من حُمينيات القاضي أحمد عبد الرحمن الآنسي اخترنا ((يا بدر مُشرق من الروشان)).. إيقاع القصيدة جميل .. ووقعها على النفس أجمل .. المقطع الأول من هذه القصيدة يقول: يا بدر مُشرق من الروشان ما ليْ على فُرقتك طاقة (1) كيف تحُرق القلب بالهجران وما يجوز يا رشا احراقه أجريتْ دمعي على الأوجان سيول من العين دفّاقة والهجر لابدّ له من شان وما أمرّه لمن ذاقه عندما ظهر من النافذة الواسعة كان مشرقاً ووضّاءً كالبدر المؤتلق وربما كان الشاعر في هذه القصيدة يتحدّث عن حبيبٍ له .. صنع من الهجر حاجزاً منيعاً يحول دون اللقاء, ولمّا لم يجد الشاعر وسيلة للّقاء راح يبكي بُكاءً مُرّاً فيه لوعة وحسرة فلا يعرف مرارة الهجر إلا من ذاقه ولو لوقتٍ قصير..معظم الناس يعيشون في حياتهم حالات مُشابهة لهذه..تُباعد الظروف المسافات بينهم وبين أحبابهم.. فكلٌّ يبحث عن وسيلة يخفّف بها معاناته .. ثم يقول الشاعر في مقطع آخر : بمنْ نقش بالذهب خدّكْ وأنبت الماس في المرجان وصيَّر الخمر في شهدك والسحر في طرفك الفتّان واعطاك كل الحلا وحدك وصيّرك للملاح سُلطان لمَه لمَه ياقمر شعبان ما ترحم الصب واشواقه أسألك بالذي جمّل خدّك البهي الفتّان وأجرى السحر في عينيك وأعطاك (( الحلا )) كُلّه حتى صرت سلطاناً للملاح لك من الميزات ما يجعلك جديراً بأن تأمر كما تشاء ..فأوامرك مُجابة ومُطاعة ..أسالك بالله ان ترحم الصب الذي يهواك..ثم ينتقل الى مقطع آخريقول: قد كان تركت الهوى كُلّه وابردت من عشقتي للغيد (2) حتى بدا ساجي المُقلة الشادن الخشف سامي الجِيد فَشَلَّ قلبي بلا مُهلة بسهم مقلة تصيد الصيد (3) من حين بدا قدّه الريّان تستّر الغصن باوراقه (4) قد كنت تركت الهوى وأفلتُّ من قبضته .. فصرتُ خالي البال, أنعم بالهدوء والاستقرار وليس هناك ما يُعكّر صفو حياتي أو يجلب لي همّاً أنا في غنىً عنه .. تخلّصت من أسار العشق وصرتُ حراً طليقاً لا أجد ما يؤرّقني أو يثير كوامن الحزن في نفسي .. قد كنتُ لملمتُ كلّ ذلك وأودعتُهُ ذاكرة النسيان لكي أستريح .. حتى بدا ساجي العين , من يُشبه الغزال أمامي فأعادني الى دنيا العشق والحُبّ الصافي, العفيف, فعدتُ إلى ما كنتُ فيه.. لقد استطاع بسهام عينيه ان ينفذ الى الأعماق .. ويخطف قلبي .. فله من الحسن والجمال ما يعجز عنه الوصف..البيت الأخير من المقطع السابق هو الذي يوضح هذا المعنى .. أما المقطع الأخير في هذه الحُمينية فيقول: بِيض الصفاح في سواد العين وقدّكْ العادل الجائرْ وكل من شاهدك يازين وانْ كان عاذلْ رجع عاذرْ والآن شصبر وبينك بين(5) لأنّ ماليْ سواك ناصرْ صلِّي على المُصطفى الرحمن الطهر من طاب إشفاقه صوّر الشاعر عيني حبيبته بأنهما كالسيوف البواتر قدرةً على الفتك..وحتى لوكنتَ بهذه القسوة والجور الذي لا يرحم ..إلأ ان كل من يراك بهذا الجمال الذي وهباك الله إيّاه يعطيك الحق في أن تكون كما تشاء.. أما أنا فليس لي من خيار سوى الصبر عليك لعلّ الرحمة تتسلّل الى قلبك في يومٍ ما فترثي لحالي وتعطف علي لأنني لا أجد في هذه الحياة من يستحق أن يكون إلى جانبي سواك. • الهوامش:- 1• تُستعمل كلمة (الروشان) للشُرفة, وتُستعمل كلمة (طاقة) للنافذة..لاسيما إذا كانت صغيرة وتكون في هذه الحالة جزءاً من الروشان, وهناك تورية لكلمة طاقة بمعنى النافذة ومعنى المقدرة 2• (أبردت) تُستعمل بمعنى(إرتحتُ ) أو(استرحتُ). 3• (شل) بمعنى أخذ, ويُلاحظ الجناس في قوله:(تصيد الصيد). 4• يقصد أن الغُصن في الشجرة قد استتر خجلاً بأوراقه عندما شاهد قدّ حبيبه الريّان. 5• يبدو أنّ المقصود بقوله:(بينك بين) إنه سيتركه وشأنه يفعل ما يُريد.