بسمة ربانية تغادرنا    من أقرب أصدقائه علي ناصر ومحمد علي أحمد.. وقت محنته تخلوا عنه    توافقات بين رئيس اتحاد الكرة مع لجنة وزارية لحل مشكلة أندية عدن    مبادرة وطنية ترفض أي مفاوضات جديدة بشأن الأسرى قبل الكشف عن مصير قحطان    جماعة الحوثي تعلن ايقاف التعامل مع ثاني شركة للصرافة بصنعاء    أمطار رعدية غزيرة على 15 محافظة خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للمواطنين    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    مأساة في تهامة.. السيول تجرف عشرات المساكن غربي اليمن    ثلاث محافظات يمنية على موعد مع الظلام الدامس.. وتهديد بقطع الكهرباء عنها    أبوظبي اكستريم تعلن عن طرح تذاكر النسخة الرابعة التي ستقام في باريس 18 مايو الجاري    عندما يغدر الملوك    النائب العليمي: مليشيا الحوثي تستغل القضية الفلسطينية لصالح اجندة ايرانية في البحر الأحمر    جزار يرتكب جريمة مروعة بحق مواطن في عدن صباح اليوم    قارورة البيرة اولاً    أساليب أرهابية منافية لكل الشرائع    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    المحطات التاريخية الكبرى تصنعها الإرادة الوطنية الحرة    مهام العليمي وبن مبارك في عدن تعطيل الخدمات وإلتقاط الصور    حرب غزة تنتقل إلى بريطانيا: مخاوف من مواجهات بين إسلاميين ويهود داخل الجامعات    متصلة ابنها كان يغش في الاختبارات والآن يرفض الوظيفة بالشهادة .. ماذا يفعل؟ ..شاهد شيخ يجيب    أتالانتا يكتب التاريخ ويحجز مكانه في نهائي الدوري الأوروبي!    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    ضوء غامض يشعل سماء عدن: حيرة وتكهنات وسط السكان    العدالة تنتصر: قاتل حنين البكري أمام بوابة الإعدام..تعرف على مراحل التنفيذ    الحوثي يدعو لتعويض طلاب المدارس ب "درجات إضافية"... خطوة تثير جدلا واسعا    قوة عسكرية جديدة تثير الرعب لدى الحوثيين وتدخل معركة التحرير    لا وقت للانتظار: كاتب صحفي يكشف متطلبات النصر على الحوثيين    ولد عام 1949    الفجر الجديد والنصر وشعب حضرموت والشروق لحسم ال3 الصاعدين ؟    فرصة ضائعة وإشارة سيئة.. خيبة أمل مريرة لضعف استجابة المانحين لليمن    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    أمين عام حزب الشعب يثمن موقف الصين الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة مميز    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    منذ أكثر من 70 عاما وأمريكا تقوم باغتيال علماء الذرة المصريين    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    الخارجية الأميركية: خيارات الرد على الحوثيين تتضمن عقوبات    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و904 منذ 7 أكتوبر    5 دول أوروبية تتجه للاعتراف بدولة فلسطين    امتحانات الثانوية في إب.. عنوان لتدمير التعليم وموسم للجبايات الحوثية    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ميونخ ويواجه دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    البدعة و الترفيه    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبدالواسع الأصبحي يتذكر الحلقة "الاخيرة"
نشر في الجمهورية يوم 24 - 01 - 2008

لقد كتب الأستاذ المرحوم- محمد عبدالواسع الأصبحي، عن الآخرين في مذكراته أكثر مما كتب عن نفسه، فأبرز رجالاً كان حظهم من البروز أقل مما هم به جديرون، ونوه برجالٍ لا يكادُ أكثر الناس يعرفون عنهم شيئاً.. ومن العدل أن نقرر بأن لكل من يكتبون «المذكراتِ» أو «السيرة الذاتية» الحق في أن يتحدثوا بضمير المتكلم، وإلا لما سميت هذه المؤلفات بالمذكرات ولا بالسير الذاتية، ولكن الميزان في هذا المجال دقيق وحساسٌ، فإذا اختل التوازن هنا، ثقلت كفة «الأنا» أو «الذات» ثقلاً تصبح معه عبئاً باهظاً على التاريخ وعلى القارئ.. وبمقابل ذلك تخف كفة «الهو» أو «الغير» خفة مجحفة بحق التاريخ وبحق القارئ في المعرفة الصحيحة.
ولقد أمسك الأستاذ محمد بالميزان، إمساك الصادق الأمين، الذي تهمهُ أولاً وقبل كل شيء الحقيقة الصادقة، والمصلحة الوطنية، وحق القارئ في الاطلاع على حقائق التاريخ المجردة من عبث الأغراض وتسلط الأهواء، وهذه درجة رفيعة لا يصل إليها إلا القليلون من الخائضين في هذا الميدان من ميادين الكتابة التي تتطلب قدراً عظيماً من النزاهة والإحساس بالآخرين.. وسيجد القارئ الكريم، ما يكفي من الأمثلة التي تبرهن على هذه السوية الرفيعة التي وصل إليها كاتب هذه المذكرات.
كما أن القارئ سيقف أمام بعض الحقائق الإقليمية التي تشمل البحر الأحمر وخاصة في شطره الجنوبي وما جرى على ساحله الشرقي في اليمن وساحله الغربي الذي تقع عليه بعض دول ومناطق شرق أفريقية وما كان يدور في شرق أفريقية من الصراع الاستعماري الذي أدى إلى نشوء دول واختفاء أخرى وهو لا تزال رحاه تدور أمام أعيننا إلى هذا اليوم.. ولن يسع القارئ إلا أن يشعر بالإعجاب إلى حد الدهشة، لما أبرزه الأستاذ محمد عبدالواسع الأصبحي، من أخبار اليمنيين في تغريبتهم الحديثة التي بلغوا بها أصقاع الأرض، وما قابلوه من أهوال تتضعضع أمامها الجبال، ولكنهم قابلوا كل ذلك بصبر عظيم، وجلدٍ لا يذل ولا يهون، وبقدرة على التكيف مع عالم غريب ينكرهم وينكرونه، وينفيهم فيقتحمونه، مما ينبئ عن معدن صلب عريق لهذا الشعب الذي أنجب هؤلاء الرجال، ويبشره بمستقبل زاهر مجيد رغم كل ما يحيط به من مكر الأعداء وقسوة الظروف.. ولو كان لي أن أوجه نداء لهتفت.. نداء.. نداء..: أيها اليمنيون اقرأوا مذكرات المناضل الحر الأستاذ «الخال» محمد عبدالواسع حميد الأصبحي المعافري الحميري اليمني، من هذه المنطلقات، وستجدون فيها طاقة خلاقة قوية، تدفع بالمسيرة إلى الأمام بثقة ماضية وجباه عالية.
دمشق 21-5- 1996م مطهر الإرياني
«الجمهورية» تعيد نشر هذه المذكرات لرجل ساهم بقسط وافر في خدمة الوطن واستذكر ملامح وشواهد من التاريخ المعاصر لليمن والظروف المحيطة بتلك المرحلة وهي مذكرات أحق أن يقرأها هذا الجيل الذي لا يعلم حجم تلك التضحيات وطبيعة الظروف فضلاً عن اتسامها بالأسلوب الأدبي الشيق في رواية الأحداث والأسماء
الفصل التاسع
الشهيد القردعي شاعر...وثائر
توطئة:
طالما اقترح علي الكثير من الأصدقاء بأن أسجل أو أكتب ما أحفظه من قصائد البطل الشهيد الشيخ علي ناصر القردعي وأخيراً وليس آخراً كان اقتراح العقيد الركن علي حسن الشاطر مدير دائرة الصحافة والطباعة والنشر رئيس تحرير صحيفة «26سبتمبر» كما كانت تحدوني رغبة ملحة أيضاً،واستجابة لذلك ،ها أنا أكتب ماعلق بذهني من القصائد، والتي استميح العذر من كل قارئ إن كان ثمة أخطاء في هذه القصائد أو التاريخ.
في هذه العجالة للمقدمة عن القصائد الشعرية للشهيد الشيخ علي ناصر القردعي جزء ضئيل جداً عن مواقفه ولاأقول تاريخه فهذا متروك لذوي الخبرة ومن عاصروه كما أني لاأعتبر ذلك فذلكة تاريخية لجهلي بتاريخ ميلاده ونشأته ماعدا النزر اليسير.
الذي أعرفه عنه أنه ولد في نواحي مأرب وتفتحت عيناه على أطلال سد مأرب العظيم ،والآثار التي تدل على الحضارة العريقة التي أسّسها الشعب اليمني وشيدها،وكما عرفت أنه عندما كان شاباً يافعاً طار اسمه وشعره وشاع بين القبائل اليمنية «العشائر» وخاصة بعد حادثة النمر الذي قتله وحمله على كتفيه إلى الحي وذلك قبل أن يشتد عوده فصار كما يقول المثل أشهر من نار على علم.
المعركة مع النمر:
إن قصة البطل القردعي ومعركته الدامية مع النمر وكيف قتله بالخنجر..الخ،تكاد تكون أسطورة من الأساطير وربما أن النشء الجديد من الشباب لا يصدقون هذه الحادثة ،وخلاصة هذه القصة كالآتي:
كان الشهيد القردعي يرعى في المراعي أذواداً من الشياه والنعاج والخرفان والماعز،ووفي غفلة منه وثب أحد النمور على قطيع من الخرفان والنعاج، فافترس بعضاً منها،ثم انسل يعدو إلى كهفه في سفح الجبل،وهنا ثارت ثائرة البطل وانتابه الحياء والخجل في أن تعتبره عشيرته وأهله جباناً بتقاعسه عن ملاحقة النمر وقتله،فأقسم أن يقتل النمر مهما كلفه ذلك من ثمن،وقد آلى على نفسه ألا يقاتل أو يقتل النمر ببندقية أو سيف، بل بخنجر،فاحتزم بحزام شده على بطنه بعسيب وخنجر «جنبية» ،وظل يقتفي أثر النمر حتى عرف مكمنه في كهف بسفح جبل كان يأوي إليه،وأخذ فروعاً من شجرة العلب،أو مايسميها البعض شجرة الدوم، وهي شجرة ذات أشواك شمط لاليتقي بها ضربات أنياب وأظفار النمر أو ترساً ومجناً ،بل ليتحرشه بها ليخرجه من مكمنه..وفعلاً خرج النمر ليفترس هذا الذي جاء يتحدى أمير الوحوش..
يدل بمخلبٍ وبحد ناب
وباللحظات تحسبهن جمرا
وهنا دارت معركة مهولة بين أمير الوحوش «النمر» والبطل الشجاع القردعي الذي ظل يكيل الطعنات للوحش الضاري حتى انتصر عليه وقتله.
بيد أن النمر قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة تمكن من ضرب القردعي بمخالبه فشرم جزءاً من أسفل أنفه،ونزع إحدى عينيه. وحينها حمله على كتفيه إلى داره وألقاه في الأرض والدماء تسيل من الجروح التي في أنفه وعينه وهو شامخ بقامته المديدة، وتجمع سكان الحي من الرجال والنساء والأطفال ليشاهدوا ما صنعه بطلهم،بل أسد من أسود اليمن:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي صولة المستأسد الحامي
إن هذا العمل البطولي يكاد يكون ضرباً من الخيال، ولكن هذا ما حدث فعلاً..إننا نقرأ ماحدث لأحد الصعاليك وهو بشر بن أبي عوانة العبدي وقتله أسداً في الخبت وهو صاحب القصيدة التي مطلعها:
أفاطم لو شهدت ببطن خبتٍ
وقد لاقى الهزبرُ أخاك بشرا
ونقرأ قصة جحدر وقتله للأسد أيام الحجاج وهو يقول:
ليثٌ وليثٌ في مجال ضنك
كلاها ذو بطشةٍ وفتكِ
أن يحسر الله قناع الشكِّ
فأنت لي في قبضتي وملكي
أجل إنما ضربت هذه الأمثلة للبطولات السابقة ليعلم جيلنا أن هذا البطل الفذ قاتل النمر بالخنجر فتفوق بشجاعته ومغامرته على من سبقه، وعلى سبيل المثال بشر بن أبي عوانة أو جحدر الذي كان يقاتل الأسد وبيده سيفه وترسه ودرعه،أما بطلنا فقد ذهب إلى عرين النمر متحدياً لايحمل من السلاح سوى خنجره،ولقد كان بإمكانه أن يكمن للنمر فيصوب إلى نحره طلقات نارية من بندقيته ،وكان يملك ذلك،فيرديه قتيلاً دون أن يصيبه أذى أو يصاب بمكروه،ولكن أبى البطل القردعي إلا أن يقتله بخنجره ثم يسلخه ويحمله على كتفيه إلى قريته،ثم يضعه في الأرض مضرجاً بدمائه معفراً بالتراب.! إنها قمة البطولة والشجاعة.
ولشد ماأنا آسف على أنني لم أتمكن من جمع قصائده التي تشيد بهذه الملحمة التاريخية،فلا أشك أن له عدة قصائد وطنية قالها قبل عام 1948م وقصائد كثيرة تحرض الشعب اليمني على التخلص من الحكم الإمامي،وأعظم دليل ناصع على أن أقطاب الحركة الوطنية وقع اختيارهم عليه أي القردعي في التخلص من الإمام يحيى هو أنهم كانوا واثقين من وعيه ووطنيته إلى جانب شجاعته الخارقة،وكم أنا آسف ومتألم لأن الظروف لم تسمح لي بجمع جميع قصائده الوطنية البطولية،لأن ما أحفظه يعتبر جزءاً ضئيلاً،حيث لم أوفه حقه وأتمنى على الله أن تتهيأ لي الظروف لأكتب أكثر،وهذا فإني أهيب وبقلب مفعم بالحب أي شخص كان يعرف القردعي وخاصة من آل القردعي أن يسجل ماعنده.«1»
كما أدعو من الأعماق كتاب القصة في اليمن أن يكتبوا هذه الملحمة الأدبية في قالب قصصي ليقرأها جيلنا الحاضر والأجيال القادمة.
إن وأيم الله أتمنى بجدع الأنف ولو أوتيت قوة الشباب ونشاطهم لذهبت إلى مأرب وزرت قبائل مراد وقيفه وغيرهما لكي يشرحوا لي ماغاب عني ،وبالتالي اقتفي أثره ومحل ولادته وأسطر أشعاره وملاحمه ولكن..وما أكثر لكن !
ختاماً أنثر قبلاتي الممزوجة بالحب إلى كل من يقرأ هذه الأقصوصة «الملحمة» وإلى كل الوطنيين الشرفاء «جيل الثورة والجمهورية والوحدة الخالدة بإذن الله» وإرادة الشعب،وإلى صناع الوحدة ومحققيها وإلى «26سبتمبر» التي أتاحت لي هذه الفرصة التي سعدت بها.
وإلى من «ذكرني ..وقد كنت ناسياً».
القردعي.. الشاعر المتمرد
بعد أن عرف الإمام يحيى ،في بدء حكمه لليمن، الشيخ علي ناصر القردعي بشجاعته وتأثيره على قبائل مراد كلها،عينه عاملاً على شبوة..وبعد ذلك بفترة كان القردعي قد أثر تأثيراً بالغاً على هذه القبائل لاختلاطه بها وبقبائل البيضاء،من خلال ماعرف عنه من كرم وشهامة ومواقف وطنية..فأمر الإمام يحيى بعزله وتسليم شبوة إلى بريطانيا.
وعندما عاد القردعي إلى صنعاء وكان واعياً وهذا ما يثير العجب بمجريات السياسة الخارجية آنذاك، علم أن هناك مفاوضات سرية تجري بين الإمام يحيى وبين بريطانيا أيضاً على ماكانت تسمى بالمحميات،وهناك قال قصيدة لم أحصل إلا على جزء منها..وفيها يقول:
يالله يامن لك القدرة وبك نركنْ
ياحافظ الكل وحدك ما معكْ ثاني
رديت على من ذي هو كوَّن
ولاغضب ماحسب قاصي ولا داني
لاجيت باشكي على حد ما درينا مَنْ
قد خاب ظني في اخواني وصدقاني
قدْهُْم على الشور من صنعا إلى لندن
متخابره كلهم سيد ونصراني
القردعي وابن نمران
وظل القردعي فترة زمنية بعد تركه شبوة،وأترك ذلك للتاريخ كما قلت للأخوة الذين رافقوه،ولاأدري كم طالت هذه الفترة،وعندما وصل إلى صنعاء،كان الإمام يحيى له بالمرصاد كعادته فزج به في سجن القلعة، وكان في السجن حينها الشيخ عبدالقوي الحميقاني الذي تمرد هو أيضاً على الإمام يحيى،وظل القردعي في السجن لعدة سنوات ولاأدري كم عددها وكان يراجع الإمام يحيى أكثر من مرة وهو في السجن،إلا أن إجابات الإمام دائماً كانت:«لن تخرج إلا إلى خزيمة» وخزيمة هي المقبرة الكبرى في صنعاء..
وفيما هو في السجن تذكر القردعي صديقه «القبلي نمران» القبلي بكسر القاف وكان شيخاً من مشائخ مراد،ومن المقربين نوعاً ما إلى الإمام يحيى ،فكتب إليه قصيدة يستنكفه من ناحية،ومن ناحية أخرى يصف الوضع وما يعانيه الشعب اليمني من جهل وأمراض وغلاء وجفاف ..الخ..وتعتبر تلك القصيدة بالإضافة إلى أنها سياسية استنكافية تحريضية قصيدة اجتماعية تصف الوقع آنذاك ،ففيها يصف مثلاً:«السيس والساني» أي الجبال،وأن الآبار التي ستخرجون منها المياه قد جفت،ويتكلم عن الشعب اليمني بأسره وما آل إليه..حيث يقول في تلك القصيدة والتي أرسلها لابن نمران:
يقول القردعي وقتي الحاضر قد أعياني
وأعيا أهل الأفكار ذي تمحن وممحونه
واتباعد البون،والذيب الحمس حاني
لاحد رثي له ولتضجرّ يجرونه
وأنا أحمدك عد ماهنطش ب «لمزاني»
وأرختْ سحوبه على وديان مهنونه
سار المسقَّي وسار السَّيْس والساني
والزرع ضامي وبير النقع مدفونه
والسعر في السوق يسقم كل الأبدانِ
والزاد يحرم على ربعي يذوقونه
هالساع نا بارسِلك ياذيب سرحان
ياذي على البعد شل أقوال موزونه
ممساك في الحصن ذي قد سوّس الباني
عند ابن نمران راكب كل مرسونه
قل قال لي صاحبك: حبل الصحب لانِ
ياذي قريتوا المُتَرْجَمْ ويش راطونه
باهتف بكل ياهل ضبيا وأنتم أخواني
لاتبعثرْ الشور فأنتم ذي تلمونه
ياعيل عيلوه تم العيل مجراني
ياصفوة الود ذي بالحدَّ تحمونه
كُلَّن يبا يجزع العوجا على الثاني
وأنتم سوى تحت هجَّ أعوج تجرونه
***
والمحجر ابتاع للمعزي وللضاني
والسوق سارت بمجابية وقانونه
أول فرار من سجن القلعة
وصلت هذه القصيدة إلى ابن نمران، فأرسل له ابن نمران، صفيحة «تنكة» بها سمن، وفي السمن وضع له مبرداً وخنجراً، وهنا عرف القردعي استجابة ابن نمران له، فاتفق القردعي مع الحميقاني «زميله في السجن» على الفرار.. وبالفعل قام بواسطة المبرد بقص قيده وقيد الحميقاني، وبالاتفاق مع بعض أصدقائهما دبرا حصانين وراء سجن القلعة.. وتم لهما الفرار، وكان أول وربما آخر فرار يحدث من هذا الحصن الحصين الذي جعله الإمام سجناً لمعارضيه.
وأنشد القردعي قبل الفرار قائلاً «2» :
ياذي الشماريخ ذي بديتي ماعلى الشارد ملامه
قولي ليحيى بن محمد بانلتقي يوم القيامه
وفي هذين البيتين يخاطب «الشماريخ» الجبال قائلاً: لا ملامة عل الفرار من السجن، وأن تبلغ الإمام بأن اللقاء يوم القيامة.
في بيحان
وصل القردعي إلى بيحان بعد فراره من سجن القلعة، ومن هناك أرسل قصيدة إلى صديقه القاضي محمد عبدالله الشامي، وكان عالماً فاضلاً وعاملاً من قبل الإمام على البيضاء، يعبر فيها عن هروبه الذي يشبه المعجزة، وكيف استطاع ذلك، ويوضح فيها حاله لصديقه..يقول:
القردعي قال هزه نود الأفواج
وأنا في الحيد متعلي على الافجاج
قانص لذي يقطفين أغصان «الأوتاج»
وبندقي في يميني رسمها بوتاج
قد زينه صانعه له صوت رجاج
وفي الجوازي تهزج لحنها هزاج
دعيت بالصوت جوبني أخو ناجي
إنه رفيقي كماني كنت له محتاج
ونا أحمدك ياالذي سهلت مخراجي
من قصر فيه الحرس والبوب والصناج
من سبعة أبواب مافياتها شاجي
وميمهات القيود السود والحراج
والليل له أشواق، وطى حيد حجاجي
والقازحه والعكارين أصبحين ديباج
والقلب من داخله وقاد هجاجي
لو هو على حيد شامخ مهجه مهاج
ياذي تسرج سراجي ها أنا ناجي
فك الطلب قبلما يسبر لك الحواج
ماسعدنا إلا نهار الحرب ضجاج
وفي المهاجي يهلج لحمها هلاج
منا وفينا يقع عطاف الاحناج
مايشرب الصافي إلا شارب الاخماج
قد كان هجي مدني فوق الاهجاج
والآن شارد وقدني طارح الملباج
عليك ياذي تيسر كل محتاج
فك العسر يامودي غائب الحجاج
يالله بثورة قريبة يابا لافراج
عز المناصب وبدل همهم بافراج
ماعزنا إلا نهار الصوت رجاجي
وفي الحجايا يظلين فوقنا الهياج
باصبر وغيري صبر قبلي وهو راجي
يتحمل الميل والعوجا قفا ماهاج
من ذل دوله يسوي في الثاج
وتعجب الخصم ذي اتعود على الكرباج
قم يارسولي تزلم شد هياجي
من ذو دنا ذي بعدو سبرها هداج
إن مر وادي كأنه سيل عواجي
وإن شد له طوق مثل الرائج الفجاج
محمد انته قطيري وأنت منهاجي
راجع لنا ذي ضميده كسرت لهجاج
وقل له القردعي منسي وهو راجي
منكم وفيكم تداويني قفا الفداج
والقصيدة أطول من هذه..إلا أن الذاكرة لم تسعفني لتكملتها، وفيها نقرأ إشارات إلى نوع البنادق في ذلك الوقت، كما كانت تسمى، مثل: أبو تاج وأبو شمس، ويصور القردعي دقة تصويبه ويصف أيضاً فراره وكأنه يرسم لوحة زيتية ينقش فيها الجبال الشامخات كنقم والقازحة والعكارين، والتضاريس الصعبة التي طواها في ذهابه إلى بيحان، يصورها وكأنها ديباج رغم وعورتها.
وفي القصيدة يطلب أيضاً من صديقه العالم محمد الشامي أن يراجع هذا الطاغية في معاملته لشعب اليمن.
ونلاحظ في هذه القصيدة توارد خواطر بينها وبين قصائد لشعراء كبار مثل بشار بن برد والعباس بن مرداس السلمي وعبدالشارق بن عبدالعزى الشاعر الجاهلي.
ولا أعتقد أن القردعي قد قرأ أشعارهم، ولهذا أقول إنها حالة توارد خواطر فقط، فمثلاً يقول في قصيدته الجيمية السابقة.
منا وفينا يقع عطاف الاحناج
مايشرب الصافي إلا من يشرب الأخماج
ويماثل هذا بيت للشاعر عبدالشارق بن عبدالعزى،وهو:
فآبوا بالرماح مكسرات
وأبنا بالصفاح قد انحنينا
وباتوا بالصعيد لهم أحاح
ولو خفت بنا الكلمي سرينا
ويقول بشار بن برد:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
بمثلهم عده وربي طمش
ذي ما على عينه عماشي
وضويت هجمه مثل حيد انكمش
وجيتني فيك احتماشي
وغرني وجهك وكبر الجنش
وقلت ماجرعون واشي
شف بازلك غومك لجنبك دحش
والبنت حواء جاتناشي
من ضلع بونادم كثير الغرش
ذي سار في شور الغشاش
أو في دباله عرض فانوس نش
من قاز جا فوق المواشي
أو في العمل ذي جافي القبر عش
أو موت منه ارتعاش
واحزيك من قبله على حيداجش
واتمارها شيئاً علاشي
وجناشها سبعه موارد بلش
ونشد لها في أرض الرياشي
والختم صلَّوا ما القلم قد نطش
على النبي سيد البشاشي
مقتل الإمام يحيى
اتفق أقطاب الحركة الوطنية بصورة سرية بطبيعة الحال لإنهاء الحكم الإمامي الكهنوتي.. فكانت مهمة القردعي مع رفاق آخرين هي إطلاق الرصاص على الإمام يحيى في «حزيز» وبالفعل نفذ مهمته التي اشتاق إليها طويلاً وكانت هي نهاية الطاغية.. ولكن الإمام أحمد بن يحيى الذي كان مرابطاً في حجة استنفر باسم الدين جموعاً غفيرة وأباح لهم صنعاء للسلب والنهب بعد أن يدخلوها، وقام الثوار بحراسة صنعاء والذود عنها، إزاء ذلك الوضع كلف القردعي بمهمة أخرى وهي حماية جبل «نقم» وكان مع مائة من الفدائيين الذين استماتوا في حماية نقم، وظل القردعي ومن معه أربعة وعشرين يوماً يسيطرون على نقم ويدافعون عنه، ولكنه نتيجة لعدة مؤامرات سقطت صنعاء في يد الطاغية أحمد الذي اقتاد أبطال اليمن وعلماءها إلى الإعدام والسجون،ولكن القردعي استطاع بقوته وشجاعته أن يفرَّ ويشق له طريقاً وسط هذه الجموع التي استعطفها الإمام باسم الدين..
حتى وصل القردعي إلى خولان حيث تصدت له بعض القبائل الذين عرفوه من آثار مخالب النمر على أنفه وعينه،غير أنه لم يستسلم، وظل يقاتلهم وحده حتى سقط صريعاً شهيداً ولسان حاله يقول «3»:
وحنا عزمنا برايش يالحيود السناد
ياجاريان امسك الجوده وحشك مراد
مراد لول بلول منها الحيد ناد
بارق برق من على صنعاء محل الجهاد
وامسوا يسقوا بسبله في جميع البلاد
سبله حضرته فلانا من بنادق جداد
لاما حضرته فلانا من نسل مسعد عباد
حكم الإمامه برى حالي وسم الفؤاد
لابد ما نبلغ المقصد ونيل المراد
وقد عرفت جار الله القردعي في عام 1962م حينما عين عضواً في مجلس الرئاسة آنذاك، ومات رحمه الله في عام 1963م بالمستشفى الجمهوري، وكان زميله في مجلس الرئاسة ووزير الصحة الأخ المناضل علي محمد سعيد والذي قام بتشييعه مع الأستاذ محمد محمود الزبيري رحمه الله وجمع غفير من المواطنين.
أحمد ناصر يرثي أخاه
وقبل أن أختتم هذه الذكريات والخواطر السريعة عن هذا البطل الأسطوري الشهيد علي ناصر القردعي، أحببت أن ألقي الضوء ولو سريعاً على نضال أخيه الشهيد أحمد ناصر القردعي الذي قتل هو الآخر على يد الطاغية أحمد.
فلقد زج به الإمام أحمد في سجن حجة عام 11948م وظل هناك إلى مايقرب من خمس سنوات حتى تم اغتياله، داخل السجن على يد حراس الطاغية أحمد بينما كان يؤدي الصلاة.
وقد بلغني أن الإمام أحمد كان يزمع زيارة حجة وتسربت إليه معلومات بأن أحمد ناصر القردعي ومجموعة أخرى سيدبرون عملية لاغتياله في تلك الزيارة.. فأصدر الإمام أوامره سراً بقتل أحمد ناصر.
وللشهيد أحمد ناصر عدة قصائد يرثي فيها أخاه، وقصائد أخرى يعاتب فيها بعض القبائل وأعيانها ومنهم علي بن ناجي الغادر يلومه فيها لتقاعسه عن نصرة أخيه أو التستر عليه حتى ينجو.
وهنا،سأكتفي بهذه القصيدة له، والتي يقول فيها:
يا الله لا حد قدر فانت أقدرا
ياحي دائم.. وغيرك مايدوم
ياحافظ الميل في بحر أعدرا
لاهزت الريح موجاته تزوم
إن عاد شي فيك تشفع للثرى
ولا فقد باعنا مولى الهكوم
ذي لابرك شل حمل الجبرا
ماظن غيره بحمله بايقوم
لاحد بصوت الجمالة يذكرا
من تسعة أقسام له سبعة قلوم
يا ذي قتلته قفا الصلح البرا
لاتأمنوا والعمل عند الختوم
والساع يا مرسلي شد اشقرا
من داخل الحبس ذي دون النجوم
من حبس نافع قيوده جسرا
والمشنقه فوقها الشيمر تحوم
فأنا على الحبس قد بااتصبرا
وقل لهم بيننا عند الهجوم
باديك ذا الخط ذي فيه الغرا
ذي فيه تسليم لاصحابي عموم
من راس حيد الجبل «لمعشرا»
والغايب احذر بقسمه لايلوم
ذي سيلهم لا اجتمع وتكاثرا
ذي يسقي لخلق الله عموم
خيلت بارق منع ماثورا
من قبله أقبل لوفاته ردوم
ماعاد اباشي عليكم يظهرا
واليوم مسرور يوم أنتم سلوم
واحنا على الحبس قد بانصبرا
نا وابن طالب نرحب باللموم
ياصحابنا خير من يتعورا
ومن يغيظه تشفاي الخصوم
ابن الجميلي بلغنا أنه قرا
وأنه فهم ولا أصحابه غشوم
عبدالله احزيك يابن ناصرا
من بنت تضحك على جيد وشوم
يصدقوها وهي سيره ورا
كلن يقول إنها له يافهوم
والختم صلوا يزور الطاهرا
ذي علم الناس من صلى يصوم
هوامش:
1 كتبت هذا قبل أن يصدر ديوانه والذي ليس بين يدي الآن هنا في دمشق.
2 في رواية أن هذين البيتين للحميقاني والله أعلم.
3 هذه القصيدة أرسلها إلى ولده الوحيد جار الله قبل مقتله بستة أشهر وهي تعتبر وصية لولده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.