الليل يتمدد فوق سرير الأرض بعد إن صارت الشمس طعاماً للبحر والحيتان، العينان الناضبتان الدمع الساكن فيها ألف جواب مفقود تتأملان دم الضوء المسفوح على الشفق، القلب المفعم بالحزن، الذهن الشارد تعصف به شتات الذكريات تعيده إلى عصور الكأبة والألم السرمدي حيث منبع الحزن، الأهداب اللاهبات مرايا من السحر والشوق تحتضن بعضها لتعيش لحظة من الخيال تجمع فيها من عيون الجرح ضحايا تتنفس أصداء المجهول، جحيم الشفتين يقذف بالجمر فيموت اللفظ مشنوقاً، وتسقط الحروف غريقة بدماء، وحينما عربد الليل المسهدُ العنيف بالأشباح، تراءت في نصب عينيها خيالاته المختلطة الشخصيات، مدت يدها المرتعشة لتصافحه لكنه سرعان ماتحول إلى شبح مخيف يخطف يدها ويلقي بها لتتدحرج في متاهات الوهم لتنحسر في لجة الضياع، نظرت في عينيه التي فتح الليل مقابره فيها، شفتاه المقتتل الكره عليها.. لم يكن هو لم يكن من انتظرته طويلاً من تنبثق من وجنتيه حكاية حب قديم «تباً للمال» قالتها ثم أحتست الصمت لتثمل بنقيع الخوف الذي ازداد حينما صاح فيها قائلاً «بمالي أشتريك وسأفعل ما أريد» ثم ضحك فقهقهت المأساة بها لتختفي خيالاته على أصداء قهقهته المتأرجحة في مسامعها، التي لم تعد تسمع سوى دوي الفجيعة وإيقاعات المصير المحتوم،.. لقد رحل....؟ نعم رحل مخلفاً وراءه عينين ذابتا من التجديف في الأفق بانتظار عودته لكنه لن يعود..!؟ لم يزل الأمل السرابي وامضاً كالشعاع في طريقها حتى ثوب العمر مزقته ورحلت تجرجر ظلها خلف نافذة الوقت باحثة عنه فيخضعها الحزن للحظة استجواب بتهمة «حيازة مبادئ ضعيفة» تأوه كلحن مثقل الإيقاع ينبأ عن جرح غريب الوجه واللسان، لغة الحال أجساد نابضة الروح تنطق قائلة انتشلني أيها القدر من هذا الوحل وضمني إليك فلا أريد أن أحيا زوجة لزوج مجهول لا أعرف عنه شيء سوى أنهم قالو «إنه جاء سائحاً ثم رحل» وتركني وحيدة الطخ بالحزن وجوه الليالي العذارء وكالطفل الصغير اللثغ الكلمات وأخر أرقام الحب.