نظمت وزارة الثقافة بالتنسيق مع اتحاد الأدباء والكُتّاب اليمنيين أمس ندوة ثقافية حول التجربة الإبداعية للشاعر المسرحي الراحل محمد الشرفي بمشاركة نخبة من الكُتاب والأدباء والمثقفين. وفي مستهل الندوة افتتح وزير الثقافة الدكتور عبدالله عوبل، ومعه رئيس المجمع العلمي اللغوي اليمني شاعر اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح، وأمين عام اتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين هدى أبلان معرضاً فوتوغرافياً لصور الراحل في مراحل حياته المختلفة. وفي الندوة ألقى وزير الثقافة الدكتور عبدالله عوبل كلمة تناول فيها تجربة الشاعر محمد الشرفي الذي ينتمي إلى جيل المعاناة والثورة في اليمن، والذي كان شعره معبراً عن هذه المعاناة ومبشراً بفجر الثورة الذي استطاع أن يراه ببصيرة الرائي الثائر. وقال: إن قراءة عميقة في أدب الراحل محمد الشرفي شعراً ومسرحاً يمكن أن تكشف أمراً مهماً عن هذا الشاعر المبدع الذي لم يكتب الشعر ولكنه عاش تجربة الشعر معاناة وأرقاً وألقاً واتخذ طريقة في الحياة شعراً، ولعل هذا الاختيار الذي يحمل ملامح رومانسية وهو الذي قاده على نحو مفارق إلى قلب المجتمع اليمني جامعاً أشتات الفقر والألم ليعيد صياغتها بشعرية رائعة. وأضاف: كانت المرأة قضية أساسية في أدبه شعراً ونثراً، بل إن المرأة كانت قضية عمره ونضاله من أجل التغيير ومنذ أن بدأ وعيه يهيم بالثورة على التقاليد البالية والظلم والاضطهاد توجه بجهده وعمله لتحرير المرأة من حجابها، ذلك الحجاب الذي لم يكن يحجب وجه المرأة وحسب، بل كان يحجب حقها في الحياة وفي الحرية وفي التعليم والعمل وغيرها من الحقوق. وأشار إلى أن ثورة الشرفي لم تكن ضد المجتمع وتقاليده البالية مجرد كلمات وأشعار بل كان فعلاً وسلوكاً ويسبقها العمل وقد بدأ بنفسه وداخل بيته وتحمل من أجل ذلك كثيراً من العناء. وأكد أن أعمال الشرفي سوف تظل خالدة تقرأها الأجيال المتعاقبة وستلهم الشباب المبدع. شاعر اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح قال: مازلت غير مصدق أن الصديق الشاعر الكبير محمد حسين الشرفي قد فارقنا وأنني وأكاد أراه وأتحدث إليه فليس بمثل هذه السرعة وبعد كل هذا التعايش الطويل يفقد الأصدقاء والزملاء صديقاً عزيزاً وزميلاً رائعاً. وأضاف: ولابد أن يعلل المرء نفسه وراء اختفاء كل عزيز وأن يتحول هذا التعلل إلى ما يشبه الحقيقة، ومثل شاعرنا الكبير لا يمكن أن يختفي ويرحل فهو معنا بمواقفه وبما تركه من إبداع كبير كما هو معنا بأبنائه وبناته وبإخوانه وبالذكريات التي لا يمكن للزمن أن يمحو سطراً من سطورها أو صورة من صورها وإذا اختفت من الورق فإنها لن تختفي من الوجدان والمشاعر. وقال : وأزعم أنني كتبت عن شعره الكثير وأرى أن إبداعه الشعري والمسرحي قد لقي بعض ما يستحقه من اهتمام النقاد والأكاديميين خاصة الذين قدموا ومايزال بعضهم في طريقه إلى أن يقدم أطروحات تتناول هذا الكثير الإبداعي الواسع والمتميز، لذلك فإنني في هذه المناسبة الاحتفائية لن أتحدت لا عن شعره ولا عن مسرحه، وسأكتفي بالحديث وبإيجاز شديد عن ذكرياتنا وهي تستوعب مجلداً كبيراً فقد ربطتني به صداقة عميقة وحميمة. واستعرض الدكتور المقالح بعض الذكريات التي جمعته بالراحل في عدد من العواصم الأجنبية والعربية وصولاً إلى صنعاء الحبيبة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وكان لنا فيها لقاءات يومية واهتمامات أدبية وفكرية مشتركة، وكانت هذه الفترة زاخرة بإنتاجه الشعري الغزير والرفيع المستوى، فقد ارتقت موهبته وارتقى معها إبداعه وأصبح واحداً من أهم الشعراء في هذه البلاد، حيث تناول شعره كثيراً من القضايا الوطنية والإنسانية.. من جانبها أشادت أمين عام اتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين نائب وزير الثقافة هدى أبلان بدور الشاعر الكبير الراحل محمد الشرفي وما سجله من حضور ونضال ومواقف مشرقة بالكلمة الصادقة والحب والحياة والجمال. وقالت هدى أبلان: «إن الشاعر الكبير محمد الشرفي علامة فارقة في تاريخ الشعرية اليمنية والعربية والإنسانية .. وكان له أثر كبير في أحداث تحولات فنية وجمالية في الذائقة الشعرية اليمنية، وانتقل بها إلى عوالم جديدة ومبتكرة وخلاقة». وأضافت :« كان صوتاً صادحاً بالمعرفة والفكر والمحبة ، تناول قضايا المرأة وتجلياتها بروح العاشق المعنى بإحداث انتقالة إنسانية بهذا الجزء المهم في بنية المجتمع». منوهة بما تركه الشاعر والمسرحي الكبير الذي ترك أثراً إبداعياً لم يأخذ حظه من الدراسة والتمحيص بعد ، وقالت: «كان واحداً من الأقلام المفعمة بالأمل والتطلعات التي تجاوزت الرؤى الضيقة لأن تكون الحياة باتساعها وتنوعها وهي وعاء الإبداع الذي لا ينضب وإشراقه الضوء التي لا تغيب». وأضافت: «إن اتحاد الأدباء والكتاب وهو يؤبن في لحظة الغياب/الحضور واحد من رواده المتميزين المملوئين بالحرية والفكر ليجد نفسه يؤبن مرحلة من الضوء قل أن تتكرر». وفي الندوة التي أدارها الشاعر محمد القعود تحدثت عن أسرة الراحل هدى الشرفي معربة عن الشكر والتقدير للحضور ولكل الأصدقاء والإخوة الذين تابعوا وسألوا عن حالته الصحية . وقالت: «محمد حسين الشرفي رحمه الله كان ولايزال اسماً معروفاً بأشعاره ومسرحياته وكتاباته وسيظل كذلك؛ لأنه كرس حياته لهذا العمل وشرف وطنه بأعماله». وأضافت: «لقد عاش الفقيد هموم وطنه وكان من أبطال ثورة 26 سبتمبر؛ فآزر الثورة وتمسك بالوحدة اليمنية وعبر عنها كلها في أشعاره ونثره، وكان يطمح للحرية والمساواة والعدالة وتقدم اليمن وازدهاره، ويسعى إلى معالجة الأوضاع الفاسدة ويطالب بالديمقراطية ويعمل على بناء إنسان المستقبل الذي يعول عليه اليمن، كما سخر أدبه لنصرة قضايا الأمة العربية».. فيما تناول الشاعر محمد عبدالسلام منصور قراءة في تجربة الشاعر والكاتب المسرحي الراحل محمد الشرفي، داعياً القراء ومحبي الفن والأدب وخاصة النقاد والمؤرخين إلى العودة الصادقة والنظرة المتعمقة في إنتاجاته الفكرية وإبداعاته الأدبية ونشاطاته الإعلامية، ليقفوا على المجهود العظيم الذي بذله والإنتاج الكثير الذي خلفه من أجل تقدم اليمن ودعوة أبناء شعبه وأبناء الشعب العربي إلى الأخذ بأسباب الحضارة الحديثة. وقال: «لقد كان الشاعر المسرحي محمد الشرفي واحداً من أولئك الفتية الذين استوعبوا مضامين الفكر الثوري اليمني والعربي ومحاولات هذا الفكر المتكررة في إقامة حكم الشعب على أساس العدل والمساواة». حضر الندوة عدد من أصدقاء الراحل وزملائه وجمع من الأدباء والمثقفين.