاكوع في كتابه«هجر العلم ومعاقله في اليمن» الجزء الثالث ص 12931294.
وأعود فأؤكد على لفظة «البعض» ولاأعمم فبين القوم من هو أعلى مقاماً من هذا المستوى وأسمى أخلاقاً وأكثر علماً وأطهر نفساً وقد تثار«بحذلقة» ممن نعتبرهم مثقفين مغتنمين فرصة وجود النظام الجمهوري الديمقراطي الحر الذي يبيح لكل إنسان أن يقول مايريد وأن يعبر عن رأيه بأي أسلوب مادام ملتزماً بالثوابت وتذكرت أيضاً البيت الذي استشهد به عضو خليتي تذكرته بعد أن قامت ثورة 26سبتمبر 62م ،ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً.
وفعلاً كشفت لي الأيام فقد كتب عن الأخ المشار إليه أحد الكتاب العرب المتابعين والمهتمين بأحوال اليمن، والذي سبق وأن أخرج العديد من الكتب قبل الوحدة وبعدها بأنه وصل إلى خمر وقدم للاخ الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شنطاً ذهباً وقال له:لانريد منك أن تعمل شيئاً وإنما أن تلزم منزلك.فأغلظ له الشيخ عبدالله بالقول وقال:إننا لم نثر من أجل المال وليس من أجل الذهب الذي جئت به، إنها مبادئ وعد بهذا الذهب من حيث جئت.
كان هذا في سنة 1966م والشيخ الأحمر في خلاف مع المصريين عندما سجنوا أعضاء الدولة بكاملهم في القاهرة وكان معتصماً في خمر مع جماعة من المشايخ والعسكريين والمدنيين الأحرار وكان هو ورفقاؤه في حاجة إلى المال ولكنهم ترفعوا عن ذلك،وقد روى الكاتب هذا الكلام عن الشيخ عبدالله الأحمر في أحد كتبه وكان في الإمكان الإشارة إلى اسم الكتاب وصورة وجهه ولكني فضلت عدم ذلك.
لطف الزبيري والرسائل
مرة أخرى يجتمع بي الفضيل وكان لايزال في لحظات صفا - ويسر علي بأن هناك رجلاً يدعى لطف الزبيري وصل من القاهرة يحمل رسائل من الأستاذين الزبيري ونعمان وأنه يجب أن نزوره ونرى من يعزم بهذه الرسائل إلى تعز إلى المقدم الثلايا رحمه الله ومشيت معه فإذا بنا نصل إلى بيت الضابط في المدفعية محمد بن محمد قاسم الحيمي(1) رحمه الله بجانب قصر السلاح قرب مسجد الباشي وصعدنا هذا البيت حتى المنظرة وإذا بي أمام رجل ضخم الجثة وبعد أن تبادلنا التحية وتعانقنا تبادلنا الحديث حول ماجاء به وحول ما يمكن أن نقوم به لإيصال الرسائل إلى تعز وأذكر أنني قلت له : لو أرسلوا من هو بنحافة اليمني لكان أفضل لأن شخصيتك هذه تلفت الأنظار فضحك وقال لي : لقد بت في المقبرة حتى فتحوا باب اليمن بعد الفجر وانخرطت بسرعة ولم يكن هناك الكثير من الناس، وبعد التشاور في أمر الرسائل أبديت استعدادي لحملها وكان لهم نفس الرأي في ذهابي بها إلى تعز، وأذكر أنهم حاولوا أن يعطوني مصروف طريق وكان لديهم المال لهذا ولكن المثالية العظيمة والإخلاص الصادق جعلني أقسم بالله أن لا آخذ شيئاً في سبيل القضية الوطنية وأن أمشي بدون دعم مادي منهم، وأخذت الرسائل وعدت إلى المدرسة واشتريت لي خمسة أشفات(2) وحملتها على ظهري واقترضت ثلاثة ريالات من أحد الإخوان على أن يستلم ما أحصل عليه أسبوعياً وهو ربع وثمن ريال وسافرت مشياً على الأقدام وكنا، حينما نطلع من البلاد إلى المدرسة العلمية أو ننزل نقطع المسافة في مده خمسة أيام ولكني عاهدت نفسي على أن أقطع المرحلة في ثلاثة أيام.
ومشيت من صنعاء حتى خدار ووصلتها عصراً واسترحت ليلتي وسافرت صباحاً حتى وصلت ذمار عصراً، واعتاصت رجلي في «قاع جهران» من كثرة المشي وبعد المبيت في سمسرة بنص بقشة وتناولي كدمة مع جمنة قهوة أسعفني صاحب السمسرة بقليل من خثل القشرة المخلوط بقليل من الملح وعصب على رجلي ورجوت الله أن أفي بعهدي وهو أن اقطع الطريق إلى يريم في ثلاثة أيام بدلاً من الخمسة التي كنت اقطعها في سفري قبل ذلك واصبح الصباح وخرجت من السمسرة وبدأت المسير وأحسست ببعض الألم وبرغم ذلك واصلت سيري وبعون الله وتيسيره ذهب عني ذلك الألم واستمريت في السفر حتى وصلت يريم ووصلتها عصراً وكانت يريم صغيرة كغيرها من المدن قبل الثوره وكان بيت الزبيري - زبيري يريم لازبيري صنعاء - خارج دائرة المدينة وبقرب محل يدعى «المريمه» ووقفت إلى جانب هذا البيت انظر إلى ماحولي وإذا بي بالشيخ أحمد الحبابي وعمامته «محشة سرات» إذا به يسلم علي ويسألني : هل أنت من طلاب المدرسة العلمية - إذ لفت انتباهه لبسي - فأجببته بنعم فأمسك بيدي وأخذني بعيدًا عن الناس ثم همس لي بصوت خافت : «مابيعملوا الأحرار ؟».
فأحسست بقشعريرة في جسدي وقلت : ياإلهي لماذا هذا السؤال ؟ ربما عنده علم بمافي جيببي من رسائل ولكني مسكت أعصابي وأبديت عدم التأثر بماقال وأجبته بأنني لا أعلم شيئاً عن هذا ولا اعرف شيئاً عن الأحرار وإني جئت فقط لزيارة والدتي.
وهذا الشيخ كان كبيراً في محيطه وثرياً وله الأثر الكبير في مدينة يريم، ولقد كرر علي السؤال بإلحاح ولكني صمدت وصممت على ماقلته سابقاً فعاد لتفقد أغنامه التي كانت في طريقها من المرعى إلى البيت، وفي اليوم التالي بقيت في يريم حتى أريح قدمي.
وصولي إلى تعز
سافرت في اليوم الذي يليه وقطعت الطريق حتى تعز في ثلاثة أيام وصلت تعز ونزلت لدى الأخ عبدالله بن محمد المقحفي رحمه الله وذلك كما كان مقرراً، وفي جلسة معه آخر الليل أطلعته على ماجئت من أجله ورجوته أن يسهل لي ذلك وان يقوم بتحديد وقت يمكن أن التقي فيه بالشهيد الثلايا رحمه الله وتحدد الوعد بعد صلاة العشاء في جامع «حوض الأشراف» وهناك أديت صلاة المغرب وانتظرت حتى جاء المقدم الثلايا وأعطيته الرسائل وسألته إذا كان يريد مني الانتظار لحمل أي جواب أو أن مهمتي قد انتهت ولم يعد لبقائي ضرورة فأشار علي بأن التقيه في الليلة آلاتية في مثل هذا الوقت وفي نفس المكان حتى تكون لديه الفرصة لقراءة الرسائل وحتى يرى إن كان يلزم الرد عليها أم لا.
وتخلف المقدم عن الحضور في نفس الموعد وفي نفس المكان ولم يكن عندي قدرة بأن أتصل به في غير المكان الذي كنا قد التقينا فيه شخصياً وقد كنت في اليوم الثالث قد مررت على منزله ووجدته يشرف على العمال ويعاونهم في العمل به.
ولكن كما قلت لم أكن قادراً على اللقاء به في غير نفس المكان فعدت إلى الأخ المقحفي وسألته عم عساي أن افعل ؟ فأشار علي بالانتظار ولابد من خير كما قال مرت ثلاثة أيام ولم أحصل على أي شيء بالنسبة للموضوع ذاته وكانت مهمة العيش قد تكفلها الأخ المقحفي حيث كنت وأنام في منزله.وفي اليوم الخامس حدثني الأخ المقحفي بأن الأمور تجري في طرقها وأنه يلزم أن أعود إلى صنعاء وهنا دبروا لي أمر الركوب على سيارة وكفوني مشقة السفر الطويل من جديد.
وصلت إلى المدرسة ولمانحن فيه من تكتم شديد ومن حرصي على ألا يعلم أي إنسان كائناً من كان بمانقوم به لم يكن لدى أحد أية فكرة عن غيابي ولم يكن أحد يجرؤ على سؤالي : أين غبت ولماذا ؟
لأن كل الأمور كانت تسير بصمت شديد وكنت أنا الذي أطلع زملائي على مايمكن إطلاعهم عليه.
رسائل الأخ عبدالله العنسي والمنشورات
وأذكر فيما أذكر أن أحد الإخوان قد سلمني رسالتين من الأخ عبدالله بن حسين العنسي حينما كنت غائباً في تعز حيث كان يراسلني بكل أخبار الاتحاد اليمني في عدن وكل توجهاته.
وكانت رسائله تأتينا وجهها بالخط العادي ووراءها بالخط السري الذي كنت أعرضها على وجه النار فتظهر واضحة فأقرأها وأفهم منها كل ماقاله.
وكنت أجيب عليه بنفس الشكل وفي ذات يوم من الأيام أنزلنا إلى الشارع منشورات تحمل الكثير من صور الظلم والقهر والحرمان وشنعنا فيها على الإمامة وطغيانها وتألهها وكان القائم بالأعمال والمسيطر عليها في صنعاء - الحسن بن يحيى حميد الدين وكانت إدارة الأمن بيد القاضي عبدالله الشامي والد محمد بن عبدالله الشامي الموظف بوزارة الخارجية ووالد عاتكة الشامي وبينما أنا أقوم بالتدريس بين صلاة المغرب والعشاء في قبة الإمام يحيى بباب السبح إذا به قد وصل مع جنوده إلى المدرسة ونقل إلي الخبر أحد الطلاب بأن الشامي في المدرسة مع جنوده يفتشون صناديق الطلاب فهرعت جرياً لأرى مايحدث ولاسيما وفي صندوقي بعض من صحف الأحرار مثل «صوت اليمن» وجريدة السلام وبعض من المنشورات ووصلت تواً إلى شعبتي وكان قصدي أن أعمل أي شيء لإتلاف هذه الأشياء أو أخذها بعيداً قبل أن يصل الدور إلي، وإذا بي أراه قد جلس على صندوقي بالذات بينما التفتيش يجري في الناحية الثانية صندوقاً صندوقاً فجرى الدم في عروقي حاراً وشعرت بالضيق وشغلت فكري طلباً لأي إسعاف عملي أنجو به ممايمكن أن يكون، وما عساي أن أعمل وقد جلس على صندوقي !
والواقع إنني لم أصل إلى حل ولا إلى نتيجة ورجعت إلى الله بقلب صادق ودعوته من أعماق قلبي أن ينزل علي فرجه وفعلاً لقد استجاب الله سبحانه وتعالى فهو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه.
ومابين غمضة عين وانفراجتها
يغير الله من حال إلى حال
وتغير الحال بسرعة فقد اكتفى الشامي بتفتيش أربعة من الصناديق ثم قام من توه وخرج فحمدت الله حمداً كثيراً واسترديت أنفاسي وشعرت بلحظة أمان وبدأت أفكر في إخراج هذه الصحف والمنشورات من حيث لا يراني أحد، وفعلاً أخرجتها وحرصاً عليها لم أمزقها وإنما اكتفيت بالحفر لها داخل بستان المدرسة وتغطيتها بالتراب وتسوية المكان حتى لايشعر أحد بذلك.
استمرت الرسائل بيني وبين الأخ عبدالله العنسي بنفس الطريقة المعتادة وأنزلنا منشورات أخرى وحاولنا أن يكون خطها بالكوفي حتى لا يمكن التعرف إلى صاحبها وفي هذا الوقت أصدر الحسن أوامره بحبس ثلاثة من الطلاب لاندري من أوحى له بأنهم أصحاب المنشورات والواقع أنه لا علاقة لهم بذلك ولشعورنا بالأسى من أجلهم حاولنا أن نعمل من أجل إخراجهم وجمعنا توقيعات المشائخ وبعض الطلاب على أنهم من الطلبة الهادئين وأنه لاشيء حولهم وأنه ربما أصابتهم وشاية مغرض وقدمت تلك المراجعة إلى الحسن عن طريق مدير المدرسة حينذاك وهو الأخ حسين فايع رحمه الله وأجاب الحسن على المراجعة بمالفظه «فالصرحي» استدعاني المدير وسألني : من الذي يراسلك من عدن ؟!
على ماذا تحتوي هذه الرسائل ؟! ومن الذي يقوم بنشر المنشورات ؟! فأجبته :
إن رسائل عدن هي رسائل عادية وليس فيها أي شيء سياسي وأدعيت أنها ماتزال موجودة وفي الإمكان أن أحضرها إليه والواقع إنني وقعت في مزلق لأنني كنت أمزقها بوقته ولا أبقي لها أي أثر، وقد قصدت من وراء ذلك أن أعطيه القناعة بأن الأمر عادى بشأن هذه الرسائل أما بالنسبة للمنشورات فإنه لاناقة لي فيها ولا جمل وكل ماأمارسه واشتغل به ليس سوى الدراسة والدراسة لاغير وفي وسعه أن يتحقق عن صدق حديثي بسؤال كل مشائخ المدرسة الذين يعرفوني ويعرفون سلوكي، وكنت حسن السمعة عند جميع مشائخي وكتبت عريضة وكلهم أوضحوا فيها بما أريد بل وبعضهم زار المدير شخصياً وأقنعه وكنتيجة للتحقيقات بشأن الطلاب المحبوسين وبراءتهم أطلقهم الحسن وأظنهم وإلى الآن ولايزال بعضهم حياً لايعلمون شيئاً أو يعلمون سبباً لحبسهم، ومن جملة رسائل الأخ عبدالله العنسي رسالة أحاطني فيها علماً بأنه قد أرسل إلي طرداً كاملاً من جريدة «صوت اليمن» ومنشورات وكتيبات تحريض وبرامج أعمال وكان ذلك الطرد مرسلاً مع الحاج محمد المحفدي التاجر المعروف بصنعاء وتحراني فيه كثيراً أن أزور المحفدي وبالتوالي حتى لا يتعرض الطرد للتفتيش منهم وحتى آخذه وكتب للمحفدي أن يسلمني الطرد وفعلاً كررت زيارة الأخ المحفدي وفي الأخير شغلتني ظروف العمل السياسي والتعليمي فانقطعت عن زيارة المحفدي وجاء الطرد وفتحه المحفدي وخاف خوفاً شديداً وأسرع به إلى الحسن، وفي يوم من الأيام بعد ذلك بوقت قصير استدعاني مدير المدرسة وسألني عما إذا كنت أعلم بمن يقوم بنشر المنشورات ومن يقوم بإيصالها إلى التجار وكنت معه كالصخرة الصماء لاتسمع ولاتجيب منكراً كل صلة لي بأي علم عن هذا وأقتنع، والواقع أنني مدين للمحفدي بالشكر لأنه لم يذكر اسمي للحسن وإن كنت أرى أنه كان في وسعه أن يحرق الطرد أو يتخلص منه بأية طريقة.
تحرك أعوان الحسن وهدوء الأحرار
والتقيت مع زملائي من رؤساء الخلايا وطرحنا مشكلة أعوان الحسن الذين يواصلون تأييده في ولاية العهد بقوة كما طرحنا مشكلة بعض الإخوة الأحرار الذين مارسوا العمل الوطني وحبسوا وتعبوا في السجن ثم أطلقوا وحصلوا على وظائف حكومية وشعرنا بأنهم قد استرخوا أو خامرهم اليأس وكنا نريدهم أن لايركنوا إلى العيش الهادىء وأن يواصلوا المسيرة ولو كان فيها مافيها من التعب لأنهم بسلوكهم هذا سيضربون أسوأ الأمثال أمام الناس وسيقول الناس عنهم بأنهم إنما يتحركون ويناضلون من أجل الحصول على أي وظيفة أو أي عمل حتى إذا ماتم ذلك قنعوا وخنعوا وهنا رأى الإخوة الزملاء بأن نقوم هذه المرة بعمل منشورات فيها التخويف والإنذار والتحذير للجميع بمافي ذلك من كانوا «بين بين» لا من هؤلاء بوضوح ولامن أولئك بوضوح وذلك حتى يمتازوا لكن تحذيرنا للإخوة الأحرار كان من باب الحث على مواصلة السير ولو على الأقل بالرأي والمشورة ممن نعرفهم ويعرفونا، أما أصحاب الحسن فكان إنذارهم شديداً وإنه قد يطالهم الموت إذا مااستمروا في ذلك ووضعنا هذه المنشورات في مظاريف وكان يصحب رسائل أعوان الحسن «معبر» من نوع شراب نار أما الإخوة الآخرون فكانت تصحب رسائلهم «رصاصة مسدس» وقد حمل رسالة على زباره الذي كان نائب الإمام في فترة من الفترات الأخ محمود بن عبدالوهاب السماوي وسلمها إلى حارس الباب وهو بدوره سلمها إلى زباره وبعد أن قرأها زباره جن جنونه واستدعى الحارس وناقشه فيمن عساه أن يكون قد أعطاه الرسالة وبما أن الجندي لم يركز على شخصية الأخ السماوي ولاسيما وقد كان ملثماً وكان يرتدي سترة سوداء طويلة إلا أنه «أي الجندي» قد احتفظ بوصف السترة السوداء فقال عنها مالاحظه أنها طويلة سوداء مخططة لذلك فقد جاء مأمور الضبط إلى المدرسة علي بن علي الأعور واستمر يلاحظ الطلاب فلحظ أحدهم وعليه مثل تلك السترة الموصوفة وكان ذلك الطالب أحمد علي العمري أخو العميد يحيى العمري فأخذه معه وسجن في مقام دار السعادة في غرفة الانتظار واستمر حبسه قرابة الأربعة الأشهر وهو يسير إليه متوعداً ومنذراً ومحذراً ولكن الأخ العمري لم يكن يعلم شيئاً عن الجهاز السري وخلاياه وإنما كان من جملة من يسير في الركب العام في المدرسة كلها، ولذا فإنه لم يستطع أن يحصل منه على أي شيء وكنا نحن في أمان تام لأنه ليس هناك أي شيء نخاف منه فالأمور كانت مضبوطة ومقفلة أما أمير الجيش علي بن ابراهيم فقد حمل رسالته المصحوبة بطلقة «شراب نار» الضابط عبدالكريم إسحاق وقد توفي رحمه الله وقد أرسلنا بمنشور إلى الزعيم حينذاك عبدالله السلال مع رصاصة مسدس كما أرسلنا بمثل ذلك للأخ أحمد جابر عفيف ولايزال حياً وأظنه سيتذكر ذلك كما أرسلنا منشوراً مع طلقة شراب نار إلى عامل صنعاء حين ذاك علي أبو طالب وحملها حسين عبدالله العمري ورسالة مع طلقة مسدس إلى الفريق العمري وقد أوصلنا المراجعة من أجل الأخ العمري حتى اطلق.
كان البدر في هذه الفترة قد قام بزيارة إلى بعض الدول الأوروبية وكنا نحن في سير منتظم بالنسبة للمؤتمرات الأدبية وعمل التوعية العامة وفي خلال المشوار عارضنا بعض الذين كانوا يقفون في صف الحسن وقاموا بمحاولة قيام مؤتمرات أدبية تعارضنا وتمزق وحدتنا ولكننا، تصدينا لهم بقوة وهجمنا عليهم في أول مؤتمر لهم وكانوا قلة وأذكر أن أحدهم قفز من نافذة شعبته إلى صرح المسجد وكان قريباً وهو لايزال حياً وقد كشفت الأيام أنه ملكي أعظم من الملك وأنه حارب مع الملكيين إلى آخر مشوار ولا أريد أن أذكر اسمه فأثير الجراح فأظنه سيقرأ مذكراتي هذه.
الاحتفال بعودة البدر من الخارج
وفي إحدى جلساتنا السرية تدارسنا مسألة الاحتفال الذي يمكن أن نقيمه احتفاءً بالبدر عند وصوله من إحدى رحلاته إلى الخارج، وكلفنا بعض الإخوة بإعداد كلمات الترحيب المناسبة في هذا الشأن وذلك بعد أن نقل إلينا أحد مخبرينا بأن أحدهم وهو من أولئك الذين تم إسكاتهم يقوم بإعداد كلمة وأن له وقتاً طويلاً وهو يرصفها ويدبجها بالمديح الكاذب والذي كانوا من ورائه يريدون أن يتقربوا إليه وبالتالي يبعدونا عنه وقمت أنا بكابة كلمة وقد ذيلتها بأبيات قليلة من شعري لا أذكر منها سوى هذه الأبيات :
أنت الزعيم وهذه أيدينا
خذها مبايعة تزاد يقينا
أنت الأمل وبه نسير إلى العلى
أنت البطل أنت المجلي فينا
ثب وثبة الأسد الهصور بقوة
واستلهم العزمات من ماضينا
وابن لامتك العزيزة مجدها
تكن الرئىس دنياءها والدينا
وقد قام بإلقاء هذه الكلمة نيابة عني الأخ عبدالله بن أحمد الخربي واستمرت القافلة في مسيرها بخطى ثابتة والمؤتمرات الأدبية في مواعيدها والزخم التعليمي في أوج مجده.
بداية المؤامرة
وبدأت ثعابين الإجرام تتحرك في الخفاء وتوالي عملها في جنح الظلام وذلك عن طريق الإتصال بالشخصيات الراديكالية الجامدة وذات التعصب الشديد وبعث رسائل الدس والوقيعة إلى الإمام في تعز من داخل المدرسة ومن هذه الشخصيات التي اتصلت بها وكلها تشرح أحوال المدرسة وتحذر من تطور الحركة الوطنية التي يشتد أوارها بين الطلاب في المدرسة العلمية والمدارس الأخرى والتي يمكن أن يكون لها شأن قد لايحمد عقباه أو كمازعموا.
وكانت تبرز اسمي في قوائمها هذه كأول النشيطين وكعادتي كنت أواصل الاتصال بالبدر حتى أضمن وقوفه إلى جانبنا وأضمن بالتالي أمان المسيرة النضالية التي نقوم بها. وأذكر فيما أذكر أنه كان يطلعني في أكثر من لقاء على برقيات كانت تأتي إليه من أبيه الإمام أحمد يسأله فيها عني وكنت كثيراً ماأشعر بالخوف وكان هو يلحظ ذلك مني فيطمئنني كثيراً ويردف حديثه بقوله لاتخف واستمر في العمل وأنا من ناحيتي سأقنع الإمام تماماً عن سلوكك وإن مايقال عنك إنماهو بسبب إخلاصك لي وتعاونك وجهدك معي.
وفي هذه الأيام بالذات ومن جملة ماأشاعه المغرضون ونشروه فكرة العنصرية وماالعنصرية وأن من بعض مانقوم به بل ومن أهمه العمل على إزالة لفظة «سيدي» من كلام الناس فيما بينهم ونقلت هذه الفكرة إلى الأعيان من أصحاب الحسن وبدأت في نفس الوقت تخامر نفس بعض الطلاب الذين كانوا معنا في التجمع السري والظاهر وخفنا من ذلك كثيراً إذ كيف لو انقلب السحر على الساحر وأنفرط العقد الذي طالما عملنا على تنظيمه.
وكنتيجة لذلك نقل إلي بعض الزملاء من فصلي بأن البعض منهم وكانوا ممن يعتادون نداءهم بلفظة «سيدي» قد اجتمعوا وقالوا فيما قالوا إنني أحدثهم ولا أذكر لفظة «سيدي» في حديثي معهم وأقروا فيما بينهم ألا يحدثني أحد أو يتكلم معي أو يجيب على سؤالي إذا لم أبتدأ حديثي بهذه اللفظة !!!
وتعجبت كثيراً لمثل هذا الوعي القاصر والذي يغرق الناس مابين سيد وعبد والله سبحانه وتعالى يقول «إن أكرمكم عند الله أتقاكم » والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال لجماعة من بني عامر نادوه بقولهم أنت سيدنا فأجابهم بقوله «السيد الله» قالوا وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً فقال صلى الله وعليه وسلم قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولايستجرنكم الشيطان أنا محمد عبدالله ورسوله لاترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله بها أخرج الحديث النسائي بسند جيد عن عبدالله بن الشخير ذكر هذا الإمام الشوكاني في الرسائل السلفية، كما جاء في رواية أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهاله الموقف فتقدم وهو مفزوع وخائف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هون عليك ياأخ العالية إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بتهامة.
وجاء في ديوان علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
الناس من جهة التمثيل أكفاء
أبو همو آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة
وأعظم خلقت فيها وأعضا
فإن يكن لهمو من أصلهم شرف
يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لإهل العلم إنهمو
على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقيمة المرء ماقد كان يحسنه
وللرجال على الأفعال أسماء
وضد كل امرئ ماكان يجهله
والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم ولا تطلب به بدلاً
فالناس موتى وأهل العلم أحياء «3».
وكلمة سيد كلمة عادية لأنها تقال من باب التقدير والاحترام المتبادل ولكنها عندما تفرض فرضاً يصبح من الصعب قبولها وهي وإن كانت موجودة في مفردات اللغة العربية إلا أنه ينادى بها من ساد قومه أو عشيرته أو أسرته بعمل مشرف عظيم في ذلك القاصي والداني وقد قال الإمام الشوكاني في كتابه «الفتح الرباني مطبعة الإكليل للطباعة ص361 «من زعم أنه يتعين استعمالها في بعض دون بعض فهو محتاج إلى الدليل» كما وأنها ليست مفروضة فرضاً إلا في عالم الرق والعبودية حيث تعني لفظة «سيدي» مالكي وقد مضى ذلك العهد ولم يبق له أى أثر يذكر في جميع أنحاء العالم وكما وأنها لا تقال بسبب العرق أو اللون.
وفكرت فيما عسى أن أعمله إزاء هذا الحصار من أغلبية الزملاء في هذا الفصل والذي قد يتطور حتى الفصول الأخرى وهروباً ونظراً لما أجده في نفسي من صعوبة في النطق بمثل هذه الكلمة قررت أن اشتغل بالدراسة وبالكتب التي بين يدي وبالتدريس أيضاً ولم أترك فرصة فراغ تجعلني أحتاج إليهم أو أتكلم مع أحدهم واستمر هذا الحال أكثر من أسبوعين وإذا بالأخ الذي نقل إلي الخبر الأول ينقل إلي خبراً جديداً فقد اجتمعوا وقرورا أن أقول عند النداء لأحدهم: ياسيد فلان بدل: ياسيدي ولكن رغم هذا التعديل لم استسغها ولم أطقها واستمررت في الصمت معهم وعدم الحديث إليهم وبما أن هذا الذي نقل إلي الحديث كان واحداً ممن اعتادوا نداءهم بهذه اللفظة فقد أعطيته درساً في الموضوع وكان من جملة ماقلته له: إن لكل إنسان اسمه في العالم كله وبهذا الاسم ينادى لا بشئ سواه حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان ينادى ب «يا محمد» «يا رسول الله» ولم يرو عن أحد أنه نودي ب يا «سيدي محمد».
هوامش:
1) كان من ضباط سلاح المدفعية في عهد ما قبل الثورة، وكان توجهه سليماً ومستقيماً في طريق التحرر والانعتاق من رقة الاستبداد، حيث شارك في أكثر من عمل في سبيل إنهاء ذلك العهد البغيض المشؤوم وكان ذا أثر وتأثير في هدم السجن الكبير الذي يرزح فيه الناس الكثير من الشعب كله.
2) الشفت عدد معين من الخبز المعروف في الماضي (بالكدم).
3) ص 36، 35 شرح د/ علي مهدي زيتون طبع دار الجيل بيروت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.