نسبة كبيرة من الأناشيد المنتجة تفتقر إلى الكلمة الجيدة والمعاني المؤثرة وقواعد النظم الغنائي. انتشرت الأنشودة الإسلامية كظاهرة شعبية في أوساط بعينها، وساعد على ذلك عوامل متعددة أبرزها: الصحوة الإسلامية بحثاً عن البدائل المختلفة، وانقلاباً على الواقع الآخر الذي هو في نظر الكثيرين ليس إلا وجهاً عربياً لقيم الغرب ونسخة عن مفاهيمه وحضارته المادية بصورة أو بأخرى. واقع الحال انتشرت فرق الإنشاد الإسلامي في بعض الدول العربية والإسلامية وحتى في الغرب وتعددت حتى أصبح لها وجود كمي ملحوظ في الأردن بشكل خاص بصورة جعلت من الصعب الحصول على مسميات لها!!وازداد عدد العاملين في هذا الحقل، وهم في أغلبهم من المنشدين الذين انفصلوا عن فرق كبيرة باحثين عن استقلاليتهم، وإنتاجهم الخاص بهم. ورغم كل هذا كما أسلفنا فإن ظاهرة النشيد الإسلامي بقيت محدودة في أوساط بعينها، ولم تتعد في كثير من الأحيان الجمهور الإسلامي التقليدي، وهو ذاته الجمهور الذي اعتاد الاستماع لهذا النوع من الغناء في مناسبات بعينها كالمهرجانات الإنشادية أو الأفراح أو من خلال الشرائط الصوتية بأشكالها المتعددة. وللأسف، كان لعدم وضوح الرؤية لدى الكثير من العاملين في هذا المجال، وافتقارهم إلى الفهم الصحيح للدعوة والإعلام، دور كبير في الحد من اتساع دائرة الجمهور المستهدف لهذا النوع من الأغاني...وكان للمحددات والشروط غير المبررة، التي وضعت كقواعد للعمل منذ البداية الدور الأكبر في عزل الأنشودة الإسلامية في “الجيتو” الخاص بها ، بعيداً عن متناول يد الجمهور الحقيقي.. ولا بأس من ذكر بعض الملاحظات في هذا الصدد: ما الذي يعيب استخدام مصطلح الأغنية** المسمى والدلالات كغيرها من المسميات فإن مصطلحات مثل: النشيد، والأنشودة تم اختلاقها بحجة التميز للدلالة على الأغنية، ثم أُلحق بها الوصف الإسلامي ، إمعاناً في تأكيد التميز.. ولسنا بصدد الحديث عن الفرق بين الأنشودة والأغنية، فمحله معاجم اللغة والصحيح هو الأغنية لكن الخطورة تكمن في نفينا لمصطلحات معبرة من اللغة يتم التنازل عنها دون سبب واضح ، ومن ثم فإن مصطلحاً مثل :الأغنية ، يختفي من قاموس البعض لأن له دلالات تتعلق بالآخر...وهكذا حدث في مصطلحات كثيرة، فالطليعة والطلائع مرفوض استخدامها عند البعض، لورودهما في فكر حزب قومي مثل حزب “البعث” رغم استخدامهما من قبل بعض المفكرين الإسلاميين. وأما اللاحقة الوصفية: الإسلامي الإسلامية فهي وإن كانت في السياق السياسي مقبولة إلى حد ما، غير أنها في سياق وصف الأغاني غير مبررة، لأن فيها معنى من نفي الآخر، ولأن فيها انتقاصاً من عظمة الإسلام الذي يشمل في بوتقته كل “المتناقضات”، لأنه أعظم منها جميعاً، وقد كان سلفنا الصالح يصف العمل المقبول بعد ذكر النية بالصحة أو السلامة.. فما الذي يعيب استخدام مصطلح الأغنية؟ وما الذي يمنع من وصفها بالحسن، والصحة والجادة وغير ذلك من هذه الأوصاف أو ضدها؟ ثم نأتي إلى منحى آخر: ماهي مواصفات الأنشودة الإسلامية كي يطلق عليها هذا المصطلح: أهي التي يقوم على إنتاجها إسلاميون؟ أهي التي مضامينها إسلامية؟ أهي التي..إلخ؟ وهكذا سنبقى ندور في حلقة لا تنتهي من البحث والتنقيب، أشبه بما حدث حين الحديث عما يسمى ب “الأدب الإسلامي”. والنتيجة التي أخلص إليها في هذا المحور، أن استخدام المسميات ودلالاتها منذ البداية، حدد جمهور هذا النوع من الفن في سياق ثقافي سياسي انعزالي!! الموضوعات والمضامين: ركز موضوع الأنشودة الإسلامية في بداياته على المضامين الصوفية كالمدائح النبوية والابتهالات، خاصة في بلاد الشام ومصر وبلاد المغرب العربي. وهذا النوع من الأناشيد وجد له مكاناً في الإعلام الرسمي أكثر من غيره، لكونه أقرب إلى التراث الغنائي، يردده الناس في المناسبات الدينية. على أن القضية الأولى هنا هي الأنشودة الجهادية، وهو تعبير إسلامي مرادف للأغنية الوطنية.. والتي جاءت الانتفاضة الأولى لتلعب دوراً أكبر في تأجيج الروح الوطنية والقومية والإسلامية، وبدأت حينذاك في الجامعة الأردنية، سلسلة من المهرجانات الإنشادية، وهي مهرجانات كان للأنشودة الجهادية الوطنية فيها نصيب الأسد، إلى جانب الأناشيد الأخرى. ولأول مرة تم فرز الأناشيد حسب مضامينها إلا الابتهالات والمدائح النبوية والموشحات، ونشيد الأعراس، بالإضافة إلى الأناشيد الوطنية.. وأخيراً ظهر فن الزجل التراثي بعد أسلمته. ورغم التطورات المتتابعة إيجاباً أو سلباً في موضوعات الأنشودة الإسلامية إلا أنها في أغلب مضامينها حملت مفاهيم خاصة، تكاد تقتصر على هموم ومشكلات الدعوة الإسلامية المعاصرة، واختلطت فيا مفردات التعذيب والسجن والمعاناة بمفردات الجهاد والتضحية والمقاومة...الخ. ورغم جودة اللحن والأداء خاصة في البدايات الأولى إلا أنها اقتصرت في إدراكها واستيعاب مفرداتها على نخبة الإسلاميين بصورة خاصة، أضف إلى ذلك أنه تم اختزال مشكلات الحياة والهموم الإسلامية المعاصرة، في بعض الموضوعات ، وهي موضوعات لا شك أنها هامة، لكن حاجة الجمهور تبقى ملحة في التعبير عن مشاعره الإنسانية النبيلة، وهو ليس حاضراً في أذهان المعنيين باستثناء ما ظهر من أناشيد خاصة بالمرأة، وهي في مفرداتها ومضامينها وألحانها بصورة عامة لا ترتقي إلى الحد الأدنى من الذوق الجميل، فضلاً عن أنها تفصل المرأة بشكل مجحف عن المجتمع باعتبارها كائناً غريباً. وفي الخلاصة، فإن نسبة كبيرة من الأناشيد المنتجة تفتقر إلى الكلمة الجيدة والمعاني المؤثرة وقواعد النظم الغنائي، بعيداً عن السجع المكرر دون معنى، الأمر الذي يحد من انتشارها. العاملون عليها: اقتصر كثير من العاملين في هذا الفن على قدراتهم الذاتية خاصة في مجال اللحن والأداء، رغم المواهب المتوفرة، إلا أن الغالبية العظمى منهم يفتقرون إلى الدراسة الأكاديمية لأسباب أهمها: الرؤية الفقهية السائدة للموسيقى، الأمر الذي جعل من صناعة النشيد الإسلامي عملاً يفتقر إلى الحرفية المطلوبة، ويزداد الأمر سوءاً حين الحديث عن الفنان الشمولي، الكاتب الملحن المؤدي المخرج..!!الأمر الذي خلق نوعاً من التكرار في الأداء واللحن. ولعل هذا ما أثقل على بعض المستمعين، إلى الحد الذي أصبح فيه البعض يفرق بين الأنشودة الإسلامية والأغنية العادية من خلال اللحن، فبرز مصطلح غريب هو “اللحن الإسلامية” إن الكم الهائل من الأناشيد التي تفتقر في أغلبها إلى جودة بعض أو كل أركانها الأساسية: الكلمة واللحن والأداء والإخراج.. ساعد في الحد من اتساع الدائرة التي تحدثنا عنها. البعد الشرعي لعب البعد الشرعي دوراً أساسياً في الحد من تطور الأنشودة الإسلامية، وخاصة في موضوع الموسيقى. ورغم بعض الفتاوى الصادرة بهذا الخصوص، فإن كثيرين ما زالوا يتحفظون على استخدامها استناداً إلى النصوص المخالفة، وخوفاً من خوض تجربة هي في تصورهم غير محمودة العواقب، تفقدهم جمهورهم التقليدي، الذي ما زالت أغلبيته في دول الخليج بصورة خاصة متمسكة إلى حد ما بمواقفها الرافضة.. وأخذ الأمر منحى عجيباً حول استخدام الدف وعدم استخدامه، ورغم ظهور بعض الأغنيات الإسلامية المصاحبة للموسيقى ، فإنه وإلى اليوم يتم انتاج الأناشيد الإسلامية من نسختين: إحداهما بإيقاع فقط، والأخرى بدون. وقد حد هذا من تطور الأنشودة الإسلامية.. فماذا لو كان الكلام عن الأغنية المصورة والفيديو كليب الذي تلعب فيها الموسيقى دوراً أساسياً؟