السعر الجديد للعملات الأجنبية مقابل الريال اليمني بعد الوديعة السعودية للبنك المركزي    خوفا من تكرار فشل غزة... الحرب على حزب الله.. لماذا على إسرائيل «التفكير مرتين»؟    اشتباكات عنيفة بين مليشيا الحوثي ورجال القبائل شرقي اليمن    حجاج بيت الله الحرام يتوافدون إلى صعيد عرفات    مأساة ''أم معتز'' في نقطة الحوبان بتعز    انقطاع الكهرباء عن مخيمات الحجاج اليمنيين في المشاعر المقدسة.. وشكوى عاجلة للديوان الملكي السعودي    كانوا محاصرين في الحوبان    مظاهر الكساد تهيمن على أسواق صنعاء    وضع كارثي مع حلول العيد    أربعة أسباب رئيسية لإنهيار الريال اليمني    ألمانيا تُعلن عن نواياها مبكراً بفوز ساحق على اسكتلندا 5-1    لماذا سكتت الشرعية في عدن عن بقاء كل المؤسسات الإيرادية في صنعاء لمصلحة الحوثي    عبدالفتاح لا زال يقود جنوبيي الإشتراكي من قبره    دعاء النبي يوم عرفة..تعرف عليه    الحوثي والإخوان.. يد واحدة في صناعة الإرهاب    شبوة تستقبل شحنة طبية صينية لدعم القطاع الصحي في المحافظة    قوات العمالقة الجنوبية تعلن صلح قبلي في بيحان شبوة لمدة عامين    السعوديون يستعيدون نداء "خلجت أم اللاش" مع تصاعد التوترات الإيرانية في الحج ..فهل يعاد النداء يوم عرفه؟!    حتمية إنهيار أي وحدة لم تقم على العدل عاجلا أم آجلا هارون    لاعبو المانيا يحققون ارقاما قياسية جديدة    يورو 2024: المانيا تضرب أسكتلندا بخماسية    هل تُساهم الأمم المتحدة في تقسيم اليمن من خلال موقفها المتخاذل تجاه الحوثيين؟    صورة نادرة: أديب عربي كبير في خنادق اليمن!    "تعز في عين العاصفة : تحذيرات من انهيار وسيطرة حوثية وسط الاسترخاء العيدي"    الحكومة اليمنية أمام مجلس الأمن: أي عملية سلام يجب أن تستند على المرجعيات الثلاث    المنتخب الوطني للناشئين في مجموعة سهلة بنهائيات كأس آسيا 2025م    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 37 ألفا و266 منذ 7 أكتوبر    محافظ تعز يؤكد على ضرورة فتح طرقات مستدامة ومنظمة تشرف عليها الأمم المتحدة    الرئيس العليمي يشيد بمواقف قيادة المملكة من أجل تخفيف معاناة الشعب اليمني    السفير السعودي يعلن تحويل الدفعة الثالثة من منحة المملكة لدعم البنك المركزي    اختتام دورة تقيم الاداء الوظيفي لمدراء الادارات ورؤساء الاقسام في «كاك بنك»    فتاوى الحج .. ما حكم استخدام العطر ومزيل العرق للمحرم خلال الحج؟    يعني إيه طائفية في المقاومة؟    مقتل وإصابة 13 شخصا إثر انفجار قنبلة ألقاها مسلح على حافلة ركاب في هيجة العبد بلحج    أروع وأعظم قصيدة.. "يا راحلين إلى منى بقيادي.. هيجتموا يوم الرحيل فؤادي    مستحقات أعضاء لجنة التشاور والمصالحة تصل إلى 200 مليون ريال شهريا    أسرة تتفاجأ بسيول عارمة من شبكة الصرف الصحي تغمر منزلها    عرض سعودي ضخم لتيبو كورتوا    فضيحة دولية: آثار يمنية تباع في مزاد علني بلندن دون رقيب أو حسيب!    وزير الأوقاف يطلع رئاسة الجمهورية على كافة وسائل الرعاية للحجاج اليمنيين    نقابة الصحفيين الجنوبيين تدين إعتقال جريح الحرب المصور الصحفي صالح العبيدي    وزير الصحة يشدد على أهمية تقديم افضل الخدمات الصحية لحجاج بلادنا في المشاعر المقدسة    البعداني: نؤمن بحظودنا في التأهل إلى نهائيات آسيا للشباب    اختطاف إعلامي ومصور صحفي من قبل قوات الانتقالي في عدن بعد ضربه وتكسير كاميرته    منتخب الناشئين في المجموعة التاسعة بجانب فيتنام وقرغيزستان وميانمار    الكوليرا تجتاح محافظة حجة وخمس محافظات أخرى والمليشيا الحوثية تلتزم الصمت    ميسي يُعلن عن وجهته الأخيرة في مشواره الكروي    هل صيام يوم عرفة فرض؟ ومتى يكون مكروهًا؟    وفاة مواطن بصاعقة رعدية بمديرية القبيطة بلحج    إصلاح صعدة يعزي رئيس تنفيذي الإصلاح بمحافظة عمران بوفاة والده    السمسرة والبيع لكل شيء في اليمن: 6 ألف جواز يمني ضائع؟؟    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    بكر غبش... !!!    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    ما حد يبادل ابنه بجنّي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبدالواسع حميد الأصبحي .. يتذكر
نشر في الجمهورية يوم 03 - 01 - 2008

لقد كتب الأستاذ المرحوم- محمد عبدالواسع الأصبحي، عن الآخرين في مذكراته أكثر مما كتب عن نفسه، فأبرز رجالاً كان حظهم من البروز أقل مما هم به جديرون، ونوه برجالٍ لا يكادُ أكثر الناس يعرفون عنهم شيئاً.. ومن العدل أن نقرر بأن لكل من يكتبون «المذكراتِ» أو «السيرة الذاتية» الحق في أن يتحدثوا بضمير المتكلم، وإلا لما سميت هذه المؤلفات بالمذكرات ولا بالسير الذاتية، ولكن الميزان في هذا المجال دقيق وحساسٌ، فإذا اختل التوازن هنا، ثقلت كفة «الأنا» أو «الذات» ثقلاً تصبح معه عبئاً باهظاً على التاريخ وعلى القارئ.. وبمقابل ذلك تخف كفة «الهو» أو «الغير» خفة مجحفة بحق التاريخ وبحق القارئ في المعرفة الصحيحة.
ولقد أمسك الأستاذ محمد بالميزان، إمساك الصادق الأمين، الذي تهمهُ أولاً وقبل كل شيء الحقيقة الصادقة، والمصلحة الوطنية، وحق القارئ في الاطلاع على حقائق التاريخ المجردة من عبث الأغراض وتسلط الأهواء، وهذه درجة رفيعة لا يصل إليها إلا القليلون من الخائضين في هذا الميدان من ميادين الكتابة التي تتطلب قدراً عظيماً من النزاهة والإحساس بالآخرين.. وسيجد القارئ الكريم، ما يكفي من الأمثلة التي تبرهن على هذه السوية الرفيعة التي وصل إليها كاتب هذه المذكرات.
كما أن القارئ سيقف أمام بعض الحقائق الإقليمية التي تشمل البحر الأحمر وخاصة في شطره الجنوبي وما جرى على ساحله الشرقي في اليمن وساحله الغربي الذي تقع عليه بعض دول ومناطق شرق أفريقية وما كان يدور في شرق أفريقية من الصراع الاستعماري الذي أدى إلى نشوء دول واختفاء أخرى وهو لا تزال رحاه تدور أمام أعيننا إلى هذا اليوم.. ولن يسع القارئ إلا أن يشعر بالإعجاب إلى حد الدهشة، لما أبرزه الأستاذ محمد عبدالواسع الأصبحي، من أخبار اليمنيين في تغريبتهم الحديثة التي بلغوا بها أصقاع الأرض، وما قابلوه من أهوال تتضعضع أمامها الجبال، ولكنهم قابلوا كل ذلك بصبر عظيم، وجلدٍ لا يذل ولا يهون، وبقدرة على التكيف مع عالم غريب ينكرهم وينكرونه، وينفيهم فيقتحمونه، مما ينبئ عن معدن صلب عريق لهذا الشعب الذي أنجب هؤلاء الرجال، ويبشره بمستقبل زاهر مجيد رغم كل ما يحيط به من مكر الأعداء وقسوة الظروف.. ولو كان لي أن أوجه نداء لهتفت.. نداء.. نداء..: أيها اليمنيون اقرأوا مذكرات المناضل الحر الأستاذ «الخال» محمد عبدالواسع حميد الأصبحي المعافري الحميري اليمني، من هذه المنطلقات، وستجدون فيها طاقة خلاقة قوية، تدفع بالمسيرة إلى الأمام بثقة ماضية وجباه عالية.
دمشق 21-5- 1996م مطهر الإرياني
«الجمهورية» تعيد نشر هذه المذكرات لرجل ساهم بقسط وافر في خدمة الوطن واستذكر ملامح وشواهد من التاريخ المعاصر لليمن والظروف المحيطة بتلك المرحلة وهي مذكرات أحق أن يقرأها هذا الجيل الذي لا يعلم حجم تلك التضحيات وطبيعة الظروف فضلاً عن اتسامها بالأسلوب الأدبي الشيق في رواية الأحداث والأسماء
الحلقة
10
وقامت الثورة
قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م المظفرة، وكان قيامها تتويجاً لجهود الثوار اليمنيين على مدى أجيال متعاقبة، ففي هذا اليوم المجيد أزهرت دماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء لشعبهم ووطنهم وفي هذا اليوم خرج المارد اليمني من قمقمه الذي ظل محبوساً فيه مئات السنين، لقد كان هذا اليوم هو الموعد الذي ضربته الأقدار بين شعبنا وبين شمس الحرية لتنطوي عهود الظلام بجهلها ومرضها وتخلفها وإمامتها وليفتح المستقبل المشرق ذراعيه لوطننا الحبيب.
كثيرون هم الذين كتبوا عن الثورة، فعشرات الكتب، إن لم أقل مئاتها، قد كتبت عن الثورة ومن الرعيل الأول للمناضلين الذين أجلهم وأحترمهم كتب الكثيرون أيضاً: كتب اللواء عبدالله جزيلان وعبدالغني مطهر والأسودي والدفعي ومجاهد حسن وآخرون ولاتعليق لي على ما كتبوا إلا أن كلا منهم قد كتب من الموقع الذي عمل فيه في إطار هذه الثورة، ووفق الرؤية التي يرى من خلالها تشابك الأحداث والمواقف، ولا أكتم القارئ أنني شعرت إزاء معظم ماقرأت مماكتب عن الثورة بشيء من المبالغة كان يضفيها أولئك الكتاب على مواقفهم وشخوصهم:
وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لاتقر لهم بذاك
أما ماسأكتبه أنا فإنه لايعدو نقطة أو نقطتين رأيت الكتابة فيهما واجبة لأنه فيهما مايمكن أن يقع في تاريخ ماأهمله التاريخ.
حين قامت الثورة كنت مع عدد كبير من الأحرار في عدن، وقبل قيامها بشهرين تقريباً زارني المناضل المغامر الأستاد محمد عبدالله الفسيل، وأفصح عن رغبته في التسلل من عدن إلى صنعاء، طرح ذلك على الشيخ سنان أبو لحوم وكان يبغي مصروفاً، ولم يقصر الشيخ سنان فغادرنا إلى صنعاء متسللاً وكان لايعرف عن أمر تسلله هذا سوى ثلاثة أشخاص هم: سنان أبو لحوم وعلي الأحمدي ومحمد عبدالواسع.
ظل الأستاذ الفسيل متخفياً في مدينة صنعاء حتى قيام الثورة وقد كانت مشاركته مشاركة فعلية بالطبع فهو المذيع الأول الذي أذاع بيانات الثورة، وهنا لابد من تسجيل هذا الموقف للأمانة التاريخية، سواءً أكان هذا الموقف له أم عليه، فما كان كان، وربما يكون هذا الموقف من تاريخ ماأهمله التاريخ فحين وصلته قائمة بتشكيل الوزارة عن طريق محمد عبدالواحد القائم بالأعمال للجمهورية العربية المتحدة آنذاك وهو من رجالات السيد أنور السادات، وكان الدكتور عبدالرحمن البيضاني ومحمد قائد سيف يحتلان معظم مناصب هذا التشكيل، ولا أود أن أسيء هنا إلى أحد أياً كان «فكلنا ثوار».
وكانت القائمة التي قدمت إليه مستشنى فيها الأستاذ الزبيري والأستاذ محسن العيني والأحمدي ثم..ثم... محمد سعد القباطي وقد قام الأستاذ الفسيل بتعديل هذه القائمة بمبادرة منه وبناءً على هذا التعديل فقد صار البيضاني وزيراً للاقتصاد لاغير وحين ناقشت الأستاذ الفسيل عن سبب إدخال محمد سعد القباطي في التشكيل أجابني قائلاً: لقد حضر اسمه في ذهني بشكل عفوي فغيرته بدلاً من محمد مهيوب ثابت بعد شهرين تغيرت الأمور، وتعين الفسيل سفيراً في الصين التي لم يذهب إليها بل جمد في القاهرة، وبقية الأمور معروفة ولاداعي لنبش الماضي.
قبل قيام الثورة لا أنكر أنني ذهبت مع عبدالرحمن عبدالله الحكيمي إلى مصر والتقينا الدكتور عبدالرحمن البيضاني،ثم المرحوم أنور السادات فعرفت أن مصر ستساند الثورة بأى شكل من الأشكال، فالمصلحة متبادلة بين مصر واليمن:مصر تريد فك طوق الحصار العربي،واليمن تريد أن تثبت الجمهورية التي تهب عليها عواصف هوجاء من حولها ولا داعي للتفصيل.
عدت إلى عدن مع الأخ المرحوم عبدالرحمن عبدالله الحكيمي واستمعنا إلى صوت الأستاذ المغامر الوطني محمد عبدالله الفسيل يذيع بصوته أول البيانات الصادرة عن الثورة.
ولابد لي من شهادة أدلي بها حول دخول الجيش المصري إلى اليمن أقول: تا لله لولا القوات المصرية لوئدت الثورة في عاشر يوم من قيامها لا في الخامس والعشرين كما حصل عام 1948م، لأن أعداءها كثيرون، فهناك البريطانيون ومعهم شريف بيحان والسلاطين،والأردن أيضاً مع الأسف كانت مختلفة مع مصر فساعدت الملكيين، وأسوأهم إيران التي أرسلت خبراء عسكريين إلى الملكيين.. هكذا ملوك طوائف.. فرنسا أيضاً ضد الثورة، ماعد أمريكا.. ربما.. وألمانيا الغربية التي فتحت سفارة في صنعاء،ولكننا بالخطأ أحرقنا سفارتها للأسف.
وإنني إذ أعترف بالحقيقة الكبرى وهي استمرار الثورة بسبب دعم القوات المصرية فإنني لا أنكر أنها كانت هناك أخطاء من الضباط المصريين، القادة الألوية الكبار في اليمن،ابتداء من أنور القاضي وانتهاء بالفريق عبدالمحسن مرتجي وطلعت حسن وغيرهم،ويبدو أن هؤلاء مع شخصيات أخرى مدنية في قيادة السياسة المصرية كانوا يريدون أن يغرقوا جمال عبدالناصر في اليمن، هؤلا الذين لم يكتشفهم عبدالناصر إلا بعد النكسة عام 1967م.
وعند قيام الثورة التقيت المرحوم محمد شعلان في عدن ونصحني بأن نطلع معاً إلى صنعاء، فقلت له، سأبقى مع أخوتي لتسجيل جنود في الحرس الوطني من المواطنين الذين اندفعوا بالمئات والآلاف للتسجيل في الحرس الوطني،وللإسهام في جمع التبرعات، فقال محمد شعلان: هذا ما كنت أتوقعه، لكن لامانع، سبقك وستلحقني فيما بعد،وهكذا ظللت أكثر من خمسة عشر يوماً، وكان ممن تأخر أيضاً الأستاذ محمد علي الأسودي ومحمد أنعم غالب وآخرون، وفي مصر تأخر الأستاذ أحمد محمد نعمان والأستاذ أحمد عبدالرحمن المعلمي وأحمد محمد هاجي الذي ناضل كثيراً.
أخيراً أطلعنا الأستاذ نعمان علي رسالة من المشير عبدالله السلال يطلبه ورفاقه للوصول إلى صنعاء، فهمت أنا وفهم الآخرون بأن الرفاق في صنعاء كانوا يعتقدون بأننا سنكون معارضين، ومعاذ الله ذلك،فبادرنا وأقلعنا في طائرة واحدة من عدن إلى صنعاء.
هذه نبذة صغيرة عن دوري في الأيام التي سبقت قيام الثورة والأيام القليلة التي تليها،أما مشاركاتي في المواقع الحكومية والسياسية المختلفة في الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، فتلك لها شؤون وشجون كثيرة، ربما تحتاج إلى كتاب برأسه.
حادثة واحدة تلح عليَّ وتطلب مني أن أسجلها هنا لأنها تحز في نفسي،بل وتشعرني بعقدة الذنب في بعض الأوقات،ولكن الظروف كانت أقوى مني،وها أنذا أروي هذه الحادثة، وأترك للقارئ حرية الحكم عليها،وهذه الحادثة ربما تكون من تاريخ ما أهمله التاريخ أيضاً.
في يوم من الأيام اجتمع نخبة من القادة اليمنيين الزعماء المفكرين الذين صهرتهم الحوادث وأثبتوا قوة إرادتهم وشكيمتهم في المعتقلات الإمامية في الأربعينيات والخمسينيات.
كتب هؤلاء المناضلون مذكرة حول الوضع في اليمن ووضع القوات المصرية فيه وأجمعوا على أن يرسلوها إلى الرئيس جمال عبدالناصر،وكان في طليعة هؤلاء المناضلين زعيمنا الروحي القاضي عبدالرحمن الإرياني والشهيد القاضي محمد محمود الزبيري.. اجتمعوا في بيت الأستاذ الزبيري وعكفوا على كتابتها يومين كاملين، فكانت وثيقة تاريخية وأذكر أن الذي صاغها أخيراً هو أحمد حسين المروني وكانت هذه الوثيقة أشبه بالدستور،وهي تنفي الطائفية والإقليمية والمناطقية والعنصرية عن اليمنيين قاطبة،وقد طالبوا فيها الرئيس جمال عبدالناصر أن يغير أولئك القادة المصريين الذين كانوا يسيئون التصرف، وأن يستبعد المتعاونين معهم من أشباه الأميين من اليمنيين،وقد وقع على هذه الوثيقة عدد كبير من المناضلين،أذكر منهم سلطان حاشد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر،والشيخ المرحوم أحمد علي المطري من بني مطر ومن مشايخ خولان الشهيد علي بن علي الرويشان والنقيب صالح ناجي الرويشان والقاضي عبدالسلام صبرة وأحمد حسين المروني وحسين المقدمي وغيرهم وغيرهم كثيرون.
وقد كلفت أنا وأحمد عبده سعيد بالذهاب إلى الحديدة لتوقيع هذه الوثيقة من بقية المفكرين اليمنيين الأحرار هناك.. وصلت إلى الحديدة ودلفت إلى فندق الأخوة وكان يقطن هناك مؤقتاً الشهيد القاضي عبدالله الإرياني،وكان آنذاك وزيراً للإدارة المحلية، ثم مررت بالدكتور حسن مكي وبجانبه العميد محمد الأهنومي،وكان آنذاك رئيساً للأركان فوقعوا جميعاً،ثم مررت بالعميد الشهيد،وأضغط على كلمة الشهيد هنا، وهو العميد محمد الرعيني فوقعها.. ثم وصلت إلى الحسينية ودخلت إلى بيت الفقيه فالتقيت الشيخ المرحوم محمد بن يحيى منصر من الزرانيق فوقعها،ثم بسذاجة ذهبت إلى محافظ تعز ولا أريد أن أذكر اسمه الآن لأني أريد أن أغادر هذه الحياة لا عليّ ولا لي، ولا أريد أن أنكأ الجروح فكلنا جروح،وتلك الوثيقة جرح لايندمل حتى أو سد في التراب.. مررت على ذلك المحافظ وقلت له:هذا حسن مكي وهذا محمد الأهنومي وفلان وفلان وذكرت له الذين يتعاملون مع المصريين فوقعها،ثم مررت بالشيخ أمين عبدالواسع نعمان في منزله فوقعها،وبالشيخ سعد الجهمي الله يرحمه،وكان هناك السلطان الرصاص وسالم عبدالقوي الحميقاني والرمّاح من البيضاء،فوقع الشيخ سعد ووقعوا معه جميعاً،وعرضت تلك الوثيقة على الأستاذ ذي القلب الكبير عبده عثمان،وكان مدير وزارة الخارجية في تعز آنذاك فأعجب بها.
لقد كنت سعيداً لقيامي بهذه المهمة وأكثر سعادة لاعتقادي بأنني نجحت في القيام بها،ولكن هذا الفرح سرعان مازال وحل محله الحزن والألم،فها هو ذلك المحافظ يرسل إليّ بأن آتيه بهذه الوثيقة،فقلت له:
ليس من حقي أن أعطيك هذه الرسالة إنها للقاصي عبدالرحمن الإرياني،وإذا أردت فإنني مستعد أن أمحو اسمك وتوقيعك،فقال لايمكن أبداً إما أن تسلمني هذه الرسالة الليلة أو يكون مبيتك في «الشبكة» أي السجن الرهيب القذر،فاتصلت بالشيخ المرحوم الشهيد محمد علي عثمان فقلت ماذا أصنع؟
إن هذا المحافظ البليد قد بلّغ القائد المصري المقدم صفوت الذي كان يلخبط كل شيء ومعه المقدَّم أبو النصر الذي كان رائداً آنذاك وكان أخفّ منه وطأة،وقد أصرّا عليه بأن يسلمهم الرسالة أو الوثيقة ليتجمّلوا بها عند المخابرات العليا في القاهرة قبل أن تصل إلى عبدالناصر، قلت:ما رأيك ياشيخ محمد؟
وكنت أشدّ ما أكون انفعالاً، ولم يبق إلا أن تنهمر الدموع من عيني،أنت لست حق إهانات،أنت تفضل الموت على أن تهان أو تسجن،فما رأيك أن تسلمها لهذا البليد؟
فقلت:ماذا أصنع والقاضي الإرياني قد أرسل لي رسولاً إلى دار الضيافة حيث كنت نازلاً آنذاك عند الأخ عبده عثمان سفيرنا الآن في ألمانيا؟
فقال:أنا سأخارجك من القاضي عبدالرحمن،أما ذلك المعتوه، فلن يخارجك منه شيء.
وفعلاً بعد ربع ساعة من المكالمة جاءني ستة جنود من قبل ذلك المحافظ ومعهم مدير مكتبه، وطالبوني إما بتسليم الوثيقة أو بالذهاب معهم إلى المحافظ،وكانت الساعة التاسعة ليلاً، والجنود مذججون بالسلاح وأنا أخشى أن أضرب أو أهان، ولو رصصوني يكون الأمر أسهل.. أين أذهب؟ .. ماذا أصنع؟
اتصلت بذلك المحافظ وكررت عليه الكلام بأن الوثيقة للقاضي عبد الرحمن الإرياني وليست ملكاً لي،ولست إلا رسولاً، فأصر وتهدد وتوعد بلهجته الجنوبية السخيفة وأنا لا أريد أن أتحدث عنه شيئاً إنه شبه أمي،ولايكاد يقرأ شيئاً،حتى لايعرف كتابة اسمه، فقد كان يخطئ في إملاء اسمه ولكنه فيما بعد تعلم ذلك..
أقول:اضطررت في هذا الموقف إلى تسليم ذلك الدفتر الذي يتضمن الوثيقة التي وقعها زعماء اليمن..
إنها حادثة مؤثرة جداً بالنسبة إليَّ، وها أنذا قد رويتها كما حصلت لوجه الحقيقة والتاريخ.
ليست خاتمة
عزيزي القارئ.. كان مرّ بك حتى الآن من قصص وأحداث مجرّد تذكّرات تشتعل وتنطفئ في ذاكرتي كتلك المنارات التي لاتكف عن الوميض في ليالي الموانئ البعيدة،وأشعر أن ما من قصة أوردتها في هذا الكتاب إلا ووراءها قصص أخرى تتلاطم أمواجها المصطخبة في أعماقي،ولكنني كنت أوقف خيط التداعي،وأكفكف من الاسترسال، ممنياً النفس بلقاء آخر مع القارئ في كتاب جديد، فهل أنا مبلغٌ نفسي أمنيتها؟
وهل مازال في العمر متسع لأبوح بما لدي من أسرار وأخبار؟
أقول،متفائلاً:نعم أظنّ الحياة التي رمت فوقي بأهوالها وأغوالها،فحملت وتحمّلت،أن تكون قاسية ومجحفة بحيث لاتتيح لي فرصة استرجاع ذلك الماضي وتسجيله على الورق،لاسيما وأنني لم أذكر حتى الآن شيئاً من ذكرياتي مابعد الثورة حيث كشفت الحياة لعيني وأنا وزير وسفير مالم تكشفه لي وأنا مشرد طريد،فقد عرفت مايدور في كواليس المؤتمرات،ووقعت عيناي على مايحاك من الدسائس والمؤامرات،وأشهد أنني قد عبرت كل ذلك وأنا معلّق القلب بوطني،يؤلمني مايؤله ويفرحني مايفرحه حتى وصلت الآن إلى مشارف الثمانين،مطمئن البال مرتاح الضمير وإذا كانت مازالت بي رغبة لكتابة المزيد عن ذكريات حياتي فما ذلك إلا أحساساً مني بأن هذا أيضاً جهد لابد أن أقدّمه لوطني،فربما في بعض ما أكتب خلاصة لتجربة، وفي بعضه الآخر شهادات ومواقف من حقّ الناس الذين عايشتهم ورأيت تضحيتهم أن أثبتها لهم فيما أكتب،ولعلّ فيما أكتب أيضاً ذكريات غالية عليّ تلامس مشاعري وتهزُّ وجداني.
أجل أيها القارئ لابدّ من أن أحدثك في كتابي القادم عن ذكرياتي في الصين،وعن جبيوتي التي عدت إليها ومكثت فيها عشر سنوات سفيراً،لتعرف أن شريد الأمس سفير اليوم هو هو في حبه لليمن،وخدمته لكل يمني.. ولا أعتقد أنني أخرج على منهج كتابي إذا تذكرت هنا ذكريين جميلتين تلحان عليّ في أن أسجلهما هنا، وهما تعيدان إليّ ذكرى شخصين سيظلّ اسماهما متألقين في وجداني،أولهما: ذلك الرجل الكريم، المتفاني في خدمة اليمن واليمنيين في جبيوتي الولد والنسب طاهر سعيد سيف القرشي، وهذا لابد من أن أتحدث عنه في كتابي القادم، ولكنّ الاشارة واجبة هنا إلى مواقفه النبيلة إذ ما كدت أصل إلى جبيوتي سفيراً عام 1980م حتى وجدته علماً في رأسه نار تزين ملفه رسائل الشكر التي تلقاها ممن سبقني من الدبلوماسيين إلى جبيوتي موجهة إليه من وزارة الخارجية اليمنية.. إن ما بذله هذا الرجل للجالية اليمنية من عطاء ورعاية وعون يفوق التصوّر، وحسبك أن تعلم أيها القارئ أن هذا الإنسان طاهر سعيد سيف قد نقل المنكوبين بعد الحرب الاثيوبية الصومالية في أيام مانغيستو بحراً وجواً على حسابه الخاص وهم من غير اليمنيين فما بالك بما قدمه لأبناء شعبه من المهاجرين والمغتربين،ويحضر في هذه المناسبة اسم الأخ علي محمد حيدر الذي كان يقدم المعونة أيضاً لكل منكوب، ولابد من أن أتحدث عنه فيما بعد.
أما الذكرى الجميلة الثانية فهي باسم الدكتور ممدوح حقي الكاتب والشاعر الذي له مالايقل عن خمسة وعشرين كتاباً مطبوعاً فقد زار جبيوتي عام 1985م،وهو مسؤول ثقافي في الجامعة العربية التي كان مقرها تونس.. تعرفت إليه في معرض الكتاب في جبيوتي،وكنت أدوّن كلمتي في سجل ذلك المعرض وهو ورائي،فقرأ تحيتي لذلك المعرض وفيها البيت المشهور:
إن ام هذا ولم تحدث له غير لم يُبك ميت ولم يُفرح بمولود
فصاح:الله الله جميل.. فكانت فاتحة التعارف، وكانت لنا جلسات أدبية، نظم بعدها قصيدة جعلها مهداة إليّ،وجعل أول حرف من أول كل بيت من حروف اسمي على التسلسل،ولابأس في إثباتها هنا كذكرى جميلة،لا لأنها تخاطبني كشاعر فحل، فتجربتي في الشعر لا تستحقّ ذلك،ولكنها عين الرضى وروح المودة من الدكتور ممدوح حقي هما اللتان أملتا عليه، فقال ما قال تحت عنوان« إلى الشاعر الفحل السيد محمد عبدالواسع»:
ملكت زمام الشعر فانثال طيعاً
عليل التثني في رقيق النسائم
حنوناً إذا داعبته هب راقصاً
سخي العطايا بالمعاني الزواخم
مداه مدى فوق الخيال سيامه
إباء ولم يلجم بدق الشكائم
دعوت فلبتك القوافي حثيثة
وراداً كأسراب الطيور الحوائم
علاً أنت منه في الصميم وفي الذرا
لك الخير لاتخفي سطوع المعالم
بعثت من الشعر القديم أثيله
إذا أنشد اهتزت عروق المكارم
دعاء من الماضي السحيق تفجرت
دواعيه ثورات على كل غاشم
إذا صاح في قاصي العروبة ثائر
بدا في الصدى الترديد صوت ملاحم
لنا في سعير الحرب ألف قصيدة
على كل حرف شاهد من تصادم
وللشعر فضل السبق في لهثاته
دوي فهل صاغوه من نار جاحم
إذا ابتسمت فيك القوافي تحيرت
مع الكون أحلام على جفن نائم
سعيت إلى لقياك إذ قيل شاعر
حمى الشعر في أفراحنا والمآتم
عبدت إلهاً واسع الفضل فاتخذ
من الدين حب العرب في وجد هائم
جبيوتي 21/10/1985م
يحيى بن علي البشاري
وقبل أن أنهى هذا الكتاب لابدّ من أن أضع هذه الخاتمة الأدبية،لأن كثيرين من الأدباء في اليمن الآن يسمونني حفاظة الشعر الأول في اليمن بمافيهم زعيمنا الروحي القاضي عبدالرحمن الارياني.
أنا أعتبر نفسي أولاً تلميذاً لحفاظة اليمن الأول القاضي أحمد محمد الحضراني رحمه الله، بل أعتبره حفاظة الجزيرة العربية إذ لم أجد من يدانيه من بين جميع من عرفت من الأدباء والشعراء طوال حياتي،وخاصة في حفظ الشعر الشعبي ابتداءً من حضرموت مروراً بمأرب ويافع وصولاً إلى نجران وصعدة ومروراً بالحجاز حتى الأردن.
كثيرون من الاخوان يعتبرونني شاعراً وأنا لست بشاعر.. كانت لي محاولات في يفاعي وأول شبابي ولكن الظروف التي اكتفتني في أول حياتي هي التي جعلتني أعزف عن قرض الشعر.. أنا لست شاعراً ولست ناقداً أيضاً بيد أني كما قلت سابقاً، وأكرر ذلك،بأنني كسول ومهمل والحياة أيضاً لها مايبررها بالنسبة إلي وبالنسبة إلى الآخرين..
سوف أكتب بعد أن يظهر هذا الكتاب عن أدباء اليمن وشعراء اليمن قبل الثورة وبعد الثورة، ولكنني سأعرج الآن على شاعر عملاق، وأضغط على كلمة عملاق.. شاعر شامخ كشموخ تلك الجبال الرواسي في اليمن، كشموخ «عيبان » و«نقم» و«كوكبان» و«صبر» و«شمسان» وشموخ «خولان».. هذا الشاعر ليس مغموراً ولكنه دوماً ينكر ذاته.. أبيّ شريف مناضل.. عاش اليمن.. مزّق نفسه وروحه وحياته فداءً لليمن.. لم يمدح ولم يتملق ولم يتزلف أحداً طوال حياته، وقد مضى على معرفتي به أكثر من ثلاثين عاماً..
ذلك الشامخ العملاق الذي يمشي كألف ابن مقلة في شوارع صنعاء، على الرغم من أنه لايملك شيئاً، ذلك هو الشاعر يحيى بن علي البشاري عاشق لليمن، نعم عشق اليمن وأحب اليمن، إذا كان هناك جميل بثينة الذي ظلّ يتغنى بحب بثينة حتى مات في مصر، أو عروة بن حزام في عفرائه حيث قال:
كأن قطاة علقت في جناحها
على كبدي من شدة الخفقان
فإن شاعرنا البشاري هو الهائم بحب هذا الوطن وحب هذا الشعب،يعيش آلامه وآماله.
إذا كان هناك شعراء مجيدون وربما يفوقونه ولكنه يتفوق عليهم بعملقته وإبائه وشممه.. يحيى البشاري الذي قال قصائد غاية في الجرأة وكان يمكن أن يعدم لو قالها في غير اليمن، ولكنه دائماً في اليمن وفي غير اليمن لايخاف،يقول الشعر في سبيل عز اليمن ومجد اليمن وفخر اليمن بماضيهاوحاضرها.
أقول: له قصيدتان نشرتا في جريدة السلام التي كان يرأسها عبدالله الصيقل،وصودرت الصحيفة ولكنهم لم يستطيعوا أن يصادروا يحيى البشاري بقامته المديدة،الذي لم ينحن ولن ينحني قط حتى يوسدّ في التراب.. أقول هذا وأنا قد جفوته وأعتذر له وسأكتب عنه بعد أن أنشر بعض قصائده،هذه فذلكة فقط لما سوف أكتبه عن الشعراء اليمنيين قبل الثورة وبعد الثورة.
تحياتي إلى هذا الرجل العملاق الذي لم ينحن ولن ينحني أبداً والذي لايملك شيئاً وكان بوسعه أن يملك الملايين الملايين لو أراد، إنه يكاد يكون مجهولاً من عامة الشعب ولكنه عملاق حقاً وشاعر حقاً.
يا بلادي قولي لصرف الليالي
كل رام له من الدهر رام
ماذا؟وماذا؟ آه وآه وآه..
إنني في هذه العجالة لا أستطيع أن أورد الكثير من مآثر هذا العملاق ومواقفه الإنسانية الشامخة وقصائده التي تمجد الوطن، ولكن تحضرني هنا شهادة إنسان عملاق آخر طالما سمعته يردّدها حين يتحدث عن الأستاذ يحيى علي البشاري،ذلك الإنسان هو الشيخ يحيى منصور بن نصر العملاق أيضاً الذي لا ولم ولن يمدّ يده ليقبلها الناس، والذي تقلّد عدة مناصب كان آخرها وزارة الإدارة المحلية، وكان له وكيلان هما:
يحيى بن علي البشاري وعبده علي عثمان الحكيمي،وقد قال لي مراراً: لم ولن أجد في حياتي طوال ماعشت في الوظائف أنظف من اثنين هما يحيى بن علي البشاري وعبده علي عثمان الحكيمي كان بإمكانهما أن يملكا الآلاف بل مئات الآلاف ولا أريد أن أقول الملايين.. وقد كررها مراراً.
يحيى البشاري هذا العملاق الطيب الذي سوف يذكرونه بعد موته مع الأسف،وأضغط على كلمة مع الأسف،يجب أن يكرّم الآن من اتحاد الأدباء اليمنيين ومن الشعراء.. أودّ أن أقول هنا لأدبائنا الخريجين في كلية الآداب أن يعرفرا ويدرسوا شعر يحيى علي البشاري.. فالشاعر البشاري مثقف كبير بثقافة عالية، لكنه مع الأسف يبكى هو بأعماقه وأبكي أنا بدموعي.. أبكي لأنه عملاق، ويتمزق ويمزق نفسه.. يعيش للشعب وسوف يموت في سبيل هذا الشعب، هل سنكرمه في حياته؟أتمنى ذلك.. أما أنا شخصياً فإنني أحبّ هذا الإنسان العملاق وأشعر أن محبتي له هي جزء لا يتجزأ من محبتي لليمن، وأودّ أن أقول لأدبائنا وليس للسمؤولين إن يحيى علي البشاري كان يقول لي مراراً:
وأظمأ إن أبدى لي الماء منة
ولو كان لي نهر المجرة موردا
ولو كان إدراك الهدى بتذلل
رأيت الهدى أن لا أميل إلى الهدى
إنه لم يتكسب بالشعر ولم يمدح،ولو تكسب بشعره ومدح لكان شيئاً آخر،ولكن نفسه النظيفة الشريفة الأبية أبت أن تنحني،وأبت أيضاً أن تركع، وأبت أن تتكسب بالشعر.
للبشاري قصائد رائعة رائعة جداً،وسوف أكتب عنه وسوف أكتب عنها،وأنا متأكد أنني لن أموت حتى أكتب عن هذا العملاق الشاعر السامق بقامته المديدة الذي يمشي في الشوارع شامخاً لايملك حتى سيارة.. لنترك هذا كله، فشاعرنا زاهد..
قد يلومني بعض القراء فيقولون كيف كتبت بعض ذكريات حياتي ثم عرجت على شاعر واحد من شعراء اليمن فذكرته، لهؤلاء أقول إن معظم ماجاء في كتابي هو من تاريخ ما أهمله التاريخ، والبشاري هو شاعر أهمله اليمانون..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.