في 6 يونيو 1982م تم اجتياح الجنوب اللبناني من قبل القوات الإسرائيلية بقيادة آريل شارون، و بذات التاريخ في 1967م القوات الإسرائيلية تدخل بيت المقدس في ثاني أيام الحرب الستة، وهناك كانت إحدى محطات العجز العربي فكان الانكسار، وانكسرت معه الكرامة العربية واللحمة الأخوية. وبقي الجنوب اللبناني إلى وقتنا هذا تحت العين الإسرائيلية، ونقطة أُفرغت من جدولة المخطط الإسرائيلي وشعاره الموسوم في برتوكلاته (أرضك يا أرشليم من النيل إلى الفرات). وقف صاحب (الناي والريح) الشاعر خليل حاوي لتعرية العجز العربي بالطريقة التي أرادها بأن أطلق على نفسه رصاصة من بندقية ليعطي رسالته: ها أنا أموت باختياري رافضاً عجزكم وانكساركم، لتعرفوا حقيقتكم أنكم أموات ، وأن الكرامة العربية قد دُفنت ولا سبيل لإحيائها فيكم. المآسي التي مرّت على الأمة العربية حُفرت آثارها في عقول الأجيال التي تعي مدى أهمية الانتماء لها، وفي حقيقة الأمر والدافع للكتابة لهذا التاريخ ( 6/ 6) هو تعانق الألم فيه، ينتشلني هذا التاريخ من لحظة قد نسر بها إلى الإفاقة لأحداث مأسوية عربياً لما سبق ذكره ، وشخصياً لرحيل صديقي الشاعر رمزي الخالدي: (حين أموت من المؤكد أني سأشتاقكم، ومن اللا مؤكد أن دموعكم البسيطة ستحتفل بقبعات مدهونة....). الاعتزاز في واقع الانكسار جسّده الشاعر خليل حاوي ولم يرتض بالذل لبلده، فاستشعر أن الحياة بدون عزة الوطن ذل وموت، أما الشاعر رمزي الخالدي فعانى انكسارين في ذاته، انكسار وطنه، وانكسار (تكسّر دمه): (سأفترش المجهول فأهديه للوطن، سأعفر الكون والإله بالشمس، وأدفنهم جميعاً بالجنبات، سأداعب الأشواك كالمطر وأرسلها للعصافير...). يتميز الشاعر في وصف المعاناة التي يلمسها ويلمسها حوله المجتمع بأدق تصوير، ويطرح المكاشفات بأكثر وضوح: (هنا للفقير نعش، وللكسيح ويل، وللكبير جنس وأمنية، هنا بلادي، للكاتب القدير سجن وأحذية.. هنا في بلادي اصطنعت مواجعنا..). الشاعر الراحل رمزي الخالدي لم يعش حياة الدعة أو بعض الراحة، بل حياة تعب وقساوة، مرض، وغرق، ونزيف لحياته القصيرة جداً، ظلت حياته كمقاطع نص يتصاعد من ألم إلى ألم طافح، وسيمفونية حزينة يفتش فيها عن روحه: (كالموسيقى أفتش في الروح عن ناي، عن احتراق مطفأ بروح الفيروز ...)، شعوره بالموت كل ليلة لافتراس المرض جسده النحيل حتى تلك الليلة: (أموت هذه الليلة، يعبرون فوضى في سحاب، هشيم تذره غفوة الكتاب، كما أنت في الشجن، قلبي عامر بالموت...).. هذه حياته لم يأخذ نفسها (هكذا حياتي معشر الناس، خزي، ورهق، ومرض، حتى الشعر كل يوم أفتقده....). لم يعانِ رمزي الخالدي بل عانت أسرته معه، وتقطّعت بهم الأسباب، كان الراحل ووالده يجوبان صيدليات المدينة بحثاً عن حبة الهيدراء: ( إليّ وأبي ونحن نبحث عن حبة الهيدراء في صيدليات المدينة، في متاهات من الشعر والضوء، عشية البركة بيد أبي، وملف خزامي بيدي، كلانا للتعب علامة فارهة...) (وأخلدني طيفاً مشعاً، لأطياف الهيدراء..). رحل رمزي الخالدي بل هرب من جحيمنا وحياتنا الموسومة بالموت الإنساني، واختار ركاماً لطيفاً يأنس له وبه، وتركنا لتراكماتنا الخائبة الخائفة، حرس المنطق وحين غادرنا ترك لنا التساؤلات المفتوحة (آح هكذا سأفعل حينما أظن أني هربت من جحيمكم.. يا الله.. من سيهرش الملصقات؟ !... من سيتحرش بي؟! .. يا الله أخرجني من الخوف كي أموت في الركام اللطيف حتى أنشر عنقي على حبل موتاك، بالتأكيد أكلت العمر وحيداً..). «الأصدقاء الجُدد» الأعمال الصادرة عن دار أروقة - مصر - للشاعر اليمني الشاب الراحل رمزي الخالدي. آتٍ إلى ظل روحك من عذابات القدر فأنت كل الأصدقاء - أنبياء الزمن البعيد بيني وبينك سدٌّ أراه ينقض قواه فأجدني إليك كل الذين فقدوك كنا يوماً منافي وكل ماقيل عنك وماسيُقال بعض ارتجال الجفاف ارتج يوماً (جسر جمال) فأومض حزناً بادلته (قاهرة القلاع).