الفنان السوري فارس قره بيت 11-08-2012 07:20 الجنوب الحر - جودت فخر الدين 1 رحلتان ِإلى حضرموتَ، تطوفان ِبي بين صحْويْن : صحْو ٍقديم ٍ، وآخَرَ ملتبِس ٍكالمنامْ. رحلتان ِ، تطيران ِبي فوق وادي السيول ِالذي هجَرتْهُ السيولُ، وحامتْ تولولُ فيه طيورُ الكلامْ. 2 رحلتان ِإلى حضرموتَ، هما يقظتان ِتطوفان ِبي في حنايا الظلام ِ، تطيران ِبي فوق أرض النبُوّات ِ، تلك التي اندثرتْ في الزمان ِالفتيِّ، وتلك التي لا تزال تُغمغمُ في مهْدها. رحلتان ِهما يقظتان ِ... وكم كان من حُلُم ٍقد تفتّحَ في حضرموتَ مع السَّيْل ِ، ذاك الذي لم يعُدْ من قرون ٍ، يظلُّ امرؤ القيس ِيدْعوهُ، لكنّهُ لا يعودُ، إذاً يقظتان ِهما : يقظةُ السّيْل ِ، من بعدِها يقظةُ اليأس ِ، أولاهما نحْو أمس ٍبعيد ٍيطيرُ به الشعرُ، أولاهما تجعلُ اليأسَ يطْفو كجذْع ٍأطاحَ بهِ الماءُ، أدْعو إذاً حضرموتَ، وأقصدُ كلَّ البلاد ِالتي بات يُخْطئُها السّيْلُ، أمشي إلى حضرموتَ، فلا يلتقيني سوى الليل ِ، لكنّهُ ليس ليلَ امرئ القيس ِ، بل هو ليلٌ جديدٌ، وليس لهُ لغةٌ كي أخاطبَهُ ... رحلتان ِتطوفان ِبي في حنايا الظلامْ. رحلتان ِ، وليس على الدرب ِإلا الردى والحُطامْ. 3 أيا صاحبَيَّ قِفا. هل أقولُ «قِفا» ؟ صاحبايَ هنالك في حضرموتَ جديدان ِ، لا يقفان ِولا يمشيان ِ، جديدان ِمثْلي، يقودُهما حلَكٌ صاعدٌ في السماء ِالخرافية ِالجاثيهْ. هل أقولُ قِفا ؟ والظلالُ التي تتكسّرُ في حقْل ِرؤيتنا، هي نحن الثلاثة ... رؤيتُنا تتكسّرُ أيضاً، وتخبو صدىً منْهَكاً يتهاوى على زرْقة ٍنائيهْ. لا أقولُ قِفا، بل أقولُ انظُرا : ترَيا شفَقاً جاثماً، يخطَفُ السهْلَ، والسفْحَ، والقممَ العاليهْ. 4 لم أخاطبْ سوى الليل ِفي حضرموتَ، وليلُ امرئ القيس ِناء ٍ... وناء ٍ... وينأى أخاطبُ ليلاً هو البحرُ، بحرُ العناء ِالذي لا يموجُ، أخاطبُ ليلاً ... وليس لهُ لغةٌ. تذبلُ السَّمُراتُ هنالك في حضرموتَ، وما كان يُدْركُها في الزمان ِذبولُ الشجَرْ. تذبلُ الآنَ، باتتْ تخافُ من الليل ِ، ليست لتخرجَ فيه ِ، وليست لتدْخلَهُ، أو لتفتحَ باباً لهُ، أو لها، هو بابُ السَّمَرْ. تذبلُ السَّمُراتُ ... أخاطبُ ليلاً وليس سوى الليل ِفي حضرموتَ، وليس لهُ لغةٌ كي أقولَ « انْجَل ِ« . كيف أخْطو، وقد ضاعَ في الأرض ِدربٌ إلى « حوْمَلِ» . تذبلُ السَّمُراتُ، ويُقفلُ بابُ السَّمَرْ. والدروبُ تضيعُ وتخبو، فتمتدُّ فوق القِفار ِبلا لهْفة ٍأو حذَرْ. لم أخاطبْ سوى الليل ِفي حضرموتَ، أقولُ إذاً حضرموتَ، وأقصدُ كلَّ البلاد ِالتي بات يوثقُها الليلُ ... يُخطئُها السّيْلُ، يوثقُها الليلُ، ماذا إذاً تنسجُ الريحُ ؟ ما من جنوب ٍولا شمأل ِ. تتحدّثُ عن مُدْبر ٍفي المسافات ِأو مُقْبِل ِ. كيف لي أنْ أفرِّقَ بين الصدى والصدى في لهاث ِالمدى ؟ أنْ أكونَ الهوى في مهاوي الردى؟ كيف لي؟ لم أخاطبْ سوى الليل ِ، لكنّها حضرموتُ تُلوِّحُ لي . كيف أخْطو ؟ وقد ضاعَ في الأرض ِدربٌ إلى حوْمل ِ. 5 ألا أيها الليلُ، هل كنتَ أشْفَقَ من قبْلُ ؟ هل أنت تهرَمُ ؟ أم تستحيلُ مع الوقت ِأقوى وأطولَ ؟ كيف أخاطبُكَ الآنَ ؟ لستُ أرى نجمةً من نجومِكَ، أبحثُ عن نجمة ِ الصُّبْح ِفي حضرموتَ، وأقصدُ كلَّ البلاد ِالتي راحَ يخدعُها الصُّبْحُ ... لا أنت ليلٌ، ولا الصُّبْحُ صُبْحٌ . كأنّكَ تطْوي النجومَ، وتطْوي النهارْ . ثم تنشرُ أشرعةَ اليأس ِفوق القِفارْ