لا خلاف بين المسلمين في أن الاحتفال بيوم مولد الرسول «صلى الله عليه وسلم» عمل محدث لم يعهد في عهد الرسول «صلى الله عليه وسلم» ولا في عهد أصحابه أو التابعين لهم بإحسان يقول الإمام السنحاوي: إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة. وأول من أحدثه بالقاهرة المعز لدين الله الفاطمي سنة 362ه ودام الاحتفال به إلى أن أبطله الأفضل أمير الجيوش بدر الجمالي سنة 488ه في عهد المستعلي بالله؟ ولما ولي الخلافة الآمر بأحكام الله ابن المستعلي أعاد الاحتفال في سنة 495ه. «انظر تاريخ الاحتفال بمولد النبي محسن السندوي وكتاب البدعة د.عزت عطية ص481 يقول العلامة أبو شامة «كمانقل عنه صاحب كتاب الإبداع في مضار الابتداع للشيخ/علي محفوظ ص55» إن من أحسن ماأحدث في زماننا مايفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده «صلى الله عليه وسلم» من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الاحسان إلى الفقراء مشعر بمحبته «صلى الله عليه وسلم» وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكر الله تعالى على مامن به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين «صلى الله عليه وسلم». ويرى الإمام ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري أن الاحتفال بالمولد بدعة اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عمله المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا ويستدل الإمام ابن حجر بقول الرسول «صلى الله عليه وسلم» حين قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال: «ماهذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً فنحن نصومه فقال رسول الله «صلى الله عليه وسلم» فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وأمر بصيامه » الحديث رواه البخاري ومسلم. فإذا نظرنا إلى مامنَّ الله به على الناس أجمعين برسالة محمد «صلى الله عليه وسلم» لكان أولى بالاحتفال به فإن كان ابن حجر استخدم القياس فإن ابن الحاج في المدخل كان موفقاً في توصله إلى دليل على تخصيص هذا اليوم باستحباب عبادة خاصة فيه إظهاراً للسرور بالمولد شكراً لله على مولده «صلى الله عليه وسلم» ألا وهو تعليل الرسول «صلى الله عليه وسلم» استحباب صوم يوم الاثنين بقوله ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه» شرح مسلم« 8/52» للنووي ويرجع ابن الحاج ترك الرسول «صلى الله عليه وسلم» ومن بعده من السلف للاحتفال بهذا اليوم إلى رحمة النبي بأمته ورفقة بهم حيث كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته. وقد يكون سبب ترك الصحابة لهذا الاحتفال: إنما لاشتغالهم بماهو أهم وهو الجهاد وإعداد الدولة الإسلامية أو كانوا يحتفلون به فرادى أو أسراباً. أما عن القول بأن الحزن في ذلك اليوم أولى من السرور فيه لوفاته «صلى الله عليه وسلم» فإن الإمام السيوطي يقول: إن الشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر والسكوت والكتم عن المصائب، فيأمر بالعقيقة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود وينهى عن النياحة وإظهار الجزع عند الموت ولايأمر بذبح ولا نعيره وذلك يدل على أن الأحسن في هذا الشهر إظهار الفرح لولادته «صلى الله عليه وسلم» دون إبداء الحزن على وفاته «صلى الله عليه وسلم» قال ابن رجب كما نقل السيوطي في الحاوي «1/298» «لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم». ويمكن أن نضيف إلى ماذكره الإمام السيوطي في ذلك أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» أشار إشارة واضحة إلى أن وفاته نعمة لا نقمة فقال:« إن الله عزوجل إذا أراد رحمة من أمة عبادة قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره»«انظر شرح مسلم للنووي «15/ص52». وننتهي مماتقدم إلى جواز الاحتفال بيوم المولد في صورة شخصية أو أسرية بل استحباب هذا الاحتفال والذي ينبغي أن نفهمه أن مناسبة الاحتفال بالمولد هي محطة لتجديد البيعة والعهد برسول الله «صلى الله عليه وسلم» والتزام منهجه عقيدة وشريعة وسلوكاً ومنهاج حياة أما أن تلقى القصائد الشعرية والمدائح النبوية فقط دون تجديد الولاء والبيعة لمنهجة الذي خطه لأمته في العلاقات الأسرية والدولية والبيع والشراء والأخلاق.* باحث في الفقه وأصوله