من توزيع المنشورات داخل المدن إلى نقل الرسائل من المدن إلى المدن فمتى نكون خارج المدن؟ ..سؤال ظل يراود أحمد وهو في طريقه إلى تعز .. مسافة كان يمكن أن تكون قصيرة لولا لولا ..يضجر من كلمة لو ولولا ولكنها تعاوده من لحظة إلى أخرى ..يشتاق للعروج على نجد ريمان وزيارة أمه فاطمة وهو يذرع يريم في اتجاه الجنوب حيث تعز إلا أنه يتذكر بأن المهمة لا تتحمل التأجيل .. نقل رسائل من هذا النوع ليس بالأمر السهل فعليه أن يكون حذراً ومتيقظاً فوقوعها في يد أحدهم ..عيون الإمام وولي عهده المنتشرة في كل مكان يعني الصعود إلى نافع له ولغيره ..لن يكون مجهولاً إذا صعد إلى سجن نافع ..لا لا لن أخون الأمانة لابد أن أؤديها فلن أصعد لوحدي إلى نافع ، وإذا مسكوني متلبساً فإني أكون بريئاً من خيانة الأمانة وسأصعد إلى هناك ومن يدري فربما أخرج منه حياً عند إعلان نجاح الثورة فأكون واحداً من قادتها ..أتوق أن أخرج من المجهول إلى العلن فإن نجحت فإني في الصورة وأن فشلت فإين في الصورة ..صورة كل الأحرار ..هكذا أحسن الجندي المجهول فأن نجحت فسأكون في الصورة وأن فشلت فأنا بعيد عن الصورة فأسلم مما سيلاقية من هم في الصورة ..لا وقت للحساب الآن ..لماذا ..أين وو..لابد أن يكون الهدف الأسمى والأغلى خارج نطاق المصلحة الشخصية ..خارج نطاق أين سأكون ..حساب سيسقط مشروعنا ..أفكار وهو اجس تساعده إلى نهب الطريق ..طريق لابد أن تنتهي في ربعها..في نصفها ..في نهايتها وقد كانت نهايتها تعز ..تعز معقل أحمد ولي العهد ..تعز الزاخرة بالأحرار ، تعز منارة الثقافة تعز الأمل ..أمل مصرع ولي العهد ..لن ينجح المشروع إلا بمصرعه ..فماذا تحمل هذه ..رسائل ردعته أمانة المسئولية من الإطلاع عليها ..لم يحذره صديقه علي من الإطلاع عليها فقد كان يعرف الأمانة التي يتحلى بها صديقه أحمد رسائل سلمها للحاج علي ..الحاج الذي لم يتعب من العثور عليه ..يمد يده المرتعشة ..المرتعشة من الخوف .خوف ان يلحظه أحد إلا أن الحاج علي المعتاد على تلقي الرسائل سرعان ما خطفها منه ..يبادره الحاج علي بالقول : - أين ستقيم ؟ - لا أدري لأني ..يصمت وكأنه تذكر ..هل تعرف عبد الله بن محمد يحيى مُحمد الإرياني ؟ - ولماذا هذا الاسم الطويل يكفي أن تقول عبد الله الإرياني . - فهل تعرفه أو سمعت عنه ؟ - وهل هناك من لا يعرف أو من لم يسمع عنه . - فأين يقيم ؟ - في شرعب ..حاكم شرعب. - وأين هي شرعب ؟ - تنام عندي الليلة وغداً سأدلك على طريق شرعب .
مجلس عبد الله بن محمد الإرياني حاكم شرعب يضم أحمد الشامي . أحمد المعلمي ويحيى منصور ..يقول أحمد الشامي اسمعوا ماذا قلت عن شرعب : - الله ما أجمل هذه الأصقاع ، جبال شاهقة تناطح السحاب ، ومناظر خلابة تدهش الألباب ، وسماء صافيه ، ورياض زاهية ، ونسيم عليل ، وماء عذب ، وهواء جميل ، هذه هي شرعب (أرض الأب والأم ) شرعب التي لم يعكر صفو سمائها دخان المصانع ولم يخترق جوها نسر حديدي ، ولم تشذب جمالها يد الإنسان ولم ترتفع في سمائها للعلم راية ..هذه هي شرعب ..أحمد المعلمي (مقاطعاً): - حسبك يا أخي احمد وكأن دخان المصانع قد عكر صفو سمائنا ما عدى شرعب ..يرد الشامي : - هو الاستطراد أخي . - وكأن النسور الحديدية قد اخترقت أجواء ..عبد الله (ضاحكاً ..مقاطعاً ): - اطمئن وسماء وأجواء عتمه ..يضحكون ..يقول يحيى منصور : - وكأنك تريد أن تظل شرعب هكذا متخلفة ..يرد أحمد الشامي : - أريدها بدون أدخنة ونسور حديدية حتى يظل جوها نقيا وأريد لها بناية حكومية ومدرسة منظمة وجلب معلمين بارعين ، فأبناء شرعب متفوقين في الذكاء والإدراك وسرعة الإحساس ..يقول أحمد المعلمي: - وأين سنبني المصانع وأين ستطير الطائرات ..عبدالله الإرياني (ضاحكاً): - تبني وتطير في عتمه ..يضحكون ..يقول يحيى منصور: - أرض وأجواء ذي السفال جاهزة المهم من يبني لنا مصنعاً ويمنحنا طائرة ..يقول عبدالله الإرياني: - لابد أن يأتي اليوم الذي نبني فيه مصنعاً وتطير في أجوائنا الطائرات وإذا كنا لا نستطيع أن نمنع تحليق الطائرات في أجواء بعينها إلا أننا نستطيع أن نمنع بناء المصانع في ذي السفال فهي أجمل من هنا ..أحمد المعلمي (ساخراً): - من أنت حتى تمنع ؟ - أنا قلت سنمنع ..أنت والشامي ويحيى وأنا . - على رسلك أخي عبدالله فللجدران آذان أم أنك قد نسيت مولانا ولي العهد ..يقول أحمد الشامي: - نعم فعيون وآذان الطاغية قد انتشرت في كل مكان.. المعلمي (مازحاً) : - قال الطاغية وأنتم شاهدون ..يدخل في هذه اللحظة مرافق عبدالله الإرياني ..يقول: - ينتظر في الخارج رجل اسمه أحمد محمد عبد الوهاب مُحمد ..ينهض عبدالله واقفاً ..يقول (آمراً ): - دعه يدخل ..يلتفت إلى الحاضرين ..يقول : - هذا حفيد جدي مُحمد.. لم يكد يكمل جملته حتى كان أحمد واقفاً على عتبة الباب ..يندفع إليه عبدالله مرحباً ..يجلسه إلى جانبه ..يقول : - أي مفاجأة وأي ريح طيبة أخذتك إلى هنا ..ينظر إليه مفكراً للحظات ..يقول: - ريح ..ريح..سأجيبك فيما بعد ونحن لوحدنا ..يقول المعلمي : - بل تحكي فلا أسرار بيننا ..يقول (عبدالله) : - نعم أحكي فلا أسرار بيننا كما قال . - ريح الرسائل ..يقول عبدالله : - الرسائل لنا .. - بل من صنعاء إلى تعز ..ينظر كل من الحاضرين إلى الآخر ..يقول (عبدالله): - للحاج علي باب موسى. الشامي : أم للحاج مدهش بالباب الكبير . المعلمي : أم للحاج مكرد في الأشرفية . - يحيى أم للحاج صالح في صالة .. ينظر إليهم احمد دهشاً وهم يطلقون جملهم بسرعة لم تتركه يرد على استفسار عبدالله ..دهشة سرعان ما تحولت إلى فرحة غامرة ..فرحة اجتماعه ولقائه بمن يحملون معه الهم الواحد ..فرحة ألجمت لسانه ..يقول المعلمي : - ماذا دهاك ..رد ..أي حاج هو ..يرد (واثقاً) : - الحاج علي ..يقول المعلمي : - فاز عبدالله ..يقول يحيى : - أنتم الثلاثة أحمد فكيف نميز بينكم ..يقول عبدالله : - المعلمي ، الشامي ، الإرياني ، عبدالله ..يقول المعلمي : - ولماذا لا تقل ..المعلمي ، الشامي ، العتمي ، والإرياني ..يقول عبدالله : - عتمي المولد وإرياني النسب ..يقول الشامي : - لغز هو..يضحك عبدالله ثم يحكي قصته..يقول الشامي (مبتسماً:) - عتمي الجنسية من أصل إرياني ..يقول عبدالله مخاطباً أحمد الإرياني : - وماذا كانت تحمل الرسائل؟ - لا أدري ..يقول المعلمي (مازحاً؟): - فأنت احد الجنود المجهولين. - هو كذلك ..فيما حملته من صنعاء وفيما أحمله من تعز ..رسالة أعطاها الحاج علي لأخي عبدالله ..يتناول عبدالله الظرف ..يقول: - هذا خط صديقي الحميم زيد الموشكي ..يفتح الرسالة ..يقرأ.. صمت .. وهو يقرأ تارة يبتسم وتارة يكفهر وجهه وتارة أخرى طبيعياً ..ينظر أمامه وهو يعيد الرسالة إلى الظرف ..يقول المعلمي : - نريد فقط أن تخبرنا عن سر الابتسامة ودع ما عدى ذلك من الرسالة إن أردت . - لا يوجد بيننا أسرار فالهم واحد وصديقي زيد هو أكثرنا هماً وشجاعة ..يقول المعلمي (مقاطعاً) - نعرف بأنه أكثرنا هماً وشجاعة فما هي سر الابتسامة ؟ - ولماذا أنت مصر على معرفة سرها ؟ - لأننا نعرف بأن زيد جاد دائماً . - لأنك لم تعرفه مثلي . - نعرف بأنه صديقك الصدوق ولكن ما سر الابتسامة ..يقول الشامي : - أضم صوتي إلى صوت المعلمي ..يحيى ( مؤكداً): - وأنا كذلك ..يقول عبدالله (مبتسماً) - إذا أراد حفيد جدي مُحمد .. - ومن منا لا يريد أن يسمع عن زيد الموشكي .. يتنهد عبدالله ..يقول: - رسائلي مع أخي وصديقي زيد لا تنقطع وفيها ما نفرج به عن همومنا ونشكو لبعضنا وقد قالوا (الشكوى للصاحب حجامة) وزيد الصاحب والصديق (مبتسماً) وكثيراً ما نتبادل المزاح ..كتبت له في رسالتي الأخيرة : الفؤاد في سعير والجلَد كله صنافير كم شربنا شعير ولا نفعنا ولا شي شور من عندكم أو شي دواء قد نفعكم ولو تشلوا معاشي وقد رد علي زيد في هذه الرسالة : الدواء قد عرف لو كنت داري وتعرف بنت مثل الألف لا تقع شي خواشي يطلقون ضحكة مدوية وكأنهم كانوا بركة راكدة أسقطت عليها صخرة كبيرة ..يقول المعلمي : - كل هذا يجي منك يا زيد ..يقول الشامي : - لقد نطق أخي عبدالله بلسان حالنا ولسان حال أخي زيد والفارق بيننا وبين أخي زيد بأنه قد عرف كيف يترجم ما في نفوسنا فكلنا بدون ..(يتنهد) ..يقول الشامي : - كم أتمنى ديوان شعر لطيف (وخرعوبه) تبادلك الحب ..يقول المعلمي (متأوهاً): - العلاج قد عرف خرعوبه تبادلني الحب ..يقول يحيى : - أناني يا معلمي فقد قال الشامي تبادلك وقلت تبادلني - تبادلك تبادلني المهم الخرعوبه ..أين الخرعوبه (يخاطب أحمد الإرياني ) ..هل هي أمنيتك ؟ - أي أمنية : - الظاهر بأنك لست معنا ..خرعوبه تبادلك الحب خرعوبتي واقع وليست أمنية ، واقع حجبه عن ستار من الحجار والنوافذ ولهذا فإن ما بي أشد مما بكم ..أنتم تتمنون الغائب ..الغائب في علم الغيب وأنا أتمنى الحاضر ..الحاضر في علمي ..فمتى أطوله ؟ ..يقول المعلمي : - لماذا ترد ؟ ..يرد (متأوهاً) - ومن منا لا يتمنى ..يقول عبدالله : - الله ..الله يظهر عليك ..يبتسم ..فهل أنت متزوج ؟ - لا ولكني خاطب . - ولماذا لم تتزوج وقد بلغت من السن عتيا ؟ - لم أتزوج ..ويحكي أحمد قصته ..يقول المعلمي : - اصبر وصابر فقد قرب موعد لقائك ..المسكين أنا فلم أجد خرعوبه حتى الآن ..يقول يحيى : - كلنا مساكين ثم ما أدراك بأنها ستكون خرعوبه كما تمناها الشامي ..يقول الشامي (مبتسماً): - لماذا لا يكون مشروعنا متكاملاً ..من أجل التحرر من الظلم والتخلف ومن أجل الخرعوبه التي تبادلك الحب يقول عبدالله (مبتسماً) - فكرة ظريفة من أخي الشامي وسأكتب لأخي وصديقي زيد ليثريها بملاحظاته الذكية والظريفة ..يقول المعلمي : - سأذكركم بقصة زيد مع ولي العهد أحمد ..عندما تحدث ولي العهد في إحدى مجالسه للحاضرين قائلاً : - شرب الخمر هو سبب الصحة البادية على وجوه النصارى وأجسامهم .. ضحك زيد الموشكي ساخراً وعلق على حديث ولي العهد قائلاً : إنهم على أي حال أحسن حالاً من رعاياك يا مولاي ، من هؤلاء الذين قتلهم الهزال وعلى وجوههم تلوح صفرة الموت ويكادون يسقطون من الإعياء ، وما أجمل أن ترى أخاك المسلم قوياً ممتلئاً بالصحة كهؤلاء النصارى يضحك المعلمي ..يقول: لو أن ولي العهد قال ..النصارى الفاسقون الكفرة يتبادلون الحب في الشوارع ..كان سيقول زيد الموشكي ..نسائهم على أي حال أحسن من نسائنا الأميات القابعات داخل بيوتهم..يقول عبدالله : - إذا كان ولي العهد طوي ما سمعه من زيد في نفسه وهو يردد همساً : سأقتله ..سأقتله فإنه كان سيقتله فوراً لو حدث ما قاله المعلمي ..آه..آه..كم نصحت زيد بتوخي الحذر وعدم مصارحة ومجابهة ولي العهد ..إمام المستقبل ..إلا أنه مصمم ..يقول المعلمي : - مادمنا بصدد زيد الموشكي فسأذكركم بحكاية ثانية ..أولم ولي العهد وليمة وأعدت المائدة على الأرض وتحلق المدعوون حولها فطلب ولي العهد (السلتة) فقال زيد الموشكي : - تعودوا يا مولانا ترك السلتة فربما تسافرون إلى الخارج فلا تجدونها ..رد ولي العهد : - سأسافر بحلبتي ..فقال الموشكي : - نعم ستسيرون في بحر من حلبه ..يقول عبدالله: - وهذا قليل من كثير مما يصارح به زيد ولي العهد ولهذا فأنا أخشى عليه ..يقول الشامي : - لقد سرقنا الوقت وحان الوقت للذهاب حتى أصحو مبكراً للسفر إلى صنعاء ..يقول عبدالله : - وأنت يا حفيد جدي ..لا شك أنك متعب . - نعم وخاصة بأني مسافر غداً إلى صنعاء - ما سلم حتى ودع . - كانت الزيارة لغرض التعرف عليكم ..يقول الشامي : - ترافقني : يرد أحمد (فرحاً) - أرافقك فقد مليت وتعبت من السفر لوحدي .