تعد مديرية ذوباب إحدى أهم مديريات محافظة تعز “إقليم الجند”، فهي تشرف على مضيق باب المندب كواحد من أهم الممرات العالمية، وهي المديرية الأكثر إهمالاً, حيث تُعاني شحّة في المشاريع، وغياباً كاملاً لخدمات المياه والكهرباء والصحة وغيرها من الخدمات، ولا تزال محرومة من كافة وسائل العيش الإنساني الكريم، وهي من المديريات الأقل سكاناً في محافظة تعز، حيث يبلغ عدد سكانها حسب إحصائية 2004م 19 ألف نسمة.. باب المندب هو مضيق يصل البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، ويفصل قارة آسيا عن قارة إفريقيا، ويعد أهم ممر بحري، وموقعه استراتيجي، وجاء ذكر “المندب” في المساند الحميرية.. واسمه من ندب، أي جاز وعبر، وهناك رأي يقول: إنه من ندب الموتى ويربطه بعبور الأحباش إلى اليمن، وتبلغ المسافة بين ضفتي المضيق 30 كم، أي 20 ميلاً تقريباً من رأس منهالي في الساحل الآسيوي إلى رأس سيان على الساحل الإفريقي. وتقع في منتصف المضيق جزيرة “مَيّون”، وهي تفصل المضيق إلى قناتين. الشرقية منها تُعرف باسم باب إسكندر وعرضها 3 كم وعمقها 30م. أما الغربية واسمها “دقة المايون” فعرضها 25 كم وعمقها يصل إلى 310م. خدمات أساسية غائبة خلال زيارتي إلى المديرية اتضح لي أنه لا توجد كهرباء إلا عبارة عن مولدات صغيرة تعود لمستثمرين يقومون بتوصيلها إلى المواطنين بمبالغ كبيرة، حيث يعيش أهالي المديرية تحت وطأة الحرارة، رغم أن مركز المديرية يبعد 75 كيلومتراً عن محطة التوليد الكهربائية في المخا. علي هبة - أحد سكان المديرية، يقول: إنه يدفع مبلغ 6000 ريال شهرياً استهلاك الكهرباء، حيث أنه يستخدم لمبة واحدة وتلفزيوناً، ويشير ويؤكد بحسرة أن الدولة لا تتواجد في ذوباب، وإذا تواجدت ستتواجد الخدمات الأساسية للمواطن، فالمواطن منذ عشرين عاماً يحلم بمشروعي الكهرباء والمياه ولكن لم يتحقق حلمة حتى الآن. لا مشروع للمياه مشاريع المياه غائبة أيضاً، فالسكان يشترون المياه بالدبة من آبار المستثمرين، يقول عدد من سكان المديرية: إنه في السابق كان يضخ لهم المياه مقابل مبلغ زهيد من آبار معسكر العمري التابع للواء 17 مشاة، ولكن قبل ست سنوات أُوقفت عملية الضخ، مضيفين أن المجلس المحلي اعتمد بناء خزان ومد شبكة مياه للمديرية، لكن بعد الانتهاء من المشروع اتضح وجود خلل في الشبكة، فهي لا تستطيع تحمل الضغط، ففشل المشروع وبقي المواطن محروماً من خدمة المياه. تسرُّب من التعليم عدد كبير من الأطفال والشباب في المديرية يتركون التعليم، وينخرطون في أعمال الصيد، في الوقت الذي تمر فيه عملية التعليم في تلك المناطق بحالة تدهور غير عادية. عدد من الأهالي تحدثوا عن أن التعليم في المديرية يواجه العديد من المعوقات، منها نقص في عدد الكوادر التعليمية، خاصة في المواد العلمية، مما يجعل المخرجات في المديرية ضعيفة جداً. ويؤكد الأهالي أن العديد من الطلاب تركوا التعليم، وانخرطوا في عملية الصيد، كونهم يحصلون على عائد لاستمرارهم في الحياة، وكون السواحل قريبة من قراهم، مشيرين إلى أن معظم الأطفال ينخرطون أثناء الإجازة الدراسية في الصيد، ولا يعود إلى الدراسة في بداية العام الجديد إلا القليل منهم. صحة متدهورة مستشفى ذوباب الريفي هو المستشفى الحكومي الوحيد في المديرية، يكاد لا يستقبل أية حالة في اليوم للغياب التام للأجهزة، كما أن الكادر لا يلتزم بالدوام فهم يغادرون المبنى فور وصولهم، ما عدا الدكتور أحمد الضبياني الذي يتواجد بحكم سكنه في السكن الخاص بالمستشفى. يقول السكان: إن المستشفى توقف 3 سنوات للترميم، وخلال هذه الفترة تم نقل إجراء العمليات إلى مستشفى المخا، أيضاً لم تعد الفرق والمخيمات الطبية التي كانت تقدم للمستشفى، مشيرين إلى أنه منذ افتتاح المستشفى بعد الترميم لم يعد يقدّم أية خدمة سوى إسعافات أولية فقط؛ فأين تذهب مخصّصات المستشفى التشغيلية؟. أيضاً يوجد مبنى حديث للمستشفى تم الانتهاء من تشييده عام 2014، ولكنه لم يُفتتح حتى الآن، ويقول السكان إن المبنى سيخصّص للأمومة والطفولة. فرع طبي للواء 17 عادل محسن حسان، نائب رئيس قطاع الفرع الطبي باللواء 17 مشاة أشار إلى أن أية حالات ضرورية يستقبلها القطاع الطبي، ثم يتم إرسالها إلى مستشفى المخا، ويؤكد عادل أن القطاع يتخذ عنبراً من المستشفى القديم مقراً له. سواحل ملوّثة الزائر لساحل المديرية يجده مكبّاً للقمامة، فهي مكدّسة بالمخلفات؛ وهذا يعكس الصورة السلبية لأداء السلطة المحلية بالمديرية. قبل عامين نفذت إحدى المنظمات بالتعاون مع طلاب المدارس وأفراد اللواء 17 مشاة حملة تنظيف للساحل، تم رفع خلال الحملة ما يقرب من 30 طناً من المخلّفات، حيث تم تنظيف الساحل بالكامل، وتم نشر التوعية بالحفاظ على الساحل وجعله نظيفاً، وتم توزيع 9 براميل قمامة لرمي المخلّفات فيها، ولكن عادت القمامة تتكدّس على الساحل. مكافحة التهريب كثير من سواحل المديرية ك (ساحل السيمن، وواحجة ، والجديد) وغيرها تعد أهم مواقع انزال للبضائع المهرّبة، ألعاب نارية، أدوية، سجائر، وكل أنواع البضائع، وفي الفترة الأخيرة وبجهود مشتركة من اللواء 17 مشاة بقيادة العميد الركن صالح الصباري، وقائد قطاع اللواء 35 بالمخا العقيد فيصل عبد المغني، وخفر السواحل بقيادة العقيد أحمد المقرمي بالمخا، ووحدة مكافحة الإرهاب بقيادة عبده الجندي، وبجهود جميع أفراد الوحدات العسكرية المذكورة أعلاه تم الحد نوعاً ما من مكافحة التهريب، وأصبحت الوحدات العسكرية تنظّم دوريات على مدار اليوم، وتم ضبط العديد من المهرّبين والمُهرّبات. السويدا.. والوزف بعد ذلك زرنا منطقة «السويدا»، وهالتنا الكميات الكبيرة من “الوزف” التي وجدناها مفروشة في مساحات متفرّقة من القرية، والتي قد يبلغ حجمها أطناناً، و«الوزف» مادة مليئة بالبروتين، وتعد إلى جانب صيد الأسماك مصدر رزق سكان تلك المنطقة، ويتم تصديرها إلى مختلف المحافظات، والدول الإفريقية القريبة من المنطقة. وهناك التقينا (أحد ساكني المنطقة)، والذي قال: نحن نعمل في استخراج مادة الوزف، وهذا مصدر رزقنا، إلى جانب الصيد، ونقوم بتعبئته في «جواني» ونسوّقه إلى الحراج، ومنه إلى باقي المحافظات. ويضيف: «موسم الوزف يكون عادة في الشتاء، ويكون له طلب كبير، كما أنه يكون متوفراً بكثرة في أيام الخريف، وسعره ينخفض. ويشير إلى أن الوزف يعد غذاءً للأسماك، وهو يظل بحجمه هكذا، ولا يكبر. بعد وقوفنا في «السويدا» توجهنا إلى ساحلها الذي أبهرنا بالجمال الذي يكتنزه، والموقع الفريد، والصخور المتناثرة، والتي تبدو وكأنها شُعب مرجانية بحرية متواجدة على سطح الأرض.. وإذا تم الترويج الأمثل لهذا الساحل، فسيجذب مختلف الاستثمارات السياحية المحلية والعربية، وحتى الأجنبية؛ لما يتمتع به من خصوصية وتفرّد، خاصة مع عدم تدخل يد الإنسان للعبث به أو تغيير ملامحه. ترويج في الساعة الرابعة من مساء ذلك اليوم، ودّعنا مديرية باب المندب على أمل العودة بعد تطوّر بنيتها التحتية، وتحسّن خدماتها السياحية التي تحتاج إليها، للانطلاق نحو التطوّر والازدهار، واعدين مواطنيها وسلطتها المحلية بذلك. وإذا ما تم الترويج الجيّد لهذه المديرية فإنها – برأيي - قد تغلب أجمل المُدن في جذب الاستثمارات السياحية المختلفة، وستصبح مركز لاستقبال كافة السياح العرب والأجانب، وهدف أبناء المحافظاتاليمنية المختلفة لقضاء إجازة سعيدة في أرض طيّبة، ذُكرت في القرآن الكريم.