في البيت قصة حب لم يلتقِ بعد فيها العاشقان. تبحث العاشقة عن كلمة بين حطام السنين وضجيج الذكريات ويرهقها المسافر في الفضاء , يتسلق أسوار الريح , يعشقُ الموت لمتعة التحليق من علٍ. يرمي بالحياة من أجل لحظةِ حريةٍ يخلقها كمظلةٍ تحمله محلقاً إلى حيث يشاء . هو حلمها, عاشقٌ يبحثُ عن حجرٍ تناثر في غمار الحرب بين الكواكب كان يتكئ عليه حين تنفد السبل لبهجة الحياة . تقول ذاتها إليه , وتفتح ذراعيها ليتلاشى فيها , فلم يحسن الطريق لها , فقرأته رجلاً يعشق السفر أكثر مما يعشق البقاء . يوجعها مرور الفكرة في مدارات الذاكرة , تفتح أبواب البيت على مصراعيها تغوي أبطال الزحام اللاهثين لمغامرة حبٍ على ورق ! . يُحدّث نفسه سراً من أفلاكه البعيدة : خسرتُ الرهان , فالناس بعد مغيب الشمس لا تبقى ملائكةً. يبتسم , ويكتب قصةً كان يحملها قبل الرحيل , قصة لم يلتقِ بعد فيها العاشقان , قصة حبٍ هناك تنضج ثمارها ليلاً , فتطل نجمةٌ من النافذة تبحثُ عن حريرٍ يغطي سرها. عاد من بلاد الثلج يحمل عبء الرحيل , تسأله عنها فيه , يقول : أريدكِ ولا أريدكِ , قد تكبر قصتنا بعد الرحيل , فاحملي الحلم ليورق فيكِ الربيع . قد التقينا في مدنٍ ثملةٍ بالموت , وتقلبت على سفح قصتنا الأقدار حتى قتلت كل ما فيه من زنابق , وماتت نحلةٌ تمنح عسلاً لعاشقين افترشا زهرةً للقاء. تجوب العاشقة أروقة السؤال : أكان ما بيننا رباطا هشاً , سفحاً تموت نحلته فتصبح المروج خراباً ؟ أكنتُ في سفرك أشبه امرأةً جاثية تحدق في الفجر وتسرف في البكاء ؟. يأتيها الجواب يحكي عن حبٍ ينحدرُ من سلالةٍ غريبةٍ يغتسل بالقصائد ويتضمخ بعطر الكلام , لكنه لا يعبر من ثقب الكبرياء , و”يصمت” . ترجوه أن يكمل أغنيةً رددها على أعتاب البيت قبل السفر فيشير لنفسه بأصابع الاتهام : أنا القصة ُ الخرافة حين تنصرف عن الجسد الحياة . ويستطرد : كان سرير الهوى مهداً أبدياً للمخاض , إذ تولدُ قصص الحب الجميلة كلما امتزج العاشقان بورد المساء . لكن مجاديف الوقت ذابلة , تقاعست عن المضي بقارب الحب , فماتت العصفورةُ انتظاراً. تهمس : من أنت ؟ , أحبكَ , لا , بل أحبهُ , من هو ؟ , من أنت ؟ كلاكما أنّاتٌ تستوطن جسدي حين أستحضر أحدكما حلماً , أنتَ وآخرك . ضعت ما بينك وبينك , زرعتُ روحي ميتةً أحلم أن تبعثَ ما بينك وآخرك . يقول : يا حبيبتي , “ تصمت “ تنتظر بعثها بين شفتيه . أنا وآخري سيّان بعد أن حلّ بنا الرحيلُ لعنة احتراق . قلتُ لكَ عند الباب : سترحل , فتموت الأغنيات. فلم تقل شيئاً سوى أن أشعلت جحيم شفاهٍ تأبى الارتواء , ورحلت . أتقتلني عطشاً وتشكو كم بكيت ؟ !! كتبتِ لي ذات مساء أني مصادر القلب , مصادر الشعر , مهما ابتعدت . وقلتِ أنّي عاشقٌ محاكمٌ بالمنفى حتى وإن لم يحقق نشوة الجريمة . :- نعم فعلت , ليس القول بيدي , فالسرير يخرج عن حياده ووقاره حين يلتقي العاشقان. كتبتِ ذات لقاءٍ أنكِ الحرّة التي يضرّجها خجل البياض حين تعرّي ذاتها من كل شيءٍ سواي , عدتُ أسوداً من بلاد الثلجِ أطمع في البياض , فإذ بالبيت مسرحٌ يعجُّ بالممثلين يعيشون مكاني دور البطولة , مزيفون , ووحدي الحقيقة . :- اسمع سيدي واتكئ على سيادة الصمتِ ولو قليلاً , أتحكمُ بالموتِ قبل أن تدركني الحياة؟ لا , فالموت مثلي مرصّعٌ بالكبرياء , فبعد فصول المسرحيةٍ الهزيلة مات الكلام . يتناسل الممثلون , والعاشق يقبعُ في الركن الداكن يخاطب مطرا يغازل الشباك , ويترقب مشهد اغتصاب البيت . وعلى ضفة الرحيل يبتسم القارب , والشاطئ يبكي .. يفيضُ الماء حبراً أسوداً مؤججاً بالبكاء , يخط على وجه النهر آخر ما قاله العاشقان : تقول : إني في غيابك أميرة الآخرين فخذني في حضورك جاريةً لك . يقول : انتهينا , كل شيء زائلٌ في عرشك , ولي وحدي البقاء .