ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    ترتيبات حوثية بصنعاء بعد إعلان مصرع الرئيس الإيراني وتعميم من "الجهات العليا"    أول تعليق أمريكي بشأن علاقة واشنطن بإسقاط مروحية الرئيس الإيراني    الإرياني: استمرار إخفاء مليشيا الحوثي للسياسي قحطان جريمة نكراء تستوجب تدخل أممي    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    أول رئيس إيراني يخضع لعقوبات أمريكا . فمن هو إبراهيم رئيسي ؟    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة حياته الثقافية والسياسية
مذكرات أحمد محمد نعمان
نشر في الجمهورية يوم 02 - 03 - 2010


أعندك الرسالة؟
نعم، إنها موجودة مع الرسائل كلها، وصلت الرسالة إلى الإمام وأجاب عليها وبدأ الجو ينفتح ويهدأ، انفرجت أسارير الإخوان في السجن، وعرفوا أنه إن كان قد عفا عني فسيعفو عن الجميع، على اعتبار أنني في نظر الرأي العام وفي نظر الناس أن نعمان المجرم الأكبر الذي يجب أن ينتهي، فكان الإرياني وسائر الإخوان المعتقلين يطمئنون من هذه المراسلات التي كنت أبلغهم بها سراً وأطلعهم على ما يأتي من جواب، فيستبشرون خيراً، يقول بيت من الشعر العربي:
إذا تاب الإله على ابن عامر
فبشر كل عاص بالسلامة
ولما عرف الأستاذ الزبيري وهو في باكستان بمراسلة الإمام لي وبالعفو عني قال:
“عرفت أن القلب الذي يستطيع العفو عنك سيستطيع العفو عن كثيرين،وأنا والله ما نمت بعدك على فراش وثير،ولا انطلقت وأنت سجين، ولا سلوت وأنت حزين”.
كتب هذه الرسالة وأرسلها عن طريق الإمام أحمد نفسه، تواصلت العلاقات والمراجعات بيني وبين الإمام، كان يتقبل الشكوى، ويتأثر بأية مراجعة، لكن في حدود جزئية، أما إذا جاءت مسائل السياسة وما يتعلق بالحكم أو بتغيير شيء فلا قبول لهذا، وكنت أقول إن بيني وبينه ارتباطاً وثيقاً في العواطف ولكن بيننا انشقاق في العقل، يعني كان بيننا خلاف كبير لا يسمح بتلاقي الآراء، روح الإمام وحب السيطرة والإحاطة بكل شيء روح دكتاتور، ولا يمكن أن تسير معه إلا في حدود ما يلائم رغبته،أما ما يصطدم مع رغبته فإنك تدخل معه في شقاق، تواصلت هذه العلاقات مع الإمام أحمد وأنا في حجة،وظل بيني وبينه لطلب العفو عن المسجونين وندعوه للسير في هذا الاتجاه حتى سنة 1955.
ترشيح البدر لولاية العهد
ففي هذه السنة استأذنت بالخروج من حجة لأذهب إلى العلاج، فلما ذهبت إلى تعز عرف أنني أريد أن أتخلص من حجة، عرف من هذا الطلب أنه ليس للعلاج ولكن من أجل أن أنطلق من حجة، وكان عنده مخاوف من أن أهرب إلى الخارج، وثارت الشكوك في نفسه، سمح لي بالخروج من هناك إلى تعز، وخلال بقائي هناك حدثت المؤامرة التي حيكت ضده من أخيه سيف الإسلام عبدالله سنة 1955 ومن عموم إخوته، ومن أسبابها علاقته بنا، لأن أولاد الإمام يحيى، أخوته وأشقاءه، كانوا يرون في الأحرار النقيض، والمعارض الوحيد لهم في حين بدأ الإمام ينعطف نحو الأحرار ويشد علاقتهم بابنه، وخلال هذه الفترة كنا قد تكونت عندنا فكرة في السجن أن نرشح ابنه محمد البدر لولاية العهد، ليكون ولي العهد بعد أبيه.
كان إخوة الإمام يرون أن يكون أحدهم خليفة الإمام أحمد وليس ابن أخيهم، فعرفوا أن الأحرار يعملون لحدوث انشقاق بينه وبين إخوته.
أكنتم تقصدون ذلك؟
كلا، في الواقع كنا لا نريد أن نتعامل مع إخوته، إنما نريد أن نكسب الإمام من جهة ابنه، وهناك بعض القصد في هذا العمل، كنا دائماً نطلق لقب ولي العهد على البدر وننشر هذه الفكرة، ولما خرج الإرياني من سجن حجة وذهب إلى الحديدة استقبله البدر،ومن هناك وضع صيغة لولاية العهد تعمم إلى الشعب للتوقيع عليها، وكان ذلك بالتفاهم معنا جميعاً، ووضعت هذه الصيغة ووزعت على مناطق اليمن،هنا بدأت شدة الخلاف تحتد بين الإمام وإخوته، لأنه يريد أن يحتكر الخلافة ويجعلها في ابنه، فكان البدر يتودد إلينا، ولم يكن هذا يرضي الإمام ،فلما ذهبت إلى تعز كانت فكرة ولاية العهد قد بدأت تنتشر، وكان سيف الإسلام عبدالله يدبر لقيام انقلاب على أخيه الإمام أحمد وضد البدر، فلما حوصر قصر الإمام أحمد استدعيت فجأة لكي أحضر، حضرت وإذا بي أجد القاضي عبدالرحمن الإرياني وبعض الإخوان وسيف الإسلام عبدالله المرشح لأن يكون خلفا لأخيه الإمام أحمد في تلك الفترة، وكان البدر في الحديدة، فوجئت بهذا الموقف،واقترحت أنه لا يحسن تنحية الإمام أحمد ولكن يطلب منه تكليف سيف الإسلام عبدالله بتشكيل الحكومة ويتولى سيف الإسلام عبدالله إدارة الأعمال، كان هذا بدوافع صادقة مني، لأن بيني وبين الإمام أحمد عواطف مؤثرة على نفسي، وتوجد علاقات ود بيني وبينه،ومن ناحية أخرى أردت أيضاً أن احتاط، قلت ربما يتخلص الإمام أحمد من الحصار، يجب أن يكون رأيي معروفاً عنده، بقيت حذرا حتى عندما كانوا يفاتحونني بأن في نيتهم القيام بمثل هذا العمل كنت أسفه كل هذه الأشياء، وكنت غير راض عن هذا الأمر ضد الإمام أحمد، لهذا حاولت أن أتخلص من الجميع وأخرج من الدوامة التي قامت لأتصل بالبدر، ووجدت المبرر الذي شرحته لكم في حديث سابق للانتقال،دفعت من يقول إن البدر لا يمكن أن يتأثر إلا بالأستاذ لعلاقته به، فذهبت إلى الحديدة وبدأنا نفكر كيف نفرج عن الإمام أحمد وننقذه من الحصار، أرسلنا البدر إلى السعودية، فلما رجعت وجدت الإمام أحمد وحييته وذكرته بأبيات للأستاذ الزبيري يقول فيها:
العرش عرشك لا سواك ولن ترى
ندا إلى آفاق عرشك يرمق
وإذا افترى قوم به قلنا لهم
هذي السما فثبوا إليها وارتقوا
فقال:”شكر الله سعيك،أهلاً وسهلاً، أريد أن أقبل هذا الفم”قبقينا معه خلال تلك الفترة بعد أن انفك من الحصار، حاولت أن أوصل إليه أن هذه فرصة ينبغي أن تغير فيها نظام الحكم، وأن تشكل حكومة وتكون برئاسة ولدك البدر، ولكنه رفض. حتى أنه كتب لي في بعض الرسائل يستشهد بقول الشاعر:
إني على ما ترين من كبري
أعرف من أين تؤكل الكتف
ثم قال: أنا سأمضي بسياستي هذه حتى النهاية، وبعد أن انتهي أعملوا ما تريدون”.
وجدت أنه لايوجد أي أمل يرتجى منه أبداً، ولا يمكن أن يتغير هذا الرجل بعد هذه المحن وبعد هذه الشدائد، أنقذ سنة 1948م،وأنقذ سنة 1955م،وبقاؤنا معه خطر علينا، وكانت الرسائل تأتي من الزبيري من القاهرة تحضني على التخلص والبدار إليه، ولكن كان يعترضني أن الإمام أحمد صنع معي صنيعاً كبيراً لا يمكن أن يخرج الإنسان ليستعين بالعرب لنصيحته، وكان في ذهني أن العلاقات بين السعودية ومصر قوية وطيبة في تلك الفترة، كانت توجد علاقة قوية بين الملك سعود وعبدالناصر سنة 1955م ،وكانا دائماً يتعاونان معاً وسياستهما موحدة،فقلنا من الممكن أن تتعاون المملكة السعودية ومصر لإقناع الإمام بتغيير الأوضاع.
كان دوافعنا مخلصة حتى أننا احتلنا بالسفر إلى الحج وكان البدر يحج معنا في تلك السنة، واجتمعنا بالملك سعود وشرحنا له سوء الأوضاع وأن الإمام نجا بأعجوبة لكن السخط اليوم قائم، وسيكون هذا السخط منصباً على البدر، لا ناقة له ولا جمل، فنرجو من أجل مصلحة البلاد العربية أن تنصحوا الإمام أحمد وتقنعوه بضرورة تشكيل حكومة مسؤولة تتولى الإصلاح في اليمن، قال سعود:
“أنا قد بعثت برسالة، والأستاذ نعمان يعرف” وحقيقة أننا اتفقنا ذات مرة أن نطلب من سعود، جمال الحسيني ويوسف ياسين، لكي نشرح لهما المطلوب حتى تكون رسالة الملك على أساس وفقاً لما نطمح إليه، وأرسل الملك سعود إلى الإمام رسالة ينصحه بتشكيل حكومة كما يفعل هو في السعودية، وأن الأوضاع تحتاج إلى أن يتغير،ثم أعطاه نموذجاً عن تشكيل مجلس الوزراء في السعودية، فقال سعود إن الأستاذ نعمان يعرف بأني أرسلت رسالة، والبدر يعرف ذلك أيضاً، قلت له: “الأفضل أن تبعث بدعوة للإمام أحمد للخروج لزيارة السعودية ثم يزور مصر، ليرى معالم الحضارة الحديثة، وفي هذا الوقت يكون البدر قد شكل حكومة والإمام في الرحلة”.
قال سعود:” لا أستطيع فعل ذلك، ولكنني الآن ذاهب إلى إيران استجابة لدعوة وجهت لي، وبعد عودتي من إيران سأبعث بنصيحتي إلى الإمام أحمد”. وفي هذا الوقت يئست،وكنا قد تورطنا بالشكوى، وقلت ربما وجد الآخرون مجالاً للنجاح.
ولكن أنا لن أبقى .. سيعرف الإمام أنني الآن أعمل ضده، فانسحبت ليلا وتركت البدر راقداً في القصر، وذهبت إلى القاهرة وعندي أمل أن حكام القاهرة يبحثون حقيقة عن سعادة الشعوب العربية ولا تدفعهم الرغبة في السلطة، فقلنا لنتعاون معهم، وبدأنا بالهجوم على سياسة الإمام أحمد من الإذاعات وهنا قطع علاقته بي وكان هذا آخر ما بيننا وبين الإمام أحمد.
النعمان وآل الوزير
} حدثنا عن علاقتك بآل الوزير؟
{ في حديث سابق قلنا إن بيت الوزير كانوا أقوى من اعتمدت عليهم السلطة في عهد الإمام يحيى، برزوا فوق غيرهم من الأسر الأخرى، كانت توجد أسر كثيرة مثل بيت شرف الدين، وبيت المتوكل، وبيت القاسم، وبيت الكبسي، وبيت الشامي، وبيت المطاع، أسر هاشمية كثيرة متعددة ولكل أسرة من هذه الأسر الحق في الإمامة ولا يشترط أن يكون الإمام علوياً فاطمياً، أي أن ينتسب إلى علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء فلكل واحد من الهاشميين الموجودين في اليمن الحق أن يكون إماماً إذا استوفى الشروط المعينة المطلوب توفرها في الإمام، وكان بيت الوزير يقفون إلى جانب بيت حميد الدين في عهد الإمام يحيى، وكان عندنا في منطقة تعز أمير الجيش السيد علي بن عبدالله الوزير نائباً للإمام يحيى، وكان لواء تعز يعتبر بالنسبة لألوية اليمن أكثر الألوية اتصالاً بالحضارة لقربه من عدن، لأن عدن ملاصقة للواء تعز، وعدن مركز من مراكز الحضارة الغربية من حيث أن الغزو الحضاري قد وصل إليها، وكانت تتسرب عن طريقها أشياء بسيطة من أنواع الملابس وغيرها من الأشياء البسيطة، وجد أمير لواء تعز نفسه آتياً من القبائل الشمالية ليحكم منطقة توجد فيها جماعات عندهم نوع من التحضر، أولاً بسبب أن الأتراك كانوا يحكمون لواء تعز، وكان فيها متعلمون وإداريون وأناس متفتحون نوعاً ما، ويعتبرون أرقى من الحكام الذين يأتون ليحكموهم، وكان يوجد في لواء تعز بيت نعمان، الأسرة التي انتسب إليها، ثم بيت الباشا، السيد محمد باشا وأحمد باشا، وهؤلاء كانوا في مدينة تعز، وبيت نعمان كانوا في الحجرية وكان يوجد أولاد محسن باشا في منطقة العدين، وكان يوجد علي عثمان وعبدالله عثمان يعني مشائخ وركائز في مناطق لواء تعز، واللواء عبارة عن محافظة من المحافظات، ويتكون من عدد من النواحي وفي كل ناحية مجموعة عزل وفي كل عزلة مجموعة قرى، كان بيت نعمان في الحجرية الملاصقة لعدن وللمحميات.
وأهل الحجرية كثيرو الهجرة إلى الخارج، فكانت هناك حساسية بين بيت نعمان وبيت الوزير، فقد كان الشيخ عبدالوهاب نعمان قائم مقام الحجرية من أيام الأتراك، فلما جاء الحكم الإمامي ظل في وظيفة قائم مقام الحجرية وإن غير الإمام اللقب من قائم مقام الحجرية إلى عامل الحجرية، والعامل في اليمن ليس العامل الذي يمارس العمل أو الأجير، من يقوم بالعمل المهني في اليمن يسمى “شاقي” فلا يقال العمال بل يقال “الشقاة” كأنه مشتق من الشقاوة والشقاء، وهكذا كان عامل الحجرية يعني حاكمها، وكان الاحتكاك موجوداً دائماً مابين حدود الانجليز وحدود اليمن، مابين لحج والحجرية الممتدة إلى لحج، على أبواب عدن وكان بنو نعمان يتوزعون في مراكز الدفاع عن الحدود ويجندون المحاربين.
وكان آل الوزير يشكون في الحكام من الشافعية بأنهم كانوا فيما سبق مع الأتراك ويميلون نحو الخارج، وربما يتفاهمون الآن أيضاً مع الانجليز النصارى.. لأن الانجليز الآن يحكمون منطقة الجنوب وسكانها شافعيون، فربما نحن أيضاًَ كشوافع ننضم إلى إخواننا، خرج السيد علي الوزير لاحتلال المنطقة وهو أول من وصل من مسئولي الإمام بعد انسحاب الأتراك، وكنت قد أخبرتكم بأن الزيديين كانوا في أيام التعصب الشديد يعتبرون أن أموال الشافعيين مستباحة، ونساءهم مثل نساء النصارى، أو مثل أصحاب الملل الأخرى، كأنهم يحتلون بلاداً فيها كفار، كانت هذه الروح موجودة عند الزيديين بالنسبة للشافعيين.
} وهل لدى الشافعيين نفس الروح بالنسبة للزيديين؟
{ كانوا يعتبرون الزيديين وحوشاً خارجين عن الملة، وأثناء وجود الأتراك في اليمن كان الشافعيون متفاهمين مع الأتراك لما يتهم من الزيديين لأنهم جميعاً سنيون، فلما انجلى الأتراك تراكمت عند الزيود الأحقاد ضد الشوافع أولاً لأنهم كانوا يقفون مع أعدائهم، وثانياً بسبب نظرتهم إلى المذهب.
} ماهو الفرق؟
{ أيام التخلف والجهل، كان الإنسان ينظر لمن هو خارج على مذهبه كأنه على غير ملة، كما تجد الشيوعي ينظر للمتدين والعكس، من لم يكن على مذهبه يجب أن لا يكون له مقام ولا حياة، كان التعصب المذهبي شديداً، هؤلاء مذهبهم الزيدية وأولئك مذهبهم مذهب الشافعي، الفروق من حيث قواعد الدين بسيطة، لكن أصبح موضوع أن ينتمي هذا إلى الزيدية وأن ينتمي ذلك إلى الشافعية، كالانتماء إلى الأحزاب وكانت السلطة في أيدي الزيود فضموا إلى السلطة المذهبية، من حقه أن يملك السلطة أو أن يشارك فيها.. أما الشافعي فليس من حقه أن تكون له سلطة أو أن يشارك في السلطة، من حقه فقط أن يظل فلاحاً يكدح ويتعب ويقدم للحكومة والحكومة زيدية، فكانت توجد حساسية مابين بيت نعمان وبيت الوزير، فحين حكم علي الوزير لواء تعز كانت نظرته نحو الحكام في اللواء التعزي، وبوجه خاص نحو أهل الحجرية الملاصقين لعدن، نظرة شك خاصة وأن عندهم نوعاً من المقاومة ونوعاً من عدم الرضوخ، مثلاً بعض الحكام كانوا يستسلمون أما هؤلاء فلم يستسلموا، لذلك خرج علي الوزير، أمير تعز إلى الحجرية، ونزل في بيوتنا ضيفاً، وصادف أن أحد أقاربنا كان يقود معركة في حدود الانجليز، وتعرض لهزيمة في المعركة، فقال علي الوزير إنهم باعوا البلاد للنصارى ولابد أن يعاقبوا، وبالغ في عقابه لهم وكان عمي عبدالوهاب نعمان يحكم الحجرية، واستقبل هذا الأمير استقبالاً حاراً، وكانوا يذبحون الذبائح في الطرقات لاستقباله ذبحوا حوالي 40ثوراً على مسافات متعددة في كل مكان يذبح ثور، وهذه قاعدة في اليمن حينما تصل جماعة كضيوف تنحر الذبائح أمامهم في الطرقات، ولأن الحكومة لم تبن مقرات لمراكز الحكومة، وإنما اكتفت بما خلفه الأتراك، ظل علي الوزير رب البيت والناس كلهم يخدمونه، وهناك قاعدة في اليمن، إذا جاء الكبير يصبح هو المالك:
ياضيفنا لو زرتنا لوجدتنا
نحن الضيوف وأنت رب المنزل
وذات يوم وأنا صغير السن ربما في السن الثامنة كما أذكر، مرض والدي من الحمى وانقطع عن السيد علي الوزير، فقال لي والدي اذهب إلى السيد علي الوزير، وقل له يكتب لي رقية، والرقية معروفة يستشفي المريض بها وتسمى التميمة، ويسمونها في اليمن حرزاً لأنها تحرز الشخص وتقيه من الشياطين ومن الأمراض، فقال لي والدي أذهب إلى السيد علي الوزير وقل له أن يكتب لي رقية لأني محموم، أنا لأنني صغير السن كان يسمح لي بدخول بيتهم، ولكن إخواني الكبار وغيرهم لا يسمح لهم الحرس بالدخول إلا بإذن من الوزير لأنه هو صاحب الدار، دخلت إلى عنده وقلت له إن أبي يطلب منك عزيمة لأنه محموم، أخذ القلم وكتب، فأعطاني الورقة وقال لي عطفها، يعني اطوها، ظننت أنه قال لي جففها، فبقيت فاتحاً لها وهو منهمك في أعماله يكتب، التفت ورآني وأنا فاتح الورقة، قال لي: لماذا فاتح الورقة؟ هل قرأتها؟ قلت: لا، قال بطل مفعولها مزقها، لابد أن أكتب له رقية ثانية، أنتم يابني نعمان، الصغير يلدع والكبير يلدع، ظن أنني اكتشفت ما يكتب وأنني قرأته، كتب رقية ثانية وجففها وطواها بنفسه ثم قال لي: قل له يربطها بساعده الأيسر.
هذه طريقة من العلاج في اليمن، الأمير بنفسه هو طبيب مداو ومعالج، بقي أياماً يعيش بيننا ويترقب ويرى الناس في جهل، وكان من معه قادمين من بلاد مقفرة لأن المناطق الشمالية حيث الأئمة والزيود تعيش مجاعات وفقراً وبؤساً، فلما نزلوا إلى هذه المناطق وجدوا الناس لهم مساكنهم ولهم أراضيهم وثيابهم حسنة، وهذه كلها تثير في نفوسهم حسداً وحقداً ونظرة سخط، فظل يطوي هذا في نفسه ويتربص، رجع من قضاء الحجرية إلى قاعدته في مدينة تعز بعد أن مر على بعض المناطق، ووصل عمي عبدالوهاب إلى تعز، فاستدعاه واستدعى إلى جانبه الكثير من العمال واعتقلهم جميعاً عند الإمام يحيى بحجة الادعاء أن هناك مؤامرة، وبقى والدي على علاقته بعلي الوزير، وأذكر أنه جلس فوق المسجد يكتب رسالة وأنا بجانبه ومن عباراته قوله للسيد علي الوزير: بلغنا ما دبره الظالمون الذين أحرقوا أنفسهم بما صنعوا، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين، كان والدي يبرر للوزير ما فعله معتقداً أنه صادق وأن أخوه ظالم وأنه يستحق هذا العقاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.