مظاهرة حاشدة في حضرموت تطالب بالإفراج عن السياسي محمد قحطان    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    شاهد :صور اليوتيوبر "جو حطاب" في حضرموت تشعل مواقع التواصل الاجتماعي    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    المهرة.. محتجون يطالبون بالإفراج الفوري عن القيادي قحطان    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    رئيس الوفد الحكومي: لدينا توجيهات بعدم التعاطي مع الحوثيين إلا بالوصول إلى اتفاقية حول قحطان    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    الداخلية تعلن ضبط أجهزة تشويش طيران أثناء محاولة تهريبها لليمن عبر منفذ صرفيت    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطوّر الفكر السياسي في اليمن «1930-1962م» دراسة تاريخية
قراءة في كتاب
نشر في الجمهورية يوم 29 - 01 - 2014

الكتاب من القطع الكبير، ويقع في 341صفحة، يبدأ بمقدمة، ثم تمهيد عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اليمن ،ويتكون من أربعة فصول، وخاتمة، وملاحق، ثم قائمة المصادر والمراجع، وملخص باللغة الإنجليزية.في مقدمته يتناول المؤلف «إسماعيل قحطان»أوجه الصراع اليمني – الإنجليزي، ويحددها بثلاثة أوجه «الصراع الحدودي بين المملكة المتوكلية اليمنية في الشمال، والاستعمار البريطاني في الجنوب، والوجه الثاني المقاومة اليمنية المسلحة في المحميات ضد النفوذ الإنجليزي، والوجه الثالث المقاومة المدنية في مدينة عدن، حيث أخذ الصراع شكلاً مختلفاً تماماً عما كان يحدث في الحدود بين شطري اليمن أو في المحميات»ص5.ثم الأوضاع السياسية في المملكة المتوكلية، والتي جعلت المستنيرين يبدأون في معارضتهم للإمام يحيى عن طريق النصح، ثم انتقلوا عام 1944إلى عدن ليبدأوا بمعارضتهم العلنية من أجل «إصلاح الوضع الداخلي للدولة، دون المساس بنظام الإمامة»ص5.
وبعد ذلك انتقلوا إلى المطالبة «بتغيير نظام الإمامة واستبداله بالنظام الجمهوري» وذلك بعد فشل حركة 1948م، وانقلاب 1955م، وإن كان المؤلف يصف حركة 48م بالانقلاب ،ف«ميثاقها المقدس» وتحالف الأحرار والسادة وبعض مشايخ القبيلة، ورؤية الحركة للتغيير يجعلها أكبر من انقلاب وأقل من ثورة!
وفي التمهيد نجد المؤلف يحدد أسباب احتلال عدن بسبب موقعها الهام.. وقد نجحت بريطانيا في السيطرة عليها في 19يناير 1939، متخذة من حادثة الباخرة «دريا دولت» ذريعة لاحتلالها.
فقد غرقت الباخرة المذكورة قرب سواحل عدن عام 1936م، فاتهمت بريطانيا سكان عدن بنهبها ،أرسلت حكومة الهند البريطانية القبطان هينس إلى سلطان لحج تطالبه بالتعويض، فلما امتنع قامت بريطانيا باحتلال عدن في 1254 1839م «ص»10.والحقيقة أن بريطانيا سارعت باحتلال عدن، حين وجدت محمد علي باشا حاكم مصر ، وقد سيطر على الحجاز، والشام، والسودان، ووصل إلى المخا مما جعلها تسارع لاحتلال عدن، قطع الطريق عليه،حتى لا يصبح البحر الأحمر تحت نفوذه، مما سيساعده على تحقيق حلمه ببناء إمبراطورية قوية.
وهذا التفسير غفل عنه المؤلف.. لقد كان «عدد المشيخات والسلطنات لا يتجاوز 13 سلطنة ومشيخة عند مجيء الإنجليز، لكنها أصبحت أكثر من 20 مشيخة وسلطنة، بسبب سياسة التفرقة التي اتبعها الإنجليز، وتم عقد 31معاهدة حماية ،وحوالي 90اتفاقية، تحدد علاقات السلطنات والمشيخات والإمارات مع إنجلترا، وكانت أول معاهدة تعقد مع حكام هذه المناطق ،هي المعاهدة التي عقدت مع سلطان لحج في 18يونيو عام1839م، ثم تبعتها بقية المناطق، وبهذا أصبح هؤلاء الحكام مقيدين تتحكم فيهم السلطات الاستعمارية البريطانية «ص11».
يتناول المؤلف في تمهيده أن الجيش في المملكة المتوكلية «يتكون من ثلاث مجموعات، هي: الجيش النظامي والجيش الدفاعي والجيش البراني «ص14».
وأن هذه المجموعات تتكون من القبائل ،والصحيح أن الجيش الدفاعي يتكون من جميع المناطق اليمنية ،بل أن «الجندرمة» وهي تشبه الشرطة العسكرية كانوا من أبناء المنطقة الشافعية.. لقد كانت نتيجة الحرب مع بريطانيا، بعد قصفها للمدن اليمنية – عقد اتفاقية سلام عام 1934م لمدة أربعين عاماً، واتفاقية الطائف مع السعودية بعد حرب 1934م لمدة عشرين عاماً.
وعن الأوضاع الاقتصادية في المملكة المتوكلية يشير المؤلف إلى سياسة الانغلاق التي اتبعها الإمام يحيى في وجه الشركات الغربية، مما جعل الأوضاع – بحسب رأيه - تعيش حالة تخلف، لاعتماد الناس على الأساليب الزراعية البدائية، وغياب الصناعة ،وحرية التجارة.. وعن التجارة في عدن يقول «إن أبناء البلاد لم يستفيدوا من ذلك، إذ كانت الشركات الاحتكارية الأجنبية هي صاحبة السيطرة على هذه التجارة ،ولم يكن لأهل البلاد سوى عملية التسويق للبضائع في الأسواق المحلية وبيعها بالتجزئة ،فكان معظم العمال في مدينة عدن من أبناء البلاد الأصليين، أما فئة التجار فقد كان معظمها من الهنود ،واليهود، والجاليات الأجنبية الأخرى الموجودة في عدن» ص17.
إلاّ أن المؤلف في مواضع أخرى من الكتاب يشير إلى بعض الأسر العدنية الغنية. لقد كان على المؤلف أن يقارن بين أوضاع العمال اليمنيين في عدن، التي كانت سوقاً حرة للشركات الأجنبية ،وترانزيت مفتوحاً على الشركات العالمية، وعدم انعكاس ذلك على معيشة اليمنيين بشكل عام، والوصول إلى الأسباب الحقيقية لهذه الأوضاع المتدنية، فالانغلاق في المملكة المتوكلية والانفتاح في عدن والمحميات كانت نتيجته واحدة على أوضاع اليمنيين، وفقرهم وتخلفهم !أما بالنسبة للأوضاع الاجتماعية في الجنوب ،فلقد «انتهجت الإدارة الاستعمارية سياسة التجهيل في مناطق المحميات ،وحالت دون قيام أية مشاريع تعليمية، ومع إقامتها للاتحاد الفيدرالي سمحت الإدارة الإنجليزية لأعضاء الاتحاد وحكومته أن ينشئوا بعض المدارس» كما أقيمت كلية في مدينة الاتحاد – العاصمة الاتحادية – نفسها –لاستيعاب طلبة الثانوية،فأرسلت البعثات التعليمية من الشباب إلى الجامعات في بريطانيا والولايات المتحدة، وقد انتهج الإنجليز هذه السياسة التعليمية لكي يوجدوا فئة من أبناء البلاد تخضع لسياستهم ،ويمكنها أن تحكم البلاد فيما بعد «والحقيقة أن التعليم في مدينة عدن كان قد تطور مع عشرينيات القرن العشرين ،وأما بالنسبة للمحميات فقد كان المشايخ والسلاطين يحجمون عن إدخال أبنائهم في مدارس يديرها الإنجليز ،خوفاً من التبشير، ويكتفون بتعليمهم أساسيات القراءة والكتابة ،كذلك ليس هناك ما يدل على منع الإنجليز للتعليم الأهلي، بل لقد انتشرت العديد من المدارس الأهلية في عدن وبعض المحميات لتستقبل كل أبناء اليمن على عكس المدارس التي يديرها الاستعمار الإنجليزي ،فقد كانت محتكرة على أبناء عدن سواء أكان من المقيمين الأجانب، أو من كان من أبناء عدن الأصليين.
وفي الشمال «لم تنشأ في عهد الإمام يحيى سوى مدرستين ،هما مدرسة الأيتام وهي لأبناء الفقراء ،والمدرسة العلمية ،وهي لأبناء الذوات من السادة والقضاة »ص22.
والحقيقة أن عدد المدارس في العهد المتوكلي، في تعز والحديدة وصنعاء كانت أكثر من مدرستين ،ومنها المدرسة التحضيرية ،والمدرسة المتوسطة ،والمدرسة الثانوية، إضافة إلى بعض البعثات إلى لبنان ، والعراق، ومصر، وفي تعز كانت مدرسة دار الذهب ، ثم الأشرفية ،وفي عهد الإمام أحمد كانت المدرسة الأحمدية ،وفي تربة ذبحان ،كان هناك مدرسة ،بل ربما اثنتان –وهي ليست من إنشاء الأستاذ أحمد نعمان ومحمد أحمد حيدرة ،بل تابعة لإشراف الأمير علي الوزير، أمير لواء تعز، ولم يتم إغلاقها، لكن تم نقل الأستاذ محمد أحمد حيدرة للتدريس في تعز، بسبب وشاية الأستاذ أحمد النعمان، والقاضي محمد بن عبدالكريم المجاهد ،وعامل قضاء الحجرية حسن الحلالي – اتهموه فيها بأنه يعلم التلاميذ الإلحاد والمجون، وعدم احترام «مولانا الإمام» على عكس ما ذهب إليه مؤلف الكتاب!
تطور الفكر السياسي:
يحدد المؤلف عوامل تطور الفكر السياسي بمؤثرات تراثية تمثلت في كتب المقبلي، والشوكاني والأمير والوزير والجلال ،وما أسهم به فكر هؤلاء من نقد للفكر الزيدي والإمامة لكن المؤلف لم يذكر أن طباعة هذه المؤلفات بشكل عصري، تمت بتوجيهات الإمام يحيى وإشراف سيف الإسلام محمد البدر الذي غرق أواخر العشرينيات في الحديدة! ثم يتناول المؤلف السياسة المتوكلية الداخلية والخارجية من: نظام الرهائن ،وهو هنا يتحدث عن نظام الرهائن على أنه من ابتكارات «الأئمة على مر العصور» متجاهلاً أم جاهلاً بأن نظام الرهائن ،نظام اتبعته الكثير من دول الشرق والغرب في حقب زمنية ماضية، وأن الأتراك كانوا يأخذون رهائن مثلثة، بدلاً من أخذ طفل في العاشرة من عمره ،ويصرف له ريال يومياً، كما هو شأن الرهائن في عهد الإمام يحيى، إضافة إلى تعليمهم! وهناك نظام التنافيذ. وأما بالنسبة للسياسة الخارجية فهي سياسة قامت على العزلة ،رغم عقد الإمام يحيى وأحمد للعديد من الاتفاقيات والتحالفات«لم تثمر شيئاً في إخراج اليمن من عزلته، وبقيت مجرد حبر على ورق ،واستمر اليمن معزولاً يعيش حالة متدنية من التخلف»ص29،وهذا الطرح الذي يقوله المؤلف، يغفل تحولات تعليمية ،وتجارية، وسياسية وعسكرية حصلت خلال العقود من 1962-1918م ،مما يجعل القول بهكذا طرح ،موقف أيديولوجي ،وليس توصيفاً لحقيقة! ومن المؤثرات على الفكر السياسي في اليمن، ما يصفه المؤلف بانقلاب 1948م،وفشله ثم انقلاب 1955م وفشله و«ما أثير من جدل سياسي حوله»ص3.
وبالنسبة للسياسة الاستعمارية في الجنوب فقد تجسدت بالحماية والاستشارة، وإنشاء المجلس التشريعي لعدن 6يناير 1947م، وكان مكوناً من ثمانية من رجال الدولة «وليس فيهم ممثلون عن مدينة عدن من المواطنين اليمنيين»ص36.وفي عام 1955م أعطت بريطانيا أربعة مقاعد في المجلس التشريعي لأبناء عدن بالانتخابات وفي عام 1958م تم زيادة عدد الأعضاء المنتخبين إلى اثني عشر عضواً.
وقد حصرت السلطات الإنجليزية حق الانتخاب في عدن في فئتين: الأولى مواليد عدن ،سواء كانوا عرباً أو غير عرب، والفئة الثانية ،أبناء الكومنولث المقيمين في عدن لمدة سنتين ..لقد كان تعريف المواطن العدني في نظر المجلس التشريعي مبنياً على أساس الرعوية البريطانية لا عروبة الشخص»ص36.ويأتي الاتحاد الفيدرالي من ضمن هذه المحطات السياسية التي اتبعتها بريطانيا ،لتثبيت أقدامها في عدن ، فالاتحاد الفيدرالي الذي يضم المحميات في دولة اتحادية (فيدرالية)»وقد طرحت هذه القضية علناً في عام 1954م ، وهناك من يرى أن فكرة الاتحاد هذه كانت قديمة فقد ظهرت عام 1925م، في عهد المندوب السياسي البريطاني رايلي، وفي عام 1930م عُقد مؤتمر في الضالع ضم ممثلين عن قبائل جنوب اليمن ،وطرحت هذه الفكرة ،إلاّ أن هذا المؤتمر لم يحقق الغرض منه.»ص37.لقد بدأت خطوات الاتحاد في المحميات الغربية أولاً ،ثم المحميات الشرقية «على أن تدخل مستعمرة عدن عضواً في هذا الاتحاد» وفي فبراير عام 1959م أعلنت السلطات الإنجليزية في عدن عن قيام الاتحاد الفيدرالي بين المحميات الغربية، وأعلن في 16أغسطس 1962م عن دخول عدن الاتحاد ابتداء من 1مارس 1963م، وكان قد سبق انضمام إلى الاتحاد، تغيير اسم «اتحاد إمارات الجنوب»إلى «اتحاد الجنوب العربي »وذلك في 4ابريل 1962م.ص37.
المنظمات والأحزاب المحلية: في عام 1940م تكونت منظمة اطلقوا عليها اسم «كتيبة الشباب اليمني» من الشباب الدارسين في القاهرة «وكان هؤلاء الشباب من مناطق مختلفة من اليمن سواء الجنوب المحتل أو الشمال المستقل»ص38، ويتضح من مقدمة قانون الكتيبة التوجه الإسلامي والوحدوي والإصلاحي، ويشير المؤلف إلى أن «هذه الكتيبة لم تقم بأي عمل يذكر بعد كتابة هذا البرنامج»ص38.وهناك شباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبرنامجهم الذي حمله الزبيري إلى صنعاء عام 1941م ،وعرضه على الإمام يحيى ،وبالرغم من أن برنامج شباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان يستعطف الإمام يحيى ويمدحه، ويعبر عن ولائه للإمامة، إلاّ أنه احتوى على بعض العبارات الناقدة للوضع في اليمن «فقد عبر عن الاستياء من هذا الجو الصامت الذي يسود الأنحاء اليمنية بأسرها، وهذا الهدوء الموحش الذي يخيم على عقولنا وعقائدنا وأوضاعنا العمرانية، حتى لكأننا في ليل مستمر»ص39. ومع ذلك فالبرنامج ظل بعيداً عن الشأن السياسي ،ومحصوراً في الجوانب الدينية والأخلاقية «والعمل على إيجاد الروابط بين المسلمين، وخلق المحبة بين الناس ،وتوحيد القلوب»ص39.
حركة الأحرار اليمنيين: وقد بدأوا كتجمع شبابي ،من الأدباء والمثقفين اليمنيين، ملتفين حول سيف الإسلام أحمد في تعز، ثم سرعان ما يئسوا من التغيير من خلال سيف الإسلام أحمد «ففر جماعة منهم خوفاً من بطشه إلى عدن»ص41.لم يشر المؤلف إلى أن أول من فر إلى عدن رافضاً تعيينه في قضاء الحجرية ،هو الشيخ مطيع دمّاج ، وكان صديقه عثمان عقيل معه، وبدأوا بالكتابة في فتاة الجزيرة، عن فساد الأوضاع في اليمن، وحاجة اليمن إلى التعليم ...الخ .ثم لحقهم الأستاذ أحمد النعمان ،والزبيري ، والموشكي.. وبدأوا بالكتابة في فتاة الجزيرة ،وأسسوا حزب الأحرار ، ثم تغير الاسم إلى الجمعية اليمانية الكبرى ،وفي بداية الخمسينيات أصبح اسمه الاتحاد اليمني.. وقد كانت رؤيتهم السياسية تقوم على الإصلاح والتغيير من خلال الإمام يحيى وليس إبعاده ،ثم رفضهم لولاية العهد لأحمد ، وأبعد عام 1947م بدأوا التفكير بإزاحة الإمام يحيى والسعي إلى تحقيق مملكة دستورية ،فجاء ما أسماه المؤلف بانقلاب 1948م بعد أن حسم أمر اغتيال الإمام يحيى من خلال فتوى أصدرها الفضيل الورتلاني بعد العودة لمرشده العام حسن البنا، ثم كانت فتوى عبدالله الوزير ،للمجموعة التي ذهبت لتنفيذ عملية الاغتيال ،وهي من وجهة نظري مجموعة مشتركة من القبائل والجيش! وكانت جماعة الأحرار قد فوّضت المرشد العام للإخوان المسلمين، ليكون متحدثاً باسمهم في المحافل الدولية، وفي أي مكان ،تفويضاً مطلقاً كزعيم لهم! وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م ،بدأ الاتحاد اليمني يختار طريق إقامة نظام جمهوري في اليمن، والتحرر من الاستعمار البريطاني ،وخاصة بعد التحاق الأستاذ النعمان بالاتحاد بمصر عام 1955م.
الجمعية الإسلامية :وقد أسسها المحامي الباكستاني الأصل محمد عبدالله المحامي «الذي اتخذ من مدينة عدن مستقراً له ،وقد مارس فيها المحاماة ،وعمل مع الشيخ محمد سالم البيحاني على تكوين الجمعية كصدى لقيام دولة باكستان، عام 1946م »ص45. وقد حددت الجمعية الإسلامية مجال نشاطها في جميع أقطار الأرض ،دون استثناء ،وهدفها «إسقاط الفوارق الجنسية، والحد من التعصبات المذهبية، ومحاربة الجاهلية بين عوام المسلمين حتى يندمجوا في المعنوية الإسلامية السامية»ص46. ومن مجال نشاط الجمعية نلاحظ أن البعد الوطني لم يكن هدفاً لها، كما أن محاربة الجاهلية عند العوام تأثير وهابي، إلى أفكار الجماعة الإسلامية في باكستان، كما أن القول بالحد من التعصبات المذهبية يتعارض مع نهج الشيخ محمد سالم البيحاني، الذي كان في صراع مع علماء الشافعية، بدعم من السعودية والبريطانيين ،فمقررات مدرسته كانت وهابية ،وإذاعته المدرسية كانت مهداة له من السعودية! وهذه أمور لم يذكرها المؤلف، ولم يناقش مجال نشاط الجمعية وأفكارها! لقد اهتمت الجمعية بالقضايا الإسلامية في باكستان ،وبالقضية الفلسطينية من بعد إسلامي وليس عروبي، أو تحرري! فالبيحاني في فترة الكفاح المسلح ضد الإنجليز بعدن، أفتى بتحريم وتجريم العمليات الفدائية ،كما يشير إلى ذلك القاضي عبدالرحمن الإرياني في مذكراته! وانحصر نشاط الجمعية ب«المطالبة بتعريب التعليم في المدارس الحكومية ،والمطالبة بجعل الدين الإسلامي مادة رئيسية في برامجها»ص47.
الجمعية العدنية:
وقد تكونت في مطلع عام 1949م، وقد كانت في بدايتها جمعية خيرية، كباقي الجمعيات والنوادي الاجتماعية، ثم تحولت إلى جمعية سياسية، لسان حالها صحيفتا فتاة الجزيرة ،والقلم العدني «ويعتبر الحكم الذاتي من أهم مطالبها وأهدافها»ص48. وقد انقسمت الجمعية إلى حزبين سياسيين هما المؤتمر الدستوري الشعبي بقيادة محمد علي لقمان والحزب الوطني الاتحادي ،بقيادة حسن علي بيومي.
رابطة أبناء الجنوب العربي: وقد تأسست في عدن عام 1952م، وحددت أهدافها «في توحيد آراء وأهداف أبناء الجنوب، ومكافحة النزعات والمبادئ الهدامة ،والسعي إلى حل مشكل الجنوب ،وقد كانت صحيفة الجنوب العربي، هي الصحيفة الرسمية للرابطة ،والمعبرة عن آرائها السياسية»ص49.ومع كل الأدوار التي قامت بها الرابطة على المستوى الخارجي ،إلاّ أن مشاركة الرابطة في انتخابات المجلس التشريعي الاستعماري لعام 1955م«جعلها تدخل في صراع سياسي مع باقي الحركات والمنظمات الوطنية الأخرى في الجنوب ومنها الحركة العمالية» وخرج من الرابطة قحطان الشعبي ليلتحق في عام 1959م بحركة القوميين العرب ،وكذلك عبدالله باذيب، ليؤسس عام 1961م سالاتحاد الشعبي الديمقراطي ،كحزب شيوعي.
الحركة العمالية:«تكون مؤتمر عدن للنقابات في 5فبراير 1956م عندما اجتمع ممثلو سبع نقابات لدراسة مسوّدة دستور للمؤتمر العمالي»ص51.وإذا كان «دستور الحركة العمالية لعام 1956م لم يشر إلى عمل سياسي ،واكتفى بالجانب التنظيمي ...إلاّ أنه في 4نوفمبر 1958م، اتخذت الحركة العمالية من شعار حزب البعث (الوحدة، الحرية، الاشتراكية) شعاراً لها.. وفي عام 1960مصدر الدستور الثاني للمؤتمر العمالي، الذي حمل على واجهة الغلاف شعار الوحدة –الحرية –الاشتراكية»52-51ص.وأكد في مادته الأولى تبنيه للوحدة اليمنية ،وأن المنظمات المكونة له «هي المنظمات العمالية في اليمن بشطريه وأن منطقة عمله تضم اليمن بشطريه وجاء حزب الشعب الاشتراكي كاستمرار للحركة الوطنية، وتعبيراً سياسياً للمؤتمر العمالي، واعتبر أن الوحدة اليمنية «هي وحدة كل أجزاء اليمن الطبيعية ،في محتواها التاريخي والجغرافي» وأن القضية اليمنية قضية واحدة.
حزب البعث العربي الاشتراكي: وقد تأسس في الجنوب في عام 1956م، عن طريق الحركة العمالية وفي الشمال عام 1958م عن طريق الطلبة اليمنيين الذين كانوا يدرسون في دمشق والقاهرة وبغداد بحسب ما ذكره شبلي العيسمي، وقد أدى نشاط حزب البعث ،وتأثيره على الحركة العمالية إلى قيام حزب الشعب الاشتراكي، كواجهة سياسية للحركة العمالية.. أما في الشمال فإن تأثير حزب البعث على الكثير من الضباط الأحرار، الذين قاموا بثورة 1962م واضح في تكوينهم الثقافي وأهدافهم. ص54.
حركة القوميين العرب: تأسست أول خلية لحركة القوميين العرب في اليمن، في منطقة الشيخ عثمان في عدن عام 1959م «وقد اتخذت الحركة من نادي الشباب الثقافي في الشيخ عثمان مقراً لنشر أفكارهم في أوساط المثقفين، والعمال والطلاب والموظفين وفي العام نفسه تشكلت الخلية الأولى في الشمال» وقد ساعد على انتشار الحركة في اليمن موقفها المؤيد للتجربة الناصرية.ص54. وقد ارتبطت الحركة بالفلاحين والعمال في عدن والمحميات ،وفي الشمال سيطروا «على النقابة الوحيدة في البلاد ،التي كانت تضم عمال مشروع إنشاء الطريق بين تعز وصنعاء»ص54. ولإيمان حركة القوميين العرب بالتحرر من الاستعمار والوحدة العربية والاشتراكية فلقد انعكست هذه الأهداف على فرع اليمن «وقد أصدر كتيباً عام 1959م ،بعنوان «اتحاد الإمارات المزيف».. وقد أوضحت الحركة في كتيبها أن النضال في المنطقة يتم من خلال اتحاد «قوى النضال الشعبي في اليمن المحتل ،وفي إقليم اليمن جنوبه وشماله »واعتبرت أن «معركة الوحدة التي تخوضها ضد واقع الكيانات والإمارات والمشيخات والسلطنات هي جزء من معركة الوحدة العربية الشاملة»ص55. ولهذا تبنت حركة القوميين العرب – فرع اليمن - طريق الكفاح المسلح في الشمال والجنوب، من خلال تواجدها في صفوف الضباط الأحرار ، والمقاومة الشعبية شمالاً ،والجبهة القومية جنوباً.
الاتحاد الشعبي الديمقراطي: وهو «أول تنظيم شيوعي في اليمن بشطريه، وقد تأسس عام 1961م بزعامة عبدالله باذيب، العضو الرابطي السابق بعد أن أعلن موقفًا من كل من رابطة أبناء الجنوب ،والحكومة المتوكلية»55-56ص.
لقد كانت عودة الطلاب الماركسيين من القاهرة، إلى اليمن أساساً لتجمع «ماركسي قوي ،مكن من إنشاء الاتحاد الشعبي الديمقراطي ، وقد أصبح الحزب أحد القوى الوطنية السياسية المشاركة ضمن إطار الحركة الوطنية ،حيث قام منذ تأسيسه بإصدار المنشورات والاشتراك بالمظاهرات، والمساهمة في كل القضايا الوطنية»ص56. من رفض لمعاهدة لندن ، التي تمت في أغسطس 1962م بين حكومة المملكة المتحدة وحكومة الجنوب العربي ص56.وأيد الاتحاد الشعبي المظاهرات الطلابية ضد الحكومة المتوكلية التي خرجت عام 1962م في تعز وصنعاء ص56. وتبنى الاتحاد مطالب الحركة الوطنية بخصوص «تحقيق النهضة التعليمية والثقافية ..إصلاح الجهاز الإداري ،منع الخطاط والتنافيذ، التمهيد لوضع دستور للبلاد.. إنشاء مشاريع الري وتحقيق الإصلاح الزراعي»ص57.
التنظيمات التي حددت هدفها بنظام جمهوري ،بدلاً عن النظام الملكي: بدأ الأحرار نضالهم من 1946-1944م بالمطالبة بإصلاح النظام الإمامي من المفاسد تحت حكم الإمام يحيى، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى قرار اغتيال الإمام يحيى، وتأسيس مملكة دستورية، بحكومة ومجلس تشريعي وميثاق، وبسبب تأثيرات ثورة يوليو 1952م ،ومن خلال الاتحاد اليمني ،بدأوا بالمطالبة بقيام نظام جمهوري ،وذلك من خلال مطالب الشعب التي صاغوها في كتاب ،وأيضاً كتاب «انهيار الرجعية في اليمن» للأستاذ أحمد نعمان .ص121.
وتأتي حركة القوميين العرب – فرع اليمن – وحزب البعث العربي الاشتراكي، وتواجدهم في المؤتمر العمالي ،وتنظيم الضباط الأحرار كحزبين متنافسين في استقطاب الضباط والعمال والفلاحين والقيام بالتحرك العسكري لإسقاط المملكة المتوكلية في الشمال ،والكفاح المسلح لإسقاط الاستعمار في الجنوب.
تجمع التجار: وبحسب تأكيد عبدالغني مطهر في كتابه «يوم ولد اليمن مجده» إنه كان هو والضابط محمد مفرح أول من أسس خلية من الأحرار في مدينة تعز»ص58. وهو تجمع لا يمتلك برنامج عمل ،بحسب زعم المؤلف، مع أن أهداف التجمع واضحة في كتابه ، وأعضاء التجمع يتجاوزون شريحة التجار ،لتضم خلايا من المشايخ والتجار والضباط والعمال والفلاحين ،كما هو مبين في كتاب عبدالغني مطهر «يوم ولد اليمن مجده».
الجمعية الثورية الوطنية الديمقراطية: وهو تنظيم تأسس نتيجة تبادل آراء بين العسكريين والمدنيين والقبليين، في كل من تعز وصنعاء والحديدة ،بحسب رواية الضابط عبدالقادر الخطر، وحددت أهدافها بإزالة الحكم الملكي ،وإقامة حكم جمهوري ،وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء جيش قوي ،وتكوين تنظيم شعبي يضم كل الفئات السياسية ،والصداقة مع دول العالم ،وعدم الانحياز ،وهي أهداف تلتقي ،وتتماثل مع أهداف تنظيم الضباط الأحرار، الذي تأسس عام 1961م ،كتنظيم ثوري سري «وكان عدد هؤلاء الضباط الأحرار خمسة عشر ضابطاً، كلهم برتبة ملازم»ص59.
لقد كانت انتماءات الضباط الأحرار أغلبها من البعثيين ،والقلة من حركة القوميين العرب ،إلاّ أن علي عبدالمغني كان مستقلاً بحسب الكثير من الشهادات المنشورة كمذكرات، فلم يكن بعثياً ولا حركياً ،لكنه كان متأثراً بالخط العروبي والوحدوي لثورة يوليو ،وبتوجه جمال عبدالناصر.. وقد حددت أهداف ثورة 26 سبتمبر 1962م بستة أهداف مطابقة لأهداف ثورة يوليو.
المؤثرات الخارجية في تطور الفكر السياسي:تتمثل هذه المؤثرات في كتابات المفكرين العرب والمسلمين ،بتوجهاتها الإسلامية والعروبية ،وأثر القضية الفلسطينية في الوعي السياسي اليمني ،وحركة الإخوان المسلمين ،ودورهم في حركة 1948م، وثورة 23يوليو 1952م، وتأثيراتها التحررية والاشتراكية والوحدوية، وحزب البعث العربي الاشتراكي منذ أواخر الأربعينيات ،وحركة القوميين العرب بعد نكبة 1948م ،وقيام دولة الكيان الصهيوني ،وتأثير الحزب الشيوعي بعد نجاح الثورة الروسية 1917م ،وأهدافها الساعية إلى قيام سلطة الطبقة العاملة ،وتصفية الملكية الرأسمالية، وتحقيق الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج السياسية ،والتعاونيات الزراعية ،وتطوير الاقتصاد منهجياً، ورفع مستوى الشغيلة ،وتحقيق الثورة الثقافية، وحل المسألة القومية على أساس البروليتاريا، والتمسك بمبدأ الأممية البروليتارية في علاقة التضامن مع الطبقة العاملة في البلدان الأخرى، كل ذلك في سياق تبنيهم للاشتراكية العلمية.
في الفصل الثاني من الكتاب يتناول المؤلف قضايا الإمامة والإمامة الدستورية والجمهورية، من خلال التحولات التاريخية ،والنمو المتصاعد لمطالب الحركة الوطنية ،التي بدأت بمحاربة الفساد، إلى إصلاح نظام جمهوري عادل، وتحرير جنوب اليمن من الاستعمار ،وصولاً إلى تحقيق الوحدة اليمنية .وقد تطرق المؤلف إلى موضوع الزيدية ،وتعريف الإمامة ،والخروج على الظالم ،ثم تحدث عن الدولة المتوكلية، وطريقة وصول الإمام يحيى وأحمد والبدر إلى الحكم، وأنها مغايرة للفكر الزيدي، ومطابقة لنظام الملك الوراثي، وحين يتناول المؤلف موضوع ولاية العهد لا يعطينا وثيقة رسمية تنص على تعيين ولاية العهد ليحيى أو لأحمد أو للبدر! فيحيى لم يكن ولياً للعهد في ظل إمامة أبيه، وكذلك أصبح أحمد إماماً لمنازعته من قاموا بقتل أبيه، وإسقاطه لحركتهم، وأمّا محمد البدر فكان إماماً بحكم التوازنات، والتنازعات بينه وأعمامه وأبناء أعمامه، ولم يكن ولياً للعهد بنص رسمي وإنما بغلبة الواقع!
رواد الحركة الوطنية في الشمال: هناك إجماع بأن رائد الحركة الوطنية في شمال اليمن هو محمد المحلوي، الذي كانت ثقافته تركية ،وأنه التحق بإحدى المدارس التركية بحسب ما ذكره المؤلف، والمعروف هو ثقافة عصرية للمحلوي وأميته الكتابية ،فلقد عمل مع الأتراك كمترجم ،لأنه يجيد اللغة التركية، وكان على اطلاع بالتحولات والأفكار السياسية في تركيا، لذلك أصبح من منتقدي الوصاية والتوريث في عهد الإمام يحيى ،وتعرض للسجن، وطالب بأن تكون الشورى أساس الحكم 94ص،ويشاطره في نقد النظام حسن الدعيس، وكذلك أحمد المطاع ، الذي كان ضابطاً في الجيش ،ثم محرراً لجريدة الإيمان الرسمية، ثم أصبح من أهم كتاب مجلة الحكمة اليمانية «ولقد استطاع أحمد المطاع إلى جانب محمد المحلوي من اجتذاب جماعة لا بأس بها من مثقفي مدينة صنعاء ،ومن أبناء بعض الأسر الكبيرة إلى معارضة الحكم المتوكلي ،وفي هذه الأثناء التي كانت تتكون في صنعاء أول جماعة معارضة مستنيرة ،كانت بعض المدن اليمنية الأخرى تعيش الحدث التاريخي نفسه ،كتعز وإب وذمار، وبدأت تتكون جماعات من الشباب المثقفين ،لكن هذه الجماعات لم تكن على صلة فيما بينها ، وقد استطاع أحمد المطاع الاتصال بالمجموعات المختلفة خلال جولة قام بها لبعض المدن والمناطق اليمنية عام 1350ه،الموافق 1931م “94-95ص.وقد كانت كتابات أحمد عبدالوهاب الوريث في مجلة الحكمة اليمانية، التي كان يرأسها من الكتابات التنويرة ،التي تعبر عن الأفكار العصرية وقتها «كان أهمها مجموعة (الإصلاح) وهي عشرة مقالات متسلسلة»ص95. وفي هذه الحقبة الزمنية كان دور الأستاذ محمد أحمد حيدرة الذي نشط في عدن كرائد للمسرح اليمني أواخر العشرينيات ،ثم مدرساً في تربة ذبحان ، بعد أن استقدمه علي محمد النعمان ،الأخ الأكبر للأستاذ النعمان،كي يدرس في مدينة التربة بداية الثلاثينيات ،والمؤلف هنا يضيف إلى جانب حيدرة دوراً تنويرياً للأستاذ النعمان في تلك الحقبة الزمنية، وهذا ليس صحيحاً ،فلقد كان الأستاذ النعمان يدرس في زبيد، وحين عاد إلى التربة، كان يدرس بالطريقة التقليدية ،وبمحتوى سلفي ،وبتمجيد للإمام يحيى، وحين وجد التلاميذ يقبلون على التعليم الحديث للأستاذ حيدرة، وعلى أنشطته المسرحية والموسيقية، وأناشيده، وطريقة تدريسه للتاريخ والوطنية، والحساب، شعر بغيرة منه، وقام هو والقاضي المجاهد، حاكم قضاء الحجرية، والحلالي عامل القضاء، بالوشاية به خطياً للإمام يحيى، بأنه يعلم التلاميذ الإلحاد والمجون ، والعزف على العود ، والتقليل من حبهم لمولانا الإمام ، فقام بطلبه إلى صنعاء لولا أن أمير لواء تعز «علي الوزير استبقاه عنده في تعز، وهناك واصل نشاطه المسرحي ،في العرضي ،وفي ميدان المدينة ،جوار شجرة الطولقة ،وعمل مدرساً في مدرسة دار الذهب ،والأشرفية، في ما تبقى من عهد علي الوزير ثم مقرباً من سيف الإسلام أحمد ،كفلكي، ومسرحي ،ومدرس إضافة إلى قيامه بأمور كلفه بها سيف الإسلام أحمد ،كتزويج الشباب، بمهر رمزي حدده الإمام يحيى.
يتابع المؤلف سرده التاريخي المتصاعد لتطور الفكر ، والمطالب السياسية في شمال اليمن ، مع كتاب «الآونة الأخيرة» للأستاذ أحمد النعمان عام 1937م ،وكتيبة الشباب اليمني 1940م،وشباب الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر عام 1941م ،ثم حزب الأحرار عام 1944م ،وبرنامجهم المتمثل ب«منهاج حزب الأحرار وأغراضه» و«مطالب حزب الأحرار»، وقد كانت المطالب تتعلق بإلغاء التنافيذ والخطاط ،وجعل الزكاة أمانة، وصرف أموال الأوقاف في العلم ،وإلغاء الجمارك ،ومحاربة الرشوة ،وحرية التجارة ،ونشر التعليم ،والعناية الصحية، وإعانة الفلاحين ،وإصلاح المحاكم الشرعية، وعرض ميزانية الحكومة الإمامية على الأمة ،وإنشاء مجلس شورى، وإيجاد سلطة قضائية عادلة.98-99ص.وبعد ذلك تحول حزب الأحرار إلى الجمعية اليمانية الكبرى ،ومن خلال صحيفتهم «صوت اليمن» وجهوا مطالبهم للإمام ، لإصلاح الوضع في اليمن ،وأكدوا التزامهم بالمبادئ الإسلامية، رداً على اتهامهم بالخروج عن الشريعة ،ولقد مثّل «الميثاق المقدس» نقله نوعية لرؤية الأحرار السياسية ،سواء في نظام حكم دستوري «إمامة شوروية دستورية» أو وضع شروط مطلوبة في الحاكم .109ص. ووضع شروط لانتخابات مجلس الشورى، بأن يكون حقاً لكل ذكر بلغ من العمر 20سنة ،غير محكوم عليه شرعاً بالإجرام، وأن لا يقل عدد ممثلي المدن عن الثلثين ،وتمثيل القبائل والقضوات .111ص.
وفي الفصل الثالث من الكتاب تناول المؤلف:
فكرة الحكم الذاتي في عدن ،وهي الفكرة التي تبنتها «الجمعية العدنية» وكان على رأسها محمد علي لقمان، وحامد لقمان، ويذهبون في انعزاليتهم إلى حد جعل عدن قومية وهوية مستقلة عن اليمن، بل إن حامد لقمان يعتبرها قومية مستقلة عن هويتها العربية ! إلاّ أن محمد علي لقمان كان مع استقلال عدن ، واعتبارها ليست جزءاً من اليمن، لكنه مع الهوية العربية لعدن، لقد طالبت الجمعية العدنية بانتخابات المجلس التشريعي ،وأن يكون حقاً لكل أبناء عدن، فقراء وأغنياء ، إلاّ أن تعريفهم للعدني يشمل كلاً من ولد في عدن، مما يجعل أبناء الكومنولث عدنيين ،وطالبوا بأن يكون المرشحون من أبناء عدن فقط ،على أن يكون لغير العدني، والمقيم في عدن حق التصويت فقط، ومضاعفة عدد النواب الذين تعينهم الحكومة في المجلس التشريعي من أبناء الشعب، من ذوي الخبرة والتجربة .145ص.وحين فشل دعاة الحكم الذاتي في إقناع السلطة البريطانية بحجب حق الترشيح للأجانب، لجأوا إلى «الاستجداء عبر الصحف ،والطلب من الجاليات الأجنبية أن تتوقف عن ترشيح بعض أفرادها للانتخابات»ص145. وقد انقسمت الجمعية العدنية إلى قسمين بخصوص الانضمام للاتحاد الفيدرالي مع المحميات، فحسن علي بيومي مع الانضمام للاتحاد ،ومحمد علي لقمان ضد الانضمام، وانتهى الانقسام بين دعاة الحكم الذاتي في عام 1957م إلى أن أسس كل فريق حزباً مستقلاً عن الآخر ،هما الحزب الوطني الاتحادي، الذي أسسه حسن علي بيومي، وأسس آل لقمان المؤتمر الدستوري الشعبي، وكانت العلاقة السياسية بينهما أشد عداوة وتناقضاً محلياً ودولياً! لقد كانت مطالب الجمعية العدنية محصورة بالحكم الذاتي، وأهمية الاستعمار في تطوير عدن حتى تنال استقلالها إلاٍّ أنهم وبسب ضغوط بريطانيا للانضمام إلى الاتحاد الفيدرالي «أصبح علي لقمان يدعو إلى استقلال تام لعدن».ص148.
وفي هذا السياق كان ظهور «رابطة أبناء الجنوب العربي» تعد خطوة وحدوية، دعت إلى دولة مستقلة في «الجنوب العربي» عام 1951م .لكن دستور الرابطة لا يشير نهائياً إلى كون شمال اليمن جزءاً من الجنوب العربي، بل يؤكد على أن الجنوب العربي يتكون من عدن والمحميات ..ص159.وبسبب مشاركة الرابطة في الانتخابات التشريعية عام 1958م،انشق عنها الكثير من أعضائها ،وقاطعتها القوى الوطنية، وكان للمؤتمر العمالي، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب، وحزب الشعب الاشتراكي العربي، والجبهة الوطنية المتحدة، الدور البارز والفاعل في رفض الحكم الذاتي والاتحاد الفيدرالي، واتحاد الجنوب العربي، والتأكيد على وحدة الهوية اليمنية، ووحدة النضال،ضمن هويتها العربية، وهو الذي تحقق بالكفاح المسلح للجبهة القومية، وجبهة التحرير ،والتنظيمات القومية المسلحة ،كالتنظيم الشعبي، حتى تحقق الاستقلال في عام 1967م.
وفي الفصل الرابع والأخير، يتناول المؤلف أهم القضايا المشتركة، وموقف التوجهات السياسية منها، فالوحدة الإسلامية كانت مطلباً لجماعة مجلة الحكمة اليمانية، ولدى محمد علي إبراهيم لقمان كتاب أسماه «بماذا تقدم الغربيون» وفيه يدعو إلى الوحدة الإسلامية ،وكذلك لدى حزب الأحرار الذي لم يتحول إلى الوحدة العربية إلاًّ بتأثيرات ثورة 23 يوليو 1952م ،وأما الجمعية الإسلامية التي أسسها محمد عبدالله المحامي، وكان من بين أعضائها الشيخ محمد سالم البيحاني، فلم تكن الفكرة الوطنية حاضرة في صحيفتها ،وكان البيحاني رفضاً للكفاح المسلح والعمليات الفدائية ،وهو يرى أن الوحدة الإسلامية ضرورة وواجب ديني، وأن القومية العربية عنصرية، وكذلك كانت كتابات عثمان عبدالله الأزهري.
الوحدة العربية: وكانت كتيبة الشباب اليمني قد حددت في برنامجها الاتجاهات الفكرية لها ب«الإسلام، العرب، الوطن» وكذلك أصبح الأحرار يطالبون بالوحدة العربية بعد تأسيسهم للاتحاد اليمني بمصر ،وكان المثقفون العدنيون كمحمد علي لقمان عبر صحيفة «فتاة الجزيرة» تطالب بالوحدة العربية لوجود عوامل مشتركة من لغة وتاريخ وجغرافيا.. الخ ،وتعمل المسابقات الشعرية عن الوحدة العربية، كتلك التي فاز بها محمد عبد غانم ،عام 1942م ، وكذلك كان «مخيم أبي الطيب» ورابطة أبناء الجنوب العربي تؤكد ارتباط الجنوب بالوطن العربي، ككيان مستقل عن اليمن، وترفع شعار الوحدة العربية ،ومع قيام ثورة يوليو ،وظهور تنظيمات قومية، كالبعث وحركة القوميين العرب ضعف تأثير الإخوان المسلمين ،والاتجاه الإسلامي لتبني هذه التنظيمات الأفكار القومية ،والاشتراكية، والتحرر من الاستعمار من خلال الكفاح المسلح.. وفي هذا السياق تأتي الحركة العمالية والجبهة الوطنية المتحدة في عدن.
لقد كانت هذه التوجهات العروبية تنطلق من الإيمان بالوحدة اليمنية على طريق الوحدة العربية الشاملة، حتى أن الشيوعيين برئاسة عبدالله باذيب أكدوا من خلال حزبهم «الاتحاد الشعبي الديمقراطي» على الوحدة اليمنية تحت شعار«من أجل يمن جديد موحد» وإن كان موقفهم من الوحدة العربية سلبياً ،كونهم ينظرون إليها على أنها مطلباً للبرجوازية العربية! وبخصوص القضية الفلسطينية فلقد كانت المشترك بين التيارات الوطنية والعربية والإسلامية، لكن الموقف من الاستعمار من حيث الكفاح المسلح ضده، أو الكفاح السلمي، أو مهادنة والتعاون مع الاستعمار، كونه ضرورة لتقدم عدن والجنوب كما يزعم البعض، كان من عناصر الخلاف بل والصراع بين هذه التكوينات الوطنية والعربية والإسلامية...232-242ص...
*«تطور الفكر السياسي في اليمن ، 1930 -1962م،دراسة تاريخية» - إسماعيل قحطان -2007م،مكان الطبع «بدون».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.