منذ بلايين السنين وقبل ظهور الإنسان على الأرض كانت هناك زواحف ضخمة عملاقة تعيش على سطح الأرض سميت بالديناصورات، و"ديناصور" تعني في العربية "السحلية المرعبة". وكما هو معروف وما تؤكده الأبحاث والدراسات الميدانية فإن هذا النوع من الحيوانات قد انقرض قبل ملايين السنين، وقد وجدت بقايا رفات وهياكل عظمية لديناصورات تراوح طولها بين عشرين وثلاثين متراً، كذلك عثر على آثار أقدامها متحجرة في الصخور في أنحاء متعددة من العالم. "قاع صرواح" أحد القيعان المحادية لقرية مدر بمديرية أرحب "20 كيلو متراً" إلى الشمال من العاصمة صنعاء، حيث تقبع آثار أقدام لديناصورات محفورة على سفح جبل صخري أبيض، تعكس في مجملها عدة خطوات خطاها هذا النوع من الحيوانات الضخمة المفترسة المنقرضة على سفح صخري يعكس الطبيعة الجيولوجية لجزء معين من هذه المنطقة "أرحب". تفسيرات بسيطة إن محاولات الإنسان لتفسير هذا الأثر لأقدام الديناصورات وعلى مدى قرون بدءاً منذ أول تواجد له في هذه المنطقة تضمنت تأويلات وتفسيرات سطحية عكست في مجملها بساطة هذا الإنسان في ذاك الزمن لتدني مستواه العلمي والمعرفي، إضافة إلى افتقاره إلى وسائل البحث وآليات التشخيص للعديد من الظواهر الطبيعية والكونية، ومن ضمنها هذه المعالم الأثرية الطبيعية "الحيوانية". الحاج هادي قيس (70 عاماً) يتحدث ل"الجمهورية" عن محاولات عديدة للإنسان البسيط في هذه المنطقة تتضمن العديد من الجهود الفكرية والذهنية التي بذلها في محاولة منه لتفسير هذا الأثر من أقدام الديناصورات، والتي كانت تسود مخيلات وأذهان أبناء هذه المنطقة، ويتوارثها الأبناء والأحفاد عن الأجداد. ووفقاً لحديث الحاج هادي قيس، فإن تفسيرات عديدة قد طالت هذا الأثر التاريخي وتوالت عليه وما إن تبدأ فكرة أو أطروحة بالضمور لتبدأ أخرى بالانتشار تحمل رؤية وتفسيراً آخر لهذا الأثر لقدم الديناصور، منها ما ذهب إلى أنه أثر الجن، فيما تذهب أخرى إلى الملائكة وأخرى تربطها بالشيطان، وأن هذا الاثر لقدمه أثناء مشيه على تلك الصخور.. وصولاً إلى تأويلات منها سادت وكانت أقرب إلى الحقيقة والتي كانت ترى أنه أثر لقدم حيوان ضخم لكن دون تحديد هويته. حكايات وروايات جالت خواطر وقلوب أهالي هذه القرية، لتجوب أحياناً أخرى عقول وأذهان أهالي القرى المجاورة، وكل من سنحت له الفرصة أن يزور هذا السفح الصخري ويطلع على أثر قدم لديناصور، على مدى عقود من الزمن، كان منبعها في أغلب الأحيان الشخصيات في القرية ورجالات دين أو رهبانات يهود القرية في ذاك الزمن وشخصيات اجتماعية. ويرى الحاج هادي قيس أن هذه التفسيرات المتواضعة إزاء هذا الأثر ناجمة عن وجود أثر القدم للديناصور محفورة على سفح جبل صخري وهو بحسب تعبيره: شيء مغاير ومتناقض لما عرفه الإنسان والمتمثل في أن الرمال هي من تحتفظ بالأثر وليس الصخر.. وهذا بطبيعة الحال يعكس من ناحية ثانية عدم إدراك قاطني هذه المنطقة ما كانت الأرض تتمتع به من خصائص فسيولوجية وطبيعية قبل ملايين السنين. وبحسب أبناء القرية والمناطق المجاورة فإن إدراكهم ومعرفتهم لحقيقة أن هذا الأثر هو أثر أقدام ما تسمى بالديناصورات لم يكن حديثاً جداً بالقدر الذي لم يكن قديماً جداً.. مشيرين إلى أن مصدر معرفتهم لتلك الحقيقة كان الفرق البحثية والخبراء الدوليين التي كانت تتوالى على المكان والذين أوحت لهم زياراتهم المتكررة لهذا المكان بأنه يحظى بأهمية خاصة لدى هذه الفرق البحثية والذين أكدوا لأبناء المنطقة بلسان المقال أن هذا الأثر هو أثر لقدم ديناصور وأنه يعد أحد الأدلة الراسخة على تواجد هذا النوع من الحيوانات في شبه الجزيرة العربية. دراسات فرق البحث الجيولوجية وقد أعلن فريق بحث علمي تابع للهيئة العامة للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية مؤخراً توصله إلى الكشف عن آثار أقدام لقطيع من الديناصورات في أحد القيعان الموازية لقرية "مدر" بمديرية أرحب إحدى ضواحي العاصمة صنعاء. وأكد الدكتور آن شلوب الخبير في مجال الحياة القديمة بمتحف ماستريخ الهولندي رئيس الفريق العلمي المكلف بالدراسة أن هذه الحفريات تمثل أول اكتشاف من نوعه لوجود الديناصورات بشكل مؤكد على مستوى الجزيرة العربية.. مشيراً إلى أن هذه الأحافير هي نفسها التي يتم الاستدلال من خلالها على وجود الديناصورات في منطقة ما من العالم وهي البداية للبحث المكثف حتى العثور على رفات أي منها والتي قد تكون مطمورة بفعل العوامل الجيولوجية. وعبر الدكتور آن عن دهشته لهذا الاكتشاف والذي وصفه بالمثير وقال: إن ما تم العثور عليه يثير الدهشة لأننا وجدنا عدداً من آثار تلك الأقدام للديناصورات المنقرضة في مكان واحد.. مشدداً على أن هذا الكشف يتطلب تكثيف الجهود من قبل السلطات اليمنية والجهات الدولية ذات الاهتمام للوصول إلى نتائج أكثر دقة وإيجابية في هذا الخصوص. ووفقاً لفرق البحث العلمي فإن آثار الأقدام والتي مازالت قيد الدراسة من قبل الفريق تدل على وجود حفريات لقدمي نوعين من الديناصورات، أحدهما من آكلي اللحوم (الو ساروس) والذي يتميز بقدمين كبيرتين ويدين صغيرتين لاقتناص الفرائس.. بينما النوع الثاني لديناصور من آكل النباتات (ساور بورد) وله أربع قوائم.. كما يرجح الفريق أنها قد تكون آثار أقدام صغار الديناصورات. وكشفت نتائج الدراسات الأولية للحفريات أن أحجام الديناصورات متباينة فمنها كبيرة الحجم يصل طول الواحد منها إلى أكثر من ستة مترات وارتفاع عمودي أكثر من ثلاثة أمتار ونصف المتر، وتتميز بذيل طويل وعنق مرتفع بشكل طولي إلى الأمام ويبلغ وزن الواحد منها أكثر من 15 طناً. الدراسات الأولية وترجح الدراسات الأولية للحفريات أن تاريخ حياة الديناصورات في اليمن يعود إلى فترة العصر الجيوراسي، أي أكثر من 120 مليون سنة خلت، بينما يعود تاريخها من خلال اكتشافات وجودها في مناطق العالم إلى العصر الكرياسي وقت كانت الأرض قشرة واحدة والبحار متصلة مع بعضها والقارات متصلة كذلك. وتكمن أهمية الكشف بحسب الدكتورة نانسي ستيفنز أستاذة الأحافير القديمة والفقاريات بجامعة أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية عضوة الفريق الميداني العامل في المنطقة أنه يمثل مرجعاً تاريخياً للباحثين والناس في العالم كله للتعرف على طبيعة التاريخ الجيولوجي القديم والإمكانات التي كانت تعيش فيها هذه المخلوقات في تلك الحقب.. إضافة إلى أهميته لإجراء الدراسات العالمية ومقارنتها مع الدراسات في بقية دول العالم وبالذات في أفريقيا. واعتبر علماء الآثار هذا الاكتشاف بالهام كونه يؤكد وجود حياة لكائنات منقرضة استوطنت اليمن ليضاف إلى الاكتشافات الأثرية المهمة التي توضح أسرار وخفايا كثيرة شهدتها اليمن في حقبة ما قبل العصر الرباعي والحجري الوسيط. جدير بالذكر أن خبراء جيولوجيين كانوا قد أعلنوا في وقت سابق العثور على بقايا عظمية لحيوان ضخم غير مألوف في إحدى مناطق محافظة عمران شمال العاصمة صنعاء. وقال الفريق المتخصص في علم الأحافير والذي يضم خبراء من الهيئة وأكاديميين من جامعة صنعاء إنه تمكن من العثور على بقايا عظمية لرأس حيوان غير مألوف في منطقة الجنات بمحافظة عمران. وأكد فريق خبراء الجيولوجيا في تقرير لهم أن الاكتشاف جاء بعد فترة قصيرة من عثور الفريق على جزء من هيكل عظمي بطول70 سنتيمتراً وسمك 10 سنتيمترات يرجع لحيوان ضخم عاش في منطقة "ذي سحر" بذمار خلال العصر الرباعي المتأخر. وقال التقرير: إن رأس الحيوان الذي تم العثور عليه في عمران يتميز بامتداده إلى الأمام بطول 50 سنتيمتراً، ويبلغ طول امتداد الرأس دون الجمجمة 36 سنتيمتراً، فيما تبلغ المسافة ما بين فكي الأضراس 6.2 سنتيمترات، وعمق فتحة الأضراس الواقعة وسط الفك 8.5 سنتيمترات وهي ذوات أشكال شبه مربعة.. منوهاً إلى أن الاكتشافات وجدت مغطاة بالطين والغرين بعد أن كانت قد تعرضت للتكسير العشوائي من قبل بعض المواطنين في تلك المنطقة.