ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    أوقفوا هذا العار.. إعلان إسرائيلي غاضب ضد ''توكل كرمان'' بسبب تصريحاتها الجريئة عن حرب غزة    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    الإعلان عن مساعدات بريطانية ضخمة لليمن    موقف عامل يمني بسيط يرفع رؤوس اليمنيين في المملكة !!    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن تحت حكم الإمام أحمد 1948-1962الحلق30
نشر في الجمهورية يوم 30 - 09 - 2008

انتهى عهد الإمام أحمد بموته ، وإن كان الموت لم يوقف تداعيات فترة حكمه البائسة والتي بدأت في الظهور بمجرد غيابه ، وبعد أسبوع سقطت الإمامة الزيدية السياسية في اليمن ، ومع سقوطها بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن المعاصر.
كان غياب الإمامة كطريقة في الحكم ، وشكل من أشكال السلطة حدثاً مهماً بكل ما تعنيه الكلمة من مدلول سياسي وديني ، فخلال أحد عشر قرناً كان دور الأئمة حاضراً ، صاحب هذا الحضور نفوذ ديني يمتد ليشمل اليمن الطبيعي كله ، أو ينحصر ويتراجع شمالاً حتى جبال صعدة.
ومع كل تراجع كانت هناك فرصة جديدة للتمدد جنوباً ، لأن في الزيدية كمذهب ديني روحاً ثورية متمردة ،ترفض الظلم والاستبداد ، وتدعو إلى الخروج على الحاكم الظالم مهما كانت ادعاءاته السياسية والدينية.
3- العلاقات مع دول أوروبا واليابان
كانت إيطاليا سباقة إلى إقامة علاقات ودية مع اليمن الذي كان في حاجة إلى هذا النوع من العلاقات مع دولة ذات وزن سياسي كبير كإيطاليا، كان الإمام يبحث عن حليف، ولم يكن هناك شريك لديه مصالح ووجود قوى في البحر الأحمر غير إيطاليا.
فاجأالإمام يحيى البريطانيين والعرب بتوقيع معاهدة صداقة مع إيطاليا في 2 سبتمبر 6291. وبموجبها اعترفت ايطاليا باستقلال اليمن، كما تعهدت بتزويده بالأسلحة والذخائر وبالخبراء الذين يرغب في الاستعانة بهم وبخبراتهم في أعمال الإصلاح. وفي العام التالي كان محمد ابن الإمام يحيى في روما على رأس بعثة يمنية، وقد استقبل من قبل«فيكتور امانمويل» وكذلك«موسيليني» الذي وعد بتقديم الدعم لليمن.
لقد حمل البريطانيون على هذه المعاهدة وكذلك هاجمتها الصحف العربية؛ لأنها رأت فيها نذير شؤم لمستقبل اليمن، وقدبالغ بعضها في نقد الاتفاقية لدرجة إنها تركت أثراً سيئاً لدى الإمام يحيى جعلته أكثر حذراً في معاملة الإيطاليين. وفي نفس الوقت أشعلت الاتفاقية التنافس الغربي حول اليمن بينما دخل الاتحاد السوفيتي كطرف في هذا الصراع، وفي عام 7391 جدد الإمام يحيى الاتفاقية«المعاهدة» وظلت علاقته بالإيطاليين طيبة، وكذلك مع دول المحور، ولكنه بالرغم من هذه العلاقة الطيبة برع في الوقوف على الحياد أثناء الحرب العالمية الثانية. وعندما تحولت موازين القوى وخسرت دول المحور استطاع أن يجد وسيلة للتفاهم مع دول الحلفاء وأن يكسب ودهم. وكانت إرادة الإمام في الحياد قد توافقت مع إرادة بريطانيا خوفاً من ميل الإمام ناحية إيطاليا.
وعندما بلغ الإمام أحمد إلى الحكم في عام 8491، كانت ايطاليا قد غابت عن الساحة الدولية كدولة عظمى. وفقدت كل نفوذ لها خارج أوروبا، وداخلها، ولكن معظم العاملين الفنيين في دولته كانوا من الإيطاليين. فأراد التخلص منهم وقد جعل من تهمة التهريب سبباً لطرد مجموعة من الطيارين، وكذلك أحد الأطباء القلائل بتهمة التجسس، وفي يوليو 2591، بدأت الاتصالات اليمنية الإيطالية تعود ثانية، فقد استقبل الإمام القنصل الإيطالي بعدن وأجرى معه محادثات حول العلاقة بين البلدين.
وفي عام 3591 اتفقت الحكومتان اليمنية والإيطالية على استئناف علاقاتهما السياسية والدبلوماسية، وعينت ايطاليا أول وزير مفوض لها في اليمن، يدعى«اوميد يوجييه» كان من بين رعايا الدولة الإيطالية الذين فروا إلى اليمن، ربما من الحبشة، وعاشوا فيها أثناء الحرب العالمية الثانية. ومنذ لحظة وصوله عمل على محاولة إقناع المسئولين اليمنيين بضرورة الابتعاد عن مصر، وعن الحلف الثلاثي المصري السعودي اليمني انسجاماً مع موقف بلاده الداعم للسياسات البريطانية والأمريكية في المنطقة.
وكانت اليمن قد عينت السيد حسن إبراهيم كأول مفوض لها في ايطاليا بعد عودة العلاقات بين البلدين.
وفي نوفمبر 8591 زار البدر ايطاليا وأجرى محادثات مع الإيطاليين تركزت على الجوانب الاقتصادية، وكانت الزيارة تقليدية، فلم يتقدم اليمن بأي طلبات متبعاً سياسة التحفظ، إلا أن الإيطاليين تقدموا بعرض للتنقيب عن النفط، وقد قبل الوفد اليمني العرض، واشترط أن لايحول ذلك دون السماح للشركات الأخرى من أي جنسية من القيام بالتنقيب في نفس الوقت.
لقد حاولت ايطاليا التوسط في النزاع القائم بين اليمن والمملكة المتحدة حول جنوب اليمن«عدن والمحميات» لكن جهودها باءت بالفشل، فلم تكن ايطاليا دولة محايدة في هذا الصراع وكان موقفها أقرب دائماً إلى الموقف البريطاني.
وكان يمكن أن تتطور العلاقات نحو الأفضل بين اليمن وفرنسا، وكان يمكن لفرنسا أن تلعب دوراً مستقلاً عن الدور البريطاني في المنطقة، إلا أن لعبة تقاسم النفوذ كما يبدو قد منعت الفرنسيين من الاقتراب من اليمن، بالرغم من اعتراف فرنسا باستقلال اليمن مبكراً في 6391 تبعه في عام 9491، تبادل التمثيل الدبلوماسي، فكان سفير فرنسا في المملكة العربية السعودية سفيراً غير مقيم لدى اليمن وأبان حكم الإمام أحمد جرت محاولات خجولة من جانب الفرنسيين لتطوير العلاقات بين البلدين عندما قام سفير فرنسا في جدة بزيارة ودية إلى اليمن التقى خلالها الإمام أحمد في تعز وسلمه رسالة من الرئيس الفرنسي «فنيان اوربول» وفي عام 2591 عرض الفرنسيون على الحكومة اليمنية القيام بإنشاء طرق ومبان حكومية لكن الحكومة اليمنية لم تستجب ربما لشعور لدى اليمنيين أن الفرنسيين يباركون بصورة أو بأخرى الأعمال العدوانية التي تقوم بها بريطانيا في الجنوب وفي عام 3591 وقعت شركة فرنسية تعمل في «جيبوتي» على عقد عمل لإصلاح ميناء المخا وكانت جهودهم فاشلة، لم تشجع اليمنيين فيمابعد على تكرار المحاولة.
وإذا لم يكن هناك اتفاق فعلي بين بريطانيا وفرنسا يمنع الأخيرة من الاقتراب من اليمن حتى عن طريق المعونات الإنسانية فإن الموقف الفرنسي من النزاع اليمني البريطاني ليس له مايبرره. لقد سمعت اليمن في السنوات الأخيرة لتوسيع مصادر سلاحها، في محاولة منها لخلق حالة من التوازن في العلاقات بينها وبين دول الشرق والغرب لكن الفرنسيين عام 7591 رفضوا طلباً يمنياً بالحصول على أسلحة خفيفة وذخائر. كان شرط الفرنسيين للحصول على هذه الأسلحة هو ألا تستخدم ضد الإنجليز وكان هذا الشرط مرفوضاًَ من جانب اليمن وكانت حاجة اليمن كبيرة إلى مساعدات اقتصادية ومالية غير مشروطة وكذلك أطباء وفنيين خبراء في كل الميادين إلا أن الأجور والتسهيلات المقدمة من الحكومة اليمنية للأطباء لم تكن تكفي لترغيب الخبرات والكفاءات لتذهب إلى اليمن وبينما كانت الحكومات الاشتراكية تقدم هذه الخبرات مجاناً أو بمقابل ضئيل، فإن الحكومة الفرنسية والتي كانت مواقع قواتها تقف على الشاطئ الآخر في البحر الأحمر المقابل والمجاور لم تتدخل لتذليل هذه الصعوبات.
وكانت اليمن قد عقدت معاهدتين أخريين مع كل من هولندا في مارس 3391 وبلجيكا في ديسمبر 6391 وكانت هاتان المعاهدتان كغيرهما معاهدتين تقليديتين وتكاد موادها تتكرر نصاً ومضموناً أراد بها اليمن وهاتان الدولتان تسهيل عملية الانتقال للأفراد والبضائع بين البلدان الموقعة عليها، ووضعها في إطار قانوني يحمي مواطني اليمن وهذه البلدان وهاتان المعاهدتان تخلوان من النص على الاعتراف بالدولة اليمنيةإذ يبدو أن أوضاع الإمام قد استقرت، وأصبح استقلال اليمن واقعاً لم يعد في حاجة إلى النص عليه كما أن الإمام لم يكن ينظر إلى هاتين الدولتين نظرته إلى بريطانيا وفرنسا وايطاليا والاتحاد السوفيتي، فهاتان الدولتان لاتشكلان خطراً على أمن اليمن وليس لهما أطماع في اليمن وقد ظلت علاقات اليمن بهولندا وبلجيكا في إطار ضيق واستمرت كذلك في عهد الإمام أحمد في الخمسينات.
الدولة الأفريقية«في أفريقيا الجنوبية» الوحيدة التي كانت لليمن علاقات رسمية معها هي«إثيوبيا» وكانت إثيوبيا معنية بتطوير علاقات تعاون وتجارة وصداقة مع اليمن فإلى جانب وجودجالية يمنية كبيرة في إثيوبيا فهناك الجوار الجغرافي- قبل استقلال اريتريا- وهناك العلاقات التاريخية القديمة، وهناك مايمكن أن نسميه روابط عرقية فالإثيوبيون وخاصة سكان إقليم اريتريا وبعض القوميات الإثيوبية تنسب نفسها إلى أصول حامية فهم أبناء عمومة وقد اختلط سكان إثيوبيا باليمن وتكونت علاقات أسرية ومازالت هذه العلاقات تتجدد في الأجيال الحديثة لكن عزلة الأئمة كانت تقف عائقاًأمام تطوير هذه العلاقة، وماكان مسموحاً به كان لصالح إثيوبيا، حيث استفاد طيرانها ووسائل نقلها البحرية من تخلف اليمن وانعدام المواصلات الحديثة فيها وفي وقت من الأوقات عندما كانت تجرى مفاوضات سرية بين اليمن وبريطانيا من خلف ظهر حلفائها من العرب«مصر وسوريا» كانت إثيوبيا هي الدولة المستضيفة لهذه المفاوضات كما حدث في عام 8591.
وارتبطت اليمن بعلاقات طيبة مع ألمانيا الاتحادية، وقد مر بنا كيف كان الإمام يحيى على علاقة طيبة مع«ادولف هتلر» وكيف تبادل معه الهدايا، كانت ألمانيا واحدة من مصادر السلاح اليمني، وكانت ألمانيا تسعى لعلاقات وطيدة مع اليمن، لكن نشوب الحرب العالمية الثانية عطل مسيرة هذه العلاقات، بل وأوقفها نهائياً حتى عام 3591.
ففي هذا العام ترأس سيف الإسلام الحسن رئيس الوزراء وفداً ضم حسن إبراهيم الوزير المفوض في لندن، وعلي محمد الجبلي، وأحمد حمود، وبعد المشاورات مع الجانب الألماني وقعت معاهدة صداقة بين اليمن وألمانيا الاتحادية في 12 أبريل 3591،وجرى تبادل التمثيل الدبلوماسي بعدها، حيث مثل ألمانيا في اليمن«هيبر جنتر باوليك» بعد أن قدم أوراق اعتماده إلى الإمام أحمد في نفس العام، وأبرمت اليمن مجموعة من العقود مع شركات ألمانية للتنقيب عن المعادن منها شركة«وايلمان بيرجيبو» وشركة«سيمنس» وشركة«امليوت» لكن هذه الشركات لم تحقق نجاحات تذكر، فألغيت عقودها في العالم مساعدات فنية، ومنحاً دراسية.. وقرضاً بمبلغ ثلاثة ملايين ومائتين وخمسين ألف دولار أمريكي.
كما أقامت اليمن علاقات دولية مع السويد، وأسبانيا، وكان معظم الطيارين المدنيين والعسكريين في الخمسينات من السويد، كان الإمام يثق فيهم ويظن بأنهم أبعد عن التآمر على نظامه من طياري البلدان الأوروبية الأخرى، إلا أن الأجور القليلة، والحالة المعيشية العامة في اليمن كانت تدفعهم إلى مغادرة اليمن بالإضافة إلى سوء المعاملة وكانت أسبانيا هي الأخرى قد وقعت مع اليمن اتفاقية صداقة وتعاون في عام 2591 وعموماً فإن علاقات اليمن بالسويد ظلت محدودة، ولم يكن لها أثر العلاقات مع البلدان الأوروبية الأخرى.
4- العلاقة مع المعسكر الاشتراكي
تعود الصلات الأولى للسوفييت بالمنطقة إلى عام 3291، عندما أنشأوا لهم أول وكالة تجارية بالحجاز، ترأسها شخص يدعى«حكيموف» كان جميع موظفيها من السوفييت المسلمين، في تلك الفترة كانت قوات الملك عبدالعزيز تتأهب للانقضاض على الحجاز وانتزاعه من الشريف حسين«شريف مكة» ولم ينته عام 2591 حتى كان الحجاز كله قد خضع للملك عبدالعزيز، فبادر السوفييت بالاعتراف به وبملكه في 61 فبراير 6291 فكان ذلك سبباً كافياً في استمرار نشاط البعثة التجارية في الحجاز وإقامة علاقات ود وتجارة مع الملك عبدالعزيز، واستمرت هذه العلاقة قائمة حتى قبيل الحرب العالمية الثانية.
ويبدو أن السوفييت قد أدركوا، وخاصة بعد اعتراف بريطانيا بالملك عبدالعزيز ملكاً على نجد والحجاز، واتجاه الملك لمهادنتهم، إن علاقاتهم بالملك عبدالعزيز لن تعمر طويلاً، فاتجهت أنظارهم إلى اليمن، والبلاد الأكثر أهمية بعد الحجاز في الجزيرة العربية، وذات الكثافة السكانية والموقع الاستراتيجي الهام، وعن طريق وكالتهم في الحجاز بدأت أولى اتصالاتهم باليمن وتعززت لاحقاً باللقاء الذي تم في عام 6291 بين مبعوث الإمام إلى العاصمة التركية«أنقرة» القاضي أحمد الآنسي مع ممثلين سوفييت، ثم أخذت هذه الاتصالات بعداً جديداً عندما بعث الأمير محمد ابن الإمام يحيى، ونائبه في الحديدة برسالة إلى الممثلين السوفييت في جدة جاء فيها« لقد شغل فكرنا مسألة واحدة، وقد نوقشت أكثر من مرة أن حكومتنا لاترفض أبداً مصافحة اليد الممدودة إليها، لقد صرحت بهذا في صحيفة«الإيمان» أننا نطمح للصداقة مع شعوب الشرق» ثم رسالة أخرى مكتوبة بلهجة أكثر تحفظاً من وزير خارجية الإمام القاضي محمد راغب بك، يقول فيها:«لقد قررنا وضع بداية علاقات تجارية بين الدولتين المستقلتين روسيا واليمن،وحين كنت سكرتيراً أول للسفارة العثمانية في«بتروجراد» كنت مرتبطاً بروابط صداقة وطيدة بالشعب الروسي لقد وجدت أنه من الملائم التوجه إليكم بهذا الموضوع، بواسطة صديقي نرجو منكم القيام بالخطوات اللازمة وتعريفنا.»
ومن المؤكد أن الإمام يحيى كان على علم بهذه الاتصالات، فلا ابنه، ولاوزير خارجيته التركي الأصل سيقومان بالاتصال بالسوفييت دون علمه لذلك شاهدناه يستقبل الموفودين السوفييت الذين جاءوا إلى اليمن تحت مسميات مختلفة انكارين على سبيل المثال كان دبلوماسياً- كما استقبلت اليمن بعض بواخرهم تحمل البترول والسلع، فباعوها بسهولة ويسر، واشتروا البن بأسعار أغلى من تلك الأسعار التي كان يشتري بها وكلاء تجاريون في أوروبا، وكذلك اشتروا منتجات زراعية أخرى.
لقد كسر السوفييت احتكار التجارة في اليمن، فجلبوا معهم السلع المختلفة كالسكر والأرز والدقيق والكاز والخشب والكبريت والأقمشة إلى غير ذلك من البضائع الكثيرة فكان لنشاطهم التجاري هذا أثر في وعي الناس تجاه الدولة السوفيتية.
هذه الاتصالات على المستوى التجاري والدبلوماسي سمحت للطرفين بنقل العلاقة إلى مستوى أعلى فوقعا على معاهدة صداقة وتجارة في أكتوبر 8291، كانت الأولى من نوعها في الوطن العربي بين دولة عربية مسلمة ، والاتحاد السوفيتي.
كان هدف الإمام من المعاهدة هو الحصول على اعتراف دولة أوروبية لها وزن دولي كبير وهو مانصت عليه المادة الأولى من المعاهدة كما نص عليه المواد المشابهة من المعاهدات السابقة واللاحقة التي وقعها مع أطراف عربية وغير عربية وكان الهدف الثاني غير المعلن هو الحصول على دعم السوفييت في مواجهة العدو البريطاني في الجنوب ، والذي ألحقت قواته بقوات الإمام خسائر كبيرة اضطرته للانسحاب من الضالع وبعض مناطق أخرى وكان السوفييت يعلنون رفضهم للسياسات الإمبريالية في الشرق الأوسط، ويعرضون مساعدتهم على شعوبه ودوله أما بالنسبة للسوفييت، فقد أعطتهم الاتفاقية حرية في التجارة والحركة في اليمن كانوا يبحثون عنها كما منحتهم موضع قدم آخر في الجزيرة العربية وعلى مدخل البحر الأحمر وحددت مدة المعاهدة بعشر سنوات.
وبعد سنتين فقط كان الاتحاد السوفيتي شريكاً أساسياً في المعاملات التجارية الخارجية لليمن، والأرقام التالية بالرغم مما يبدو فيها من مبالغة تلقي ضوءاً على النشاط التجاري السوفيتي، حيث كان السوفييت يمدون اليمن وبأسعار مخفضة ب05% تقريباً من مجمل احتياجاته من المفروشات و06% من حاجته من الصابون و03% من حاجته من السكر و08% من حاجته من جميع مايستورده من أخشاب وماكينات زراعية.
وكان التنافس قوياً بين السوفييت والإيطاليين، الذين سبقوا السوفييت إلى اليمن، وكانوا أقرب إلى الإمام منهم من أي دولة أخرى في العالم، كما كان الوجود السوفيتي في حد ذاته وبصرف النظر عن حجمه وتأثيره يمثل عامل تحد للسياسة البريطانية في المنطقة.
وفي سنة 8391 حصل السوفييت على موافقة الإمام لتجديد معاهدة التجارة والصداقة بين اليمن والاتحاد السوفيتي، ولكن التوتر الدولي والحرب قضيا على هذه العلاقات الطيبة إذ أن الاتحاد قد أصبح لديه هموم أخرى بالإضافة إلى همه في الشرق الأوسط لقد ظهرت القضية الألمانية، ومسألة الحد من الأسلحة، ومع ذلك فإن موقف الاتحاد من قضايا التحرر الوطني والوجود الاستعماري في المنطقة لم يتغير، وكان موقفه من الأحلاف الدولية في الخمسينات حلف بغداد ينسجم وموقفه من قوى الاستعمار العالمية، وفي هذه المسألة كان موقفه يتقاطع مع مواقف الدول العربية«مصر، السعودية، وسوريا، اليمن» وربما شعر السوفييت بأن الوقت مناسب لتطوير علاقته مع الدول العربية المناهضة للسياسات الإمبريالية.
ففي 13أكتوبر 6591م جددت معاهدة الصداقة والتجارة اليمنية السوفيتية والتي كانت امتداداً منطقياً لمعاهدة 8291، وكذا الاتفاق الجديد على السلام الدائم والوفاق المستمر بين البلدين، كما التزم الطرفان بضرورة حل الخلافات التي يمكن أن تنشأ بينهما بالطرق الدبلوماسية، كما أقيمت بموجب المعاهدة الجديدة العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والاتحاد السوفيتي، ودخلت الاتفاقية طور التنفيذ بعد تبادل التصديق في 03مارس عام 6591م وتطويراً لهذا الاتفاق تم في 8 مارس من نفس العام التوقيع على اتفاقية للتجارة والمدفوعات بين البلدين.
وبدأ البدر جولة في البلدان الاشتراكية في الفترة 65917591م والتي تزامنت ودرجة الانفتاح التي كان الإمام قد سمح بحدوثها، ومما لاشك أن حماس البدر للعلاقة بمصر وبالتيار القومي في الوطن العربي، قد ساهم في إنجاح زياراته إلى هذه البلدان، لقد بدأ البدر زيارته للاتحاد السوفيتي في 11يونيو 6591م، وقد استقبل في موسكو استقبالاً حافلاً، وأبرم مع الاتحاد السوفيتي اتفاق تعاون اقتصادي وفني، والتزم الاتحاد السوفيتي بالإسهام في المشروعات الصناعية في اليمن، وتزويدها بالمعدات والمواد الإنشائية، وتأهيل الكوادر الوطنية للعمل في المشروعات الجارية إنشاؤها وعلى الأخص في ميناء الحديدة، وصرح البدر بعد ذلك بالقول إنه وجد لدى السوفييت استعداداً لتمويل المشاريع الاقتصادية والتجارية والعمرانية، وقال إننا اتفقنا على فتح مكتبين أحدهما في موسكو والآخر في صنعاء.
إلا أن المهم في هذه الزيارة هو التوقيع على صفقة سلاح ومعدات شرقية، كان الهدف منها تعزيز القدرات الدفاعية لليمن في مواجهة الأخطار المحدقة بها، وعلى وجه الخصوص تلك الأخطار التي يشكلها الاحتلال البريطاني لعدن والمحميات، وسارع السوفييت إلى إرسال شحنات الأسلحة إلى اليمن، وأوفدوا معها بعثة خاصة لتدريب الجيش اليمني على استخدامها، وفي نفس الوقت طلب البدر من مصر إرسال بعثة أخرى لتدريب الجيش اليمني وإعادة تنظيمه، لقد دفعت هذه الزيارة البدر إلى الشهرة العالمية، وخاصة عندما صرح قبل إقلاع طائرتهم من القاهرة، أن الاتحاد هو الصديق المخلص للدول العربية جميعاً، فأثار ذلك العواصم الغربية، وشنت صحافتها هجوماً دعائياً قوياً على البدر، واصفة إياه «بالأمير الأحمر».
لقد تعامل السوفييت بحذر شديد مع الإمام أحمد منذ وصولهم إلى اليمن وحتى قيام الثورة، ففي أثناء تدريبهم للجيش اليمني على الأسلحة الحديثة كانوا حريصين على ألا يعرضوا أفكارهم على الضباط والجنود اليمنيين، والتزموا الحياد في الصراعات التي كانت تعتمل في المجتمع اليمني بين أجنحة السلطة ذاتها من ناحية، وبين هذه مجتمعة وقوى التغيير التي يمثلها الأحرار والقوميون والفصائل الأخرى من ناحية أخرى، وجاء الموقف السوفيتي هذا متسقاً مع مبررات تعاملهم مع نظام الإمام أحمد.
ومن الحقائق الجديدة، النتائج الهامة التي حققتها المساعدات السوفيتية والاشتراكية عموماً في اليمن، هي زيادة حدة التنافس الدولي، لكن هذه المساعدات، وتلك حقيقة أخرى ساهمت وإلى حد ما في فتح أبواب جديدة للنور في اليمن، وأدت إلى تراجع سياسة العزلة التي اعتمدها الأئمة على مدى سنوات طويلة.
والواقع فإن الفضل فيما تحقق على أرض اليمن ابتداءً من العام 6591م وما بعده، إنما يعود إلى ذلك التعاون المتين الذي كان قائماً بين مصر والاتحاد السوفيتي، ففي هذه الفترة كانت الدولتان في حالة اتفاق شبه تام حول المبادئ العامة للسياسة الخارجية القائمة على مناهضة الأحلاف الدولية المشبوهة، كحلف بغداد، ومشاريع الهيمنة الاستعمارية كمشروع ايزنهاور، ومع ذلك فإن هذا التحالف المصري السوفيتي ما كان يمنع تنافساً خفياً كان يجرى بين الحليفين حول موقع ومكانة كل منهما في اليمن، مستقلاً عن الآخر، ولذلك كانت هناك بعض الخلافات حول بعض البرامج الفرعية، فيما يتعلق باعداد الجيش اليمني، وبرامج تأهيل أفراده، وبعض هذه الخلافات وصلت إلى حد اتهام السوفييت بمحاولة تقليص الدور المصري، والانفراد ببرامج التطوير والتنمية، وكالقول بأنهم: «يريدون اليمن لهم وحدهم ليطبقوا عليها من وراء ستار حديدي، وحميدي معاً، وحميدي هنا نسبة لآل حميدالدين».
وفي نوفمبر 9591م قام سيف الاسلام عبدالرحمن يرافقه محمد عبدالله العمري بزيارة موسكو، وأجرى محادثات حول أوجه التعاون الاقتصادي بين البلدين وفي أواخر عام 0691م تم افتتاح مفوضية يمنية في موسكو، وعين أحمد عبدالله العمري أول ممثل لليمن هناك ومع قرب افتتاح ميناء الحديدة، الذي أصبح جاهزاً للافتتاح في مطلع 1691م قام وفد سوفييتي رفيع المستوى بزيارة اليمن كان على رأسه «فيكتور ياكوف وزير البحرية السوفييتية.
وكانت المساعدات السوفييتية قد شملت مجالات عديدة، وبلغ حجم القروض السوفييتية لليمن نحو 051مليون روبل، فضلاً عن ذلك قدم السوفييت محولات كهربائية بقوة 0051حصان لإنارة مدينة الحديدة، وأهدى خريتشوف ثلاثة زوارق حربية للإمام.
وارتفع عدد الأطباء السوفييت العاملين في مجال المساعدات الاجتماعية إلى خمسة عشر طبيباً، واستقبل الاتحاد السوفييتي عام 1691م مجموعة من الطلاب للدراسة في جامعاته ومعاهده، ضمن اطار برنامج المساعدات لليمن.
ومع الفشل الذي كانت تحققه العلاقات اليمنية الأمريكية، وشعور الإمام بأن الأمريكان في تعاملهم مع اليمن يراعون كثيراً حليفتهم بريطانيا لذا قرر منح السوفييت المزيد من الامتيازات في اليمن فعرض عليهم القيام باصلاح مينائي المخا وميدي وقد قبل السوفييت العرض لكنهم هذه المرة طالبوا بمزيد من التسهيلات لأسطولهم البحري في البحر الأحمر والمحيط الهندي.. كما نشطت العلاقات التجارية وجرت صفقات لشراء مواد تموينية، وبيع كميات جديدة من البن اليمني إلى السوفييت.
وتميزت العلاقات اليمنية الصينية بالدفء والحماس فاليمن اعترفت رسمياً بالصين في 02أغسطس 6591م وفي يناير 7591م قام البدر بزيارة إلى الصين، ضمن توجهات الإمام الجديدة القائمة على الاستفادة من التناقضات الدولية وفي الحدود التي لاتترك أثراً ضاراً، كما كان يعتقد وترتب على زيارة البدر التوقيع على معاهدة صداقة بين اليمن والصين، تنص على وجوب التعجيل بانشاء علاقات سياسية، وتبادل التمثيل الدبلوماسي وتعزيز الصداقة.
كما تنص على تمسك البلدين بالاحترام المتبادل، والسيادة الكاملة، وتعهد الطرفان بعدم التدخل في شئون بلاد الفريق الآخر، مع تحقيق المساواة وتبادل المنافع ومدة المعاهدة عشر سنوات وعقدت في نفس الوقت أربع اتفاقيات بين البلدين تجارية وعلمية وفنية وثقافية وتم الاتفاق على أن تقدم الصين قرضاً ب07مليون«فرنك سويسري» بدون فائدة يسدد خلال عشر سنوات، ويستخدم في تنفيذ طريق الحديدة صنعاء بامتداد 005كيلومتر، وانشاء مصانع للنسيج والسكر والأسماك المجففة والزجاج.
وكان الأمير البدر قد زار عدداً من المدن الصينية، ولقى ترحيباً كبيراً من حكومتها وفي مباحثاته مع «شوان لاي» رئيس وزراء الصين كان حذراً، فقد نظر بعين الشك إلى المسئولين الصينيين، ربما بسبب خلافاتهم مع الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية وقال الأمير بعد الزيارة إن الصين تقدمت كثيراً، ولكن مجال الحرية فيها ضعيف جداً، وكأنما هذه الحرية تغمر اليمن، وتفيض على جوانبه.
وكان الصينيون صادقين في معاهداتهم والتزاماتهم، فنفذوا مشروع الطريق بسرعة ونوعية ممتازة، أكسبتهم احترام اليمن واليمنيين، فيما كان الأمريكيون يتعثرون في طريق تعز صنعاء فكانت اخطاؤهم مكاسب لدى الطرف الآخر، المعسكر الاشتراكي سوفيتياً كان أم صينياً.
لقد عمل في اليمن نحو ألف عامل صيني في مشاريع التعاون الاقتصادي معظمهم في طريق الحديدة لكن هذا العدد لم يشكل أية خطورة على النظام الإمامي وكان الإمام يرقب حركتهم باهتمام زائد وكان لديه دائماً الاستعداد لتذكير المسئولين الصينيين والسوفيت بواجب التزامهم بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لكنه لم يكن ليمنع تأثيرهم الذي كان يتسرب من خلال ماكانوا ينفذونه من أعمال بدوا فيها أكثر اخلاصاً، واحتراماً لعملهم أكثر من حكومة الإمام ذاتها وفي الجانب الثقافي استقبلت الصين عدداً من الطلاب اليمنيين للدراسة في الجامعات والمعاهد بتخصصات مختلفة في الواقع كان التواجد الصيني في اليمن حينها يوازي في حجمه الروسي ويفوق التواجد الأمريكي والغربي عموماً.
وكثيراً ما رددت بعض المصادر أن حكومة الإمام قد تنصلت من الوفاء بالتزاماتها في الدفع ففي يناير 2691م وبعد الانتهاء من انجاز طريق صنعاء الحديدة أبلغ الإمام الصينيين في صراحة موجعة بأنه لن يدفع لهم ولا«ريالاً» واحداً مقابل جهودهم وأن في وسعهم أن يأخذوا معهم ذلك الطريق لو أرادوا وكان قد تأكد له أن العمال الصينيين ليست لديهم فرصة للقيام بأي أعمال تخريبية للطريق لأنه كان قد أمر بشحنهم على وجه السرعة في السفن تمهيداً لنقلهم إلى بلادهم وكان الشيء ذاته قد حدث للسوفييت بعد تنفيذ مستشفى الحديدة ومينائها الجديد.
لكن هذه المعلومات تبدو مبالغاً فيها، وربما جرى تحويرها، وصفة المبالغة والتحوير هنا يمكن ادراكها من أن الصينيين والسوفييت قد قدموا هذه المساعدات بقروض طويلة الأجل، وبدون فوائد وبعضها أتى ضمن برنامج المساعدات التي لاترد لذلك فالمطالبة بقيمة هذه الأعمال بمجرد الانتهاء لم يكن وارداً وإذا كانت اليمن قد واجهت مشكلة في تسديد الأقساط السنوية المتفق عليها في اتفاقيات التعاون، فإن ذلك كان متوقعاً حدوثه وهو لايحدث في اليمن فحسب لقد كانت هذه ظاهرة عامة في البلدان النامية، حيث تتراكم الديون بسبب العجز وعدم القدرة على دفع الأقساط السنوية، وفيما بعد أرباحها، ولم يكن اليمن استثناء في هذا الحال.
ولم يكن السوفييت والصينيون وحدهم هم الذين اهتموا باليمن، كذلك دول المعسكر الاشتراكي الأخرى، وربما كان التشيكوسلوفاكيون أكثر هؤلاء نشاطاً من غيرهم، وعن طريقهم حصل اليمن على بعض الأسلحة التي كان يرغب فيهاوقامت أول بعثة اقتصادية تشيكية بزيارة اليمن قبل أن يقوم البدر بزيارة تشيكوسلوفاكيا في يوليو 6591م، وهذه البعثة حظيت باهتمام المسئولين في اليمن، فقد استقبلت من القاضي محمد عبدالله العمري نائب وزير الخارجية، وعبدالرحمن السياغي وزير المالية، وأمير لواء البيضاء محمد عبدالله الشامي، وآخرين، وعند زيارة البدر لتشيكوسلوفاكيا أبرم معها معاهدة صداقة وتجارة وبعد ذلك بدأت تشيكوسلوفاكيا تقدم خدماتها لليمن ويبدو أن مهمتها كانت القيام بانارة مطار صنعاء وقد نجحوا في ذلك، وحلقت الطائرات للمرة الأولى فوق العاصمة في مايو 8591م وفي مايو 0691م عينت تشيكوسلوفاكيا مفوضاً لها في اليمن، ثم أرسلت خبيراً زار بعض المناطق اليمنية الصالحة للزراعة، وتقدم هذا الخبير بمقترحاته للحكومة بشأن الشروط الواجب تحقيقها للقيام بعملية تنمية زراعية، وتهيب الإمام من القبول بهذه المقترحات لأنها تعني في الأخير المزيد من الأجانب في البلاد وهو شعور كان ينتابه مع كل اتفاق جديد.
واستقبلت يوغسلافيا البدر في الفترة من 3281/21/7591م وكان ترحيبهم بالبدر كبيراً ولافتاً للانتباه وفي هذه الزيارة منح الرئيس اليوغسلافي تيتو وسام النجمة اليوغسلافية من الدرجة الأولى للبدر تقديراً لجهوده في تدعيم أواصر التعاون والعلاقات بين البلدين وعقب الزيارة صدر بيان مشترك تضمن اتفاق الطرفين بشأن الموقف الدولي، وبالأخص في الشرق الأوسط ووقعت معاهدة صداقة بين البلدين، مما يعد حلقة في سلسلة السياسات اليوغسلافية الهادفة إلى تنمية علاقاتها مع الدول العربية التي تنتهج سياسة استقلالية ومع دول الكتلة الآسيوية الأفريقية، واتفق الطرفان في هذه الزيارة على تبادل التمثيل الدبلوماسي ولهذا أهميته لدى يوغسلافيا في شبه جزيرة العرب بعد أن ترددت المملكة العربية السعودية في منح اليوغسلاف قنصلية في جدة لرعاية مصالحها البحرية والتجارية ووقع البدر معاهدة تجارية لبدء المعاملات التجارية بين البلدين بشكل منظم وبطريقة مباشرة، وقد وافقت يوغسلافيا على استيراد القطن والبن والجلود والفواكه المجففة والملح نظير استيراد اليمن للجرارات والمضخات والمعدات الزراعية الأخرى.
كما وقع اتفاق تبادل ثقافي علمي وأبلغت اليمن يوغسلافيا بأنها ترغب في تطوير وتوسيع مطارين بأراضيها، وتحديث الطرق، ومد شبكة من السكك الحديدية.
كما استقبلت يوغسلافيا عدداً من الطلبة اليمنيين وأرسلت عدداً من الطيارين إلى اليمن ولارضاء غرور الإمام قاموا بطبع صورته على علبة كبريت، وقاموا بتوزيعها، وقد تم تجديد اتفاقية التعاون بين البلدين في يناير 1691م، ولكن اليوغسلاف حينها كانوا قد شعروا بالاحباط من الطريقة التي تتعامل بها حكومة الإمام معهم.
وكان سيف الاسلام الحسن، قد ترأس احدى جلسات مؤتمر بلغراد لدول عدم الانحياز في سبتمبر 1691م وكان سوء ادارته للجلسة مجالاً لتهكم بعض الصحف العربية إلا أن اليوغسلاف تعاملوا معه باعتباره مندوباً للإمام، وممثلاً لليمن، وعقدوا معه مباحثات ثنائية، ماكانت لتغير أو تحدث نقلة في مستوى العلاقات بين البلدين خصوصاً وأن الحسن ذاته، لم يعد يحظى بالذي كان يحظى به سابقاً لدى الإمام وكان هو يدرك ذلك.
وأسهم الألمان الشرقيون في جهود التنمية في اليمن، وللتعرف على الامكانيات المتاحة في اليمن أرسلوا للمرة الأولى بعثة تجارية إلى هناك في ابريل 6591م، ثم ألحقوها بأخرى في العام نفسه وهو العام الذي قام البدر فيه بزيارة برلين ضمن جولته في بلدان المعسكر الاشتراكي، وتم التوقيع على اتفاقية للتعاون التجاري، والاقتصادي، تعهدت ألمانيا بموجبها باقامة ثلاثة مصانع في اليمن، لانتاج الاسمنت، والزجاج، والبلاستيك، على أن تدفع اليمن ثمن هذه المصانع من محصولاتها الزراعية وبعد ذلك قامت ألمانيا بحفر بعض الآبار الزراعية، في الوقت الذي كانت تقوم فيه بانشاء مصنع لقطع غيار الآلات الزراعية وتشييد مخازن للحبوب في صنعاء والحديدة.
وزار البدر رومانيا في الفترة من 961ديسمبر 7591م وأبرم معها اتفاقاً لتبادل التمثيل الدبلوماسي، والعمل على تدعيم علاقات البلدين المشتركة، وجاء في البيان الصادر عن الزيارة: أن الطرفين يعلقان آمالاً على السلم في الشرق الأوسط، وفي العالم كله، وكانت رومانيا حينها أقرب البلدان الاشتراكية إلى اسرائيل فلم تحقق الزيارة تقدماً يذكر في علاقات البلدين وإن كان البيان قد أكد على احترام البلدين لمبادئ التعايش السلمي والمواثيق الدولية وهي نصوص كانت قد تكررت في البيانات الأخرى التي أعقبت زيارة البدر للدول الاشتراكية.
وفي وارسو، كان البدر قد وقع اتفاق تبادل اقتصادي وتعاون فني بين اليمن وبولندا في 12ديسمبر 8591م وجرى الاتفاق على تبادل التمثيل الدبلوماسي وفي البيان السياسي كانت أزمة الشرق الأوسط حاضرة، وكان النص حولها غامضاً ليتجنب الطرفان الحديث عن اسرائيل، وكان البولنديون أيضاً يفضلون التفاوض المباشر بين دول المنطقة وهم يقصدون عادة التفاوض بين العرب واسرائيل، وكان هذا الموقف حينها يخدم العدو الاسرائيلي، أكثر مما يخدم العرب وماعدا ذلك فيبدو أن موقف البلدين قد تطابق في باقي القضايا الدولية كقضية نزع السلاح، والموقف من الاستعمار، وكانت هذه الاشارة مهمة بالنسبة لليمن، وكذلك تأييد مبادئ مؤتمر باندونج.
لقد اعتقد البعض أن انفتاح اليمن على العالم الخارجي هو بداية لسياسة جديدة تبناها الإمام بعد الانقلاب العسكري في مارس في العام 5591م والواقع أن شيئاً من ذلك قد حدث فعلاً ذلك أن سياسة الإمام قد هوجمت هجوماً عنيفاً على المستوى الداخلي والخارجي، وكان قادة الانقلاب قد بشروا الشعب اليمني بتغيير جذري في مستقبل اليمن الأمر الذي دفع بالكثير من القوى الاجتماعية للتعاطي منهم إلا أن قدرة الإمام المذهلة على سحق الانقلاب بمفرده، ودون مساعدة خارجية قد أحبط أي شكل من أشكال التفاعل بين ماكان يهدف إليه الانقلابيون، ومن خلفهم معظم أحرار اليمن، وبين الغالبية العظمى من أبناء الشعب.
ومع ذلك فإن تأثير الأحداث في الداخل على أهميتها على الصعيدين السياسي والاجتماعي لم يكن كافياً للضغط على الإمام للانفتاح على العالم الخارجي، والذهاب بهذا الاندفاع الجريء نحو المعسكر الاشتراكي، فبالاضافة إلى ذلك كان الإمام قد رغب في الحصول على الدعم السياسي والمعنوي الدولي في مواجهة الضغوطات البريطانية في الجنوب وكان طبيعياً أن يستخدم في المواجهة مع البريطانيين كل الامكانيات المتاحة.. وكان سلاح التحالفات الدولية واحداً في هذه الامكانيات فقد تمتعت الكتلة الاشتراكية على الصعيد الدولي، بثقل ووزن كبيرين رأى الإمام امكانية الاستعانة به في المواجهة مع بريطانيا، ومع الغرب الذي يقف داعماً لسياساتها في الجنوب المحتل.
وكان الإمام يدرك استحالة الحصول على الأسلحة في معركته مع البريطانيين من خارج المعسكر الاشتراكي، فالبلدان الغربية أبدت تضامناً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً معادياً تجاه القضية اليمنية كان يصب في مجرى السياسة البريطانية ويخدم أهدافها وأغراضها الاستعمارية وكان المعسكر الاشتراكي هو الآخر حريصاً على الحصول على موقع قدم في اليمن.
فميا اعتبر أحد مواطن الصراع الدولي بين الكتلتين الغربية والشرقية لذلك رحب بالتوجه اليمني وأبدى قدراً كبيراً من الحماس لهذا التوجه فحصل اليمن على ماكان ينقصه من السلاح، وتوجهت الكثير من الأموال، معظمها كانت مساعدات وقروض طويلة الأجل من الدول الاشتراكية تدعم هذا التوجه، وبعد فترة قصيرة من هذه العلاقات بين أعتى الأنظمة العربية وأكثرها تخلفاً ورجعية، وبين أكثر الدول الأوروبية إن صح هذاالتعبير تقدماً رجحت كفة الشرق في اليمن وبات واضحاً أن اليمن قد أصبح أحد مجالات النفوذ السوفيتي الصيني في المنطقة العربية وإن كان ذلك لم يمنع الأمريكيين دون غيرها من البلدان الغربية، من العمل في الاتجاه الآخر.
ومع كل ذلك فإن الإمام أحمد كان رجلاً حاذقاً، وكانت شكوكه في التعامل مع الآخرين وظنونه في الأجانب، وحتى العرب منهم، تجعله في حالة من التيقظ الدائم، والحذر الشديد فيما يتعلق بالمدى الذي يمكن أن تذهب إليه هذه العلاقات، فالصورة التي علقت بذهنه منذ كان شاباً والتي انتقلت إليه من أبيه كانت تخلط بين الانفتاح على العالم الخارجي بما في هذا الانفتاح من منافع يمكن أن تعود على بلده وشعبه، وبين الصورة التي يكونها عن الاستقلال لذلك نراه في أحد خطاباته إلى جربتشوف في نهاية الخمسينات يقول بوضوح: أنه يفضل الفقر على الغنى، إذا كان لهذا الغنى أن يمس بصورة أو بأخرى استقلال بلاده من قريب أو بعيد.
وفي السنتين الأخيرتين في عهده وجد أن هناك ضرورة لاعادة التوازن لعلاقاته بالغرب فجمد بصورة تامة تقريباً حوادث الحدود مع المحمية البريطانية عدن وأعاد الروح للعلاقات الدبلوماسية مع لندن وأجرى مع البريطانيين محادثات لم يعد يرفض اجراءها في عدن للوصول إلى حل مايحق له بعض المكاسب التي كان يعلن عنها فيما يتعلق بعدن وبقية مناطق الجنوب، كما تعاطى مع التوجه الأمريكي القاضي بعدم ترك اليمن للنفوذ الروسي الصيني.
وقد برز هذاالتوجه لدى الأمريكيين منذ قضايا 9591م ولهذا الغرض، خفف الإمام من شروطه في التعامل معهم، ومنحهم المزيد من التسهيلات على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي معاً مما دفع بالعلاقات اليمنية الأمريكية خطوات إلى الأمام، كان من ثمارها أن أعلنت أمريكا عن برنامجها الجديد للمساعدات الاقتصادية لليمن، البالغ خمسة عشر مليون دولار، وكان هذاالبرنامج كبيراً في حجمه آنذاك.
وكانت هذه هي وسيلته الوحيدة لكبح جماح النفوذ الاشتراكي في اليمن والذي حقق نجاحات في الواقع السياسي والاجتماعي في بلاده.
وأخيراً يمكننا أن نلحظ الأمور التالية فيما يتعلق بسياسة الإمام أحمد الخارجية في مجالها الدولي:
أولاً: مثلت مشكلة الجنوب محور السياسة الخارجية للإمام أحمد وقد رأينا كيف كان الجنوب القضية المركزية في علاقات اليمن بالدول العربية كذلك الأمر بالنسبة لعلاقات اليمن بالدول العظمى لذلك نراه يمضي في سياسته المطالبة باستعادة الجنوب باعتباره أرضاً يمنية، وقد عمل بكل الوسائل لجعل الموقف البريطاني في المحميات قلقاً ومضطرباً على أمل الحصول على بعض التنازلات البريطانية ولما لم تفلح سياساته في تحقيق تقدم ملحوظ ورفضت بريطانيا الانصياع لمطالبه، قبل بالتفاوض سنة 1591،وعقد مع البريطانيين اتفاقية لندن، أسست لعلاقات دبلوماسية بين اليمن وبريطانيا لكن تأثيرها على علاقات اليمن بالمحمية عدن كان محدوداً، فشهدت الحدود اشتباكات وصدامات دامت سنوات استخدم فيها كل طرف كل مالديه من تأثير على السكان في المحميات ومايملكه من امكانيات وخسر الإمام حربه غير المباشرة مع البريطانيين، ووطد البريطانيون مواقفهم في الجنوب ونفذوا سياساتهم بما يحقق مصالحهم ابتداء من 4591م وبالرغم من أن الإمام رفض هذه السياسات، لكنه في الواقع عجز عن افشالها.
ثانياً: وكانت أمريكا قد اعترفت باستقلال اليمن في وقت متأخر«7491م» لقد حرص الأمريكيون على عدم اغضاب حليفتهم بريطانيا، باعتبار اليمن تقع بالقرب من مناطق نفوذها، وكانت هناك مشكلة حادة بين الإمام والبريطانيين حول عدن والمحميات وقد وقفوا يدعمون السياسة البريطانية في المنطقة، رافضين الاعتراف لليمن بأية حقوق أو مطالب من شأنها الاضرار بالمصالح البريطانية.. لكن العقدين الرابع والخامس قد غيرا كثيراً من المواقف الأمريكية.
لقد أصبحت لهم أيضاً مصالح في المنطقة، وكانت هذه المصالح تدفعهم للتفكير بعيداً عن المواقف البريطانية، أو على الأقل الوقوف على مسافة منها، وتوجب عليهم بالتالي تقييم موقفه من اليمن القريب من هذه المصالح الحيوية الاقتصادية والاستراتيجية وهكذا نراهم تدريجياً يرفعون من مستوى اهتمامهم باليمن ولكن في حذر حتى لايعرضوا نهجهم الجديد إلى نقد مباشر من جانب حليفتهم القديمة بريطانيا.
فلم تحقق جهودهم في اليمن أي تقدم يذكر فيما يتعلق بتطوير التعاون والعلاقات الثنائية مع حكومة الإمام أحمد وقد شعر الإمام أحمد بتردد الأمريكيين، فاندفع أكثر نحو الاتحاد السوفييتي والصين، وأسس مع الشرق علاقات كان في الواقع مضطراً إليها.
ثالثاً: وكان السوفييت أول دولة عظمى تعترف باستقلال اليمن في عام 8291م ونتج عن ذلك علاقات اقتصادية وتجارية جيدة مع الإمام يحيى، لكن مستوى هذه العلاقات تراجع مع قيام الحرب العالمية الثانية، وازدياد حدة الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي وظل الفتور هو الحالة السائدة في العلاقات بين البلدين حتى عام 6591م، عندما قرر الإمام أحمد اقامة علاقات متينة مع الاتحاد السوفييتي وبلدان المعسكر الاشتراكي الأخرى بما فيها الصين.. استثمرها جيداً، وحصل من خلالها على المزيد من الدعم الاقتصادي والعسكري، فضلاً عن أن اقامة مثل هذه العلاقات وعلى هذاالمستوى، كان من شأنه حتماً أن يخفف من الضغوط البريطانية، ويدفع بالأمريكيين إلى اعادة النظر بموقفهم تجاه اليمن، والتي كانت حتى ذلك الحين مواقف أقرب إلى المواقف البريطانية.
وهكذا حصل الإمام أحمد على الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي لموقفه ولسياساته الخارجية إلا أنه رغم ذلك لم يستثمر هذا الدعم بما يحقق الرخاء لشعبه، في الواقع كانت هذه المساعدات الاقتصادية التي قدمها السوفييت والصينيون هي أفضل ماقدم للشعب اليمني حتى قيام الثورة.
رابعاً: كانت اليمن على مقربة من المصالح الغربية في الجزيرة العربية.. كما إنها تشرف على مضيق باب المندب أحد الممرات الاستراتيجية الهامة في العالم ولها مصالح في عدن والمحميات الواقعة تحت الاحتلال البريطاني، بالاضافة إلى كونها سوقاً تجارياً واعدة، لهذه الأسباب وغيرها اندفعت القوى الدولية لتؤسس لنفسها وجوداً، وتقييم علاقات سياسية مع دولة الأئمة فكان اليمن منطقة من مناطق الصراع الدولي، وبؤرة من بؤر التوتر المحتملة في المستقبل وهذا الصراع يجرى على قاعدة المصالح وفي البداية كان هذا الصراع ايطالياً سوفييتياً وسوفييتياً بريطانياً، تحول إلى صراع نفوذ بين الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي وقد مثلت أمريكا الغرب في هذا الصراع، ومثل السوفييت الشرق، وكانت حظوظ الأمريكان بالفوز في هذا الصراع أفضل، إلا أن الأمريكان لم يتفهموا المطالب اليمنية في عدن والمحميات، وظلوا أقرب إلى الموقف البريطاني وتحت تأثيره فيما كان السوفييت يعلنون صراحة تأييدهم للمطالب اليمنية في الجنوب، ويقفون إلى جانب اليمن في المحافل الدولية وقد وازن الإمام أحمد بين الموقفين الغربي والشرقي، فوجد أن من مصلحته الابقاء على علاقات طيبة مع السوفييت، خاصة وأن هذه العلاقات لاتكلفه كثيراً، وليس للسوفييت مطالب لايمكنه قبوله، كتلك المطالب التي تقدم بها الأمريكان لتأسيس وجود عسكري في اليمن وأكثر من ذلك فإن الإمام أحمد لم ينس قط إن محاولة أخيه عبدالله للاطاحة بعرشه في عام 5591م كانت مباركة من جانب الأمريكان وحلفائهم البريطانيين ومع ذلك فقد حافظ على اتصاله مع الأمريكان وعندما قرر الأمريكان تطوير علاقاتهم باليمن في عام 9591م وخلق توازن بين حجم وجودهم في اليمن وحجم الوجود السوفيتي رحب الإمام بهذا التوجه إلا أن نظامه كان قد شارف على السقوط ثم النهاية في سبتمبر 2691م.
الفصل الثامن
اتساع وشمولية المعارضة
5591-1691
في السنوات اللاحقة للانقلاب العسكري برزت ظاهرتان تستحقان الاهتمام، الظاهرة الأولى: تعدد تيارات العمل السياسي بتعدد منابعها الوطنية والقومية والأممية، فإلى جانب الأحرار ظهرت المنظمات القومية والاشتراكية.. والظاهرة الثانية: دخول القبيلة معترك الحياة السياسية بوصفها طرفاً مناهضاً للنظام الإمامي، وقبل ذلك كانت سنده وذراعه التي استخدمها في حروبه الداخلية والخارجية إلا أنه قبل الحديث عن هذه التيارات يبدو من المناسب أن نكمل الحديث عن الأحرار في هذه المرحلة وبشكل خاص مجموعاتهم الداخلية.
أولاً: عودة خلايا الأحرار للعمل السياسي:
تدريجياً استعادت خلايا الأحرار نشاطها السياسي، فمع مضي الوقت كانت ذكريات المشانق، وصور الإعدام تصبح من الماضي، وتحرر قادة المعارضة من أسر الخوف الذي زرعه الإمام بعد فشل الانقلاب العسكري.
لقد أفرج الإمام عن الإرياني بعد 31يوماً من اعتقاله، وكان الإرياني قد أعيد من ساحة الإعدام، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من موت محقق، لقد تدخل القدر وساعده البدر، والنعمان، والشامي، وصالح محسن ليستعطفوا الإمام عليه لكي يعفو عنه وقد فعل.
كما أفرج عن عدد من زعماء الأحرار المعتقلين في سجون حجة إثر انقلاب 8491، وكان في مقدمتهم عبدالله السلال، وحسن العمري، والقاضي محمد علي الاكوع، وعبدالقادر أبو طالب، والشيخ علي محسن باشا، وعبدالواحد باشا، وعبدالحميد باشا، وكان البدر قد أفرج عن أعداد أخرى أثناء ذهابه إلى حجة، فتنفس الأحرار الصعداء، وأعطاهم انقلاب 5591 بعض الفوائد، برغم المآسي التي خلفها لدى آخرين منهم، فتتأكد صحة المقولة المأثورة «مصائب قوم عند قوم فوائد».
وتمكن النعمان من الهرب واللجوء إلى القاهرة، ليلحق بزميله زعيم الأحرار الآخر الزبيري، وليشكلا معاً ثنائياً سياسياً قوياً مناوئاً للإمام، مسنوداً من الزعامة المصرية فقد كان النعمان يترقب الفرصة منذ أن شعر أن الإمام لم يكن راضياً عن موقفه تماماً من أحداث الانقلاب، فجعل ملازمته للبدر في تنقلاته وترحاله وسيلة للخلاص مما هو مبيت له، وقد جاءته هذه الفرصة عندما اصطحبه البدر في زيارة إلى السعودية في مايو 5591م، فاستقل أول طائرة إلى القاهرة، وقد أغضب هذا الأمر الإمام، وأنب البدر لغفلته عن النعمان، كما لام نفسه لأنه لم يفتك به بعد الانقلاب مباشرة وقد رافق النعمان في عملية الهروب، عبدالرحمن أبوطالب، التي تشير المعلومات حينها إلى قربه من مصر.
ولاشك أن هروب النعمان قد وضع البدر في موقف حرج أمام والده، لكنه استمر في الدفاع عن الأحرار، فهروب النعمان لم يغير موقفه منهم في شيء، والسبب أن البدر كان في حاجة إلى الأحرار في مواجهة أعمامه، وأفراد أسرته المناهضين والرافضين سراً أو علناً لولايته للعهد، إلا أنه من الصعب القول إن ذلك كان هو الدافع الوحيد، لأن ذلك القول يجرد البدر من أي إحساس بالمسئولية الإنسانية، وقد أدرك بصورة أو بأخرى ما كان ينويه والده لأستاذه النعمان، ثم لا ننسى أن البدر كان ناصري الهوى وقومياً بطريقته التي يصعب نكرانها، وهروب النعمان إلى مصر القومية ماكان يثير لديه أي شعور بالحساسية أو القلق، لذلك نراه يقترب أكثر فأكثر من الأحرار الذين بقوا في اليمن، كحميد الأحمر، وحمود الجائفي، وعبدالسلام صبرة، وعبدالله الضبي، وعلي عبدالله المطري، وصالح محسن، وعبدالله السلال، وعبدالله الإرياني، وعبدالرحمن الإرياني، وحسن العمري، ومجاهد حسن غالب، فكان في قربهم من البدر سنداً له، وحماية لهم.
ومشكلة الأحرار التي كانت سبباً في ضعفهم، إنهم كانوا مجموعات، وخلايا تكاد تستقل عن بعضها البعض، كجزر معزولة، وقد لازمتهم هذه الظاهرة حتى بداية عام 8591م، صحيح إن هذه الخلايا كانت على اتصال فيما بينهم، لكنها لم تشكل في الواقع تنظيماً أو حزباً بالمعنى المتعارف عليه، فالحزب يعني برنامجاً، وتنظيماً، وقيادة، تعبر عن نفسها بوسائل وأساليب عديدة، ولم يكن الأحرار كذلك.
كانت لديهم رؤيتهم الإصلاحية، التي تمسكت بها بعض تجمعاتهم، ورفضتها بعد الانقلاب العسكري تجمعات أخرى، وكان جوهر أطروحاتهم أن الملك فيها يملك ولا يحكم، ودعوا إلى جمعية تشريعية، وحكومية انتقالية، تلتزم بإجراء انتخابات تشريعية.
وطالبوا بتطهير البلاد من الفساد المستشري في كل مناحي الدولة، وتنظيم أحوال الجيش والتحقيق في إجراءات الإعدام التي تمت وإدانة المسئولين عنها، في إشارة واضحة إلى الإمام.
ولم يكن الإمام على استعداد بالقبول حتى بالحد الأدنى من هذه المطالب، ومن هنا هاجمت صحفه هذه المطالب على التو، واتهمت الأحرار بأنهم تجار وطنية، يتخذون من المطالبة بالدستور مهنة للربح المادي، وهم بمطالبتهم تغيير نظام الحكم، ووضع نظام برلماني شورى إنما يقصدون إلى تحقيق المغانم، وأن الدستور الذي يقترحونه مقلد تقليداً أعمى من كتب التشريع في أمريكا، والسويد، وسويسرا، وأخيراً من الدستور المصري، الذي صدر مؤخراً، وأن هذا الدستور «دستور الأحرار» ماهو إلا خيال خصب لا يتفق والوعي الوطني اليمني، وأن صاحبي الميثاق «الزبيري والنعمان» من الغباوة والجهل بأحوال الشعب اليمني إلى هذا الحد، وهما لا يفكران بتفكير الشعب اليمني، ولا يشعران بشعوره.
ولم يكن هناك تنظيم بمعنى هياكل قيادية وفرعية وقواعد، «خلايا قاعدية» وما كان موجوداً هي تلك التجمعات التي أشرنا إليها، كان أغلبها من النخب المدنية والعسكرية، انضم إليها شيوخ القبائل الوطنيون، وبأعداد متزايدة مع مرور الوقت وكانت هذه النخب المدنية والعسكرية والقبلية تحاول في ظروف شديدة القسوة أن تجد لها طريقاً يؤدي إلى تغيير الأوضاع، وتحسينها في إطار النظام القائم، والمتوقع تطويره لاحقاً، وكانت العلاقة بين هذه التجمعات، علاقة تضامنية، يربطها شيء من التنسيق عبر ماهو متاح من وسائل الاتصال آنذاك، وهي قليلة على أية حال في مجتمع منغلق ومعزول ومتخلف، وترفض حكومته الانفتاح على العالم الخارجي.
وهذه المجاميع أو التجمعات، أو كما يسميها بعضهم الخلايا، لم تتفق على قيادة موحدة تعنى برسم السياسات، واتخاذ القرارات المصيرية، فقد كان النعمان والزبيري زعيمين، ويقودان فرعاً من فروع الاتحاد اليمني «حزب الأحرار سابقاً» أصابتهما لوثة الاختلاف فلم يسلما من التباين، دون أن يفترقا، وكان في عدن فرع ادعى لنفسه المركزية، وكان فيه أكثر من زعيم هو الآخر، ونالت من نشاطه الصراعات التي بدت للكثيرين ثانوية، قياساً بحجم المهام المطروحة على الساحة اليمنية.
وفي الداخل كانت هناك رموز تحظى بالتقدير هنا وهناك، كالارياني في تعز مثلاً، وعبدالسلام صبرة في صنعاء، أو كالأحمر من بين شيوخ القبائل، وكذلك سنان أبولحوم وقاسم حسن أبو رأس، وقد قتل الأخير مسموماً، وكانت هناك مجموعات أخرى من التجار، وطبقة التجار على خلاف مصلحي وسياسي مع النظام، أبرزهم عبدالغني مطهر، ومطيع دماج، بالإضافة إلى عسكريين في مختلف الوحدات، يبرز من بينهم السلال، والجائفي، والعمري، والجزيلان، وعبدالمغني والضبي وضيف الله، وغيرهم.
وفي غياب البرنامج والتنظيم والقيادة الموحدة «المتفق عليها» فإن شيئاً من العفوية أو حتى العشوائية وسوء التخطيط رافق نشاط الأحرار، مع ضعف واضح في التنسيق بين هذه المجموعات، وكان ذلك أحد مثالبهم، وربما كان سبباً في أنهم كانوا يقبعون دائماً خلف الأحداث، وفي أحسن الأحوال شركاء فيها، والشراكة في الحدث ليست كصناعته، وهذا ماحدث في 8491م، وبصورة أقل في عام 5591م، حيث كانت الأحداث تسبقهم أو تفرض عليهم، وكانوا في النهاية مضطرين للمضي معها أو اللحاق بركبها مهما يترتب عليها من سلبيات.
وفي الواقع فإن الإحرار لم يتخلصوا سريعاً من الصدمة العنيفة التي تلقوها في ابريل 5591م، لقد فقدوا بعض رجالاتهم، وبعض كفاءاتهم في المؤسسات المدنية والعسكرية وكان صوتهم أقوى في الخارج بعد الانقلاب، بتأثير شخصية الزبيري ثم الزبيري والنعمان والبيضاني، وكان نشاط هؤلاء يخفف عنهم قليلاً من الضغوط النفسية في ظل سطوة الإمام، وردود فعله العنيفة، وإن كان ذلك لا يمنع حدوث بعض عمليات التصفية كما حدث للشيخ أحمد ناصر القردعي الذي قاد مجموعة الشيوخ لتنفيذ عملية اغتيال الإمام يحيى، وكان هذا مناضلاً، وبعد سنوات من سجنه قتل غدراً داخل السجن، بعد أن منحه الإمام الأمان.
ومثلما استخدام الأحرار كل الوسائل المتاحة لكشف عورات الإمام، وإظهار مساوئ حكمه، وكان من بين هذه الوسائل «صوت العرب» استخدم الإمام أحمد علاقته مع عبدالناصر واحتج لديه على استمرار الزبيري والنعمان في الإساءة إلى نظامه وهو الحليف والعضو الثالث في ميثاق أمن جدة «الحلف الثلاثي» وناشد عبدالناصر وقف إذاعة هذه الحملة بحجة أن ذلك لا يتفق مع ما تدعو إليه مصر من التضامن والوحدة العربية وإنه يسيء إلى مصر والثورة المصرية، وهدد بأنه في حالة عدم وقف هذه الحملات ضده وضد نظامه، فإن وجهتهم القادمة ستكون الانضمام إلى حلف بغداد.
وقد استجاب عبدالناصر لطلبه، وقد خلق هذا الأمر شيئاً من الإحباط لدى بعض القيادات في الداخل، لكنها سرعان ما تخلصت منه بفعل ضغوط الحياة اليومية في ظل النظام القائم، وكانت هذه الفترة التي منع فيها الإمام أحمد الاستماع إلى الراديو، واعتبرها جريمة ومخالفة تستوجب العقاب، وبعد ذلك منعت من الصدور في القاهرة صحيفة «صوت اليمن» وأغلق مقر الاتحاد اليمني.
ويبدو أن بعض هذه المجموعات التابعة للأحرار قد استعادت شيئاً من نشاطها، ففي مارس 6591م عادت المنشورات توزع في المدن الرئيسية، وكانت هذه المنشورات موجهة إلى عامة الناس، ومنها إلى القبائل، وبعضها إلى الجيش، وصيغة هذه المنشورات تحريضية ضد الإمام، وتثقيفية للفئات التي كانت موجهة إليها، ففي المنشور الموجه إلى العامة من الشعب نقرأ العبارات التالية: «أيها الشعب اليمني: بأية وسيلة حاول الطغاة والمستبدون أن يبذروا روح التفرقة والعداء، فهم يقولون تارة شافعي وزيدي، وتارة أخرى قحطاني وعدناني، ويخلقون لهذه الكلمات المعاني السيئة، ويبذرون في قلوبكم الأحقاد، ليشغلوكم عنهم.. وقد قصدوا من ورائها أن يعبثوا بأموالكم وحقوقكم، وأنتم لاهون عنهم.. فأجمعوا أمركم واتحدوا لمقاومة كل مستبد.. فقد أهلكتكم الآفات، فأنتم فقراء لا مال لكم، ومرضى لا علاج لكم، وجهال لا مدارس أو معلمين إلا ما يخدعونكم به».
ويوجه الأحرار إلى القبائل خطاباً خاصاً، هم يدركون أن الإمام قد استخدم القبائل لإجهاض وضرب كل معارضة، ونجح الإمام، كما فعل قبله والده، وهم يعرفون أن القبائل في حالة عداء مع الجيش النظامي، لذلك كان خطابهم إلى القبائل خاصاً، وموجهاً لمعالجة هذه الإشكالية بين الجيش والقبائل «ندعوكم للاتحاد مع الجيش، ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، وأن التفرقة شر شجعه الملك المستبد، والمستعمر ومذهبهم في ذلك «فرق تسد» يدوسونكم بنعالهم، ويولون عليكم الخدم، ويلهبون ظهوركم بالسياط، وهذا الخطاب على مافيه من أخطاء كان يتناسب مع تفكير القبائل حينها ومنها ما كان يوجه إلى الجيش، الذي قدم تضحيات كبيرة في هباته السابقة (إن الجيوش تحترم فهي عماد البلاد، والساهر على حمايتها، هل تعلم أنه لا يوجد عسكري في العالم يتنفذ «من التنافيذ» على قبيلي، لأن هذه إهانة فهو الذي يحمي القبيلي، لا الذي يخرب بيته.. لا أيها الاخوة، إنكم تأكلون وتختنقون «بكدمة» يابسة مملوءة بالحشرات.. وتنامون على الحصير، والسبب أن الحكام يحتقرونكم.. فهل تطمع أيها الجيش أن تعمل لكرامتك، وتأخذ العبرة والمثل من اخوانك الأبطال «عبدالناصر واخوانه» أيها الجيش، ينعقد عليك الأمل وننتظر اليوم الذي تخرج فيه حاملاً مشعل الحرية والسعادة لأمتك وبلادك).
وقد حررت هذه المنشورات بتوقيع واحد، وهو مجلس التحرير، ومجلس التحرير هذا ليس سوى واحدة من خلايا أو مجموعات الأحرار، وقد تبدو كلمة تحرير في غير محلها، فلم تكن اليمن بلاداً مختلة، ولا كانت مرتبطة بأحلاف مشبوهة، أو مرتعاً لقواعد عسكرية أجنبية، لكنها المغالاة في وصف الطرف الآخر، والمبالغة في تشويهه.
وكانت هذه المنشورات تؤرق الإمام، خصوصاً أن الأوضاع في المناطق القبلية قد شهدت بعض الاضطرابات، وتمردت بعض القبائل، ليس بسبب هذه المنشورات قطعاً، وليس لأن للأحرار فيها أنصاراً يؤيدون وجهة نظرهم تجاه الملِك والمُلك، ولكن بسبب تراكم العداوات بين النظام والقبيلة، وبسبب سوء معاملة الحكام للمواطنين وزيادة الضرائب، وكثرة التنافيذ والخطاط.
وهناك أربع مناطق سجلت صحف عدن أحداثاً واضطرابات فيها مع نهاية العام 7591م، هي خولان، وعمران، وصرواح، والمفاليس، وقد أرسل الإمام ابنه البدر لإخماد تمرد عمران، وأرسل يحيى ابن الحسين لإخماد تمرد المفاليس، كما وجه الجيش لإخماد تمرد خولان وصرواح، وكان هناك قتلى وجرحى من الجانبين في هذه الاشتباكات، وقتلى القبائل لم تكن محصورة، أما قتلى الجيش في حملة البدر على عمران فكانوا خمسين قتيلاً، وانتصر البدر، وجردت قبائل عمران من سلاحها وأتى الأمير البدر معه بالرهائن والأسرى لعرضهم على الشعب إظهاراً للبطولة، وسارت الحملات الأخرى على هذا النحو، ومع كل حملة كانت قاعدة النظام الاجتماعية تتقلص فيها تزداد صفوف المعارضة اتساعاً.
وقد وجد الانجليز الفرصة مواتية لرد الصاع صاعين للإمام، فأخذوا يغذون هذه التمردات، ويدفعون بشريف «بيحان» المحمية لدعم هذه القبائل المتمردة، وإمدادها بالمال والسلاح، وعند فرارها إلى بيحان كان الشريف يستقبلها، ويستقبل شيوخها الفارين من قهر الإمام وظلمه، وفي هذه الاضطرابات الأخيرة لجأ إلى بيحان كل من الشيخ أحمد علي الزائدي، والشيخ ابن محمد القوسي، ابن شيخ قبيلة الحداء المذحجية.
وكان مؤيدو الإمام قد وصفوا المقاومة القبلية للنظام بالخيانة، وقد وجدوا في لجوئهم إلى المحميات، وقبولهم مساعدة شريف بيحان التي هي في الواقع مساعدة بريطانية سبباً لهذا الادعاء، وفي الواقع فإن هذه القبائل لم تجد خيارات أخرى، فجيش الإمام يدمر كل شيء في قراهم ومناطقهم، ويأسر ويقتل من يستطيع أسره أو قتله، وليس هناك إمكانية للجوء إلى السعودية الدولة العربية الوحيدة التي لها حدود مع اليمن، لأن السعودية أخذت جانب الإمام دائماً، أو على الأقل احترمت تعهداتها واتفاقياتها مع الإمام، ومنها الاتفاق الأمني الثلاثي العراقي السعودي اليمني في عام 6391م، الذي عرف «بميثاق بغداد» كما أن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها معارضو الإمام إلى عدن والمحميات، ويحظون هناك بالحماية البريطانية على نحو علني أو سري، لقد فعلت بريطانيا هذا مع أوائل الأحرار وزعمائهم، وفعلته مع الأمير إبراهيم ابن الإمام يحيى، ثم مع الفارين من الأحرار في الخمسينات، وبعد ذلك مع القبائل.
وكان عام 8591م حافلاً بالأحداث على المستوى المحلي والعربي، ففي فبراير 8591م قامت الوحدة بين مصر وسوريا، وبحركة بهلوانية، ولكنها محسوبة قفز الإمام على قطار الوحدة، وحقق اتحاداً مع الجمهورية العربية المتحدة وفي هذا العام قامت الثورة في العراق، وسقطت الملكية هناك، واجتاحت المنطقة العربية المشاعر القومية سارع بعض قادة الأحرار إلى إعادة تنظيم صفوفهم في الداخل، مدركين أهمية العمل التنظيمي، ومستغلين حالة النهوض القومي، لم يخدعهم الإمام بالاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة، ولا ضللتهم خطاباته وتصريحاته المخادعة، ولم يعولوا على حسن نيات ابنه البدر لمعرفتهم حدوده وقدراته، والمدى الذي سيسمح الإمام لهذه الحدود والقدرات أن تذهب إليه، فظهرت بعض المحاولات التنظيمية، لم ترق إلى مستوى التحزب التام، ولم تحقق وحدة كاملة داخل مجموعاتهم، لكنها أحدثت لديهم شيئاً من التماسك، والعمل المشترك، والوضوح في الهدف، وهناك روايات كثيرة حول توثيق هذه المرحلة.
فعبد الغني مطهر له روايته، إذ يقول: إنه بالتنسيق مع محمد مفرح من الضباط شكلا خلية في تعز من الأحرار ومن جميع الفئات، تبعها تكوين لجنة تأسيسية ضمت عدداً من المدنيين والعسكريين، وقد أعيد تشكيل هذه الخلية ثانية في نفس العام، لتضم شخصيات هامة مدنية وغير مدنية، ومن مختلف مناطق اليمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.