ذكرى إعلان فك الارتباط.. جدار جنوبي راسخ لفظ الوحدة المشؤومة    خاصموا الانتقالي بود وأختلفوا معه بشرف    شراكة الانتقالي وتفاقم الازمات الاقتصادية في الجنوب    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    مظاهرة حاشدة في حضرموت تطالب بالإفراج عن السياسي محمد قحطان    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    شاهد :صور اليوتيوبر "جو حطاب" في حضرموت تشعل مواقع التواصل الاجتماعي    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    رئيس الوفد الحكومي: لدينا توجيهات بعدم التعاطي مع الحوثيين إلا بالوصول إلى اتفاقية حول قحطان    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل كانت الصورة لازمة؟!
(الجمهورية) في مهمة البحث عن إجابة السؤال التاريخي
نشر في الجمهورية يوم 27 - 09 - 2011

في فترات من الزمن تعصف الأحداث بمصير الأمم، ويبدأ ذوو الأهواء بضخ الأفكار العقيمة، التي تستهدف النيل من تاريخ الشعوب، وفي بلدنا الحبيب طالعتنا بعض الكتابات في السنوات الأخيرة بلغ الزيف فيها مبلغه، حتى وصل الأمر بها إلى التشكيك في كل شيء في الوطن، ونالت الثورة نصيبها من الهجوم العقيم، من خلال الارتكاز على محور الأخطاء التي شهدتها المسيرة في أعقاب الثورة، ولكن هؤلاء لم يسألوا أنفسهم السؤال الأكثر جدية؛ هل كانت الثورة لازمة في اليمن؟.. لعل هذا السؤال يمثل محوراً لمجلدات مفترضة، لكننا سنحاول الاقتراب من الإجابة الموجزة عنه في حوار طويل مع الدكتور عارف محمد الرعوي نائب عميد كلية الآداب في جامعة إب...وتالياً مقتطفات من الحوار:
غياب الاستقرار السياسي
في البداية أشار الدكتور عارف الرعوي إلى الطبيعة الصراعية للنظام الإمامي الذي جثم على اليمن ردحاً من الزمن حيث قال:
بالرغم من أن اليمن كان أول بلدان الوطن العربي استقلالاً عن العثمانيين في العام 1635م إلا أن الأثر السياسي لذلك الاستقلال تمثل في سيطرة الأئمة على مقاليد الحكم في اليمن خاصة في عهد الإمام المتوكل إسماعيل الذي مد نفوذه من ظفار شرقاً وحتى مكة شمالاً، وبالرغم من هذه السيطرة فقد كان نظام الإمامة هو السبب الحقيقي في ظهور الصراع وانفصال كثير من المناطق عن اليمن الأم، وهو الأمر الناتج عن الصراع والنزاع المستمر على منصب الإمامة والذي ساعد على استمراره طبيعة التعاليم الفكرية لنظام الحكم الإمامي والتي وفرت مبررات نظرية لذلك الصراع العنيف في ظل أرضية يمنية قبلية قابلة للخروج والثورة.
لذا فقد كان يتنازع الأقارب وغيرهم على الحكم حول منصب الإمام بعد وفاة كل إمام، وكان هدف المتنازعين في أغلب الأحوال هو الدخول في مساومات مع من هم أقرب للإمامة للحصول على المزيد من الامتيازات والنفوذ، مقابل سحب دعواتهم أو على أقل تقدير تثبيتهم على ما تحت أيديهم من مناطق الحكم، وهذه الخلافات والنزاعات بين مدعي الإمامة تلقي بظلالها على سلطة الدولة ونظم حكمها وأحوال سكانها، وأصبحت أراضي الدولة مفتتة إلى شبه إقطاعيات فشهدت الأطراف الشمالية والشرقية والجنوبية للدولة خروجاً متكرراً عن طوع السلطة، بل وخارج المنطقة العربية في إحدى الفترات، وأصبح الأمر ممهداً للعدو الخارجي باحتلال عدن وفرض الحماية في المناطق الجنوبية من قبل بريطانيا 1839 وعودة العثمانيين مرة أخرى 1872 إلى المناطق الشمالية، والذين كانوا من الضعف بما لا يمكنهم من بسط نفوذهم على اليمن بأكملها، وقد قاوم اليمنيون العثمانيون بشدة، وتزعم المقاومة الإمام يحيى واستقلت المناطق التي كانت خاضعة للحكم العثماني حتى عام 1918 عندما انسحب العثمانيون من اليمن على إثر هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى وتسلم الإمام يحيى المناطق التي كانوا يسيطرون عليها .
الميراث التركي
وعن الميراث التركي في اليمن والذي لم يستفد منه النظام الإمامي يقول الدكتور الرعوي:
لقد ترك الأتراك وراءهم في اليمن بعض النماذج التي تمثل نقلة تطوير في مجالات مختلفة في الحياة العامة حيث إن الأتراك قد تمكنوا في العام 1876 من إدخال الطباعة إلى اليمن وإصدار أول صحيفة، كما عملوا على توسيع الطرقات لنقل المدافع، وإدخال السلك للتلغراف، وإدخال نظام الإدارة والأرشفة، وأنشأوا سلسلة من المدارس الابتدائية والسلطانية، وأسسوا مدارس عسكرية في صنعاء وتعز والحديدة وابتعثوا بعض الطلاب إلى إستانبول للدراسة، كما أدخلوا نظام التمثيل البلدي المقارب لنظام التمثيل البرلماني، لكن الإمام ترك كل تلك الأدوات التحديثية وراء ظهره ليدخل البلاد في عصر الظلمات.
الروح المظلمة
وفي رده على سؤالنا بشأن الكيفية التي حكم بها الإمام يحيى اليمن يقول:
منذ دخول الإمام يحيى صنعاء في العام 1920 حتى معاهدة الطائف في العام 1934عالج شؤون الدولة الداخلية بمزيد من تطور الظلم والاستبداد الفردي مستغلاً الدجل باسم الدين ومستثمراً نضال الشعب اليمني ضد الأتراك غير مستفيد مما خلفه الأتراك إلا ما كان له علاقة بضبط الضرائب وتحويل المباني أو المخازن إلى استخدامات على غير ما كانت عليه.
دخل الإمام يحيى صنعاء بنفسية كئيبة وروح مظلمة وتسلم السلطة وهو أسير ذهنية قديمة متزمتة تنفر من كل جديد أو غريب فلم يستطع أن يرقى بنفسه وطموحه إلى مستوى العصر يتفهمه ويستوعب منجزاته، ويستفيد مما يجدّ حوله وحاول أن يحكم بنفس القاعدة والأساليب البالية والقاسية التي حكم بها الأئمة الذين سبقوه معتمداً على القبائل الموالية له في ضرب القبائل غير الموالية، وفي فرض الأمان والاستقرار في مملكته ولم يحاول تكوين جيش نظامي مثل بقية الدول لولا أن مفتي إب القاضي يحيى الحداد نبهه إلى خطورة الاعتماد على الجيش البرانى ونصحه بضرورة تكوين جيش نظامي حديث، كما نصحه باستبقاء بعض الضباط الأتراك لتدريب وتنظيم الجيش النظامي حتى بعد أن عقد معاهدة مع ايطاليا واتفق معها على تزويده بالأسلحة دفع 60 ألف فرانصة كدفعة أولى لتسليح الجيش، وحصل على 3 طائرات كنواة أولى لقوات جوية، أرسل عشرة أشخاص ليتدربوا عليها عادوا بعد ثلاث سنوات وعندما سقطت إحدى هذه الطائرات اعتبرها شؤماً وألغى الصفقة وأوقف الطائرات عن العمل.
الجيش المتخلف
وعن واقع الجيش في العهد البائد يقول الدكتور الرعوي:
عند مجيء البعثة العسكرية العراقية إلى اليمن في أربعينيات القرن العشرين وصفوا الجيش اليمني بالآتي: “تدريب الجيش كما شهدناه في بدء زيارتنا لليمن، هو القيام بمسيرات وإتقان بعض الإيعازات والحركات التركية، التي كانت موجودة في الدولة العثمانية، ويدير هذا الجيش بقية من الرجال العثمانيين والعسكريين الذين آثروا البقاء في اليمن وهم مازالوا حتى الآن يحملون الشارات والرتب العثمانية، ويرتدون اللباس العثماني”، وكذلك ظل الإمام يستعمل دفاتر الدولة العثمانية وأوراقها حوالي أربعين سنة.
هلامية الدولة
ويؤكد الرعوي هلامية الدولة في العهد الإمامي من خلال الحرص على بعض المظاهر حيث يقول:
لقد أوكل الإمام مهمة العلاقات الخارجية إلى القاضي راغب بك (التركي) وزير الخارجية الذي عمل على إكمال مظاهر الدولة بإقامة علاقات وعقد اتفاقيات مع بعض الدول الأجنبية، هذان هما فقط المظهران من مظاهر الدولة الحديثة اللذان وافق الإمام يحيى على إيجادهما أما ما عداهما فقد كان سلوكه وأسلوب حكمه تجسيداً لقسوة الحياة وطبيعة التفكير السائد في المناطق المنغلقة على نفسها، وقد فرض حصاراً رهيباً على البلاد وعزلها عن كل ما يمت إلى العالم الخارجي بأية صلة، بل عمد إلى إلغاء النظم الإدارية الحديثة، وأساليب التعليم الحديث الذي كان الأتراك قد نقلوه معهم إلى اليمن عند عودتهم الثانية إليها.
أفق ضيق
ويستطرد الرعوي في تعداد الممارسات المتخلفة التي مارسها النظام الإمامي ضد أبناء الشعب اليمني قائلاً:
حقيقة ارتكب الإمام يحيى أخطاء كثيرة كان بعضها يرجع إلى ضيق الأفق والانغلاق وطبيعة الاستبداد والبعض الآخر إلى سوء النية والترفع فوق الشعب...فلم يكن هناك من تعليم حتى المدارس التي تركها العثمانيون تحولت إلى سجون أشهرها مدرسة الصنائع التي حولها إلى سجن الصنائع الذي ظل حتى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وإهمال التعليم وجعله مقتصرا على فئة معينة يرجعه الرحالة أمين الريحاني إلى:”رغبة الإمام في عدم تعميمه حتى ينفرد به فيصبح أعلم قومه”، كما أهمل القطاع الصحي فاقتصرت الصحة على وجود بعض الأطباء الايطاليين الذين يعدون بأصابع اليد يقومون بمعالجة أسرة الإمام، وقد وصف طبيب إيطالي لأمين الريحاني الوضع بقوله :”لا طب عندهم ولا دواء... والأمراض المتفشية في اليمن تفشياً مريعاً هي الجدري وحمى التيفود والملاريا، والأهالي فقراء ولا يحصلون على قوتهم الضروري إلا بشق الأنفس”. وهذا الطبيب الايطالي الذي خلف الطبيبة الفرنسية كلودي فايان في رسالة إليها قال:”إن الأمر يزداد سوءاً منذ سفرك، إن وباء التيفود منتشر ولا وجود للأدوية..لا شيء..لا شيء..لاشيء..!!” وقد وصفت الطبيبة الفرنسية وضع النساء في عهد الإمام بقولها:”قد يخيل للإنسان أنه يستطيع أن يتصور فظاعة وشناعة كهذه، ولكن مشاهد هؤلاء النسوة في هذه الزرائب أكثر سوءاً من كل ما قد يخطر على البال، لقد قرأت كما قرأ الناس أوصاف معسكرات الإبادة والإفناء، ولكني هنا رأيت بأم عيني امرأة تحتضر وهي راقدة فوق برازها رأيتها تنهض وتستند إلى كوعها وتتناول طفلها المبلل وهي في النفس الأخير تتضرع وتتوسل” .
العزلة الاقتصادية
أما واقع اليمن الاقتصادي الذي صنعه الإمام فيقول:
قامت سياسة النظام الإمامي على خلق عزلة اقتصادية حتى محصول البن كانت تحتكره شركة يونانية وتتلاعب بسعره بسبب عدم معرفة اليمنيين القليلة بالسوق وعدم وجود رأس مال لديهم، كما فرض ضرائب جائرة مع فقر شديد يعم الجميع، فهذا مواطن من منطقة يريم يذكر لأمين الريحاني “لا غنم عندنا ولا بقر ولا ماعز ولو كان عندنا فليس من يرعاها، شبابنا في عسكر الإمام، وأولادنا هاربون من التجنيد، والعمال أخذوا أغنامنا كلها زكاة وضرائب لبيت المال”، وحدث أن راجع الإمام أحد أصدقائه من جور الضرائب التي يفرضها على المواطنين وطلب منه أن يخفف منها فأجابه بقوله:”هل رأيتهم يحملون البصائر ويعرضون أرضهم للبيع؟”.
نظام الرهائن
أما المعيار الذي يثبت معرفة الإمام برفض الشعب لحكمه فيتمثل في فرض نظام الرهائن وفي هذا السياق يقول الدكتور الرعوي:
نظام الرهائن وسيلة لجأ إليها الإمام لفرض سيادته، وضمان إخلاص وطاعة القبائل والجهات المختلفة اليمنية من خلاله، فقد كان يأخذ رهينة من شيوخ القبائل أو أصحاب النفوذ في الجهات المختلفة وهي دائما ما تكون الابن أو الأخ أو أقرب الناس إلى الشخص الذي يرغب الإمام في إخضاعه له، وكان يحتفظ بهذه الرهائن في صنعاء أو الحديدة أو أية مدينة بعيدة عن مركز أو وطن الشخص نفسه وكانت أعمارهم تتراوح بين العاشرة والثامنة عشرة ويمثلون كل القبائل.
السياسة الخارجية
وفي رده على سؤالنا بشأن السياسة الخارجية التي انتهجها النظام الإمامي البائد يقول الرعوي:
الإمام ظل يعتبر عدن والمحميات جزءاً من مملكته وظل يطالب بها، ولكنه فشل في تحقيق أي انتصار عسكري حاسم على بريطانيا في التخوم الجنوبية، وفي 1928 هاجم الإمام الضالع وبلاد القطيبي وردت بريطانيا بقصف الطيران على المدن اليمنية [الضالع، قعطبة، ذمار، يريم، تعز، إب] حتى انسحب الإمام من هذه المناطق. وعلى الرغم من عدم اعتراف الإمام يحيى بالاتفاقية الأنجلوتركية التي تحدد خط الحدود بين شطري اليمن إلا أنه في 1934 عقدت معاهدة أنجلو يمنية لمدة 40 سنة اعترف فيها بالوضع القائم كما هو عليه.
الطلائع اليمنية
وعن مسؤولية الطلائع اليمنية في تحويل مسار السياسة الإمامية يقول:
كان من الممكن أن يتحقق حلم هذه الطلائع اليمنية التي كانت على جانب من الاطلاع والفهم بالتطورات الجارية في العالم وتأثرت بها واحتكت بالإدارة التركية أو البريطانية واستفادت منها لو كان الإمام يحيى صادقاً فيما بذله من عهود ووعود لهذه الطلائع وغيرها أثناء دعوته للإمامة، خاصة وقد دانت له كثير من المناطق بالطاعة والولاء وقدم رؤساؤها لتهنئته ومبايعته كان من الممكن أن يتحقق ذلك لو كان إماما متجاوباً مع هذه الطلائع وله نفس تفكيرها وطموحها، لكنه كان على عكسها ونقيضها لم يحتك مثلهم بإدارات حديثة ولا تأثر بما يحدث في العالم من تطورات ولا مؤمن بالأخذ بأساليب الحكم الحديثة من إدارة ودستور وبرلمان وجيش في بناء الدولة؛ لأنه عاش وترعرع في بيئة متزمتة تأثر بها واتخذها أسلوباً لتصرفه ومنهجاً لنظام حكمه، فقد جاء من مناطق جبلية جرداء قاحلة منغلقة على نفسها ومنعزلة عن المناطق التي عاشت ردحاً من الزمن تحت الحكم التركي، ولم تكن على صلة مثلها بما يجدّ في العالم.
التذمر في مواجهة الاضطهاد
ويرى الدكتور الرعوي أن الحكم الإمامي البغيض خلق مناخاً من التذمر والسخط:
ولّد هذا الأسلوب من الحكم ردود فعل معاكسة لدى المواطنين اتخذت أكثر من شكل وأكثر من أسلوب باختلاف دوافع السخط والتذمر ونوعية الاضطهاد الذي يعانون منه ومثلما اختلفت بواعث التذمر وأساليب الاحتجاج من قبل المواطنين اختلفت أساليب الانتقام منهم وفقاً لاختلاف مواقفهم ومكانتهم الاجتماعية، فقد سخط عليه المستنيرون والعلماء من أبناء المدن بالذات أبناء صنعاء وذمار لتزمته وانغلاقه وكانوا يرون أنفسهم أكثر تطوراً وتفهماً وانفتاحا على العالم ولأساليب الحياة الجديدة منه فراحوا يضيقون به ذرعاً وبما يمارسه من تزمت وانغلاق وربط طاعته بطاعة الله سبحانه وتعالى فأخذوا ينتقدون تصرفاته وسلوكه ليفضحوا القداسة التي يغلف بها تصرفاته في وأد طموحهم وكبت تطلعاتهم وتحريض العامة عليهم بما يوجه إليهم من تهم التقصير في أداء الشعائر الدينية واتهم الذين تقدموا له بالنصح بمحاولة اختصار القرآن وتحت هذه التهمة زج في السجن بكل من الحاج محمد المحلوي وعبدالله العزب وصالح السنيدار وأحمد المطاع ومحمد المطاع والشماحي...ولما لم تجد نصائح المخلصين أو شكاواهم أذناً صاغية عند الإمام العجوز وقد وقع من ثم تحت سيطرة الأبناء فكانت ثورة 1948 الدستورية والتي كانت بداية النهاية لنظام الإمامة الذي استمر فيه آل القاسم منذ القرن السابع عشر.
إمام النقائض
وحول واقع الوطن اليمني في عهد الإمام أحمد يقول الرعوي:
تمكن السيف أحمد من القضاء على ثورة 1948 والتنكيل بقادة الثورة بالإعدام والسجن، وقام بنقل العاصمة إلى تعز، وعلى الرغم من اشتهاره بالكرم وتقريب العلماء والأدباء إلا أنه كان ينزع إلى التفرد بالرأي وكان مزاجه الحاد هو الطاغي على شخصيته فمنذ توليه أمر الإمامة اقتفى سيرة والده متخذاً من سياسة العزلة منهجاً في الحكم لإدارة دفة الدولة. فبعد انتصاره اتخذ تعز عاصمة له واستبعد صنعاء بسبب النهب الذي لحق بها بعد إسقاط الحكومة الدستورية حتى إنه رفض استقبال المبايعين له من فقهاء صنعاء بحجة أنه نال الخلافة “بنصرة الله من البغاة”، وأناب أخاه الحسن عنه على صنعاء وهو المعروف بشدة البخل والتشدد على الناس.
نظام الأساطير
ويضيف الرعوي متحدثاً عن واقع عهد الإمام أحمد فيقول:
وبالرغم من قسوته وشدته إلا أن حركة 1955 كادت تطيح به لولا ذكاؤه في التخلص من قادتها وأعدم أخويه العباس وعبدالله وقائد الحركة أحمد الثلايا، وبعد فشل الحركة زادت رغبته بانتهاج سياسة العزلة وحاول تثبيت أركان نظامه المهزوز في أعين الناس بنسج قصص أسطورية حوله كأن جسده مصرف، أي لا تخترقه الأعيرة النارية، وحكايات أقرب ما تكون إلى الخيال من الواقع، بوصفه احد الأئمة الذين يمتلكون كرامات وخوارق للعادة تؤهله للإمساك بزمام طائفة من الجن تخبره عن كل شاردة وواردة تحدث في أرجاء مملكته. وعليه فقد تكنى أحمد رسميا بالناصر ثم أصبح يعرف شعبيا بلقب:”أحمد ياجناه”.
أما علاقته الخارجية فقد انضم إلى الحلف الثلاثي الذي تكون من مصر، السعودية، اليمن في العام 1956 وحصل على دعم من السعودية بقيمة ثلاثة ملايين دولار تم بها شراء صفقة الأسلحة السوفيتية وانتهى هذا الحلف لاحقاً. وكذلك انضم إلى الاتحاد العربي بين اليمن ومصر وسوريا وانسحب، ودخل في خلاف مع جمال عبد الناصر وكذلك ارتكب نفس غلطة أبيه في ولاية العهد لابنه البدر. وكانت محاولة اغتياله في الحديدة 1961 تعجيلا بنهاية حكم الإمامة بعد وفاته بأسبوع في 26 سبتمبر 1962.
بلد القرون الوسطى
ويؤكد الدكتور الرعوي أن الصورة المأساوية للواقع اليمني في ذلك العهد ليست من نسج الخيال، بل حقائق موثقة في سجلات التاريخ وفي هذا السياق يقول:
يمكننا أن نورد هنا بعض الشهادات التي أتت من غير اليمنيين والتي كانت شاهدة على وضع اليمن في عهد الأئمة التي تجمل الوضع المأساوي الذي عاشه الشعب اليمني تحت حكمهم ردحاً طويلاً من الزمن...فهذا أمين الريحاني يذكر أن من يريد أن يرى كيف كانت الحياة في القرون الوسطى فعليه بزيارة اليمن فيذكر:”وكأنك في السياحة في تلك البلاد السعيدة، تعود فجأة إلى القرن الثالث الهجري [التاسع الميلادي] لا مدارس، ولا جرائد، ولا مطابع، ولا أدوية، ولا أطباء، ولا مستشفيات في اليمن، إن الإمام هو كل شيء هو العالم، والطبيب، والمحامي، والكاهن”...والطبيبة الفرنسية تعبر عن الوضع بتعبير مشابه فتقول:”مهما يكن من أمر فإن اليمن التي تساوي ثلث مساحة فرنسا ويسكنها نحو خمسة ملايين نفس ما زالت تعيش في ظلام القرون الوسطى وهي من وجهة النظر السياسية مملكة إقطاعية اقتصادها قائم على الزراعة والحرف. واحتياجاتها لهذه الأسباب قليلة ولا يدخلها إلا القليل من المهندسين والأطباء الأجانب وهي لهذا ميدان مفيد جداً للباحثين في أصول السلالات البشرية ومميزاتها؛ إذ لم يعكره أي شيء غربي على الإطلاق.
وتقول:”من النادر الدخول إلى اليمن أو الخروج منها عن غير طريق عدن. فليس من خط جوي منتظم يمر فوق الأراضي اليمنية. ورغم أن في مدن اليمن الرئيسية الثلاث: صنعاء والحديدة وتعز، مطارات صالحة لنزول الطائرات فلا تستعملها إلا طائرات الإمام؛ لأنها محرومة من المؤسسات اللاسلكية التي تفرضها اللوائح الدولية”.
لهذه الأسباب كانت الثورة لازمة وضرورية وواجبة، لذلك نهض الشهيد علي عبدالمغني بمهمة هندسة الثورة، وشكل مع زملائه نواة تنظيم الضباط الأحرار الذين قادوا مشعل فجر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة ليعلن ميلاد اليمن الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.