هل ستُصبح العملة الوطنية حطامًا؟ مخاوف من تخطي الدولار حاجز 5010 ريال يمني!    في ذكرى عيد الوحدة.. البرنامج السعودي لإعمال اليمن يضع حجر الأساس لمشروع مستشفى بمحافظة أبين    حدادا على شهيد الريح : 5 أيام في طهران و7 في صنعاء !!    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    الرئيس رشاد العليمي: الوحدة لدى المليشيات الحوثية مجرد شعار يخفي نزعة التسلط والتفرد بالسلطة والثروة    رئيس إصلاح المهرة: الوحدة منجز تاريخي ومؤتمر الحوار الوطني أنصف القضية الجنوبية    قيادي إصلاحي: الوحدة اليمنية نضال مشرق    الرئيس العليمي يبشر بحلول جذرية لمشكلة الكهرباء    الرئيس العليمي : قواتنا جاهزة لردع اي مغامرة عدائية حوثية    "العدالة تنتصر.. حضرموت تنفذ حكم القصاص في قاتل وتُرسل رسالة قوية للمجرمين"    "دمت تختنق" صرخة أهالي مدينة يهددها مكب النفايات بالموت البطيء!    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    خبير جودة يختفي بعد بلاغ فساد: الحوثيون يشنون حربًا على المبلغين؟    الونسو: اتالانتا يشكل تهديدا كبيرا    بن عديو: الوحدة تعرضت لسوء الإدارة ولا يعني ذلك القبول بالذهاب نحو المجهول    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إيقاد الشعلة في تعز احتفالا بالعيد الوطني 22 مايو المجيد والألعاب النارية تزين سماء المدينة    محمد قحطان.. والانحياز لليمن الكبير    في ذكرى إعلان فك الارتباط.. الانتقالي يؤكد التزامه باستعادة دولة الجنوب (بيان)    أبين.. منتخب الشباب يتعادل مع نادي "الحضن" في معسكره الإعدادي بمدينة لودر    الوزير الزعوري يناقش مع وحدة الإستجابة برئاسة مجلس الوزراء الملف الإنساني    وزير الشؤون الاجتماعية يشيد بعلاقة الشراكة مع اليونيسف في برامج الحماية الإجتماعية    التعادل يسيطر على مباريات افتتاح بطولة أندية الدرجة الثالثة بمحافظة إب    القبض على متهم بابتزاز زوجته بصور وفيديوهات فاضحه في عدن    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف من رفع الفائدة الامريكية على الطلب    الامين العام للجامعة العربية يُدين العدوان الإسرائيلي على جنين    لاعب ريال مدريد كروس يعلن الاعتزال بعد يورو 2024    المبعوث الامريكي يبدأ جولة خليجية لدفع مسار العملية السياسية في اليمن مميز    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الوزير البكري يلتقي رئيس أكاديمية عدن للغوص الحر "عمرو القاسمي"    تناقضات الإخواني "عبدالله النفيسي" تثير سخرية المغردين في الكويت    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن حملة علاجية مجانية لمرضى القلب بمأرب    "وثيقة".. كيف برر مجلس النواب تجميد مناقشة تقرير اللجنة الخاصة بالمبيدات..؟    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضية الفلسطينية في الأدب اليمني
نشر في الجمهورية يوم 15 - 05 - 2012

فلسطين قضية إنسانية في الأساس قبل أن تكون قضية أديان، وهي قضية ضمير قبل أن تكون قضية سياسة، أخذت من الجدل والنقاش كثيرا وستبقى كذلك ما دام الدم ينزف والمظالم تترى نثرا وشعرا، ليس لدى كل مسلم أو عربي فحسب؛ بل لدى كل من كان له ضمير إنساني بمن في ذلك اليهود غير الصهاينة أنفسهم.. فلسطين الشهقة المستمرة والنداء الطويل في زمن الخذلان والتبعية والارتهان.. قضية الماضي والحاضر ونصف المستقبل ربما، إن لم تكن قضيته كله، كانت ملهمة الشعراء والكتاب والفنانين ولا تزال.. وأديبنا الكبير وشاعرنا الفذ شاعر الوطنية حسب تسمية الأستاذ عمر الجاوي رحمه الله، أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري رحمه الله واحد ممن عاش آلام فلسطين وآمالها نظما ونثرا خلال عمره الشعري على الرغم من صغر كل تلك الجرائم الإنسانية التي ارتكبت في حق شعب فلسطين قياسا إلى ما حدث بعد وفاته كما سنرىالثقافة التي شكلت شخصية الزبيري
قبل أن نعرض ملامح القضية الفلسطينية في شعر الزبيري رحمه الله نشير أولا إلى جذوره الثقافية التي شكلت فيه هذا البعد الإنساني في أسمى معانيه القومي في أجلى مضامينه وأثرها في صبغ شخصيته العنيدة في مقاومة الظلم والجبروت حتى كانت مدرسة متميزة في النضال والمقاومة..
أقول: باستقراء نتاجات الزبيري نظما ونثرا يجده إنساني النزعة، عالمي الهوى، ذلك أن ثقافته الموسوعية وفكره الأصيل المتأثر بالمدرسة الإحيائية المصرية التي عمت الأقطار العربية منذ مطلع العشرينيات إلى جانب تشبعه بثقافة الأربطة العلمية ودار العلوم في صنعاء الضاربة في جذورها إلى مدرسة الإمام الشوكاني رحمه الله كل ذلك قد صبغ شخصيته بثقافة الحقوق المستمدة من ثقافة الفلسفة القضائية التي تربى عليها كونه قاض ابن قاضياً، وإباء الضيم والخروج على الظالم من تعاليم المذهب الزيدي، إضافة إلى ثقافة وفلسفة حركة المفكرين الأحرار ابتداء من الأفغاني ورشيد رضا ومحمد عبده والكواكبي، وانتهاء بفكر المدرسة الإخوانية التي تأثر بها، كل هذا وذاك شكل له منطلقا أساسيا وبوصلة اهتداء في النضال عن استبصار ومعرفة مع نظرائه من المناضلين الكبار كالنعمان والوريث والمطاع والموشكي وغيرهم الذين أصبحوا روادا كبارا في هذا المضمار، فاتسعت الرؤية وزادت مساحة الكلمة التي كانت السلاح الأمضى في وجه الجبارين الطغاة، وكانت الحافز الأسرع في الوثوب الثوري حسب إشارة الزبيري نفسه، حيث يقول عن الشعر:
أضلني وهم شعر كنت أنسجه
سحرا يحول قلب الصخر ألحانا
وهالني شؤم ما استكشفت من جثث
قد كنت أحسبها من قبل تيجانا
فرحت أشعل بالقيثار مقبرة
الموتى وأنفض أغلالا وأكفانا
أصبو إلى أمتى حبا وأبعثها
بعثا وابني لها بالشعر بنيانا
أصوغ للعمي منهم مقبرة نزعت
عنهم وأبني لهم بالشعر بنيانا
وما حملت يراعي خالقا بيدي
إلا ليصنع أجيالا وأوطانا
يخاله الملك السفاح مقصلة
في عنقه ويراه الشعب ميزانا
فهاك يا أمتي روحا مدلهة
عصرتها لحظاك الطهر قربانا
كأسا من الشعر لو تسقى الشموس بها
ترنحت ومشى التاريخ سكرانا
هذه النظرة إلى الشعر هي ذاتها النظرة في صورة أخرى:
عندي لشر طغاة الأرض محكمة
شعري بها شر قاض في تقاضيه
أدعو لها كل جبار وأسحبه
من عرشه تحت عبء من مساويه
وشر هول يلاقيه ويسمعه
صوت الملايين في شعري تناجيه
أذيقه الموت من شعر أسجره
أشد من موت عزريل قوافيه
وأيضا:
قم يا يراع إلى بلادك نادها
إن كان عندك للشعوب كلام
فلطالما أشعلت شعرك حولها
ومن القوافي شعلة وضرام
وقد قال عن ذلك نثرا: “كنت أحس إحساسا أسطوريا بأنني قادر بالأدب وحده على أن أقوض ألف عام من الفساد والظلم والطغيان”
هذا هو الشعر عند الزبيري، وتعريفه نابع من ثقافته الخاصة أولا ومن رؤيته وتصوره للحياة والكون وهي الرؤية الإنسانية في أوسع مداراتها، الرؤية الأخلاقية والقيمية التي طبعت روح الشاعر ونفسه فانعكس ذلك بصورة مباشرة وغير مباشرة على أدبه وشعره، كما بعثت بين جوانبه الهموم ومنها الهم القومي العروبي الإسلامي في قضية فلسطين وغير فلسطين كما سنرى، وإنني لأجد روح الشهيد المناضل عبد الرحمن الكواكبي في نظراته الفلسفية التي يكتنز بها كتابه الشهير “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” تتجلى بصورة جديدة يقدمها الزبيري نظما في قوله:
نخشى سيوف الظلم وهي كليلة
ونقدس الأصنام وهي حطام
وتذل أمتنا لفرد واحد
لا تستقاد لمثله الأنعام
نبني له عرشا يسود فيبتني
سجنا نهان بظله ونضام
طعناته قدسية نزلت بها
البركات والآيات والأحكام
البعد القومي في شعر الزبيري:
يقولون الأديب أو الشاعر مرآة مجتمعه على حروفه تنعكس أصداء همومه المجتمعية، وهو ما نجده واضحا في شعر الزبيري وهو يعيش هم القضايا العربية إلى جانب همومه الوطنية المحلية؛ حيث كان الزبيري عروبيا من طراز فريد غير ذلكم العروبيين الذين لم يروا في العروبة إلا عروقها النحيلة فقط وتناسوا بقية مكوناتها، بل لقد رأوا فيما عدا ذلك عدوا لها، وهو وهم أو توهم أثبتت الأيام صدق ذلك، كان الزبيري لا يرى أن ثمة تباينا بين العروبة والإسلام، أو بين العروبة بمجموعها الكلي والوطنية بمفرداتها المحلية، كان ذلك عن شعور صادق نلمحه في كثير من أساليبه الفنية وتركيباته اللغوية، حيث يستعمل مثلا كلمة “أمتنا” أو “الشعوب” في معرض الإشارة إلى التضحية والدفاع بدلا من أية لفظة أخرى كما هو الشأن في أول قصيدة قالها عقب خروجه إلى عدن فرارا من بطش الإمام:
ستعلم أمتنا أننا
ركبنا الخطوب حنانا بها
وأيضا في قوله مخاطبا اليراع:
قم يا يراع إلى بلادك نادها
إن كان عندك للشعوب كلام
فإلى جانب القضية الفلسطينية أم القضايا بحق هناك هموم العراق وثورة الرشيد آنذاك التي قال فيها شاعرنا واحدة من أجمل قصائده، ومطلعها:
صيحة الشعب في بلاد الرشيد
أشعليها ناراً وثوري وزيدي
ازحفي كالطوفان يا ثورة الشعب
إلينا ودمدمي كالرعود
وكما خاطب الفرات في العراق فقد خاطب النيل في مصر مؤسيا إياه على ما حل به من الغزاة الطامعين عقب الجلاء عام 1956م، قائلا:
أيها النيل كم رسفت على القيد
وكابدت من غزاة بلاء
ورأيت العدى يعبون عبا
منك والقوم من بنيك ظماء
وحملت الطغاة نيرا على
عنقك والشعب أدمعا ودماء
مناديا في الأخير أبناء الكنانة:
أيها الثائرون في مصر ثوروا
كل يوم وعلمونا الفداء
قد قبستم في الصخر روحا
وفي الثلج سعيرا وفي الغيوم ضياء
حطموا كل صخرة في طريق الشعب
فالشعب لا يطيق التواء
وله قصيدة أخرى هي من روائع ما نظم أسماها: صفقة الأسلحة، إشارة إلى صفقة الأسلحة التي تبنتها مصر مع تشيكسلوفاكيا وقد كان الغرب حينها محتكرا بيع الأسلحة عليه، وكانت كما قال وثبة من وثبات مصر المتحررة وعاملا هاما في تغيير مجرى السياسة في الشرق العربي..
ومن يقرأ رائعته التي نظمها قبل ذلك وتحديدا في العام 1940م في القاهرة أثناء تأسيس اتحاد الطلبة العرب يجد تلك الرؤى المتدفقة بروح الإنسانية أولا وآخرا.
بشراك يا قلمي فهذا منهل صاف
وأنت كما علمتك صادي
هذي العروبة تلتقي فتلقها
بتحية الأحباب في الأعياد
واعرض بنات الشعر في أبرادها
أو فاعفها من سدفة الأبراد
واخلع عليها من سناك أشعة
تنساب في الأرواح والأجساد
أهلا بروحك يا وئام ومرحبا
بك يا عروبة كلنا لك فادي
سنعد أفئدة لحبك ترتضي
مثواك في الأحشاء والأكباد
ويقال إن هذه القصيدة قد ألقيت في حفل كبير بحضرة كبار الأدباء والنقاد والعرب وقد أثنى عليها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين رحمه الله ثناء عاطرا من بين كل القصائد التي سمعها يومذاك.
وله الكثير من القصائد الشعرية الأخرى التي يبرز فيها النفس العروبي الخالص منها قصيدته الشهيرة التي حملت عنوان: “الجامعة العربية” والتي نظمها بعد تأسيس جامعة الدول العربية التي أمل عليها الكثيرون من أبناء الوطن العربي آمالا عظمى في تلك الفترة الحرجة التي كانت تمر بها الأمة العربية، وقد نجحت فيما نجحت فيه، وأخفقت فيما أخفقت، ليس هنا مجال استعراض ذلك..
فلسطين في شعر الزبيري:
ومن بين القضايا العربية وأكثرها حضورا في شعر الزبيري هي القضية الفلسطينية التي عكست الروح الإسلامية والبعد القومي الذي يتميز به الزبيري في اهتماماته السياسية التي لم تكن مقتصرة على اليمن فحسب، بل تعداه إلى مختلف القضايا العربية، وهو اهتمام يحمل فيما يحمل الروح الجمعي والهم الاجتماعي العام لليمنيين لليمنيين في هذه القصيدة التي نحلق معا في فضاءاتها الإبداعية وأبعادها الفنية وهي:
مراجل في أثير الشعر تضطرم
وصيحةٌ في سماء الحق تحتدم
وضجة في صماخ الدهر صاخبة
لها بكل بلادٍ مسمعٌ وفمُ
نزعتها عن شئون ملؤها عبر ٌ
وصغتها عن ضمير ملؤه ألمُ
وللفؤاد أحاسيس إذا نبضت
جاشت بها الأرضُ وانجابت بها الظلم ُ
ما للحقائق أضحت لا تلاحظها
عينٌ ولا يأتلي عن سبقها الوهمُ؟
ما للدماء التي تجري بساحتنا
هانتْ فما قام في إنصافنا حكمُ؟
ما للظلوم الذي اشتدت ضراوته
في ظلمنا نتلقاه فنبتسم؟
نرى مخالبه في جرح أمتنا
تدمى ونسعى إليه اليوم نختصمُ
يا قادة العرب والإسلام قاطبةً
قوموا فقد طال بعد الصبح نومُكمُ
شيدوا لنا في سموات العلا حرما
نطوف حول ثُرياه ونستلمُ
متى يرى الإنجليز ذمتنا
كذمةٍ حقها ترعى وتحترم؟
حتى متى نشتكي منهم ونسألهم
رفع العذاب فما رقوا وما رحموا؟
هم يدركون بأنَّا خاضعون لهم
من ذلنا رغم ما جاروا وما ظلموا
لا نستحق حياةً غير ما وهبوا
ولا ننال حقوقاً دون ما حكموا
لهم علينا قوانينٌ وليس لنا
إلا الرضوخ لما قالوا وما التزموا
يا للضلال وللأوهام إذ هدمتْ
من العقول بناءً ليس ينهدم
أنَّى يُضيع حق دونه أممٌ
أبية دينها الإقدامُ والشمم؟
وكيف نخشى الردى والموت شيمتنا
ونحن قوم على الآجال نزدحم
إذا تناسى الأعادي هول نجدتنا
جئناهم بقلوب ملؤها نقمُ
وللعروبة أهداف مقدسةٌ
تقضي السماء بها واللوح والقلم
ووثبة حرة عُليا تؤيدها
مشيئة الله والأقدار والقسم
وأنفس إن تزدْ همما وإن
تذق ألما ينهض بها الألم
فيا بريطانيا عودي بمخمصةٍ
إن العروبة لا شاء ولا نعم
إن العروبة جسم إن يئن به
عضو تداعت له الأعضاء تنتقم
إن يضطهد بعضُه فالكل مضطهد
أو يهتضم جزؤه فالكل مهتضم
أتخرجون كماة العرب ويحكم
من أرضهم وهم الأبطال والبهم
أتشترونهم أنتم وهم نفرٌ
باعوا نفوسهم لله واعتصموا
كم من دم قد سفكتم من دمائهم
فما استهانوا ولا ذلوا ولا ندموا
وتخطبون على هذا صداقتهم
حتى كأن ليس فيهم عاقل فهم
هل من صداقتكم للعرب أنكم
تمزقون بمحض الغدر عهدهم؟
هل من حفاوتكم بالعرب أنكم
تستعذبون بلا ذنب عذابهم؟
هيهات ضلت عقول تبتغي مقة
منكم وقد جرعتها الموت كفكم
إن الكتاب الذي جدتم به ثمناً
لأرضهم ليس يكفيهم إذا اقتسموا
لم يحسبوه سوى أكفان عزتهم
نسجتموه لهم ظلماً وإن رغموا
إن الدماء التي سالت بمديتكم
لم يشفها منكم القرطاس والقلم
زخارف من خداع الوعد خاوية
ما نال فيها المنى إلا انتدابكم
وكيف نرجو انتصافاً في محاكمة
وقد تمالأ فيها الخصم والحكم؟
أين العدالة يا أعداء مبدئها
منكم إذا كان غمط الحق دأبكم؟
إن الخداع الذي دانت سياستكم
به لأعظم ما تشقى به الأمم
ظلمتم العرب للصهيون ويحكم
أين الدهاء وأين العدل والشيم؟
أضحى اليهود صليبا تعبدونهم
دون الصليب وإن كانوا العبيد همُ
فلا برحتم عبيداً لليهود
ولا زالت سياستكم بالذل تنهدمُ
نظم الشاعر هذه القصيدة ردا على عنت وصلف ما عرف بدول الحلفاء المتمثلة في بريطانيا وفرنسا وأمريكا على ما عرف بدول المحور وهي ألمانيا وإيطاليا واليابان، ومعها تركيا التي كانت تمثل الواجهة الإسلامية حينها وإن كان نجمها قد بدأ بالأفول قبل ذلك، أدى هذا الانتصار إلى وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني مباشرة، وصدور الكتاب الأبيض،1 وقد أذيعت هذه القصيدة من إذاعة برلين وقد بدأت خيوط المؤامرة الكبرى تتضح جلية ضد فلسطين وشعبها المسلم.
في مطلع القصيدة يتجلى البعد النفسي واضحا من خلال ما يمكن أن نسميه بالصورة المأساوية التي جسدها في الطرح، لفتا للانتباه أولا وقد مهد لها بصورة مباشرة من مطلع القصيدة في الشطر الأول بقوله:
“مراجل في أثير الشعر تضطرم” وهو ما يسمى بفن براعة الاستهلال الذي أجاده في أكثر من مطلع، حسبما هو واضح في كثير من قصائده..
وإذا كان قد عرض للصورة كما هي ماثلة بمأساتها على أرض الواقع، فإنه في الجزء الثاني من القصيدة يستنهض الهمم ويستجيش العواطف بالنداء المباشر “يا قادة العرب والإسلام قاطبةً” وفي هذا المقطع بالذات نلاحظ غلبة الجملة الفعلية على التركيب الأسلوبي التي تشي في عمقها البعيد إلى الحيوية والفاعلية والديناميكة في الخطاب المباشر، متنقلا بين أكثر من أسلوب بلاغي، وهو انعكاس نفسي مباشر لما يعتمل في قرارة نفسه من الانفعال الوجداني تجاه القضية التي يتكلم عنها.
أما الجزء الثالث منها فيخاطب فيها مباشرة البريطانيين في أسلوب “المقابلة” لنفس المقطع الأول، بالنداء: “فيا بريطانيا عودي بمخمصةٍ إن العروبة لا شاء ولا نعم” مشيرا في السياق إلى مجد وأصالة هذه الأمة التي تنتهك كرامتها اليوم، ربما تحفيزا وتذكيرا لها باستعادة هذا المجد السليب.
وإلى جانب الزبيري ممن عاشوا هم القضية الفلسطينية روحا نابضة بالحنين والأنين الشاعري أجد شاعرا آخر لا أخاله إلا امتدادا له ومن نفس المدرسة تقريبا تميز عن كثير من أقرانه الذين أهدوا فلسطين قصائد ومقطوعات في حين منحها شاعرنا الأثير مهدي الحيدري ديوانا كاملا، يحمل اسم “ديوان المقاوم.. وحده يموت واقفا” وذلك عقب أحداث ومجازر غزة الشهيرة نهاية العام 2008م ومطلع العام 2009م ومنها هذه المقطوعة البديعة التي تستحق الوقوف عندها:
ما ذا أقول ونار غزة في دمي
ودمي اشتعال قذيفة لا تبرد
من أين ينبلج الهديل وحوله
هذا الدخان الأسود المتربد
وبه تهتك طفلة رفحية
في وجه مليار رأوا فتنهدوا
وبه وميسون الخطيب به مدى
يغلي فيغلي من به أو يجمد
وبه الجوار على الجدار معلق
وبه الجدار على الجوار مقعد
وبه الضمائر كلها مجرورة
بجوازم من فعلها تتفصد
وبه عيون لو تجمع غيضها
لتفجر الذاوي بها والمنقد
ماذا سنكتب سيدي لصغيرنا
الآتي على متن الغيوم يغرد
ما ذا نقول وهل سيقبل عذرنا
التاريخ أم وجه الحقيقة أسود؟
1 الكتاب أبيض لسنة 1939 ويعرف أيضاً بكتاب مكدونالد الأبيض الذي سمي على اسم مالكوم ماكدونالد وزير المستعمرات البريطاني، والذي تم إصدار الكتاب تحت سلطته وسلطة الحكومة البريطانية، تم في هذا الكتاب التخلي عن فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما يهودية والأخرى فلسطينية، لصالح تأسيس دولة فلسطينية مستقلة تكون محكومة من قبل العرب الفلسطينيين واليهود بناء على نسبة كل منهما لإجمالي سكان فلسطين في سنة 1949. كما تم تحديد عدد اليهود المسموح لهم بالهجرة إلى فلسطين في السنوات الخمس اللاحقة لصدور الكتاب ب 75000 ألفاً (1940-1944) بحيث يتم قبول هجرة 10000 يهودي سنوياً ويتم زيادة هذا العدد ليصل إلى 25000 سنوياً. وبعد سنة 1944، تصبح هجرة اليهود مقرونة بموافقة الأغلبية العربية الموجودة في فلسطين. كما كان هذا الكتاب يحوي على قيود على حقوق اليهود في شراء الأراضي من العرب.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.