مازالت تفتح قلبها لضوء كل صباح, وتموسق نشيج القلق أغاني هادرة. وتتعرى من ذاكرتها وهزائمها, وترقص ساخنة كقرص الشمس, تخدش وجهه العالم صاخبة ومشتعلة, تنثر جروحها في الهواء وترقص, تختفي في شلالات من الضوء وتلتحم بذاكرتها الصدئة. حين اغتالوا نسمات البنفسج وهي ترقص على أثوابها, حين اغتالوا العصافير وهي تتهجى أبجدية الحب!! تذوي في موج من الرماد لآلاف الصور التي ارتعشت في الأفق ولم تعد, وتستعيد رائحة الاختناق.. حين شقت قلبها الكثير من الطعنات الغادرة ممن كانت تسميهم أحبتها, من انتعلوا قلبها وصورها وصوتها في أحد الأرصفة الموبوءة بالخيانة من كانت تتلمس بحنان لجروحهم لتضمدها.. ويمدون بأيديهم ينهشون أحلامها ويعبثون بأشيائها الجميلة والصافية.. تجرهم الرغبة لعمل أي شيء بعد ان استكانوا في أحضان الانحطاط واللامبالاة.. يفقدون صفاء أرواحهم ويخسرون أحبتهم دونما يدركون. ترى ماذا يعني لهم ذلك؟! ماذا يعني أن تفقد الأمان فيهم وتظل تتوجس أن تشرب جرعة ذهول وألم مباغتة من أيديهم وقد كانوا لك طوق نجاة؟ عبثاً.. صاروا أشباحاً بأجساد آدمية.. والغريب أيضاً أنهم يحزنون ويبكون وماأكثر مايبكون حين يفقدون مبرراً لأحزانهم, وماأكثر ماينسون أيضاً من نقيض إلى نقيض, ليتها تستطيع أن تكترث لهم حتى ذلك الذي كانت تعتقد أنه الدعامة الوحيدة التي تستطيع أن تستند عليها خذلها أيضاً, أهال الثلوج على روحها وكفنها سراً حيث قررت أن يكون رفيق دربها الأوحد.. لوثته الأرض بالنساء والشوارع والأصدقاء في ضباب المسافات التي أكنت بينهما لتبقى عالقة مابينه وبين الشمس, كانت تجره الرغبة لعمل أي شيء فينهزم الطاغوت نزقه ولايفيق إلا حين تقذف به الأمواج إلى شاطئ الحسرة والندم, لوثته الأرض بشوارعها ونسائها ولم يعد قادراً على أن يدنوا أكثر من مقاماتها, وليتها لاتستطيع الاكتراث لقضاياه. لكنها أحبته ذات صفاء.. صنعت له آلاف الصور في لجة الأحلام التي لم يكن ليصلها الغبار والعفن بعد.. كم صار خذلانها عظيماً!. ولكن الآن لم يعد أي مدى كي تودعه أي خيبات إضافية, ولم يعد هناك مدى للأحلام, فقد صارت بعيدة كالشمس.. وهاهي تدون ذاكرتها وتواريخها على الريح وترقص متوحشة كما في العمر من طعنات وأكاذيب, تنتعل قلبها إلى خاصرة حذائها وترقص ساخرة من ضعفها وسذاجة أفكارها ومن كل الضعفاء أمثالها الذين أصبحت أعماقهم كهوفاً تسكنها الأشباح الخرساء لايعرفون من أسلحة المقاومة غير الاستسلام. هاقد صار العالم شيئاً آخر غير ماكنت تبتغيه وتدونه ذاكرة القمر في مساءاتها الفضية, لم تعد الصور كتلك الصور التي كانت تمتلئ بها جدران مرسمها الصغير.. عالم يملأه الغموض, حافل بألوان الصراع, تنتصب المشانق كل يوم لتدعوا إليها أجساد الفقراء وأحلامهم.. وهاهي لوحدها من دونهم بهذا التحدي الصعب في زمن التيه والغرابة, زمن الكلمات المزركشة.. ستصفع العالم بين عينيه.. وترقص مشتعلة على كل الوجوه الغادرة على كل التواريخ.. وكل الصور.. ولكن ليس كراقصاتكم»للمال والساسة والتجار والقوادين» إنما سترقص للحقول والسنابل والأطفال والأمواج والنوارس.. سترقص لنجمة كما رأتها وهي تخطف من تغر القمر قبلة.. سترقص ليخضر الصبا ويورق جذع القلب بالأقحوان والندى. ستبصق على كل أزمنة العجرفة ولن تفزعها بعد كل هذه البشاعة وكل هذه الوجوه الرمادية.. فمازالت تفتح قلبها لشمس وتراقص الريح.. مازالت قادرة على الغناء مع الطير والماء.. ستتبع خيوط الشمس بأشرعتها البيضاء.. وان اغتالوا أنوار المصابيح بقلبها بوشاح العتمة, وإن صارت السعادة خرافة والحب وهماً!!! وإن صار كل شيء مجرد حلم. ستظل تحلم وإن أحرقت على حواف الانكسار ستخلقها وهماً أكبر.. ستقصد البعيد وإن لفظتها الوجوه والأرصفة وإن أحشدوا الحرائق لأشواقها, ستنهض من بين حطامه وتتخلق روحاً أخرى شفافة كالغيوم البيضاء أرقى وأنبل, سترتقي إلى أعلى مقامات الكبرياء كلما زاد النزيف واختنق الصراخ وصار موالاً حزين, سترقص عليه صاخبة فرحة لن تكترث بعد الآن!!