قبل 21 عاماً في 12سبتمبر 1993 توفي الموسيقار الكبير بليغ حمدي. هو أحد “غصون الذهب” كما وصفهم الموسيقار سليم سحاب ويقصد بذلك “محمد الموجي و بليغ حمدي و كمال الطويل”, الثلاثة الملحنين الذين شقوا مسارات جديدة للأغنية العربية و مثلوا امتدادا لجيل الرواد “زكريا أحمد و رياض السنباطي و محمد عبدالوهاب” و واصلوا الارتقاء بالموسيقى العربية في مسار تصاعدي متطور و ثري كماً و كيفاً. بليغ حمدي, صاحب الجملة اللحنية الرشيقة, السهلة الممتنعة, و التي قالت عنها وردة أنها “تعلق”, أي تلتصق بذاكرة المستمع, و قد تنبهت أم كلثوم لموهبة بليغ الشاب مبكراً فأسندت إليه مهمة تلحين أغنية “حب أية” عام 1960 وهو لا يزال في الثلاثين من العمر ما جعله اصغر ملحن عمل مع أم كلثوم, و معروف عن أم كلثوم صرامتها و حرصها الشديد في التعامل مع الشعراء و الملحنين الذين تختارهم بعناية فائقة و قد نال بليغ ثقتها بفعل موهبته الفذة و إمكانياته الخلاقة وكان أن لحن لها 11 أغنية. يمثل بليغ الاتجاه “الباروكي” في الموسيقى العربية - نسبة إلى الموسيقى الباروكية - و يمتاز هذا الاتجاه بكثرة التلوين اللحني و الاهتمام الزائد بالزخرفة النغمية فكان كمن يغرف من بحر و هو يضع مقدمات طويلة لمطالع الأغاني التي لحنها أو تقديمه لتنويعات زاخرة في كوبليهات الأغاني واهتمامه بالإيقاعات المختلفة كما في أغنية “زي الهوا” لعبدالحليم, حتى أن بعض النقاد اعتبر تلك المقدمات الموسيقية في مطالع الحانه منفصلة عضوياً عن الأغنية و أنها لا تخدم العمل. أهتم بليغ حمدي كثيراً بتوظيف الموروث الموسيقى الشعبي المصري فعمل على الارتقاء بالأغنية الشعبية من خلال تلحينه لمحمد رشدي و أحمد عدوية و نجاحه الباهر مع عبدالحليم في تقديم أغنية طربية شعبية في نفس الوقت كما في “على حسب وداد قلبي” و “أنا كلما أقول التوبة” و غيرها, كما عمل بليغ على تبني الأصوات الجديدة وتقديمها للساحة الفنية حيث تبنى موسيقياً عفاف راضي و علي الحجار و غيرهما كما عمل مع كثير من الأصوات العربية و قدم معها روائع راسخة في الذاكرة الموسيقية للأجيال كصباح في “يانا يانا” على سبيل المثال لا الحصر كما لحن لمطربات عربيات كان يراهن عليهن كميادة الحناوي - التي غنت من كلماته و الحانه “أنا باعشقك”- و سميرة سعيد و عزيزة جلال و بالطبع في المقدمة وردة التي هي حكاية الحب و الفن مع بليغ.