كثيرا ما يسميها البعض حالة طوارئ، وتعتبر هذه المرحلة نقطة فاصلة في حياة الطفل حيث ينتقل من حضن أمه ليقتحم عالما غريبا وجديدا عليه، ومن حياة لا يعرف فيها غير أهله وأسرته وربما قليلا من زملاء الحضانة - حال توفرها - إلى عالم كبير وواسع فيه الكثير من الوجوه الغريبة وغير المألوفة بالنسبة له، ومن حياة لا يشغله فيها غير اللعب والاستمتاع إلى حياة تلزمه بقدر من المسئولية وعلى رأسها الواجب المدرسي. فلا يخفى على أحد حالة التوتر والقلق والارتباك التي تصيب الأسرة مع بداية كل عام دراسي جديد، وتزداد هذه الحالة مع أمهات التلاميذ الجدد الذين سيدخلون المدرسة لأول مرة . .كيف تؤهل الأم طفلها لمثل هذه الفترة الانتقالية من حياته؟.. وما هو الأسلوب الأمثل للتعامل حتى يعتاد المسئولية والحياة المدرسية؟..وكيف تتعامل مع طلباته التي لا تنتهي حتى تدخل الأسرة في مرحلة الديون؟!! مرحلة انتقالية مع بدء العام الدراسي الجديد تبقى هناك مشكلة دائمة تقريبا في بيوت كثيرة حيث الأطفال الذين يدخلون عالم المدرسة لأول مرة ما يجعلهم ينفصلون عن البيت لوقت لم يتعودوا فيه علي ذلك.. لذا لابد من تسليط الضوء على حياة الطفل الذي سينتقل من المنزل إلى المدرسة بالسنة الدراسية الأولى له حيث ينتقل من حضن الأم كي تحتضنه المدرسة لساعات عديدة باعتبارها المؤسسة الثانية للتنشئة بعد الأسرة. هذه المرحلة تعتبر من المراحل الحاسمة والأساسية في حياة الطفل، وتتجلى خطورة الموقف عندما نرى الكثير من الأمهات يرافقن أبناءهن الصغار لفترة زمنية تزيد كثيراً عن مدة إيصاله لمدرسته وإلى القاعة الدراسية حيث نجد البعض يعلو صراخه الرافض للدخول إلى المدرسة وإلى الحصة الدراسية مع تمسكهم الشديد بالأم بشكل خاص، كيلا تغادر وتتركهم في المدرسة الأمر يجعل الأم في ورطة حقيقة، فهي لا تعرف كيف ستجعله يحب الحضور إلى المدرسة دون بكاء ومعاناة يومية مستمرة، سهام عبدالعزيز.. أستاذة تربوية..كان لها رأي أفادت فيه: تختلف هذه الظاهرة بين أسرة وغيرها وبين مدرسة وأخرى، وبين الأم العاملة والأم غير العاملة المتفرغة للمنزل، إذ لا شك بأن الأم المتفرغة للمنزل أكثر معاناة من هذه الظاهرة لاسيما أن طفلها اعتاد على ألا يفارقها إلا في حالات بسيطة أو ربما كانت تصطحبه معها في معظم الأماكن, أما إذا كانت الأم عاملة فيكون القلق اقل لأنه اعتاد على المكوث لأوقات بدونها. طلبات أكثر... أم عصام ... ربة منزل تتذمر قائلة: سنة أولى مدرسة أعتبرها سنة كثيرة الطلبات ومرحلة تصل بنا إلى دنيا الإفلاس وخصوصا إذا كان طفلك هو الطفل الأول الذي سيلتحق بالمدرسة أو آخر العنقود... فكم تكثر طلباته وليتها طلبات مشروعة وإنما طلبات تتماشى مع تقليد زملائه فمثلا يريد حقيبة عليها رسوم معينة وقنينة ماء بتصميم معين ووو يعني صرفت لاحتياجاته الضرورية ما يقارب 10000 ريال ولكنني صرفت على الدلع ما يصل إلى 15000ريال وليتها كملت وإنما كلما ذهب للمدرسة عاد بطلب من نوع جديد. محمد الصلوي ... مدرس تربوي يضيف في ذات السياق: هناك مثل يقول من كابر الملك هلك وأنا فعلا غلطت عندما أدخلت ابني سنة أولى دراسة في إحدى المدارس الخاصة لأنني تحملت ما يستطيع عليه راتبي من طلبات وللأسف زملاؤه يحولون المدرسة في هذه المرحلة إلى ساحة للتباهي كل بما لديه وصراحة السوق يثقل كاهلنا بما هو جديد ومثير وغال وأمام سيل من الدموع ووعيد بعدم ذهابه للمدرسة إن لم تنفذ طلباته تضطر إلى أن تدخل مرحلة الديون حتى يتعلم طفلك. أما سيف عبدالله سيف ...موظف حكومي: أنا أعتبرها مرحلة انتقالية للجميع سواء للطفل أو للأبوين فالطفل بهذه المرحلة يدخل نطاق الاستفزاز للأبوين حتى يدرس يجب أن تنفذ طلباته وإن لم تنفذ يبكي ويتذمر ويشاغب بل ربما أحيانا يصل إلى مرحلة العناد والمكابرة ولذلك تعتبر مرحلة انتقالية للأبوين لأنهما يجب أن ينتقلا من أسلوب التربية الذي تعودوا عليه إلى أسلوب الممنوع والواجب وتعتبر المرحلة هذه هي المرحلة التي تشكل الطفل سلوكاً وأخلاقاً ولذلك ينبغي على الوالدين التعامل بحزم مع دلع أطفال سنة أولى مدرسة لأننا نعلم أن التربية تكون أولاً قبل التعليم وهذا ما تربينا عليه. إدارة وحماية... الأخصائية الاجتماعية نجاة سالم ... تنصح الأسرة بأن تنشئ الأبناء تنشئة صحيحة بعيدة عن الدلال الزائد وتلبية كافة احتياجات أطفالهم في كل الظروف وفي كل الأوقات، ومطلوب من الأسرة أن تكون متفاعلة بشكل تام مع المدرسة وتوجيهاتها والنصائح المقدمة، ومطلوب من المدرسة في الوقت نفسه أن تعطي الطالب الجديد صورة جميلة عن المدرسة، وانطباعات في غاية الإيجابية خاصة في اليوم الأول، إضافة إلى الأيام الأخرى لكيلا ينفر من المدرسة ويحاول الهروب منها، وذلك يقع على عاتق إدارة المدرسة وعلى مفاصلها بالكامل من المدير إلى الموجه حتى المستخدم كيلا يشعر الطفل بأي شعور غريب مستهجن وهو بعيدٌ عن أمه ووالده وإخوته. وتضيف: يتوجب على إدارة المدرسة حماية الطلاب الجدد من الطلاب الذين يكبرونهم سناً كيلا يتعرضوا للضرب أو المضايقات كي يصبح لديه اندفاع ذاتي للحضور إلى المدرسة، وما نريد الوصول إليه بالنتيجة هو الدور الكبير الذي يقع على عاتق المرشدين الاجتماعيين في تقديم المساعدة والخدمة الاجتماعية لهذه الفئة مع تزويد أسرهم بالمهارات السلوكية المناسبة للتعامل مع هذه الظاهرة. تجارب أمهات وللتعرف أكثر على ظروف هذه الفترة حاولنا اخذ الخبرة من أمهات عشن التجربة لأول مرة مع أطفالهن، تقول “نجلاء” - أم لطفلين -: “طبعا شعرت بالخوف قبل التحاق ابني بالمدرسة لأول مرة، وأكثر ما كان يخيفني هو مستوى النظافة بين أطفال الفصل؛ خاصة أن الدراسة تبدأ في فصل الصيف مما يسهل انتشار بعض الأمراض الجلدية المعدية، لذلك حرصت على تنظيف ابني بالاستحمام يوميا والتفتيش في جسمه ورأسه لاكتشاف أي بثور جلدية أو تغير في لون الجلد وخلافه”. وعن ذكريات أول يوم دراسي مع ابنها عبرت نجلاء عن مدى القلق الذي أحست به فور خروجها من المدرسة وترك ابنها، خاصة وأنها عندما دخلت له الفصل بعد الطابور كبقية الأمهات وجدته يبكي بشدة. وعلى العكس تحكي "رانيا أم لطفلة" عن موقف ابنتها البطولي وارتباطها بالمدرسة وفرحتها بها؛ موضحة أن مدرسة الفصل هي من تتحكم في مدى تقبل الطفل للمدرسة من عدمه، وبارتياح قالت “الحمد لله ربنا أعطاهم مدرسة لطيفة وحبوبة لابنتي وجميع من بصفها”. وتنصح رانيا الأمهات فتقول: “أهم شيء هو التعرف على المدرسة وتوضيح شخصية طفلك لها ومفاتيح التعامل معه وكذلك لمعرفة الأخطاء التي وقع فيها طفلك ومحاولة توضيح الصواب له في المنزل”. الطفل الأول كفئران التجربة هكذا بدأت “فاطمة” - أم لطفلين - الحديث عن قمة حيرتها عند التحاق طفلتها بالمدرسة في العام الماضي وشعورها باللخبطة وعدم معرفة المستلزمات المطلوبة، وتعبر عن مدى استيائها من تعويد ابنتها على استذكار الواجبات معها بشكل كامل ومتابعتها في الكتابة لحظة بلحظة، وبحسم قالت: “هذا ما لن أفعله مع أخي أبدا”. ولأن مصروف المدرسة من الأساسيات تنصح “ريهام” بعدم إعطاء الطفل مصروفا من نقود معدنية لتجنب ابتلاعها مثلما حدث لابنها. الخوف حالة صحية ويصف دكتور سعد رياض، الدكتور في علم النفس والعلاج النفسي....حالة الخوف التي تنتاب الأمهات في هذه المرحلة بأنها حالة صحية؛ فهذه الأيام الحرجة تمثل عوامل ضاغطة على الأم والتي تتمثل في اطمئنانها على طفلها خاصة فيما تمر به البلد من ظروف، كذلك فإن مرحلة “الانفصال الأولى” – أول انفصال للأم عن طفلها- لها تأثيرات عليها وبالأخص إن لم تكن عاملة. وينصح رياض الأمهات بمراعاة عدم نقل مثل هذه المشاعر للأطفال أو الحديث عنها على مسمع منهم حتى لا يشعر بالخوف، وأن تحاول ألا تكثر من أسلوب التحذير فيما يخص هذا الموضوع، كذلك عليها ألا توصل له إحساسا بأنه عالم مخيف، وتراعي بألا تكون التعليمات كثيرة بل تكون محددة وعلى فترات متباعدة. ويواصل: “على الأم أن تمهد لطفلها هذا العالم الجديد بالترغيب والحديث الإيجابي حوله. وعن قدرة الطفل في الاندماج في حياته الدراسية يقول: هذا الأمر يعتمد على شخصية الطفل فهناك أطفال يندمجون بسرعة، وآخرون يصعب الأمر عليهم وهنا يأتي دور الأم، فإذا رأت في طفلها تقبل الموقف فعليها أن تودعه وتتركه سريعا بعد توصيله إلى المدرسة، وإن لم يكن كذلك فلا مانع من الدخول معه وإحساسه بالأمان، وأن تطلب الأمر الصعود معه إلى الفصل ولكن إن تمادى في البكاء مثلا فيجب تركه على الفور وتتولى المدرسة أمره. وينهي رياض كلامه بنصيحة للأمهات بأن تراقب طفلها وتراقب تصرفاته لتدعيم الإيجابي منها ومعالجة ما يكتسبه من سلوكيات خاطئة، فعلى سبيل المثال يأخذ بعض الأطفال بطريقة عفوية مستلزمات زملائهم من الأقلام والمحايات وما شابه لعدم معرفتهم بحدود ملكيتهم، وهنا على الأم إن رأت مثل هذه الأفعال ألا تعنف طفلها أو تشن هجوما عليه لأنه لم يفعلها بقصد السرقة، وإنما تنصحه وتقول له مثلا “احتمال تكون نسيت” أو تحكي له قصة أو حدوتة صغيرة يفهم منها عدم تكرار ذلك. روشتة عامة ونظرا لأهمية هذه الفترة وما يترتب عليها من حب وتعلق بالمدرسة أو كره لها ورفض للذهاب إليها والتحايل بالمرض أحيانا؛ تقدم وفاء أبو موسى - المستشارة التربوية - نصائح عامة لتخطي هذه المرحلة بنجاح: 1 تهيئة ذهن الطفل لاستقبال عالمه الجديد، وهنا على الأم أن تعلم أن الطفل بطبيعته السيكولوجية يحب أن يتعلم باللعب، لذلك عليها أن تقول له: “ستلعب في المدرسة وترسم وتلون وتسمع الأناشيد والموسيقى”، مع مراعاة أن التهيئة تكون بالجانب الذي يحبه الطفل لتشجيعه على دخول هذا العالم. 2 إحياء جانب التشويق لدى الطفل؛ فعلى الأم انتهاز أي مناسبة من وقت إتمام طفلها عامه الثالث لاصطحابه للمدرسة، كحضور حفل عيد الأم أو حفل نهاية العام الدراسي مع أحد أقاربه أو جيرانه، كذلك اصطحابه عند تقديم ملفه بالمدرسة. 3 اختيار المدرسة المناسبة؛ فهناك المدارس التي تهتم بالجانب الإسلامي، وهناك ما تهتم بإنماء مواهب الطفل وغيرها، وهنا علينا اختيار ما يتناسب مع ثقافتنا حتى لا يحدث تعارض بين ما يتعلمه في الأسرة والمدرسة. 4 كسر حاجز الخوف لدى الطفل وبناء الثقة ما بين الطفل والمدرسة والمدرسين وأصدقائه، وعلى مدرسة الفصل الجانب الأكبر في كسر هذا الحاجز عن طريق التعامل مع الأطفال بالأسلوب المحبب لديهم والابتعاد عن الأوامر وتعويده السلوكيات السليمة بالتدريج والتدريب والممارسة. 5 على الأم إقامة علاقة طيبة مع المدرسين وإدارة المدرسة بعيدا عن “النعرة الكاذبة” فبعض الأمهات تقول لإدارة المدرسة “إحنا دافعين وإحنا ....”، فالاحترام يجلب الاحترام والمودة تجلب المودة. 6 أن تصاحب الأم طفلها إلى المدرسة في الأيام الأولى على أن تنسحب بشكل تدريجي؛ كأن تذهب لتوصيله بنفسها وتمنيه بعودتها مرة أخرى قائلة: “سأشتري شيئا ما وأعود ثانية”، ثم تعود لأخذه في آخر اليوم، وفي اليوم الثاني توصله بنفسها وتتركه يعود بالباص، ثم تعزز فيه عودته بنفسه وتشجعه على ذلك كأن تحضر له شنطة وأدوات مدرسية عليها رسومات وشخصيات يفضلها “كعصومي ووليد مثلا”. 7 تقلق الكثير من الأمهات من نفور الطفل تجاه الزي الواحد والرغبة في التغيير، في حين أن هذه المشكلة هي مشكلة الأم نفسها؛ فالأطفال تزيد عندهم نقطة الانتماء فينتمون للزي الواحد واللون الواحد حال رؤيتهم لكل الأصدقاء بنفس هذا الزي، حتى إن الأطفال ذوي البشرة السوداء نجدهم يميلون إلى مصادقة من ينتمون إلى نفس لون بشرتهم والعكس، وبدلا من ذلك من الأفضل ترك الطفل يختار الطقم الذي يريده من نفس لون زي المدرسة و أن نساعد أطفالنا في تحديد الاختيارات فلو هناك ثلاثة أشكال من زي المدرسة نعطيه الفرصة لاختيار واحد منهم. 8 حرص الأم على تقديم وجبة الإفطار لطفلها قبل الذهاب للمدرسة على أن تتضمن عناصر مغذية وممكن أن تكون “عصير أو لبن”، ونراعي تقديم أكثر من اختيار للطفل مما يحبه، كذلك علينا أن نحيطه بالاهتمام اللازم والمناسب لشخصيته.