حظي قطاع الاتصالات في عهد الوحدة المباركة باهتمام بالغ من قبل الدولة، باعتباره أحد ركائز التنمية وعامل أساس لتحقيق النهوض المنشود، وذلك من خلال تبني وتنفيذ جملة من المشاريع الاستراتيجية الرامية لمواكبة التطورات العالمية المتسارعة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات والاندماج ضمن المنظومة المعلوماتية العالمية والقرية الكونية الواحدة. وبالرغم من أن الثورة اليمنية الخالدة (سبتمبر واكتوبر) وضعت اللبنات الأولى للنهوض بهذا القطاع، لكن الانطلاقة الكبرى والتحول النوعي في هذا الجانب تعزز بعد إعادة تحقيق وحدة الوطن واعلان قيام الجمهورية اليمنية في ال22 من مايو 1990م، حيث دشنت اليمن خطواتها العملية بالتعاطي الفعلي مع التطورات العالمية في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات من خلال التطورات الجذرية التي سعت الى احداثها في هذا المجال عبر خطط وبرامج استهدفت تطوير القطاع كماً وكيفاً، بما ينسجم وطبيعة التحولات وتسارع خطوات التحديث والتطوير في يمن الثاني والعشرين من مايو على كافة الصعد. وقد انصبت الجهود خلال الفترة الماضية على إحداث قفزة نوعية في قطاع الاتصالات في المحافظات الجنوبية والشرقية، بما يتناسب مع التطور الحاصل بهذا الشأن في المحافظات الشمالية والغربية ومن ثم الانطلاق صوب تحقيق أهداف التطوير المنشودة، لاسيما وأنه لم يكن في المحافظات الجنوبية والشرقية في عام 1990م سوى 31 ألفاً و713 خطاً هاتفياً، جميعها تعتمد على التقنيات الميكانيكية القديمة التي انقرضت صناعتها، مقارنة مع 122 ألفاً و153 خطاً هاتفياً في المحافظات الشمالية تعتمد على تقنيات حديثة ومتطورة. وفي هذا الصدد جرى استبدال كافة السنترالات الميكانيكية بسنترالات إلكترونية حديثة وزيادة سعتها بمقدار 50 بالمائة وربط المدن الكبرى فيما بينها وببقية المدن في المحافظات الشمالية بسعات كبيرة وبتقنيات حديثة، وإنشاء كابل بحري بأحدث تقنيات الألياف البصرية لربط عدن بأهم عواصم العالم عبر جيبوتي، وكذا إنشاء سنترال دولي جديد بالتقنيات الحديثة بسعة اولية تزيد عن ألف قناة دولية لربط اليمن بكافة بلدان العالم، وانشاء شبكة ألياف بصرية بوادي حضرموت وشبوة وعدن ولحج وابين، فضلاً عن انشاء وصلة ميكرويف بين صنعاءوعدن، ومحطات فضائية لربط سقطرى بالغيظة، ومواصلة تطوير وتوسيع منظومة الاتصالات في مختلف محافظات الجمهورية بالاعتماد على أحدث التقنيات العالمية. وأثمرت تلك الجهود تحقيق نمو متسارع وقفزات نوعية في هذا المجال، بحيث وصلت السعات الهاتفية المجهزة في الشبكة الوطنية للهاتف الثابت في كافة محافظات الجمهورية مع نهاية عام 2010م الى مليون و 353 ألفاً و 847 خطاً هاتفياً مقارنة ب 153 ألفاً و 866 خطاً هاتفياً في عام 1990م، في حين ارتفعت الخطوط الهاتفية العاملة خلال نفس الفترة من 122 ألفاً و 672 خطاً الى مليون و 46 الفاً و 208 خطوط. كما وصل عدد مراكز الاتصالات بنهاية العام 2010م الى 15 ألفاً و992 مركزاً، وارتفعت الخطوط المجهزة للتغطية الهاتفية الريفية من 1527خطاً عام 1990م إلى 227 ألفاً و717 خطاً عام 2010 ، بينما وصل عدد الخطوط العاملة في السنترالات الريفية الى 185 ألفاً و 263 خطاً هاتفياً. وفي ذات الوقت تواصلت الجهود لإنشاء وتوسعة وتطوير السنترالات في عموم محافظات الجمهورية، وتحديث ما كان قائماً منها، بما تتطلبه من تجهيزات فنية وأنظمة، والشروع في تنفيذ شبكة الجيل التالي (ان جي ان) بغية إدخال تقنيات جديدة ومنافسة تشمل خدمات الصوت والصورة والبيانات والانترنت، وذلك من خلال تركيب وتشغيل هذه التقنية كمرحلة أولى في امانة العاصمة وعدن والمكلا، بحيث اصبح قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في اليمن يصنف دوليا بأنه من افضل القطاعات على مستوى المنطقة العربية المواكبة لتطورات التكنولوجيا وتقنيات المعلومات والاتصالات. وواكب التطور في مجال الاتصالات تطور مماثل في مجال خدمات الانترنت التي دخلت خدماته إلى اليمن لأول مرة عام 1996م إذ وصل عدد المشتركين فيه والمترددين عليه حتى نهاية العام 2010م إلى 563 ألفاً و299 مشتركاً مقارنة ب 473 مشتركاً عام 1996 ، فيما ارتفعت مقاهي الانترنت في اليمن من 50 مقهى عام 2000 م إلى 1004 مقهى عام2010م. وتبنت الحكومة في اطار استراتيجياتها لتطوير هذا القطاع مشروع “مدينة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات” المرحلة الاولى بتكلفة تقدر بنحو مليارين و 238 مليون ريال، بهدف إقامة مجمع تقني متكامل يعنى بتقنيات الاتصالات والمعلومات وصناعة البرمجيات، واستقطاب الكفاءات المتخصصة والمبدعة القادرة على تحويل هذه الافكار إلى برامج عملية في المجالات الاقتصادية والعلمية. ولم تقتصر الجهود على ما تحقق، بل عملت الحكومة على إنشاء البوابة اليمنية للانترنت (يمن نت) لتمثل بوابة عبور لليمن إلى شبكة الإنترنت العالمية، بغية توفير بنية تحتية مناسبة، وتحقيق الاستفادة الشاملة من معطيات تقنية المعلومات والاتصالات، وتوفير الخدمة بجودة عالية وبتكلفة مخفضة، فضلاً عن تنفيذ مشروع شبكة تراسل المعطيات والمعلومات لتوفير البنية الأساسية لشبكة تراسل وتبادل المعطيات وفق سرعات عالية وسعات كبيرة لربط كافة الوزارات والمؤسسات والبنوك والشركات والهيئات والمصالح والجامعات بقنوات مباشرة مع فروعها عبر شبكة تراسل واحدة. كما جرى تدشين البرنامج الوطني لتقنية المعلومات “ الحكومة الالكترونية” ومشروع فخامة رئيس الجمهورية لتعميم الحاسوب، الذي تم في مرحلتيه الأولى والثانية توزيع اكثر من 28 ألفاً و500 جهاز حاسوب؛ بهدف تعميم ثقافية الحاسوب واستخدامات الانترنت، وكذا تنفيذ مشروع الخارطة الرقمية الموحدة للجمهورية اليمنية الرامي الى توفير وعاء لجميع البيانات الرقمية المكانية للجمهورية وتزويد المؤسسات الحكومية والجهات المستخدمة لنظم المعلومات الجغرافية ببيانات طبوغرافية شاملة. وإلى جانب ذلك بدأت الحكومة اجراءات تنفيذية للاستعداد والتوجه نحو التهيئة للحكومة الالكترونية من خلال اطلاقها في سبتمبر 2009م موقعها الرئيسي على شبكة الانترنت، والعمل على رفع جاهزية المحتوى الالكتروني للموقع واستكمال بنائه والاستمرار في تطويره وتحديثه على النحو المخطط له، فضلاً عن موافقتها على خطة العمل التنفيذية للمرحلة الثانية المتمثلة باستكمال بناء البوابة الالكترونية للحكومة على شبكة الانترنت، وبدء تنفيذ مشروع محو امية الحاسوب في القطاعات الحكومية عبر برنامج الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب، بالاعتماد على نتائج المسح الميداني التقييمي لوضع تقنية المعلومات في قطاعات الدولة ومستوى جاهزيتها ومتطلبات تطويرها. كما أولت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات عملية التدريب والتأهيل اهتماماً بالغاً من خلال تطوير وتحديث المعهد العام للاتصالات وتوسيع أنشطته عبر إنشاء فروع له في عدد من المحافظات إلى جانب افتتاح عدد من الأكاديميات التابعة له كأكاديمية «سيسكو اليمن» و«أوراكل» و«مايكروسوفت» وإنشاء مركز الرخصة الدولية، ليصل عدد من تم تأهيلهم وتدريبهم حتى نهاية عام 2010م الى 93 ألفاً و261 متدرباً ومتدربة في مختلف المجالات الادارية والفنية والحاسوب. وتسعى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من خلال الخطة الخمسية الرابعة ومصفوفة السياسات والأهداف العامة لخطة الأداء الحكومي السنوي للوزارة الى توفير بنية تحتية متطورة وكفؤة للاتصالات وتقنية المعلومات، تلبي متطلبات التنمية واحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني باتجاه اقتصاد المعرفة، عبر تطوير خدمات الاتصالات وتوسعة وتحديث الشبكة الثابتة وتوفير متطلبات الانتقال إلى شبكات الجيل الثاني «جي إن جي». وتشمل الخطة احلال بعض سعات السنترلات القديمية في عدد من محافظات الجمهورية بسعة 200 ألف خط، وتوسعة بعض السنترالات في محافظتي إبين وعمران بسعة 519 خطاً هاتفياً، وكذا توسعة وتطوير شبكة التراسل الدولية وتفعيل مشروع مدينة تكنولوجيا الاتصالات والبرنامج الوطني لتقنية المعلومات، فضلاً عن تطوير المعهد العام للاتصالات وتفعيل مشروع تعميم الحاسوب، وذلك بهدف مواكبة التطورات المتسارعة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات . كما تشمل تطوير الاتصالات الريفية عبر تركيب وتوسعة وإحلال عدد من مواقع النظام اللاسلكي الثابت بتقنية IP/WLL ، وتركيب عدد (32) كبينة ألياف بصرية جديد بسعة (168ر9) خطاً، الى جانب توسعة (13) كبينة ألياف بصرية بسعة (864ر1) خط، وإحلال (14) كبينة ألياف بصرية بسعة (824ر2) خطاً. وفي هذا الصدد أوضح وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس كمال حسين الجبري أن التوجّهات الحالية والمستقبلية للوزارة تتمثل بالنهوض بقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات من خلال إعادة هيكلة الوزارة وإنشاء هيئة لتنظيم الاتصالات على ضوء قانون الاتصالات الجديد، وإعادة هيكلة مؤسسة الاتصالات وتحويلها إلى شركة، الى جانب إعادة تأهيل وتطوير قطاع البريد وإعداد مشروع قانون جديد للبريد لمواكبة التطوّرات والتحوّلات الناجمة عن تحرير الخدمات البريدية عالمياً، ودراسة جدوى إنشاء بنك بريدي للمساهمة في توسيع النشاط المصرفي ليشمل الريف والحضر. وبين المهندس الجبري أن الوزارة تسعى الى تفعيل دورها الرقابي والإشرافي على قطاع الاتصالات وفصل مهمة التنظيم عن التشغيل، لضمان التزام الشركات المقدّمة للخدمة بالمعايير المنظّمة لها وحماية المستفيدين ومقدّمي الخدمات عبر اعتماد نظام تعريفات متوازنة لخدمات الاتصالات وبما يساعد على تنمية الاقتصاد وتعزيز الاستقرار وتنفيذ خطط وطنية لاستخدام الطيف التردّدي المتاح واستثماره بكفاءة تمكّنه من استيعاب كافة أنظمة الاتصالات والمعلومات. كما تسعى كذلك إلى الإسهام في تنفيذ البرنامج الوطني لتقنية المعلومات ودعم الحكومة الإلكترونية لرفع كفاءة الأجهزة الحكومية وأتمتة أعمالها، وإعداد دراسة تقنية حول الأوضاع الراهنة للبنى التحتية للاتصالات وإعداد السياسات والتشريعات والبرامج للانتقال للأجيال الأحدث لتقنيات الاتصالات والمعلومات ذات النطاق العريض، فضلاً عن تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، وإعادة النظر في مهام الإدارة العامة للإنشاءات بمؤسسة الاتصالات بغرض الدخول في مجال الاستثمار للبنى التحتية بالمنافسة مع المؤسسات الخدمية الآخرى والقطاع الخاص. وأشار المهندس الجبري الى ان من ضمن توجّهات الوزارة تطوير مستوى كوادر اجهزة الدولة والقطاع الخاص في مجال تقنية المعلومات والاتصالات والحاسوب، وتطوير المعهد العام للاتصالات من خلال إعادة هيكلته وتطوير تجهيزاته ومناهجه، بالاضافة الى مواصلة الجهود لتوفير البنية التحتية لشبكة الاتصالات وتقنية المعلومات وتوسيعها وتحديثها، وزيادة استخدام الإنترنت وتطبيقاته لاسيما التعليم والاستشعار عن بعد والتجارة الإلكترونية، مع إيصال الخدمة بأسعار مناسبة لمختلف التجمّعات السكانية بما في ذلك المناطق الريفية والنائية.