السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطان الذي بكى -مسرحية -تاريخية -اعداد مصطفى قاسم
نشر في الجنوب ميديا يوم 01 - 01 - 2014


السلطان الذي بكى
مسرحية
تأليف
مصطفى محمد عبدالله قاسم
إميل: [email protected]
الشخصيات
الغالب بالله أبي الحسن: سلطان غرناطة، في الستين من العمر.
عباد: قائد جيش السلطان الغالب بالله أبي الحسن، في الخامسة والأربعين من العمر.
أبو زيان محمد: أمير موريني، لجأ إلى غرناطة بعد أن استولى بنو وطاس على ملك آبائه في المغرب، وزوج ابنة السلطان أبي الحسن، في الثلاثين من العمر.
ابن ميمون: وزير أبي الحسن، في الخمسين من العمر.
عائشة الحرة: زوجة أبي الحسن الأولى وأم أبي عبدالله، في الثالثة والخمسين من العمر.
أبو عبدالله محمد: ابن أبي الحسن من عائشة، سيحكم غرناطة باسم أب عبدالله محمد الثاني عشر، في الثانية والعشرين من العمر.
الحجاج يوسف: ابن أبي الحسن من عائشة، في العشرين من العمر.
ثريا: جارية ابنة قاض قشتالي تزوجها أبو الحسن وأنجب منها طفلين، في الثلاثين من عمرها.
سعد: ابن أبي الحسن من ثريا، في الثانية عشر من العمر.
نصر: ابن أبي الحسن من ثريا، في العاشرة من العمر.
مولاي الزغل: أخو أبي الحسن، ثار عليه واستقل بحكم ملقة، في الخامسة والخمسين من العمر.
محمد الناصر: قائد جيش الزغل، في الخامسة والأربعين من العمر.
سيدي يحيى النيار: وزير أبي عبدالله، في الأربعين من العمر.
مرزوق: صاحب حمام عام في ربض البيازين بغرناطة، في الخامسة والأربعين من العمر.
أحمد: صاحب خان في ربض البيازين بغرناطة، في الثالثة والأربعين من العمر.
حامد: صاحب ورشة لصناعة السيوف في ربض البيازين بغرناطة، في الأربعين من العمر.
يوسف بن كماشة: وزير أبي عبدالله الثاني عشر، في الخمسين من العمر.
أبو الحسن على المنظري: قائد جيش أبي عبدالله، في الأربعين من العمر.
ابو القاسم بن عبدالملك: وزير أبي عبدالله، في السابعة والأربعين من العمر.
موسى ابن أبي غسان: فارس غرناطة بجيش أبي عبدالله، في الخامسة والعشرين من العمر.
فرناندو: ملك أراغون وزوج إيزابيلا ملكة قشتالة، في الخمسين من العمر.
إيزابيلا: ملكة قشتالة وزوجة فرناندو ملك أراغون، في السابعة والأربعين من العمر.
فاطمة: زوجة أبي عبدالله، في الخامسة والثلاثين من العمر.
ابن أمية: من أعيان جبال البشرات، في الثلاثين من العمر.
خوزيه: قائد سرية إسباني، في الخامسة والعشرين من العمر.
ايرناندوا دي ثافرا: السكركير الملكي القشتالي، في الخامسة والأربعين من العمر.
إنييغو أورتادو دي مندوسة: كونت تانديا قائد جيش فرناندو في الخمسين من العمر.
بلاسكو دي باريونوبو: شرطي إسباني في الثلاثين من العمر.
ثيسنيروس: رئيس أساقفة غرناطة، رجل أصفر الوجه حليق الرأس إلا من دائرة من الشعر تحيط رأسه في ثياب رجال الدين الحريرية، تجاوز الستين بقليل.
حامد الثغري: قائد المقاومة في ملقة وأسير ثيسنيروس، في الخمسين من العمر.
فرانثيثكو نونيث مولاي: شاب أندلسي من نسل الأمير أبو زيان في الخامسة والعشرين من العمر.
بيريث دي هيتا: جندي إسباني شارك في قمع ثورة البشرات، في الثلاثين من العمر.
دون خوان النمساوي: أخ غير شقيق للملك فيليب الثاني، في الثانية والعشرين من العمر.
الفصل الأول
المشهد الأول
يرفع الستار على قاعة العرش بقصر سلطان غرناطة الغالب بالله أبي الحسن بقلعة الحمراء في العام 1480، حيث يجلس السلطان وحوله وزرائه وقواد جيشه.
السلطان: (يائسا) هل سنترك غرناطة مقسمة على هذا النحو؟ ألن نتمكن من استعادة ملقة من يدي الزغل؟
عبّاد: بلى سنتمكن يا مولاي، قواتنا في الميدان وتحقق أنتصارا بعد الآخر، وتكسب أرضا بعد أخرى، ولم يعد في قبضة مولاي الزغل أخيكم غير مدينة ملقة وضواحيها.
السلطان: (وقد نهض وأخذ يمشي، ونهض معه الحاضرون) أسمع هذا الكلام كثيرا. لكن ها هي الحرب طالت ولنا فيها عشر سنين، وكلما انتزعنا منه قرية استردها. لا أعرف من يأتي بالمال والرجال لهذه المقاومة العنيدة؟
أبو زيان: من الإسبان يا مولاي بالتأكيد. الملكان الكاثوليكيان فرناندو وإيزابيلا يمدانه بالمال والعتاد.
السلطان: لقد وضع يده في أيدي الإسبان طمعا في الحكم.
ابن ميمون: نعم تعاون مع أعداء أمتنا ضدنا، وثار على مولانا السلطان.
أبو زيان: نعم يا مولاي بعد أن قطعت أنت يا مولاي - أعزك الله- الجزية المهينة التي كانت مملكة غرناطة تدفعها لملوك قشتالة، وبعد أن اشتددت في حربهم لاسترداد ممالك المسلمين ومدنهم وتخليص أبناء أمتنا من ذل العيش في قبضة الإسبان، تلاقت مصالح أخيكم مع مصالح الإسبان فتعاونوا ضد جلالتكم وضد غرناطة.
السلطان: لا تذكرني بالجزية. لقد كانت مهانة ما بعدها مهانة، ومذلة لا تفوقها مذلة.
ابن ميمون: بوركت يا مولاي على ما منحتنا من غزة وإباء.
عبّاد: أعزك الله يا مولاي وقد أعززت غرناطة وأهلها.
السلطان: لكن ما العمل الآن؟ ها نحن نتقاتل فيما بيننا والإسبان يستولون على مدينة بعد أخرى.
عبّاد: ونحن لهم يا مولاي إن شاء الله بالمرصاد. لقد هزمناهم يا مولاي في مواقع كثيرة. ولو أردت لجردنا حملة ضخمة لغزو قشتالة نفسها.
السلطان: كيف يا قائد الجيش والزغل في ملقة حليفهم وقد ينتهز الفرصة للانقضاض على غرناطة في غياب الجيش؟
أبو زيان: لا مفر يا مولاي إذن من الوصول إلى اتفاق أو هدنة مع أخيكم الزغل.
السلطان: ألم نتفاوض معه كثيرا يا أمير؟ في كل مرة نجده مصرا على غيه وعصيانه.
أبو زيان: فلنوقف الحرب إذن يا مولاي على ما في أيدينا وما في يديه.
السلطان: أنترك له ملقة يا أمير وهي أكبر ميناء لنا على البحر الأبيض المتوسط؟
عبّاد: ثم إن ذلك يكرس انقسام المملكة ويضعفها أمام الإسبان.
أبو زيان: مولاي طالما أن الحرب مع الزغل لا سبيل لحسمها، أرى يا مولاي أن نصل معه إلى هدنة على ما أيدي الطرفين من أراض حتى نتفرغ للتهديد الأكبر: الإسبان يا مولاي.
السلطان: التهديد الأكبر. نعم يا أمير التهديد الأكبر أولى بالتصدي والمجابهة. لكن ..
أبو زيان: (مقاطعا) تأتي أخبار يا مولاي من المسلمين الذين دجنوا في مملكتي قشتالة وأراغون أن المتطوعين النصارى يتدفقون على المملكتين في سيل لا ينقطع للمشاركة في حملة صليبية كبرى على مملكتنا الصغيرة المقسمة.
عبّاد: فضلا عن الهبات والتبرعات التي تنهال على الملكين من كل أنحاء أوروبا، من الكنائس والملوك وعامة الناس، لتحرير أيبيريا، كما يزعمون.
ابن ميمون: ومتى لم تكن الحال كذلك؟ كل حروبهم معنا كانت حروبا صليبية يدعمها صاحب روما وملوك أوروبا والنصارى كافة.
السلطان: (معرضا عن كلام الوزير) أراك قد ملت إلى رأي ابن زيان يا قائد الجيش؟
عبّاد: أنا جندي مولاي وسيفه أأتمر بأمره وأحارب من يشاء مولاي وأسالم من يشاء. لكني أرى في كلام الأمير وجاهة ومنطقا. فبغض النظر عن أننا والزغل مسلمين، فإن المنطق يقول إن المرء إذا تعرض لتهديدين في وقت واحد، فعليه أولا أن يتعامل مع التهديد الأكبر، وهو الإسبان يا مولاي الذين يحشدون لحرب حاسة معنا.
أبو زيان: يقولون في أراغون وقشتالة يا مولاي إن الملكين أجلا حفل عرسهما وأقسما ألا يقيماه إلا بعد إكمال استرداد إسبانيا. يعني بعد الاستيلاء على غرناطة يا مولاي.
السلطان: هيهات، أضغاث أحلام يا أبي زيان. لكن هل تعتقدون أن الزغل يقبل الهدنة وتكريس الأوضاع على ما هي اليوم؟
ابن ميمون: إنه ما خرج على مولاي إلا طمعا في ملك غرناطة كاملا.
أبو زيان: (معرضا عن كلام الوزير) ولم لا يقبل يا مولاي؟ إنه هو الثائر عليك الغاصب لحقك، والغاصبين يرضون بما اغتصبوه، ولو كان قليلا، لأنه غصب. فمجرد الاعتراف بما اغتصبه يرضيه.
عبّاد: ويدنا الأعلى عليه في ساحات المعارك يا مولاي سوف تجلعه يرحب بعرض الهدنة.
ابن ميمون: أراكم تقرون الغصب وتباركون ما أخذ بالثورة والعصيان؟
أبو زيان: إننا أمام تحد يهدد بقاء الأمة والإسلام على شبه الجزيرة الأيبيرية. فلو لم نحسن التصرف سنقتلع من جذورنا.
السلطان: وإذا رضي الزغل الآن يا أمير كيف تضمنون إلا يستغل خروجنا لحرب الإسبان في الانقضاض على غرناطة؟ وكيف تضمنون ألا يحرضه الملكان على قتالنا ومهاجمة غرناطة، خاصة وقد سبق له أن وضع يده في أيديهم.
ابن ميمون: وساعتها سيضيع كل شيء فعلا، لكن على يدي الزغل، وليس الإسبان.
أبو زيان: عدونا الحقيقي هو الإسبان يا وزير. صحيح أن خرج على مولاي ورفع السيف بوجهه، لكنه أتفه من أن يهدد وجود غرناطة كما يهدده الإسبان.
السلطان: نعم وقد أثبتت السنوات الماضية أنه قانع بمقالة ولا يحارب إلا دفاعا عنها. لكن الخوف يا أبي زيان من تآمره مع الإسبان علينا، كما سبق أن فعل.
أبو زيان: أظنه ما فعلها يا مولاي إلا لإحساسه بضعفه أمامنا. فهو كالغريق الذي يتعلق بقشة، وقد قدمها الإسبان له.
ابن ميمون: لكن سيظل هناك احتمال أن يتحالف معهم لقتالنا والانقضاض علينا. وربما يستغل الهدنة لتقوية جيشه من أجل حرب حاسمة معنا.
أبو زيان: كل الاحتمالات تظل مفتوحة وواردة في كل الحالات، لكن رجل الدولة عليه في كثير من الأحيان أن يستبعد بضعها ولو مؤقتا للتعامل مع احتمالات يراها أخطر على دولته.
عبّاد: والإسبان أخطر بالطبع، ليس لأنهم النصارى الأعداء الأقدم والأبقى وحسب، لكن أيضا لأنهم الأقوى عسكريا والأقدر على تهديد بقاءنا.
السلطان: لكن رجل الدولة عليه أيضا ألا يستبعد أضعف الاحتمالات وأبعدها شططا.
أبو زيان: إذن لا حسم لهذا الأمر يا مولاي إلا بأن نسمع للرجل ونسمعه ما عندنا.
ابن ميمون: سيسمعكم ما تريدون سماعه، ثم يتحين الفرصة لإبادتنا.
أبو زيان: من يهدد بإبادتنا والقضاء على أمتنا وديننا يا مولاي هم الإسبان. إني أرى الخطر داهما والنهاية قادمة لبقاء أمتنا على أرض أيبيريا.
السلطان: تخلص من عقدتك يا أمير. فما فعله الوطاسيون في عائلتك بني لا مورين لا يمكن أن يفعله الإسبان معنا. فغرناطة لها قرون في حرب كل ممالك إسبانيا ولم يستطيعوا أن يناولوا منها.
ابن ميمون: غرناطة صامدة وحدها في وجه ممالك إسبانيا ومن ورائها صاحب روما وممالك أوروبا كلها منذ قرون، رغم سقوط كل ممالك المسلمين الأخرى بيد الإسبان.
أبو زيان: وهل معنى ذلك إن هذه الحال ستدوم؟ يا مولاي أن ملم جيدا بتاريخ المغرب والأندلس وأعرف ما تقولون. وهذا التاريخ والشواهد الحالية تقول إن الاستيلاء على ممالك المسلمين في الأندلس عملية متواصلة الخطوات، لم يبق فيها إلا خطوة غرناطة.
ابن ميمون: الأمير متشائم يا مولاي.
أبو زيان: والله ليس في الأمر تشاؤما أو تفاؤل إنها عين العقل والبصيرة التي تبصر أبعد مما ترى العيون التي في الوجوه. قشتالة يا مولاي تستعد لجولتها الأخيرة معنا، ونحن في حالة انقسام وحرب أهلية. هل يعقل ذلك؟
ابن ميمون: والحل للانقسام في رأيك يا أمير هو أن نقر للزغل ما انتزعه من مولانا السلطان.
السلطان: وغدا يطمع في قطعة أخرى.
أبو زيان: والله يا مولاي ما أقول ذلك إلا خوفا على ملكك وعلى أمة الإسلام في أيبيريا. وعزك عزي يا مولاي، فأنا زوج ابنتك وأبو أحفادك. والله يا مولاي خوفي على عائلتك وعلى غرناطة هو ما يدفعني لإبداء هذا الرأي لكم. مولاي بعد استغل الإسبان تفتت المسلمين على مدى القرون وضربوا بعضهم ببعض، ها هم اليوم يفتتون المفتت لتسهيل التهامه.
السلطان: ما لك يا أبي زيان؟ وهل كنا نحن السبب في تقسيم غرناطة والحرب الأهلية؟ أم هو الزغل العاصي الخارج على سلطانه وأمته؟
ابن ميمون: أجل من السبب الأصلي في الانقسام والفتنة؟
أبو زيان: مولاي لن يفيدنا شيئا أن نلقي باللائمة على بعضنا البعض. أعلم تمام العلم أن الزغل عاص وخارج ويستحق القتل ألف مرة. لكن الحكمة يا مولاي تقتضي منا أن نتعامل مع الواقع الراهن ونخرج من مأزقنا بأقل الخسائر.
السلطان: مالك سكت يا قائد الجيش؟ مع من أنت؟ مع الوزير أم الأمير؟
عبّاد: أنا مع مولاي حتى الموت. لو أمرني بحرب الزغل وحدي، سأخرج إليه وحدي، ولو أمرني بحرب الإسبان فلن أتوانى. لكني يا مولاي كقائد عسكري أرى أن الزغل، رغم عصيانه زجرمه، لا يشكل خطرا على وجودنا، كما تشكل قشتالة. والأمر لمولاي في الأول والأخير.
السلطان: أنت تؤيد رأي الأمير إذن؟ هل كتب على غرناطة الانقسام إلى الأبد؟
أبو زيان: ليتها تنقسم، لكن تبقى إلى الأبد لنا يا مولاي. بقاء غرناطة بات مهددا يا سلطانها.
أبو زيان: ليرسل مولاي سفارة إلى أخيه الزغل، ولنحاول أولا أن نغريه بأي مبلغ مالي أو ضياع ليترك لكم غرناطة موحدة، وإن فشلنا يا مولاي نعاهده على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه لنتفرغ لأعدائنا الحقيقيين.
السلطان: حسنا يا أمير، خذا الوزير معك وأذهبا إلى الزغل. لعل الله يجعل في إخلاصك لوطنك وأمتك مخرجا لنا من الفتنة والانقسام. ولتحاول أولا كما قلت أن تغريه بأي شيء يريده للتنازل عن ملقة والدخول في سلطاني، (وهو متردد) وإن لم يوافق، فهادنه على ما في أيدي كل منا.
أبو زيان: نعم الرأي يا مولاي. أخرجنا الله من هذه الفتنة سالمين، ونصرنا على أعداءنا أعداء الدين، وما أخرجنا أبدا من وطننا مغلوبين مكسورين.
عبّاد: آمين يا رب العالمين.
أبو زيان وابن ميمون: أمر مولاي (ويهمان بالخروج)
السلطان: أعرضا عليه أي شيء يريد، وتحدث معه يا أبو زيان عن حال الأمة وبقاء غرناطة والمسلمين في أيبيريا. فكما اقنعتني بما لم أكن لأقتنع به، ربما تفلح معه يا أمير بصدق لسانك وصفاء قلبك.
أبو زيان: أمر مولاي. لن أدخر جهدا لإصلاح ذات البين يا مولاي ولإعادة وحدة غرناطة ولحمة شعبها.
السلطان: بالتوفيق (يخرج أبو زيان وابن ميمون) وأنت يا همام عبئ جيشك تحسبا لكل الاحتمالات، ولو رضي الزغل بالهدنة، سوف نعلن الجهاد لحرب الملكين اللذين يحشدان لحربنا.
عبّاد: جيش مولاي معبأ دائما وعلى أهبة الاستعداد. مرنا يا مولاي بالحرب في أي لحظة تراها، فنحن جاهزون.
(يدخل الحاجب معلنا أن الأميرة عائشة على الباب.)
الحاجب: مولاي السلطان، الأميرة عائشة والأميرين أبي عبدالله محمد والحجاج يوسف على الباب يريدون لقاء مولاي.
السلطان: (متحدثا إلى نفسه وكأن الصدمة أنسته وجود القائد عبّاد) الله ماذا حدث في الدنيا؟ منذ متى تأتي النساء إلى مجالس الحكم في ممالكنا؟ طبعا إنها عائشة التي ترى نفسها أشد من الرجال وأعز من الملوك. (وقد تنبه إلى وجود عبّاد) حسنا يا قائد الجيش، اذهب أنت وليكن جيشك على أهبة الاستعداد. إئذن لهم يا حاجب.
عبّاد: أمر مولاي (وينحني وينصرف).
(يقف السلطان وجلا من لقاء عائشة التي تدخل مع ولديها.)
عائشة: السلام على سلطان غرناطة.
الأميران: السلام على مولانا السلطان (يتقدمان لتقبيل يد أبيهما واحدا بعد الآخر).
السلطان: السلام عليكم، تفضلوا بالجلوس يا أبنائي، كيف حالكم؟ (الأميران يجلسان وتبقى عائشة منتصبة.)
عائشة: طبعا مولاي يجب أن يسأل عن حال أبنائه الذين لم يراهم من شهور كثيرة، ولنحمد الله أنه لا يزال يذكر أنه له أبناء من عائشة.
السلطان: (محاولا تخفيف حدة الموقف) وهل هذا ينسى يا عائشة؟
عائشة: بماذا تفسر إذن انقطاعك عنك كل هذه الشهور؟
السلطان: أجلسي يا عائشة (وهو ينظر إلى الأميرين) ولنتعاتب بعيدا عن أعين الأميرين ومسامعهما.
عائشة: أنهما من أتيا بي إليك اليوم.
أبو عبدالله: نعم يا مولاي، تمر شهورا دون أن نراك أو نجلس معك.
عائشة: أليس أبا عبدالله ابنك وولي عهدك؟ لم لا تقربه إليك وتشركه في أمرك وأمر المملكة؟
السلطان: اعذريني يا عائشة، تعلمين أن الحرب بيني وبين الزغل طالت، والملكين اللعينين يتقدمان نحونا. هموم الحكم يا ابنة العم ثقيلة.
عائشة: (وقد غلبتها غيرة الأنثى) هموم الحكم أم دلال الجارية الإسبانية يا أبا الحسن؟
السلطان: أية جارية يا عائشة؟ (موجها كلامه إلى ابنيه) اتركانا يا شباب لنتعتاعب عتاب المحبين (وهو يضحك).
عائشة: (ساخرة) محبين؟ وما الذي منعك عن حبيبك يا أبا الحسن؟ هل هموم الدولة لا تجعلك تبيت تحت سقف؟ أم تراها تمنعك من النوم على السرير؟ أو حتى مناجاة الحبيب؟ الذي استبدلته بتلك الجارية.
السلطان: (وقد نفذ صبره) وهل أنا بذلك خرقت عادات الملوك والسلاطين يا عائشة؟ هل خالفت تعاليم ديني الذي أحل لي مثنى وثلاث وأربع، فضلا عما ملكت اليمين؟ وكأنك لست من العائلة الملكية وتعرفين أعرافها وعاداتها؟ وكأن أباك لم يكن له حريم لا يستطيع أن يحصي عددهن؟
عائشة: لكن لا أبي ولا أبيك قاطع الزوجة الحرة بنت الأمراء وأم الأمراء من أجل جارية؟
السلطان: بل فعلوا يا عائشة، جميعا وبلا استثناء. لكن غضبك في محله، فما كان لي أن انقطع عنكم كل هذا الوقت. سأوفيك الليلة يا عائشة.
عائشة: وعدت كثيرا يا أبا الحسن ولم تف بوعدك. (وقد أفاقت على ضعفها الذي انكشف) وعموما فإنني لم آتي إليك اليوم من أجل ذلك.
السلطان: سأفي هذه المرة يا عائشة، وسترين.
عائشة: أنا الحرة ابنة الأمراء لا تستجد رجلا، حتى وإن كان زوجها. ولست أنا التي تدخل في منافسة مع امرأة أخرى على قلب زوجها أو جسده.
السلطان: (متبرما من كبريائها) لا تقولي ذلك يا عائشة.
عائشة: نعم، فما جئت أتوسل حبا أو أشحذ ودا أو استجدي رجلا. إياك أن تتخيل أنني امرأة جاءت تطلب زوجها. فما أنا بالمرأة التي تستجدي رجلا إلى فراشها، حتى لو كان زوجها.
السلطان: مفهوم يا عائشة مفهوم. لا داع لهذا الكلام الكبير إذن. أعلم والله يا عائشة أن كبريائك بركان لا يخمد وأنفتك وشموخك يناطحان الجبال. أعلم، أعلم.
عائشة: إنما جئت لأصل ما قد ينقطع بينك وبين ولديك وولي عهدك.
السلطان: (مهتما) وهل ثمة ما قد يقطع بيني وبين ولدي؟ إنك تبالغين يا عائشة.
عائشة: لا أبالغ يا أبا الحسن. لما لا تقرب أبا عبدالله منك ومن مجلسك؟ أليس هو ولي عهدك والأحرص على مصلحتك ومصلحة مملكك؟
السلطان: معك حق يا عائشة. لكن لا تتخيلي أنني أجلس يوميا على عرشي هانئا سعيدا. فحربي مع الزغل لا أكاد أشعر بأنها وشيكة على الحسم لصالحي حتى تتجدد وتعلو يده علي، وكثيرا ما اضطر إلى قيادة الجيش بنفسي.
عائشة: حسنا، ليكن ولي عهدك بجوارك سلما أو حربا، داخل القصر أو في ساحة المعركة. ألم تكن أنت على هذه الحال مع أبيك؟
السلطان: لك ذلك يا عائشة. (مداعبا) مالك يا أم أبي عبدالله؟ كأني بك تحدثيني عن ولي عهد ليس من صلبي؟ إنه ابني يا عائشة كما هو ابنك.
عائشة: خوفي من الدس والوقيعة يا مولاي هو ما يؤرقني ويدفعني إلى هذه الظنون.
حسنا: يا عائشة، انفضي عنك الظنون، واستعدي لمجيء السلطان إلى جناحك الليلة.
عائشة: (بكبرياء) ليكن يا مولاي. (وتنصرف).
(ينزل الستار.)
المشهد الثاني
يرفع الستار عن جناح ثريا في القصر الملكي، وقد جلس السلطان على مجلس عربي بملابس البيت، يقرأ بعض الأوراق والكتب، وقد دخلت عليه ثريا وهي تمشي على أصابعها في دلال لتفاجأه.
ثريا: (تخطف الورقة من يده فجأة) ما الذي يشغل السلطان عني؟
السلطان: آه يا شقية. لا شيء يمكن أن يشغلني عنك يا كوكب الصباح؟
ثريا: (في دلال) انت تعرفني يا مولاي لا أطيق أن يكون لي شريكا في مولاي وحبيبي.
السلطان: (وقد أطاح بكل ما أمامه) وها أنا لك خالصا مخلصا يا زريدتي الجميلة.
ثريا: وأنا يا مولاي وحبيبي لولا الملامة لرافقتك حتى في مجلس حكمك وفي غزواتك وحروبك. فأنا لا أتحمل فراق حبيبي.
السلطان: آه من جمالك وحلو كلامك يا ثريا. لم أخطئ عندما سميتك الثريا كوكب الصباح، لكنه والله أقل من أن يصف حسنك وجمالك. ثم كيف لي أن أقاوم هذا الكلام العذب يا حبيبة القلب؟
ثريا: إني أشتاق إلى سلطاني وحبيبي حتى وهو في حضني وأمام عيني.
السلطان: بل أنت يا ثريا من جعلتي لحياتي طعم ومذاق بعد أن كدت أزهد في كل شيء. فقبلك يا ثريا كانت حياتي مقفرة لا روح فيها.
ثريا: الأميران يريدان تقبيل يدي مولاي.
السلطان: فليتأيا يا ثريا، إنهما ولدا الغالية.
ثريا: (تنادي) سعد نصر تعاليا، السلطان يريد أن يراكما (يدخل طفلان أشقران وسيمان كأمهما في الثانية عشر والعاشرة على التوالي في زي الأمراء)
الأميران: السلام على والدنا السلطان (ويقبلان يديه)
السلطان: (يقبل وجههما وجبهتهما) أهلا بالأميرين الصغيرين.
ثريا: لم يعودا صغيرين يا مولاي. سعد في الثانية عشرة الآن ونصر في العاشرة.
السلطان: لا تغضبي، أهلا بالأميرين الرجلين (يرتب عليهما).
ثريا: هذه هي الحقيقة يا مولاي.
السلطان: (مستغربا) أي حقيقة، مال الحقائق تنهال علي كثيرا اليوم؟
ثريا: الحقيقة أن ابني سعدا قد شب عن الطوق وأصبح شابا.
السلطان: بارك الله فيه وفي أخيه وأمد في عمرهما وأعزهما يا ثريتي الجميلة (يحاول أن يقبلها وهي تتملص منه).
ثريا: إن كان رأيك كذلك فلماذا لا تريحني؟ (إلى ولديها) اخرجا وامرحا في حديقة القصر يا شباب (يخرج الطفلين).
السلطان: وهل أستطيع إلا أن أريحك يا حبيبة القلب (يقترب منها ليقبلها وهي تتملص). ماذا بك يا ثريا؟
ثريا: الأمر الذي فاتحتك فيه من قبل.
السلطان: تحدثي يا ثريا ولا داعي للألغاز فأنا مثقل بألغار الحكم والسياسة ولا حاجة بي إلى المزيد منها في فراش الزوجية.
ثريا: مولاي وحبيبي أريد أن يكون سعدا ولي عهدك.
السلطان: كيف يا ثريا وأبو عبدالله ويوسف أكبر منه سنا وأهل المملكة قد بايعوا أبا عبدالله وليا للعهد؟
ثريا: (بدلال الأنثى) وهل يستطيع أحد أن يعصي أمر السلطان؟ السلطان عيّن وليا للعهد ثم بدله. ثم أليس سعدا ابنك ومن صلبك هو الآخر؟ أم تراك تحب عائشة وأبناءها أكثر من ثريا وأبنائها؟
السلطان: كيف تقولين ذلك يا ثريا؟ لقد تركت كل النساء، بمن فيهن عائشة، من أجلك أنت.
ثريا: لا زلت تعمل حسابا لعائشة وتحفظ ودها.
السلطان: عائشة أم أبنائي (بصوت عقله) لكن مثلي لا يمكن أن يحب عائشة أو يطيق عشرتها. إنها أبية وعزيزة وشامخة لدرجة تشعر من يقترب منها بأنه وضيع وصغير. إن عائشة فيها كبرياء الأسود وشموخ الجبال وأنفة الملوك وإبائهم. لقد هجرتها لأنها تشعرني بأني صغير ووضيع. (يرفع صوته) أما ثريا فهي الدلال والأنوثة والشباب والمرح والحب.
ثريا: برهن على هذا الحب إذن.
السلطان: المشكلة ليست فيّ أنا يا ثريا. أنا على أتم استعداد لإرضائك وتنفيذ رغبكتي. وهذا ابني وذاك ابني.
ثريا: ومن له في الأمر غير السلطان؟ أتراك تخشى من عائشة؟
السلطان: لا أخشى من عائشة، لكن أهل غرناطة قد يتململون.
ثريا: لم؟ من خلعته من ولاية العهد ابنك ومن وليته العهد ابنك أيضا.
السلطان: أخشى من عصبية عائشة من بني السراج. فقد يغضبهم خلع ابن اختهم من ولاية العهد.
ثريا: السيف هو الرد على كل من يعصي أوامر السلطان.
السلطان: وهل نحن في حاجة إلى مزيد من الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية؟
ثريا: لا أظن أن أحدا سيجرؤ على عصيان أوامر السلطان. ثم إنها مملكتك تورثها لمن تشاء.
السلطان: سأنظر في هذا الأمر.
ثريا: لا مجال لمزيد من النظر يا مولاي. أتريدهم أن يقتلوني ويفتكوا بولداي بعد عمر طويل لك في الدنيا؟
السلطان: ومن يجرؤ على المساس بكم يا ثريا.
ثريا: ها انت ذا قد قلتها بلسانك: عائشة لها عصبية ولإبنائها أخوال يحمونهم. من لأبنائي إذن يا مولاي؟ من يحميهم من عصبية عائشة وأهلها غير عصا السلطان؟
السلطان: لكن أبا عبدالله ويوسف أخواهما يا ثريا، ولا أظنهما يلحقان الأذى بأخويهما وابني أبيهما.
ثريا: أوليس الزغل أخاك؟ لم خرج عليك إذن ورفع السيف في وجهك؟ هل تراه يتردد عن قتلك إن تمكن منك؟
السلطان: (متفكرا) لكن الوضع مختلف.
ثريا: أي وضع المختلف هذا؟ كلكم تقولون الوضع مختلف، مع أنه متطابق تمام التطابق. بل كان الأجدر بالزغل ابن أمك وأبيك ألا يخرج عليك ويعاديك. فماذا يمكن أن يفعل ولدا عائشة اللذين ربتهما على كراهيتي وكراهية ولداي.
السلطان: (وهو يفرك في ذقنه) حسنا سأفعل لك ما تريدين. لكن بشرط (ضاحكا) أن تتركيني الليلة أقوم ببعض أشغالي.
ثريا: وما هي الأشغال التي تأخذك مني الليلة وقد أعددت لك سهرة من سهراتنا الخوالي على أنغام الموسيقى والرقص واللحم والشراب، أم تراك تريد أن تذهب إلى عائشة؟ (مفتعلة الغضب بدلال) حسنا اذهب إليها، لكن لو ذهبت انسى أن لك في هذا القصر حبيبة اسمها ثريا.
السلطان: (متأثرا بدلالها) وكيف أنسى حبيبة القلب ثريا؟ وهل لي غيرها حبيبة (متذكرا غضب عائشة) لكنها ليلة واحدة يا ثريتي، شيء من العدل يا جميلة.
ثريا: عدل. أي عدل؟ ألم تعطها شبابك كله؟ أتستخسر في ثريا العاشقة المخلصة ليلة واحدة؟ اذهب يا أبا الحسن، لكن أنسى قصر ثريا.
السلطان: لن اذهب ولا أنسى وكفاها شبابي الذي ضاع معها يا مهجة الروح. أعدي لسهرتنا. فأنت تعلمين أني متيم بالموشحات الأندلسية ورقصة الزمرة.
ثريا: من عيني يا حبيبي. لكن احسم أمر ولاية العهد في أسرع وقت.
السلطان: من عيني أيضا يا ثريتي.
(ينزل الستار.)
المشهد الثالث
يرفع الستار عن قصر مولاي الزغل حاكم ملقة وهو يجلس على عرشه وبين وزرائه وقواده، وقد دخل عليه الحاجب يعلن وصول سفارة تفاوض من مولاي السلطان أبي الحسن.
الحاجب: (يدخل ويقترب ثم ينحني قائلا) مولاي السلطان، وصل وفد غرناطة ويستأذن بالدخول على مولاي.
الزغل: إئذن لهم. (يدخل أبو زيان محمد والوزير ابن ميمون فيقتربان وينحنيان تحية للزغل).
الوفد: السلام على مولانا الزغل أخي مولانا الغالب بالله أبي الحسن.
الزغل: وعليكم السلام أهلنا، تفضلوا بالجلوس. بداية موفقة يا وفد غرناطة. تذكراني من البداية بأني وأبا الحسن إخوان. بداية طيبة من وفد حريص على الحل ونبذ الخلاف.
أبو زيان: نعم يا مولاي الزغل أنتما أخوان، شئنا نحن أم أبينا، والله يعلم يا مولاي أننا ما جئنا إليك إلا حرصا منا على مصلحتكما ومصلحة بني الأحمر حكام غرناطة التاريخيين، وخوفا أيضا على الأمة والدين.
ابن ميمون: جئناك طالبين السلام يا مولاي الزغل.
الزغل: مرحبا بالسلام. لكن على أية شروط؟
أبو زيان: كل ما تريد يا مولانا الزغل فهو لك. المهم أن تتوقف الحرب بين الأخوين وتعود غرناطة موحدة لتقوى على مجابهة ما يتهددها من أعداء.
الزغل: غريب أمركم يا وجهاء غرناطة. أداءكم في الحرب ليس سيئا لكي تأتوني بهذا العرض السخي. بل إن يدكم هي الأعلى في ساحة المعركة وفي الأراضي التي تسيطرون عليها.
أبو زيان: مولاي الزغل وإلى متى الحرب وعدونا وعدوكم واحد، ويتربص بنا وبكم الدوائر لينقض علينا وينتزع منا ما بقي من غرناطة.
الزغل: الآن هو عدوكم؟
أبو زيان: أنت تعرف يا مولاي إن الإسبان أعداء لمولاي الحسن ولكم ولشعب غرناطة والمسلمين جميعا، حتى وإن أملت الظروف التحالف معهم أحيانا.
الزغل: وماذا تريدون؟
ابن ميمون: نريد إنهاء الحرب يا مولاي وأن يعود الود والوئام بين الأخوين.
يحي: السؤال مجددا على أية شروط يا سادة؟
ابن ميمون: على كل ما تريدون يا مولاي.
الزغل: (وقد فطن إلى ما يرمون إليه) طبعا ما عدا الحكم والملك؟
أبو زيان: والله يا مولاي ما جئناك منحازين إلى مولاي أبي الحسن أو طلبا لمكاسب له، وإنما سعيا إلى صالح مملكة غرناطة وأهلها.
الزغل: أتريدون مني أن أتنازل طائعا عما في يدي من ملك؟
ابن ميمون: اطلب ما شئت من مال يا مولاي واشتراطات وضياع وأراض، لكن اترك غرناطة موحدة وجنبها الفتن والحروب الأهلية. فعدونا يترصدنا وسوف ينتهز الفرصة للقضاء المبرم علينا جميعا.
أبو زيان: ولما لا يا مولاي الزغل؟ من أجل الأمة والوطن يفترض أن يهون أي شيء يا مولاي، حتى الملك.
الزغل: الأمير الموريني الذي انتزع بنو وطاس ملك آبائه في المغرب وجاءنا إلى غرناطة طريدا ينصحني بالتخلي عن ملكي. ألا تتذكر حسرتك يا أمير على ملكك؟ هل آليتم جهدا للحفاظ على مملككم يا أمير؟ ألم تقالتوا عليه للنهاية؟ أم النصيحة أمرا سهل يا أمير؟
أبو زيان: بلى يا مولاي قاتلنا على ملكنا حتى النهاية، ومع ذلك ضاع، وإن كان قد ذهب إلى بيت مسلم، ولا يزال الأذان يرفع في المساجد في المغرب، ولا يزال الناس يقيمون شرع الله، ولا يزال حرائر المغرب في خدرهن، ولا يزال الأطفال ينشئون على دينهم ولغة قومهم وعاداتهم وأعرافهم. أما أنا يا مولاي فما زلت حيا أمامك، ولي زوجة وأولاد، وقد أعزني الله بكم بني الأحمر، ولذلك أخاف عليكم.
الزغل: إلى ما ترمي يا أمير من كلامك؟
أبو زيان: مولاي، ظلت المغرب لنا نحن بنو مورين أم ذهبت إلى بني وطاس أو غيرهم من بيوت المسلمين، فلن يضار إلا البيت الحاكم المخلوع وبضعة مستفيدين. أما هنا يا مولاي على أرض أيبيريا، فلو سقط حكم بني الأحمر- لا قدر الله- فسيكون ذلك النهاية لمملكة غرناطة الإسلامية والإبادة للإسلام وأمته من شبه جزيرة أيبيريا.
الزغل: ليس ذلك موضوعنا يا أمير، واعذرني إن كنت قد عرضت بحالتك، فأنت ابن عمنا وصهرنا.
أبو زيان: بل هو موضوعنا يا ابن العم، ودعك مني.
الزغل: أي موضوع يا أمير؟ جئتم للتفاوض على إيقاف الحرب بيني وبين أخي. أليس كذلك؟
ابن ميمون: بلى يا مولاي.
أبو زيان: مولاي لو سقطت غرناطة، فلن يبق شبر على شبه جزيرة أيبيريا يوحد فيه الله، ولن يبق ملاذ للمسلمين الفارين بدينهم على أرض إسبانيا.
الزغل: لنناقش ما جئتم من أجله، ولا تخافوا على غرناطة، فإن لها قرون على هذه الحال: صامدة وحدها في وجه الإسبان، بعد أن سقطت كل ممالك المسلمين على أيبيريا.
يحيى: لو كانوا يستطيعون اقتلاعنا كما فعلوا مع من قبلنا لفعلوا. لكن غرناطة عصية عليهم.
أبو زيان: خوفي يا مولاي ألا يستمر هذا الحال طويلا يا سادة غرناطة.
يحيى: ولم لا يستمر يا أمير؟ وما الذي استجد؟ ها نحن على أرضنا نزود عنها متى جاءنا الأعداء.
ابن ميمون: الإسبان يا مولاي الزغل يحشدون لحرب حاسمة ونهائية معنا، إن لم نوحد الصف لها فلن تبقي على أحد.
ابن ميمون: بيننا وبين الإسبان عهد وموثق.
أبو زيان: وهل تصدقون عهود الإسبان يا مولاي؟ ألم يكن بينهم وبين مولاي أبي الحسن عهدا من قبل أن يتحالفوا معك؟
الزغل: لكن أبا الحسن هو الذي نقض عهدهم بمنع الجزية التي كانت غرناطة تؤديها لهم.
ابن ميمون: ألا ترى مولاي أنهم يغيرون تحالفاتهم بهدف إنهاكنا حتى يأتي اليوم الذي يتمكنوا فيه من القضاء على الجميع؟
الزغل: أظنكم تعرفون أنني لست أول من وضع يديه في أيدي الإسبان من ملوك غرناطة ومن بني الأحمر؟
يحيى: كيف؟ ولولا معاهدات غرناطة مع الإسبان لما بقيت وحيدة طيلة هذه القرون.
أبو زيان: مولاي لقد بقيت غرناطة طالما كانت قادرة على استغلال التنافس والصراع بين الممالك النصرانية في إسبانيا. أما الآن وقد توحدت إسبانيا بزواج الملكين فرناندو وإيزابيلا، فلن تجدي هذه الحيلة بعد الآن.
يحيى: أتحلموننا ذنب توحد إسبانيا تحت الملكين؟
ابن ميمون: لا يا وزير. لكن في مجابهة إسبانيا الشاسعة الموحدة والغنية بالموارد ووفيرة السكان ومن خلفها صاحب روما وأوروبا كلها، لا يمكن بحال من الأحوال أن تبقى غرناطة الصغيرة المنعزلة عن ديار الإسلام منقسمة على نفسها.
أبو زيان: هذا هو ما يخيفنا يا مولاي.
الزغل: تريدوني أن أتنازل عن ملكي من أجل غرناطة والأمة؟ ولم لا يتنازل من أرسلكم إن كنتم خائفين على غرناطة؟ ألأنه الأكبر؟ أم لأنه الذي يسيطر على أراض أكثر؟
أبو زيان: مولاي الزغل أنت تعرف أنه السلطان الشرعي وأن معظم أرض غرناطة تحت سلطانه.
الزغل: لقد طمعتكم فينا انتصاراتكم الأخيرة.
يحيى: اعلموا يا وجهاء غرناطة أنها تقلبات الحرب، يوم لك ويوم عليك.
محمد الناصر: ولو استطعتم أن تحسموها بالسيف لما جئتمونا اليوم.
ابن ميمون: صحيح كل ما تقولونه، صحيح. ولذلك جئنا نطلب حقن دماء المسلمين في غرناطة وتجنبيهم المصير الأسود الذي سبقه إليهم فيه أهل سرسقطة وقرطبة وإشبيلية وبلنسية وغيرها.
الزغل: أفهم من ذلك أنكم تعرضون علي المال والضياع في مقابل التخلي عن ملكي؟
أبو زيان: لو تكرمت يا مولاي.
الزغل: (يضحك بشكل هستيري) هل أنتم واعون لما تقولون يا وجهاء غرناطة؟ أتريدون مني أن أتنازل طائعا عن ملكي؟
ابن ميمون: من أجل غرناطة وأهلها والإسلام يا مولاي.
الزغل: (غاضبا) ولم لا يتنازل هو إن كان حريصا على مصير غرناطة وبقاء الإسلام في أيبيريا؟
أبو زيان: خيركم من يبدأ بالسلام يا مولاي والباقيات الصالحات عند ربك خير وأبقى.
الزغل: لا خير ولا بقاء من دون ملك (وقد وقف غاضبا). اسمعوا يا سادة سأقاتل على آخر شبر تحت سلطاني ولآخر نفس يخرج من جوفي.
ابن ميمون: يعلم الله يا مولاي أننا ما جئنا لنصرة أخيك عليك، وإنما لنصرة الإسلام والمسلمين.
يحيى: لينصرهم مولاي أبي الحسن ويتنازل لمولانا الزغل عن الملك.
محمد الناصر: أظن أن انتصاراتكم المحدودة في الأشهر الأخيرة قد طمعتكم فينا. لكن لا تتخيلو أن هذا الوضع سيدوم. فسوف نسحققكم قريبا ونخرجكم من غرناطة تماما.
أبو زيان: يا إخواني والله ما جئنا لزيادة العداوة أو تأجيج الفتنة. مالكم كيف تحكمون؟
الزغل: إن كانت انتصارتكم الأخيرة قد أغرتكم، فاعلموا أن معي إسبانيا والملكين.
ابن ميمون: أنت تعرف يا مولاي أن أخاك أبو الحسن لو أراد دعم الإسبان لناله، وأنه هو الذي قطع الحبل معهم.
أبو زيان: نعم يا مولاي إنهم يتلاعبون بنا لإنهاكنا جميعا إلى أن تصبح غرناطة لقمة سائغة لهم. مولاي قشتالة كلها ومن خلفها أوروبا تستعد لإبادة غرناطة الصغيرة ونحن غافلون. انظر يا مولاي المغرب الذي كان يأتينا منه المدد لصد الإسبان وقد أكلته الحرب الأهلية. من أين سيأتينا المدد بعد الآن يا مولاي الزغل؟ انظر يا مولاي إلى سواحل المغرب على البحر المتوسط والأطلسي وقد تقاسمها الإسبان والبرتغاليون. مولاي إن البقاء نفسه صار مهددا.
الزغل: مالي أنا وكل ما تقولون؟ هل أنا مسئول عن ذلك أيضا؟
أبو زيان: مولاي عدونا واحد، ويتربص بنا الدوائر للقضاء علينا إلى الأبد. لقد ذهبوا إلى المغرب والجزائر فاتحين يا ابن الأحمر. أفيتكرون غرناطة لنا؟ غرناطة الصغيرة الوحيدة المنعزلة عن أمتها وقد حوصرت وانقطع عنها المدد.
الزغل: ومع كل هذا الوعي بحالنا البائس وعزلتنا وقلة حليتنا، ومع كل هذا الخوف على غرناطة والأمة، لماذا لم تقنعوا صاحبكم وأنتم وزؤاؤه وخاصته؟
ابن ميمون: غرناطة يا أمير وأمة الأندلس تستنجدان بك.
ابو زيان: (وقد أحس بقرب اقتناع الزغل بمنطقهما) افعلها أنت يا أمير وسوف تحسب لك عن الله وتسجل لك في التاريخ.
الزغل: لكن، لكن (وقد حسمه أمره تماما) لا يا سادة غرناطة اسمعوها مني كلمة واحدة: من أراد أن ينازعني ملكي فليأخذه بسيفه، انتهى الكلام.
أبو زيان: كنا نريد السلام والوحدة والألفة، لكن لا مهرب مما قدره الله.
الزغل: طيب طالما أن صابحكم متمسك بملكه وهكذا أنا، لم لا نصل إلى حل وسط؟
ابن ميمون: ما هو يا مولاي؟
الزغل: إن كنتم تريدون تجنيب غرناطة الحرب الأهلية والانقسام، فلماذا لا ترود بنصف ما تريدون؟ تجنيبها الحرب الأهلية، وليبقى الانقسام، وأنا ما ناحيتي أتعهد أمامكم بألا أعين الإسبان على أخي، ووالله لو رأيتهم يقتربون من غرناطة بالشر لوقفت بقواتي إلى جانب أخي. أليس هذا الحل مرضيا لكم؟
ابن ميمون: حسنا يا مولاي. نصف العمى طبعا أفضل من العمى الكامل.
أبو زيان: كنا نريد وحدة الصف ومباغتة الأعداء، لا التشرذم وانتظار وقوع البلاء. لكن كما تشاؤون يا بني الأحمر. أنتم من تملكون رقاب غرناطة ولكم الأمر والنهي فيها.
ابن ميمون: إذن يا مولاي نعتبر أننا تعاهدنا على إيقاف الحرب بينك وبين أخيك، وعدم توسع أي منكما على حساب ممتلكات الآخر، والأهم يا مولاي عدم تحالف أي منكما مع الإسبان ضد أخيه، وأيضا يا مولاي في حال هجوم الإسبان تقفان صفا واحدا.
الزغل: لكم ذلك مني يا إخوان وأقسم عليه.
أبو زيان: اتفقنا يا مولاي. نستأذنك.
الزغل: ولم العجلة؟ اقضوا الليلة معنا واستمتعوا معنا بسهرة إلى الصباح مع الغناء والرقص. عندنا فرقة زمرة رائعة في الرقص والطرب. استمتعوا معنا بها.
أبو زيان: با نستأذن مولاي ونترك له الزمرة والغناء ليستمتع بها وحدة غير منقوصة. (ساخرا في يأس بصوت عقله) رقص وغناء وزمرة؟ غدا سيرقص فوق جثثنا الأعداء ويلهون بنسائنا في سهراتهم. لك الله يا غرناطة، نهاية الأندلس قادمة لا محالة. (ينصرفون)
الزغل: (إلى رجاله) هل سمعتم لقد غرتهم انتصاراتهم الأخيرة ويريدون أن يحصلوا بالمجان على ما تبقى في أيدينا.
يحيى: محال يا مولاي، ستكون الغلبة لنا عليهم إن شاء الله.
الزغل: بل ظلوا على أهبة الاستعداد وحسب. فإن التزموا بعهدهم التزمنا، وإن نقضوه وحاربونا حاربنانهم. (ضاحكا في هيستريا مجنونة وهو يتجه إلى عرشه) يريدون مني أن أتنازل عن العرش؟ مجانين. ألا يعلمون اللعنة التي تصيب كل من يجلس على العرش؟ يريدون مني أن أعوض كل سوءات حكام الأندلس السابقين؟ ولماذا أنا بالذات الذي يتخلى عن ملكه؟ وماذا لي بعد الملك؟ مجانين، مجانين (يضحك في هستيريا).
(ينزل الستار.)
المشهد الرابع
قصر قمارش حيث تسجن عائشة ووالداها أبو عبدالله ويوسف. يرفع الستار عن خشبة المسرح وقد قسمت إلى نصفين، الأيمن داخل القصر حيث يسجن الثلاثة، والأيسر خارج السجن، يفصل بينهما جدار السجن ونافذة عالية بالجدار.
عائشة: (في غضب وهي تذرع المكان جيئة وذهابا وولداها جاليسن على أريكة متواضعة) هل رأيتم ماذا فعل أبوكما؟ لقد سلبت الجارية الرومية عقله. نعم عجوز متصابي تلعب به جارية حسناء.
أبو عبدالله: وما العمل يا أمي؟ لقد طال بقاؤنا هنا ولا أدري إلى ما ستصير الأمور؟
يوسف: (موجها الكلام لأخيه) ومن حرضته على خلعك من ولاية العهد يمكن أن تحرضه على قتلنا جميعا. هل سنجلس هنا ننتظر حتفنا بتحريض من هذه الجارية الملعونة.
عائشة: لا تخافا يا ولدي عائشة. فأمكما لا تنهزم بسهولة أمام جارية. فعائشة الحرة سليلة الملوك لا بد وأن تنتصر في النهاية. والملك لن يذهب إلى غير أبنائي مهما كلف الأمر.
أبو عبدالله: فيما تخططين يا أمي؟
عائشة: لقد خططت ونفذت وأنتظر النتيجة.
يوسف: طمنينا يا أمي. هل سنخرج من هذا السجن؟
عائشة: نعم يا يوسف سنخرج وسيكون الملك لأخيك. (بصوت عقلها) ماذا تريد هذه الجارية؟ ألم يكفها أن تأخذ مني الزوج والحبيب؟ فأرادت أيضا أن تأخذ الملك من ولدي؟
أبو عبدالله: كيف يا أمي؟ ونحن سجناء في هذا القصر اللعين؟
عائشة: هل تظن يا سلطان غرناطة أن أخوالك بني السراج سيتروكنا هنا؟ أتظن أن أعيان غلاناطة وشرفائها وعامتها يقبلون أن يحكمهم ابن جارية رومية؟
أبو عبدالله: (فرحا) أتقولين سلطان؟ سيأتون لأخراجنا إذن؟ (مغتما) لكن ذلك يعني أننا سنخرج على أبي السلطان ونقاتله.
عائشة: أبوك عجوز خرف ضيع ملكه لأخيه في البداية، وها هو يقضي على ما تبقى منه بنقل ولاية العهد إلى ابن الجارية.
يوسف: لتكن حربا يا أمي وسوف نري الجارية وأبناءها منا ما لم تكن تتوقعه.
(يدق حارس على الباب ليستأذن في الدخول)
عائشة: ادخل (يدخل حارس برسالة فيسلمها وهو مطأطئ الرأس فتعطيه عائشة كيسا من المال، وتفتح الرسالة) لقد اقتربت ساعة الصفر.
أبو عبدالله: ماذا في الرسالة يا أمي (يأخذها من يد أمه ويقرأ في صمت). سيأتي أخوالي الليلة لإخرجنا.
يوسف: لا تبتأس يا أخي، فأبوك هو من فرض علينا ذلك.
عائشة: أصبت يا أبا الحجاج لولا جنون أبيك يا أبا عبدالله لما وصلنا إلى هذه الحال. (على الجانب الآخر من جدار القصر تأتي أعداد غفيرة من الناس يتضح من كلامهم أنهم جاءوا لإخراج السجناء الثلاثة).
(ينزل الستار.)
المشهد الخامس
يرفع الستار على قصر الحكم في غرناطة، وقد قسمت الخشبة إلى نصفين، الأيمن فيه قاعة العرش ومجلس الحكم، والثاني فيه جناح ثريا حيث يجلس السلطان وثريا في مجلس غناء ورقص مع السلطان.
ثريا: (وهي تصفق بيديها) كفى يا جواري اخرجن الآن.
السلطان: لم يأت النوم بعد يا ثريا. لماذا صرفيتهن؟ كان الغناء شجيا.
ثريا: ألا تريد أن تختلي بكوكب الصباح يا مولاي السلطان؟
السلطان: بلى أريد. تعالي إلى جواري حتى يرتاح قلبي.
ثريا: وكيف لا أريح قلبك يا سلطاني وحبيبي وقد أرحت قلبي على ولداي؟
السلطان: انت تأمرين يا ثريا والسلطان ما عليه إلا أن يقول: شبيك لبيك عبدك وبين ايديك.
ثريا: (تضحك في دلال وانتصار) بل أنا جارية مولاي وملك يمينه ورهن إشارة إصبعه. مولاي صحيح ماذا ستفعل مع عائشة وولديها؟
السلطان: لا شيء. ها هم سجناء في قصر قمارش إلى أن يقضي الله بيننا. ولا تنسي يا ثريا أنهما ولداي وأنها أم ولداي.
ثريا: طبعا، طبعا يا مولاي. لكن قلي يا سلطان غرناطة لماذا لا تجلس زوجة السلطان عندكم بجواره على العرش باعتبارها السلطانة؟
السلطان: أعرف أنكم في ممالك الإسبان تفعلون ذلك. لكن عاداتنا تمنع المرأة من الظهور على الرجال كما تعلمين.
ثريا: أريد أن أجلس بجوار مولاي وهو يصرف شئون الحكم.
السلطان: أتريدين أن يرجمنا أهل غرناطة يا ثريا؟
ثريا: أنا الآن زوجة السلطان الوحيدة وأم ولي عهده ومن حقي أن أجلس على العرش بجواره.
السلطان: لا كله إلا ده. (تدخل جارية بعد أن تدق الباب)
ثريا: ماذا وراءك يا هند؟
هند: الحاجب يقول إن الأمير أبي زيان محمد والوزير ابن ميمون يريدان مولاي في أمر مهم.
السلطان: استر يارب. ما الأمر المهم الذي يجعلهما يأتيان في هذه الساعة المتأخرة؟ هل اقترب جيش الزغل من قصرنا؟ أم تراهم الإسبان؟ استر يا ستار. قولي للحاجب أن يفتح لهما قاعة العرش (يخرج من الفاصل بين نصفي الخشبة إلى قاعة الحكم ويقف حيث يدخل عليه الرجلان). ماذا حدث يا ابن ميمون؟
ابن ميمون: غرناطة ثارت عليك يا مولاي بقيادة بني السراج وأخرجوا أبا عبدالله وأخاه وأمه من السجن.
السلطان: قل بني السراج إذن ولا تقل غرناطة.
أبو زيان: بل غرناطة يا مولاي. فالناس جميعا ساخطون على إزاحة أبي عبدالله عن ولاية العهد وتعيين أخيه سعدا مكانه.
السلطان: (بصوت عال) وماذا للناس في ذلك. ملكي وأنا حر فيه أورثه لمن أشاء من أبنائي. أليس ذلك من حقي؟
ابن ميمون: عفوا يا مولاي لكن العامة يرون غير ذلك.
السلطان ماذا يرى العامة إذن؟
ابن ميمون: يقولون يا مولاي (يتردد ويتلعثم) يقولون ..
السلطان: انطق يا ابن ميمون، قل ماذا يقول العامة في قراري وحكمي.
أبو زيان: عفوا يا مولاي لكنهم يقولون أنهم لن يسمحوا بأن يحكمهم ابن جارية.
السلطان: قطعت ألسنتهم وألسنتكم. أوليست زوجتي؟ أوليس سعد ابني؟
ابن ميمون: طبعا يا مولاي طبعا. لكنهم العامة.
السلطان: لا ليس العامة. إنها عائشة وأهلها من بني السراج يريدون أن يكون الحكم لابن اختهم وحفيدهم. لكن أحدا لا يستطيع أن يلوي ذراع السلطان أو أن يمنعه عن أن يفعل ما يريد. وعلى الباغي تدور الدوائر. وطالما أنهم أعلنوا العصيان فليحسم السيف الأمر بيننا.
أبو زيان: (وقد نفذ صبره) مولاي وهل غرناطة تتحمل انقساما آخر؟ إننا ..
السلطان: (مقاطعا) أبو زيان اغلق فمك وأمسك لسانك، لم يعد هناك مجال لخطابك الوحدوي الحالم. من يخرج على السلطان لا رد عليه إلا بالسيف.
ابن ميمون: لكن يا مولاي
السلطان: كفى يا ابن ميمون. اذهب الآن إلى قائد الجيش وتدبر معه الأمر ولتأتيان لي صباحا وقد أعددتما العدة لقتال العصاة الجدد. (يخرجان في صمت، ويعود السلطان إلى جناح ثريا التي كانت تقف وراء الباب تسمع ما يقال. يدخل السلطان عليها). أرأيتي يا ثريا ماذا فعلت عائشة وولداها وأخوالهما؟
ثريا: نعم يا مولاي. والسلطان طيب القلب كان منذ دقائق قليلة يقول إنهما ولداي وإنها أم ولداي.
السلطان: خلاص لم يعد لي أولاد من عائشة ولم تعد عائشة زوجتي منذ الساعة. ولو استطعت لن أتوانى عن قتل ثلاثتهم بسيفي.
ثريا: إنها عائشة التي أطلقت على نفسها لقب الحرة تمييزا لنفسها عن الجارية ثريا ولكي تلصق بي وصف الجارية إلى أبد الآبدين.
السلطان: خلاص يا ثريا دعينا من حقد الضرائر لننظر ماذا سنفعل. إنهم يقولون إن غرناطة كلها معهم.
ثريا: لا تصدق يا مولاي. سيكون الخارجون أخوالهم من بني السراج وكفى. والعامة لا ناقة لهم وجمل في هذا الصراع.
السلطان: هل سنستطيع أن نقاتل الزغل وولدي عائشة في الوقت نفسه؟ لا أظن؟ وماذا سيكون موقف فرناندو وإيزابيلا.
ثريا: لا أظنهما سيتدخلان. فهذا شأن داخلي.
السلطان: (بسخرية مريرة) داخلي؟ والزغل، ألا يمكن أن يستغل صراعي مع ولدي عائشة لينقض علينا؟
ثريا: لا أظن. فقد قبل بالهدنة التي عرضناها عليه، وحتى لو بانت منه بائنة، سيكون علينا أن نسترضيه لمجابهة التهديد الجديد الأكبر.
السلطان: مال هذا التهديد الأكبر يطاردني هذه الأيام، ويتحور على هذا النحو؟ الإسبان التهديد الأكبر؟ ثم ها هما ولداي صارا التهديد الأكبر؟ ومن يدري غدا؟
ثريا: الإسبان أعداء قدامى ودائمون، وقد خبرنا التعامل معهم حربا سلما، قتالا وتفاوضا. لكن لو انتصر عليك ولدا عائشة فسوف يضيع منك الملك للأبد.
السلطان: أخ يخرج على أخيه وينازعه الملك، وولد يثور على أبيه وينازعه الملك. ماذا حدث للدنيا؟ إإلى هذا الحد انتفت صلة الرحم بين الناس؟ أيرفعان سيفيهما في وجه أبيهما؟ وماذا لو ظفرا به إذن؟ أيغرسان السيف في قلبه؟ أيقتلان أبيهما؟ ألا لعنة الله على الخائنين قاطعي صلة الرحم.
ثريا: لا وقت للصدمة يا مولاي. إنما هو وقت السيف والحسم.
السلطان: نعم يا ثريا. الوقت وقت السيف، لا الكلام.
(ينزل الستار.)
المشهد السادس
شارع في حي البيازين في غرناطة وقد اجتمع الناس أمام حمام عام يناقشون ما يجري في مملكتهم.
مرزوق: هل علمتم بأن بني السراج اقتحموا قلعة قمارش ليلة أمس وأطلقوا سراح الأميرة عائشة وابنيها.
أحمد: الخبر انتشر في غرناطة أسرع من البرق.
مرزوق: (صاحب الحمام) ومع من ستكونون في هذا النزاع؟
أحمد: (صاحب الخان المجاور للحمام) مع عائشة وابنيها طبعا. هل ترضى أن يكون حاكم غرناطة ابن جارية؟
مرزوق: بالطبع لا، خاصة وأن للسلطان أبناء من أميرة سليلة ملوك وأمراء.
حامد: لكن غرناطة لم تكن في حاجة إلى مزيد من الانقسام.
مرزوق: ومتى لم تكن غرناطة منقسمة على نفسها يا حامد؟ أنا على عمري هذا لا أذكر يوما مر على غرناطة بلا نزاعات داخلية وحروب أهلية.
حامد: وبسبب ذلك ضاعت الأندلس.
أحمد: (ساخرا) أندلس؟ نحن نتحدث عن غرناطة يا رجل؟ مالنا ومال الأندلس الآن؟
مرزوق: أنا عن نفسي سأقف في صف الأمير ابن الأميرة.
حامد: ما أسرعكم إلى التحزب والانقسام يا أهل غرناطة! ما أسرعكم إلى حمل السلاح في وجوه بعضكم البعض! تقتلون أنفسكم بأيديكم وتخربون بيوتكم بأفعالكم وتضيعون مملكتكم بتحزبكم واندفاعكم إلى الانقسام. لك الله يا غرناطة. (يدخل مجذوب يجري ويهذي).
المجذوب: خلاص جاءت النهاية وسينزل الستار.
مرزوق: (مناديا على المجذوب) أي نهاية يا مجذوب؟ وأي ستار؟
المجذوب: ستأتي النهاية وينزل الستار، وساعتها سترفع الغشاوة عن الأعين. (يرفع صوته) لكن بعد فوات الأوان.
أحمد: (ضاحكا بصوت عال) روح إن شالله يفوت أوانك يا مجذوب.
حامد: أظنه قد فات فات فعلا يا أعقل من فينا (وينهض ويخرج من المشهد).
مرزوق: أخونا انجذب هو الآخر (ضاحكا).
أحمد: يعني بعد قليل سيدخل علينا بملابس ممزقة وفي يده بطاطسة يقرض فيها (يضحكان بصوت عال).
(ينزل الستار.)
المشهد السابع
يرفع الستار عن ساحة المعركة بين أبي عبدالله وأبيه، حيث يجلس أبي عبدالله وأمه في خيمة القيادة وقد لبس الأول لباس الحرب.
عائشة: ماذا حدث للناس؟ أيبيع الأب أبناءه؟ أيرفع السيف في وجوههم؟ ماذا لو ظفر بهم إذن؟ أيغرس السيف في قلوبهم؟ أيقتل أبناءه؟ ومن أجل ماذا؟ أمن أجل حكم لم ينازعوه عليه؟ أمن أجل جارية رومية يباع أمثالها ببضع دوقات في أسواق النخاسة؟ ألا لعنة الله على الرجال حين يصيبهم الخرف.
أبو عبدالله: هدأي من روعك يا أمي. فالحرب لنا إن شاء الله، فغرناطة كلها معنا والحرب تقريبا أوشكت على الحسم لصالحنا.
عائشة: (وقد تنبهت من سكرتها) نعم لا بد أن تنتصر وأن يكون الملك لك.
(يدخل من يسار الخشبة بعض الجنود يحملون قتيلا ثم يقفون به أمام خيمة السلطان، ويتهامسون مع حراس الخيمة. ويقف أبو زيان محمد بعيدا في أقصى يمين المسرح كأن أحد لا يراه ويشاهد المشهد من بعيد. فينادي أحد الحراس على السلطان ليخبره أمرا (يخرج السلطان الشاب وينظر إلى القتيل الذي ألقاه الجنود على الأرض).
أبو عبدالله: من هذا القتيل (يجري نحوه) يوسف .. أخي .. يوسف .. (يهز القتيل ويرفع رأسه) يوسف (تخرج الأميرة عائشة الحرة من الخيمة مسرعة على صوت أبي عبدالله وترتمي على جثة يوسف.)
عائشة: ابني يوسف حبيبي، أقتلت يا يوسف؟ يال حرقة قلبي عليك يا يوسف. آه يا يوسف يا من صرعك أبوك. (تولولع على طريقة طريقة العرب وتنثر التراب على رأسها). قتلك أبوك يا يوسف من أجل جارية .. آه يا يوسف. يا حرقة قلبي عليك يا يوسف. (موجهة كلامها لأبي عبدالله) انتقم لأخيك يا أبا عبدالله. انتم لأخيك واطفئ نار قلبي.
أبو عبدالله: (وهو يبكي) حاضر يا أمي حاضر (بصوت عقله ساخرا) انتقم لأخي؟ ممن؟ من أبي؟ يال حيرتي أخي قتيل ولا أستطيع حتى أن أكره قاتله. وكيف أحقد على أبي قتل أخي وكان ثلاثتنا واحدا؟ وكان الطبيعي أن يكون مصابنا واحدا، وهدفنا واحدا، وعدونا واحدا؟ أتراني لو ثأرت لأخي بقتل أبي لن أتألم؟ أتراني بقتل أبي انتقم لأخي أم انتقم من نفسي؟ كم هي عسيرة ومحيرة الحرب بين الأبناء والآباء! لا تشعر فيها بنشوى نصر ولا لذة انتقام. فمن أين تأتي النشوى واللذة وأنت تنتصر على أبيك أو تقتل ابنك؟ أي ملهاة تلك التي وضعنا أنفسنا فيها؟ نترك العدو المتربص بنا ونقاتل بعضنا. سحقا لأي شيء يدفع الرجل إلى قتل ابنه أو الابن إلى رفع السيف في وجه أبيه.
(يخبو الصوت عنهما ويذهب إلى أبو زيان محمد الواقف بعيدا وتظل عائشة تنثر التراب فوق رأسها وأبو عبدالله يذرع المكان).
أبو زيان: قتله أبوه، وقتلته أنت يا عائشة، وقتله كل حكام غرناطة والأندلس السابقون الذين تآمروا على أهلهم وباعوا دينهم من أجل دنيا عابرة وملك زائل. ألم تكونوا ترون هذه النتيجة الحتمية التي لم تكن تبعد غير خطوات قليلة عن قرارتكم المشؤومة. مات الشاب المسكين ضحية لأطماع أهله وأحقادهم. لكنه لم يمت وحده، بل ستموت معه غرناطة كلها، فغرناطة هي الصريع الذي ينزف دما بفعل التآمر والخيانة وعبّادة المُلك. يستريح من يموت من أبنائك الآن يا غرناطة، نعم يستريح، حتى لا يرى ذل الهزيمة والأسر والسبي واغتصاب النساء وبيع الأطفال في أسواق النخاسة، يستريح من يمت قبل أن يجبر على تغيير دينه ولغته وهويته تحت حد السيف. أتبكون يوسف؟ بل ابكوا غرناطة والأندلس. ابكوا الشريفات اللاتي سيسوقهن العلوج إلى المكروه مكرهات، ابكوا الأطفال الذين سيعرضون في أسواق النخاسة كالبعاضعة، ابكوا ديناً لن تقوم له قائمة في هذه الأرض بعد اليوم، ابكوا وطناً فتحه رجال وسلموه لكم خالصاً، وأنتم بأحقادكم وأنانيتكم أضعتموه، ابكوا الأندلس يا نسل بني الأحمر.
يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ أحال حالهمْ جورُ وطُغيانُ
بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم واليومَ هم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوان
ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
يا ربَّ أمّ وطفلٍ حيلَ بينهما كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ
وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت كأنما ياقوتٌ ومرجانُ
يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
والله لأعتزلكم جميعا يا بني الأحمر من اليوم.
(ينزل الستار.)
المشهد الثامن
يرفع الستار على قصر السلطان أبي الحسن وهو في حالة من الحركة الدؤوبة حيث يجمع العبيد والجواري المقتنيات الثمينة لكي يرحل السلطان وأهله عن القصر. تدخل ثريا مسرعة وراء زوجها القادم من آخر معاركه.
ثريا: كيف هزمت يا سلطان غرناطة؟
السلطان: هزمت كما يهزم كل السلاطين يا ثريا، هزمت كما هزم قومك من قبل، أم تراك نسيتي؟
ثريا: كيف وأنت السلطان والجيش معك؟
السلطان: غرناطة كلها ثارت عليّ، وماذا يفعل الجيش أمام شعب كامل؟ اتركيني يا ثريا لهمي وفجيعتي. لقد ضاع ملكي، وقتل ابني يوسف على أيدي رجالي. اللعنة على الملك الذي يدفع الأب لأن يقاتل أبناءه.
ثريا: أتراه لو ظفر بك ما كان ليقتلك؟
السلطان: أقول لك ابني قتل على أيدي رجالي، فلا داع لتبريراتك الحاقدة. ليته ظفر بي وقتلني هو، حتى لا تطاردني صورة دمه المسفوك ما بقي لي من أيام في هذه الدنيا، على الأقل أنا رجل عجوز شبعت من الدنيا.
ثريا: وإلى أين يا أبا الحسن؟
السلطان: أرسل لي أخي الزغل معلنا استعداده لاستقبالنا في ملقة، ولا ملجأ لنا غيره.
ثريا: (بصوت عقلها) هكذا أنتم يا بني الأحمر ومن قبلكم ملوك الطوائف تتقلبون فيما بينكم بين التحالف والعداوة، فعدوكم بالأمس يصبح حليفكم اليوم، وحليف اليوم يصبح عدو الغد.
السلطان: هل قلتي شيئا؟
ثريا: لا بل أفكر فيما تحمله لنا الأيام.
السلطان: اجمعي حليك ومجوهرات في الحال، فلا وقت أمامنا، قد يصل جيش الثوار في أي لحظة.
(ينزل الستار.)
الفصل الثاني
المشهد الأول
يرفع الستار عن القصر نفسه، حيث يدخل السلطان أبي عبدالله الصغير وقائد جيشه أبي الحسن على المنظري ووزيريه ابو القاسم بن عبدالملك ويوسف بن كماشة والفارس موسى ابن غسان، إلى قصر خرب بعد أن نزع السلطان الراحل كل مقتنياته.
يوسف بن كماشة: مرحبا بسلطان غرناطة في قصر قلعة الحمراء قصر جدودك سلاطين غرناطة.
السلطان: إلى أين وصل أبي وأهل بيته؟
المنظري: إلى أخيه الزغل يا مولاي، رجالنا تعقبوه إلى هناك لكنهم لم يمسكوا به كما أمرت.
ابن كماشة: لم يبق أمامنا إلا الزغل وتكون غرناطة خالصة لكم يا مولاي.
أبو القاسم: نعم وأنا أرى أن نستغل نصرنا والروح العالية بين جنودنا لكي نتخلص منه نهائيا.
ابن كماشة: فلتأذن للجيش يا مولاي بالهجوم على ملقة. (يدخل فارس على الحضور بخبر).
الفارس: مولاي جيش فرناندو يهاجم ثغور غرناطة ويستولي على الحصون الأمامية.
السلطان: (وهو ينهار جالسا على أريكة غير منجدة) طبعا لا بد وأن يستغل اقتتالنا الداخلي. ومن الذي يفوت هذه الفرصة الثمينة للإجهاز على عدوه.
ابن كماشة: ما رأي مولاي في أن يرسل إليه سفارة تطلب الهدنة ووقف القتال؟
السلطان: (بصوت عقله) مع أبي وسلطانكم السابق تنفخون نيران الحرب، ومع العدو الحقيقي الذي يهدد بإبادتنا والقضاء على أمتنا نهائيا تدعون إلى الصلح والهدنة. بمثل هذا ضاعت الأندلس. (بصوت مسموع) وهل يقبل سلطان واثق من النصر عرض هدنة؟ الهدنة والصلح لا يكونان إلا بين ندين في القوة يا ابن كماشة.
ابن كماشة: فلنحاول يا مولاي، وأظن أن سعينا لن يخيب. فبين غرناطة والملكين عهود ومواثيق قديمة، ولنا معهم قرون من التحالفات والمهادنات.
موسى: أنا مع مولاي عدونا الحقيقي هو الإسبان وإن لم نظهر لهم القوة الواجبة سيلتهمونا. وكم من عهد خرقوه معنا وكم من هدنة استغلوها لصالحهم وأعادوا الكرة علينا بقوة أكبر من سابقتها.
أبو القاسم: لكن هل نحارب على جبهتين؟
موسى: الحرب مع مولاي الزغل متوقفة والوضع مستقر على ما في أيدينا وما في يديه. فلا ينبغي نحن أن نشعل الحرب معه مجددا، على الأقل حتى نتخلص من التهديد الأكبر.
السلطان: نعم يا موسى علينا بالتهديد الأكبر أولا.
ابن كماشة: (وقد مال مع التيار) نعم يا مولاي لنوقف تهديد الإسبان قبل أن نتحول إلى انتزاع ملقة.
السلطان: حسنا نادوا في الناس بالجهاد لنخرج إلى فرناندو وليحكم الله بيننا وبينهم. (يخرج الجميع تاركين السلطان جالسا منكس الرأس وقد استبدت به الهموم والهواجس) (بصوت عقله) لك الله يا غرناطة المسكينة ما أن تنتهي من حرب تأكل أبنائك حتى تندلع أخرى. ويا ليتها كانت حروبا ضد أعداء الأمة، بل أكثرها حروب بين أبناءك، ولعل ذلك هو ما طمع الأعداء فينا وأضاع هيبتنا وترك الأندلس تتآكل مملكة بعد أخرى ومدينة بعد أخرى حتى لم يعد تحت أيدينا إلا مدينة غرناطة ومرجها، ونكذب على أنفسنا ونقول مملكة غرناطة، بل هي مدينة غرناطة. (ثم يرفع رأسه متوعدا) لكن والله لأريك يا فرناندو ما لم تراه من قبل. أنا سلطان غرناطة أبي عبدالله الثاني عشر سأجدد الجهاد وأسترد مدننا التاريخية منكم (تدخل عائشة عليه).
عائشة: هل بلغك أن فرناندو يهاجم الثغور والحصون؟
السلطان: نعم يا أمي.
عائشة: ألهذا تجلس مهموما حزينا مرتعدا؟
السلطان: أنا لست مرتعدا يا أمي. كل ما هنالك أنني أمرت الوزراء وقائد الجيش لتوي بالتعبئة للزحف لملاقاة فرناندو ودحره.
عائشة: نعم يا سلطان غرناطة حافظ على مملكلك الذي لم تظفر به إلا بدم أخيك.
السلطان: دم أخي وآلاف غيره يا أم أبي عبدالله؟
عائشة: حسنا يا ولدي انزل الآن وأشرف على تعبئة الجيش بنفسك ليعلم الناس أن سلطانهم هو أول من يخرج لحرب الأعداء.
السلطان: حاضر يا أمي. (هم السلطان بالخروج، قبل أن تدخل الأميرة فاطمة زوجة السلطان)
فاطمة: مولاي السلطان إلى أين؟
عائشة: إلى جيشه ورجاله.
فاطمة: فلتسترح قليلا يا مولاي، فأنت فلم تبت تحت سقف منذ شهور.
عائشة: لا وقت للراحة يا فاطمة. الملك لا ينتظر من يركنون إلى الراحة أو التردد. اخرج يا سلطاني إلى شعبك ونظم صفوف جيشك لتخرج إلى اللعين فرناندو وتخبره بسيفك أن سلطان غرناطة الجديد ليس كمن سبقوه.
السلطان: بالطبع يا أمي سأعلمه وأعلم الجميع معه أن سلطان غرناطة الجديد نوع جديد من الرجال، وسأخرج على رأس جيشي لا لرد فرناندو وحسب، بل لأغزو مممالكه أيضا. وسيكتب التاريخ إن أب عبدالله الثاني عشر هو فاتح الأندلس الجديد ومجدد مجدها.
عائشة: (فرحة مزهوة) يارب يا أبا عبدالله، وأنت لها يا ولدي، اخرج إليه وتوكل على الله.
(ينزل الستار.)
المشهد الثاني
يرفع الستار عن أرض المعركة حيث قائد الجيش المنظري وموسى ابن غسان والوزيرين أبي القاسم وابن كماشة.
المنظري: إننا لم نهزم، وها هي قواتنا تقف لهم بالمرصاد ولم يتقدموا شبرا؟
موسى: نعم لم نهزم ولن نهزم طالما أردنا ذلك.
ابن كماشة: وما جدوى الصمود إذا وقع السلطان أسيرا في أيدي الأعداء.
أبو القاسم: نعم ما العمل وقد أسر السلطان؟
موسى: سنصمد في مواقعنا ونموت دونها وليرى رجال السياسة ما يرون في أمر السلطان الأسير.
المنظري: صحيح! إن ما نملك فعله الآن هو أن ندافع عن مواقعنا وأرضنا سواء كان السلطان بيننا وعلى رأس جيشنا أم لا.
موسى: أعلم أن وقوع السلطان في الأسر ضربة قاسمة، لكن الهزيمة تأتي مع تشتت الجيش وضياع الأرض التي يدافعون عنها.
أبو القاسم: كأنكم لا تعرفون أن غرناطة منقسمة على نفسها وأن الزغل يتربص بنا الدوائر، وقد جاءته الفرصة على طبق من ذهب.
ابن كماشة: وهل يفرط الزغل في غرناطة بعد أن أصبحت بلا سلطان وهو الذي قاتل أخاه ثم ابن أخيه من أجلها.
موسى: اللعنة على من يقاتل أخاه، على من يفرح في هزيمة أخيه، على من يستغل ضعف أخيه، اللعنة من لا يرأف بحال أمته ويرأب صدعها ويداوي جرحها، اللعنة ..
ابن كماشة: لا وقت لصب اللعنات يا موسى. لا بد أن نحسم أمرنا، كيف سيكون موقفنا من الزغل؟ بل كيف سيكون موقفه هو منا ونحن من ناصرنا ابن أخيه عليه وعلى أخيه من قبله؟
موسى: بل اسألوا كيف سيكون موقف هذا الجيش وكيف سيكون مصيره؟ وإلى ما ستؤول غرناطة وأهلها؟
ابن كماشة: لا وقت للكلام الكبير يا رجال. هل سنقاتل الزغل أم ننضم إليه أم نهرب بعيدا إلى أن نرى ما ستؤول إليه الأمور؟
موسى: فكروا وقرروا وافعلوا ما يتراءى لكم. لكنني لن أرفع سيفي ثانية في وجه عربي. عدوي أعرفه وهو أمامي، ولن يفارق سيفي يدي إلا شهيدا (يفارقهم شاهرا سيفه لقتال الأعداء).
أبو القاسم: عنتري متهور لا يحسب نتائج أفعاله وعواقبها.
ابن كماشة: أمثال هؤلاء هم من يجروننا إلى الحروب والعداوات.
المنظري: والله ما قال إلا الحق.
ابن كماشة: حتى انت يا أبا الحسن! وأنا الذي أعدك من العقلاء في هذه المملكة.
المنظري: لا يا ابن كماشة، بل أنا ممن أصابهم جنون حب الوطن، لكنني للأسف لا يزال في بعض عقل من عقلكم. انظروا ما تفعلون وأنا معكم.
أبو القاسم: أحسنت يا أبا الحسن، لتنبدر أمرنا بالعقل والحكمة.
(ينزل الستار.)
المشهد الثالث
يرفع الستار عن الخشبة وقد قسمت إلى نصفين، الأيمن زنزانة قد سجن فيها السلطان الأسير وهو في قيوده التي تربط رجليه برقبته، والأيسر فيه عرش الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيزابيلا.
السلطان: (وهو يجلس على الأرض وقد وضع رأسه بين ركبتيه) (بصوت عقله) ماذا فعلنا بغرناطة؟ تركنا عدونا الحقيقي الذي يبغي إبادتنا وإبادة شعبا وديننا من أيبيريا وأخذنا نقاتل بعضنا بعضا؟ من الذي بدد وحدتنا وفتت دولتنا؟ ألم نكن نحن؟ بعد خلافة الأندلس الواحدة القوية صرنا مئة دولة، يال المهزلة! أتكون كل مدينة دولة لها حاكم له تحالفاته وعداواته؟ وكيف يمكن لعشرات الدول الصغيرة الضعيفة أن تبقى دون نصير قوي؟ فتحالفنا مع الأعداء ضد بعضنا البعض، بل حاربنا المسلمين في صفوف جيوش الإسبان. من الذي حاصر إشبيلية وأهلها حتى الجوع واليأس والاستسلام؟ ألم يكن جيش مشترك من قشتالة وغرناطة؟ ألم يكن فرسان غرناطة على رأس الجيش الذي سبى إشبيلية وباع أهلها للنخاسين؟ حتى من جاءنا معينا من العدوة المغربية خناه بعد أن خلص أرواحنا من يد الإسبان. ألم ينقض جدي محمد الفقيه ابن الأحمر عهده مع المنصور الموريني الذي ساعده في استعادة إشبيلية وجيان وقرطبة من أيدي الإسبان؟ ألم يقلب تحالفاته خوفا من تكرار خطأ المعتمد بن عبّاد الذي استدعى يوسف بن تاشفين لصد تقدم الإسبان فإذا بالأخير يلحق الأندلس بدولة المرابطين؟ فبعد أن ساعده المنصور في دحر ملك قشتالة واستعادة حواضر الأندلس التاريخية، يخشى من أن يكون الموريني ابن تاشفين جديدا فيرتد على عقبيه ويتحالف مع عدوه الذي استنجد بالموريني لقتاله. أي نوع من الحكام نحن؟ ومن أجل أي غاية نعمل؟ أمن أجل شعوبنا التي وضعها الله أمانة في رقابنا أم من أجل ملكنا الزائل التافه الذي لم نتعلم من تكرار الشواهد أنه ذرة تذروها الرياح؟ لقد أضعنا أمتنا وديننا بأحقادنا وأنانيتنا وضيق أفقنا. لم ارتعبت من المنصور الموريني يا فقيه بني الأحمر؟ أعلى ملكك؟ فلتتركه له يا رجل طالما أنه أجدر به منك وأقدر على الدفاع عنه وعن الأمة. وأنا نفسي على ما ألوم السابقين وأنا نفسي فعلت نفس أفعالهم وأكثر؟ على ما ألومهم؟ أألومهم على أنهم هم الذين فتحوا باب الخيانة والتآمر والحرب الأهلية والتعاون مع الأعداء؟ أم ألوم نفسي لأني لم أتعلم من دروسهم؟ جميعنا خونة أضعنا الأندلس وسنضيع غرناطة. (في النصف الأيسر من الخشبة يدخل الملكين الكاثوليكيين في كامل أبهتمها وخلفهما عدد من الأتباع وقادة الجيش: إنييغو أورتادو دي مندوسة قائد الجيش، وايرناندو دي ثافرا السكرتير الملكي القشتالي، والمطران ايرناندو دي طلبيرة والقائد ألونسو دي أغيلار).
إيزابيلا: على ما استقرت الأوضاع في الجبهة يا جلالة الملك؟
فرناندو: كما كتبت لمليكتي، فلم يبق في أيدي المسلمين غير مدينة غرناطة ومرجها ومدينة ملقة، بعض الحواضر والقرى المتناثرة الصغيرة، وأظنهم لن يصمدوا فيها طويلا.
إيزابيلا: كل هذا بفضل سيف مليكي وحكمته العسكرية.
فرناندو: أشكر مولاتي على هذه المجاملة الرقيقة. ومولاتي أيضا تتمتع بحس إستراتيجي لا يمتلكه أمهر الجنرالات.
إيزابيلا: إن كان ذلك صحيحا فلأنني زوجة الملك فرناندو الأمير المثال لعصر النهضة الأوروبي.
فرناندو: أنا لا أتحمل كل هذا الإطراء من سيدتي ملكة قشتالة.
دي ثافرا: بل يستحق كلاكما أفضل من ذلك بكثير يا صاحبي الجلالة. أولستما من نجح أخيرا في توحيد إسبانيا في عرش واحد؟ أولستما من نجح في استرداد إسبانيا كاملة من أيدي البربر الهمج ولم يتبقى أمامكما إلا مدينة غرناطة وتوابعها؟ يا صاحبي الجلالة لقد نجحتما فيما عجز فيه كل ملوك أوروبا منذ أن ظهرت الهرطقة المحمدية في القرن السابع الميلادي.
دي طلبيرة: هذا أقل مما تستحقانه يا صاحبي الجلالة. هل نجحت الحروب الصليبية في مكان آخر غير إسبانيا؟ لم تنجح إلا في إسبانيا بفضل حماستكما الكاثوليكية الصادقة.
دي منوسة: ولولاكما لضاعت إسبانيا وأيبيريا كلها كما ضاعت الإمبراطورية الرومانية الشرقية مؤخرا.
دي ثافرا: ففي حين ضيع المسيحيون الآخرون أورشاليم قديما وبيزنطة مؤخرا وشنوا حملات صليبية فاشلة على المشرق، نجح صاحبا الجلالة أطال الله عمرها في استرداد إسبانيا وتوحيدها.
إيزابيلا: (مزهوة) ما الجديد لديكم في أمر المعارك؟ لا أريد أن ينتظر اكتمال الاسترداد طويلا. أريد أن أدخل قلعة الحمراء في أقرب وقت.
فرناندو: أقرب مما تظنين يا مولاتي.
إيزابيلا: وماذا قررتم في أمر أسيركم السلطان الصغير أبي عبيدل؟ وما تأثير غيابه عن غرناطة وتأثير عودته إليها؟ لقد طال وجوده في أيدينا دون أن نفعل به أو فيه شيئا.
فرناندو: نحن لم نحسم أمره يا مليكتي إلى أن تأتي ونتدارس الأمر معا.
إيزابيلا: لنسمع إلى رأي القواد أولا.
دي مندوسة: الرأي لصاحبي الجلالة، وأرى بعد إذنكما أن أبا عبيدل سلطان ضعيف لن يضرينا كثيرا إطلاق سراحه ولن ينفعنا كثيرا قتله.
دي ثافرا: نعم يا صاحبي الجلالة لنستخدمه في الإجهاز على ما بقي من غرناطة، فأبو عبيدل وإن كان سلطانا أخرق، فإنه صيد ثمين لا ينبغي أن نضيع فرصة استغلاله.
إيزابيلا: ألم يرسلوا لافتدائه؟ لكن قبل ذلك إلى من آلت الأمور في غرناطة؟
فرناندو: بعد أن مات السلطان أبي الحسن خلت الساحة للزغل فالتفت حوله غرناطة كلها. وكأننا بأسر أبي عبيدل قد ساعدنا في توحيد غرناطة دون أن ندري.
إيزابيلا: ألم يرسلوا لافتدائه يا مولاي؟
فرناندو: بلى مولاتي أرسلت أمه لافتدائه بأي مبلغ، وعرض الزغل علينا أي مبلغ نريد في مقابل إطلاق سراحه.
إيزابيلا: في مقابل إطلاق سراحه؟ أم تسليمه له؟
فرناندو: (ضاحكا) من أجل هذه الأسئلة الذكية لا أستطيع أن أقطع في أمر دون الرجوع إلى مليكتي الحصيفة. أظن الزغل يريد أن يقبض على أبي عبيدل في يده حتى يستقر له ملك غرناطة. فلا أظن أنه الحب وصلة الرحم.
إيزابيلا: (سعيدة بمديح زوجها) لا يا مولاي هؤلاء الأوغاد الهمج لا يعرفون الحب ولا يحفظون صلة الرحم. وإلا ففيما كانت الحروب بينهم ومجيء كل منهم ليشتري حلفنا ضد أخيه. كما قلت يا مولاي، فالزغل بعد موت أخيه أبي الحسن لم يبق له منازع على ملك غرناطة غير ابن أخيه أبي عبيدل. ومن مصلحته أن يكون أبو عبيدل في يده أو أن يتخلص منه إلى الأبد.
دي ثافرا: هنا نحن يا صاحبي الجلالة نقترب من حيلة ذكية لاستغلال أبي عبيدل.
فرناندو: (مستديرا إلى إيزابيلا) إذن مولاتي ترى أن نطلق سراح أبي عبيدل ليستأنف الحرب مع الزغل ويفتت لنا المفتت حتى يسهل علينا ابتلاعه.
إيزابيلا: ولنعقد صفقة مع أبي عبيدل نضمن بها اشتداد الفتنة بينهم حتى نستغل الوضع للانقضاض عليهم جميعا.
فرناندو: نحن في أشد الحاجة إلى إثارة الفتنة في غرناطة حاليا يا مولاتي. فرغم انتصاراتنا المتوالية، إلا أن الزغل ليس بالقائد العسكري الذي يستهان به. لقد صمد أمامنا في قلعة مكلين وكبدنا خسائر فادحة.
إيزابيلا: ألم يكن الزغل حليفنا؟
فرناندو: بلى مولاتي، كان حليفنا في حربه ضد أخيه. لكن ما أن دانت له غرناطة كاملة حتى خرج عن طوعنا. فلم يعد بحاجة إلينا.
إيزابيلا: وتقول أنه محارب لا يستهان به.
فرناندو: نعم. وأظن أنه طالما بقيت غرناطة موحدة، فسوف يطول استعصاؤها علينا. ولا تنسي يا مولاتي أن عدد سكان غرناطة كبير، وحصونها وقلاعها منيعة، وأسوار المدينة لا يمكن أن ترتقى بالحرب والقتال، وفوق هذا وذاك يا مولاتي الطبيعة الجبلية للمنطقة التي تصعب علينا نقل مدافعنا الثقيلة لضرب الحصون والقلاع.
إيزابيلا: (متفكرة) لا بد إذن يا مولاي من إطلاق نار الفتنة في غرناطة مجددا والاستعانة بأحد الخصمين ضد الآخر. فلنطلق سراح أبي عبيدل إذن لينازع عمه في الملك وتشتعل الحرب الأهلية مجددا.
فرناندو: لكن بعد أن نأخذ على أبي عبيدل المواثيق وأن نضمن أن يكون دمية في أيدينا. وهو عموما شباب قليل الخبرة وقد أضنته السنوات الأربع التي قضاها في أسرنا.
إيزابيلا: حسنا، لنقبل عرضه أمه لإطلاق سراحه، لكن بعد أن نحصل منه على كل ما نريد.
فرناندو: (موجها كلامه للقواد والوزراء) رائع فلتأتوا إلينا بالأسير إذن.
إيزابيلا: وإلى أن يأتي لنتفق نحن على ما سنساومه عليه.
(ينزل الستار.)
المشهد الرابع
يرفع الستار عن مجلس الملكين الكاثوليكيين وكبار قادتهما.
فرناندو: أدخلوا الأسير. (يدخل جنديان ممسكان بأبي عبيدل وهو يسير بخطى ضيقة بسبب الأغلال التي تكبل رجليه وتغلهما برقبته).
إيزابيلا: فكوا قيود الأمير (يهم الجنديان بفك القيود ويأخذ أبو عبيدل في تحريك يديه ورجليه ورقبته بعد أن طالت ألفتها بالقيود. وإيزابيلا تشير إلى الجنديين بالانصراف).
فرناندو: اقترب يا أمير، تعالى أجلس هنا بجوارنا (يمتثل أبو عبدالله ويجلس على يمين فرناند، بعد أن أفسح له طلبيرة مكانا).
إيزابيلا: هل علمت يا أمير أن عمك الزغل عرض علينا أي مبلغ نطلبه لكي نسلمك له. (أبو عبيدل ينظر دون أن يرد)
فرناندو: أتراه حريص على حياتك؟ أم تراه حريص على ضمان موتك؟ (أبو عبيدل ينظر دون أن يرد)
إيزابيلا: لكن لا تبتئس لا أمير، بل يا سلطان غرناطة، فنحن لن نسلمك له ولن نقتلك، بل سنطلق صراحك إن شئت؟
السلطان: والمقابل؟
فرناندو: ولا أي شيء. أنت تعلم أن بيننا وبين بني الأحمر حكام غرناطة معاهدات ومواثيق قديمة.
إيزابيلا: ونحن باقون على العهد يا سلطان غرناطة.
السلطان: أي عهد؟ ولم هاجمتم حصون غرناطة إذن؟ أم تراني أسرت وأنا أغزو مدريد؟
إيزابيلا: (بحنق) دون كلام في الماضي. هل تريد حريتك أم لا؟
السلطان: أريدها يا جلالة الملكة بالطبع، لكن في أي مقابل.
فرناندو: لا مقابل إطلاقا، بل إننا سنعطيك حريتك وفوقها ملك غرناطة الذي آل إلى عمك الزغل.
السلطان: حسنا قدموا عرضكم وأنا استمع.
فرناندو: كل ما هنالك يا أمير أنك ابن الحاكم الشرعي لغرناطة ونريد أن نعيد إليك ملكك من الزغل الغاصب له الذي لا نرغب في بقائه سلطانا على غرناطة.
السلطان: ألم يكن حليفكم وكنتم تقدمون له الدعم ضدي أبي؟
إيزابيلا: قلنا لا داعي لنبش الماضي يا أمير. ولا تنسى أن أسرك طال وأن أحدا لا يمكن أن يخلصك من أيدينا.
فرناندو: لنبدأ صفحة جديدة معك أنت يا سلطان غرناطة الجديد.
السلطان: وما المطلوب مني؟
فرناندو: ولا شيء. تعود إلى مدينتك سلطانا عليها.
إيزابيلا: لكن المهم يا سلطان غرناطة كيف ستستعيد ملكك من هذا الغاصب؟ هل تعتقد أن أهل غرناطة سيلتفون حولك مجددا لطرد الزغل كما التفوا حولك ضد أبيك؟
السلطان: أهل غرناطة ما رضوا بالزغل إلا لغيابي وأخوالي بني السراج هم أعيان عرناطة ومن يحركون الشارع. فمبجرد عودتي سيلتف الغرناطيون حولي ويفر الزغل إلى مخبأه بملقة، إن استطاع؟
فرناندو: جميل وهذا هو المطلوب ونحن من جانبنا سنساعدك في الاستيلاء على ملقة وطرد الزغل منها.
السلطان: كيف؟
فرناندو: ما أن تظهر أنت في غرناطة ويتلف الناس حولك سيسرع إليك الزغل بجيشه لقتالك ويسترد غرناطة.
إيزابيلا: وساعتها سننقض نحن على ملقة وننتزعها من الزعل ونسلمها لك.
السلطان: ولماذا تفعلون كل ذلك من أجلي؟
فرناندو: لأننا لا نريد الزغل الذي تنصل لأفضالنا عليه. أفهمت؟
السلطان: وكيف تضمنون أن أفي بعهدي معكم؟ وألا أتحالف مع عمي ضدكم؟
إيزابيلا: نحن على يقين من أنه مجال للصفاء أو التعاون بينكما. لكن لكي نضمن أن تكون حليفنا ضد الزغل وألا تنسحب من المشهد كليا، سيكون عليك يا سلطان غرناطة أن يرسل مع جنودنا خطابا إلى أمه لكي يأتوا بأكبر أبنائك ليكون رهينة لدينا.
السلطان: (مرتعدا) ابني؟
فرناندو: لا تخف عليه يا سلطان غرناطة، فلو أردنا إيذائك لقتلناك أنت. سيكون الأمير الصغير ضيفا عزيزا علينا إلى أن تستولي أنت على غرناطة ونسلمك ملقة.
السلطان: (وكأنه نسي أمر ابنه) حقا ستسلمونني ملقة؟
إيزابيلا: بالتأكيد يا سلطان، فلا رغبة لنا إلا في التخلص من الزغل. ومع الأمير الصغير نريد تحرير أربعمائة أسير نصراني من عندكم، ومبلغ صغير، أثنتي عشرة دوقة ذهبية، كما عرضت أم السلطان. مع أن عمك الزغل عرض علينا أكثر من ذلك بكثير. لكننا سئمنا من تنكره للجميل.
السلطان: لا يرد.
فرناندو: لا تتردد يا أمير فنحن نعرض عليك حريتك وملكك معا، دون مقابل تقريبا، ونزيدك عليه ملقة أيضا التي ما كنت لك يوما.
إيزابيلا: فكر في العرض يا أمير. لكن هذا العرض لن يدوم طويلا. غدا لو لم تأتينا مواقفتك سنعتبر ذلك رفضا ولا تلومن إلا نفسك. ولا تقلق فنحن لن نقتلك، بل سنسلمك للزغل ونقبض الثمن.
فرناندو: الأمير أعقل من أن يرفض عرضا بهذا السخاء.
إيزابيلا: احسم أمرك سريعا فنحن لا نحب الانتظار. واكتب إلى أهلك حتى يأتوا بأحد أبنائك وأربعمائة أسير والمبلغ المطلوب.
السلطان: حسنا موافق، وسأكتب إليهم الآن إن شئتما.
فرناندو: حكيم أنت يا سلطان غرناطة. هاتوا الورق والمحبرة للسلطان. لكن تذكر أنك سيكون عليك أن تعاوننا في انتزاع غرناطة من الزغل. تعاوننا، مفهوم؟
الأمير: وسوف تردونها لي. أليس كذلك؟
إيزابيلا: نعم.
(ينزل الستار.)
المشهد الخامس
يرفع الستار عن الزغل في وسط قواته وهو في الطريق إلى غرناطة.
الزغل: لو وافق هذان اللعينان على تسليمي الصغير لاسترحنا من كل ذلك ولدانت لي غرناطة إلى الأبد.
يحيى: لقد استغلوه يا مولاي لإشغال نار الفتنة في غرناطة من جديد.
الزغل: والغبي كان ألعوبة في أيديهم ولم يفطن إلى أغراضهم.
يحيى: اصطادوه بطعم الملك والسلطة يا مولاي كالعادة.
الزغل: ليأخذها مني بسيفه إن أراد ابن عائشة.
محمد الناصر: لا تكترث يا مولاي فقد أصبح جيشنا أقوى كثيرا بعد أن دانت لك غرناطة، سنسحقه سريعا ونقضي على تمرده. (في الخلفية صوت حصان يعدو، ثم يدخل فارس كأنه نزل لتوه من على حصانه ويقترب)
الفارس: مولاي
الزغل: ماذا ورائك؟
الفارس: لقد سقطت ملقة أمام جيش فرناندو.
الزغل: (رافعا صوته من شدة الغضب) هكذا كانت الخطة إذن. ونحن ابتعلنا الطعم كالسمك عديم الذاكرة وعديم الخبرة. ما العمل الآن يا وزير؟ هل نواصل السير إلى غرناطة لاستردادها من ابن عائشة أم نرجع إلى مقالة لاستردادها من فرناندو اللعين؟
يحيى: يال المصيبة؟ ابتعلنا الطعم وصرنا كمن رقصت على السلم لا رأها من بالطابق الأعلى ولا سمعها من بالطابق الأسفل.
الزغل: لا وقت لأمثالك الآن. ما العمل يا محمد؟
محمد الناصر: مولاي أما وإن سقطت ملقة ولا طاقة لنا باستردادها من فرناندو ووراءه ما وراءه من إمدادات بالرجال والمؤن والسلاح.
الزغل: ترى إذن أن نتقدم إلى غرناطة؟
محمد الناصر: نعم يا مولاي، لنقضي على فتنة الصغير قبل أن تستفحل.
يحيى: نعم علينا أولا بما كان السبب في ضياع ملقة.
الزغل: إذن علينا أن نتقدم إلى غرناطة دون إبطاء، ولنحارب على أننا ليس أمامنا إلاها. فقد ضاعقت ملقة (يدخل جندي على الحضور).
الجندي: مولاي.
الزغل: ماذا ورائك أنت أيضا؟ لم تبق مدن لتقسط بأيدي الأعداء. قل ما جئت لتخبرنا به.
الجندي: الجنود يا مولاي ما أن علموا بسقوط ملقة حتى بدأوا في التفرق والتخلي عنا.
الزغل: ولماذا؟
الجندي: بعضهم أراد الرجوع إلى ملقة ليرى ما حل بأهله. وكثير من الغرناطيين لما علموا بسقوط ملقة قالوا إن النصر سيكون حليف ابن أخيك وأرادوا أن يكون في الجانب المنتصر.
الزغل: الله، الله، لا ملقة ولا غرناطة ولا حتى جند. هكذا يضيع كل شيء في لحظة بعد أن كانت غرناطة كلها في يدي. ما العمل يا يحيى وقد ضاعقت بنا الدنيا بما رحبت؟
يحيى: وادي أش يا مولاي. أنصارك هناك كثيرون، ويمكن أن نتخذ منه قاعدة لاستعادة ملكك.
الزغل: وأنت محمد ما رأيك.
محمد الناصر: لا ملجأ لنا غير وادي أش يا مولاي. ولنسرع الآن بما بقي مع معنا من جنود، قبل يصلنا هذا العدو أو ذاك.
الزغل: حسنا، لكني راجع إليك يا غرناطة، فانتظري.
(ينزل الستار.)
المشهد السادس
يرفع الستار عن قصر الحمراء وقد جلس السلطان أبو عبدالله بين رجاله: قائد جيشه أبو الحسن على المنظري ووزيراه ابو القاسم بن عبدالملك ويوسف بن كماشة والفارس موسى ابن أبي غسان.
المنظري: مولاي السلطان يبدو أن فرناندو لن يكتفي بمقالة.
السلطان: ماذا؟ هل بدأوا التحرك في اتجاهنا؟
المنظري: نعم يا مولاي، في حملة لم نعرف لها مثيل من قبل، جيوش جرارة انضم لها متطوعون من أنحاء أوروبا كافة، وبأسلحة ثقيلة لم نعهدها في حروبنا معهم.
السلطان: (بصوت عقله) وأين وعدك لي يا فرناندو؟
المنظري: مولاي ما العمل؟
السلطان: (وقد فاق من تفكيره) هه؟ وهل من عمل غير الحرب والدفاع عن غرناطة.
ابن كماشة: ولما لا نتفاوض معه يا مولاي؟ كانت بيننا وبينهم دائما اتفاقات ومعاهدات.
السلطان: وعلى ما تتفق مع من يريد غزو بلادك يا ابن كماشة؟
أبو القاسم: إن كانت جيوشهم لا قبل لنا بها كما يقول قائد الجيش يا مولاي، فلم لا نستخدم السياسة والدهاء؟
ابن كماشة: لنتفاوض معهم، فإن وجدنا أن زيادة الجزية تردهم عنا أزدناها لهم. المهم أن نتقي شرهم الآن إلى أن نستعد لهم.
السلطان: إننا لم نقطع الجزية كما فعل أبي، فما الذي جد ليهاجمونا في عقر دارنا؟
المنظري: لا حل عندي غير الحرب والقتال. فمن جاءنا غازيا ليس له منا إلا السيف.
السلطان: لكنك تقول إنها جيوش جرارة يا أبا الحسن؟
المنظري: ولو يا مولاي، الدول لا تحارب فقط لأنها تضمن النصر أو لأنها الأقوى. الدول تحارب لأن الحرب تفرض عليها. وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.
موسى: نعم الرأي يا قائد الجيش، لا فض فوك. فلا رد على التجبر والغزو إلا بالحرب والقتال.
السلطان: لم تقل شيئا يا أبا القاسم؟
أبو القاسم: اسمع يا مولاي لأكون رأيا.
السلطان: وما رأيك بعد أن استمعت.
أبو القاسم: الرأي الأول والأخير لمولاي، لكن بعد إذن مولاي، لقد أضنتنا الحروب كثيرا، ويقول قائد الجيش أنهم جاءونا بجيوش لا قبل لنا بها، وقد علمت من بعض أهلنا في مملكة قشتالة أن إيزابيلا باعت حليها وجواهرها لتسليح هذا الجيش، وأن الناس من كل أنحاء أوروبا يتوافدون للتطوع في هذا الجيش. والأمر كذلك فإنني أقترح على مولاي أن نحاول استرضاءهم بأية وسيلة.
السلطان: وهل يقبل عقلك أن جيشا جاء له النصارى من خلف الحدود والجبال والأنهار والبحار متطوعين وباعت ملكتهم مجوهراتها لتسليحه يمكن تسريحه ببساطة بزيادة الجزية التي ندفعها؟ لا أظن يا وجهاء غرناطة.
ابن كماشة: فلنحاول لا مولاي، وطريق الحرب لن يفوتنا على أية حال.
السلطان: ما رأيك يا ابن غسان:
موسى: مولاي هؤلاء يريدون غرناطة ورقاب أهلها، ولن يجدي معهم شيء غير الحرب. وحتى لو تراجعوا اليوم، فسوف يأتونا غدا. مولاي لم يبق أمامهم إلا غرناطة لإكمال استرداد أيبيريا غايتهم الكبرى، وسوف يحاولون دوما انتزاعها. لذلك يا مولاي أرى أن حربهم فرض عين الآن ودون إرجاء.
السلطان: قلبي معك يا غسان أنت وقائد الجيش، لكن عقلي مع الوزيرين.
أبو القاسم: هل بيننا من لا يريد إبادة الإسبان من على وجه الأرض يا مولاي؟ لكنها الظروف الصعبة التي توجب علينا مفاوضتهم وشراء سلمهم وصلحهم. وكما قال الوزير ابن كماشة يا مولاي، فإن طريق الحرب لن يفوتنا إذا فشلت المفاوضات.
السلطان: إذن فليذهب ثلاثتكم (مشيرا إلى الوزيرين) إلى فرناندو وتحاولون شراء صلحه بأي ثمن. وأنت يا قائد الجيش خد استعدادتك وعبئ قواتك إلى الدرجة القصوى. فإن ارتدوا عنا كان خيرا وسلاما، وإن لم يرتدوا فليس لهم إلا الحرب.
الوزيريان: (في صوت واحد) أمر مولاي (وينصرفون)
المنظري: أمر مولاي. (وينصرف ومعه موسى بن غسان). (تدخل عائشة على السلطان).
عائشة: كيف حال ابني السلطان؟
السلطان: لست بخير يا أمي.
عائشة: (قلقة) ولماذا يا سلطان غرناطة؟
السلطان: سلطان غرناطة أوشك أن يفقدها يا أم السلطان.
عائشة: ما الذي طرأ يا أبا عبدالله؟
السلطان: فرناندو وإيزابيلا حشدا جيشا جرارا لحربنا يا أمي.
عائشة: وأنت لها يا سلطان غرناطة. فلم هذا اليأس والخوف؟ هل هي أول مرة تفرض علينا فيها الحرب. إن الحرب في غرناطة لم تتوقف منذ قرون. فلماذا اليأس هذه المرة يا سلطان؟
السلطان: اللعينان فرناندو وإيزابيلا مصممان على طردنا من غرناطة.
عائشة: وأين سلطان غرناطة وجيوشه؟
السلطان: أمي أنا لست سلطانا ضعيفا ولا محاربا واهنا، لكن العقبة كؤود.
عائشة: ومن قال إنك سلطان ضعيف أو محارب واهن؟ أنت لها يا أبا عبدالله. فلا تحزن ولا تبتئس وتوكل على الله.
السلطان: كان من ضمن اتفاقي مع هذين الكاذبين عند فك أسري أنهما بعد أن يستوليان على مقالة سيردانها لي. ولا أخفيك يا أمي أني كنت على يقين من أنهما لن يفعلان. لكن كان الأسير مضطرا لتصديق آسره حتى يفلت برقبته وملكه.
عائشة: (مهدئة له) قلت لي ذلك، وقد كنت حكيما في قبول عرضهم. فها أنت حرا وسلطانا وحيدا على غرناطة. وملقة يا ولدي كانت في كل الحالات منفصلة عن مملكة غرناطة، سواء بفعلة عمك الزغل أو باحتلال الإسبان لها. وقد خضنا حروبا كثيرة على هذا النحو وانتصرنا وسوف نتتصر في هذه الحرب. اعزم وتوكل على الله.
السلطان: لا إله إلا الله. لكنني أعنتهم في الاستيلاء على ملقة يا أمي. كان القائد حامد الثغري صامدا في المدينة كالجبل الذي لا يتزحزح. وقد خرج إلى فرناندو بقوة من الفرسان كانت كفيلة بهزيمة الأخير. أتدرين من الذي تصدى لهذه القوة يا أمي؟
عائشة: لا تعذب نفسك، فتلك هي السياسة وتدبير الملك وشئون الحكم.
السلطان: أنا يا أمي وجنودي هم تصدوا لفرسان ملقة ودحرهم مهزومين إلى داخل أسوار المدينة.
عائشة: أعلم ما تقول. قلت لك إن الملك يفرض على السلطان ما قد يعتبره الآخرون خيانة. ولست أنت وحدك من يفعل ذلك.
السلطان: نعم، الخيانة. لقد صدقتهما وأعنتهما على انتزاع ملقة.
عائشة: قلت لك كل الملوك يفعلون ذلك وأكثر للحفاظ على ملكهم. لا تحاكم نفسك، وقم لتستعد إيقاف الجيش الزاحف نحوك.
السلطان: لكنك يا أمي لا تعلمين.
عائشة: (مستفسرة) لا أعلم ماذا يا أبا عبدالله؟
السلطان: (وقد وقف وأخذ يتجول) يتدفق على قشتالة الجنود المتطوعون من أرجاء أوروبا كافة، من جرمانيا وبلاد السلاف وإنجلترا وإسكنيدنافيا وفرنسا، من كل حدب وصوب يا أمي، وكذلك التبرعات والهبات من كل مكان.
عائشة: وما الجديد في ذلك يا أبا عبدالله؟ ألم تكن كل حروبهم معنا حملات صليبية يرعاها البابا وتحشد لها الكنائس في كل مكان؟
السلطان: بلى يا أمي كانت. لكننا نحن الذين تغيرنا.
عائشة: ماذا تقصد يا سلطان؟
السلطان: كنا يا أمي صفا واحدا، على الأقل في مقابل أعداء الأمة. وكم من مرة أوشكت الأندلس على السقوط الأخير، فكانت النجدة تأتيها من العدوة المغربية. وكنا إذا أعلنا الجهاد في وجه أعداء الدين توافد علينا المتطوعون والأموال من كل حدب وصوب، من داخل إسبانيا وخارجها.
عائشة: مالك أصبحت سوداونيا ومتشائما إلى هذا الحد؟ إني أرى فيك سلطانا مقدما على الهزيمة.
السلطان: إنها الحقيقة يا أمي وليست عيني المتشاءمة. أتعلمين يا أمي؟
عائشة: قل يا بني.
السلطان: في حربي الأخيرة مع الملكين الكاثوليكيين، أعلنت الجهاد داخل إسبانيا وخارجها. أتعلمين يا أمي ماذا جاءنا: حنفة دوقات من مسلمي أراغون، ولم يلب رجل واحد من خارج غرناطة نداء الجهاد.
عائشة: ولدي.
السلطان: (مقاطعا) حتى العدوة المغربية يا أمي التي كثيرا ما استوردنا منها النصر على الإسبان، غدا كل ساحلها على البحر الأبيض المتوسط والأطلسي في قبضة الإسبان والبرتغاليين منذ عقود. معنى ذلك يا أمي أن المسلمين في المغرب في حاجة إلى ما يعينهم على الإسبان. وقد تعلم حكامها منا المهادنة والذل فقبلوا بوجود الإسبان على أراضيهم واستمدوا من حكام مدريد ولشبونة شرعيتهم.
عائشة: ديار غرناطة والإسلام لم تعدم الرجال يا أبا عبدالله.
السلطان: نعم يا أمي لم تعدم الرجال، لكنها عدمت المروءة والشهامة وصلة القربى ولحمة الدين. ونحن الذين فعلنا بهم ذلك. كيف لمسلم أن يأتي من وراء البحار لينجدنا في حربنا ضد الإسبان وهو يعلم أننا تعاونا مع الإسبان في إسقاط إشبيلية؟ ألم يكن فرساننا فرسان غرناطة هم من جوعوا مسلمي إشبيلية حتى الاستسلام لصالح ملك قشتالة؟ كيف لحاكم مسلم من وراء البحار أن يهب لنجدتنا وقد سبق أن خذلنا من أنجدونا وتحالفنا مع الإسبان ضدهم؟ كيف يا أمي كيف؟ (وهو يبكي) وكيف لمسلم من داخل إسبانيا أو خارجها يأتي لنجدتي أنا الذي تعاونت مع الإسبان على إسقاط ملقة.
عائشة: قلت لك كل الملوك يفعلون ذلك.
السلطان: يفعلون ماذا؟ أتدرين ماذا فعل الجيش الفاتح في أهل ملقة مع أنه أعطاهم الأمان؟ بعد أن سلم الناس المدينة ووضعوا أنفسهم تحت رحمة الملكين، حكم الملكان بالقتل على أهل المدينة جميعا. ومن لم يقتل بيع في أسواق العبيد، أو وزعوا هدايا على القادة والنبلاء والملوك. وأنا أعنت النصارى على ذلك.
عائشة: هي السياسة يا رجل لا تتعب قلبي معك.
السلطان: معلونة سياستنا.
عائشة: (بحدة) لا تسود الدنيا في وجهي يا رجل، هذه تقلبات السياسة اللعينة التي توجب علينا ذلك. انفض عنك اليأس والتخاذل هذه بلادنا وهذا ملكنا وسوف نحافظ عليه بأرواحنا.
السلطان: أترينني جبانا متخاذلا؟ لا والله يا أم أبي عبدالله، ما كنت يوما جبانا ولا متخاذلا.
عائشة: الكل يعلم ذلك يا سلطان.
السلطان: هل على أرض الإسلام من أقصاها إلى أقصاها من لا يرغب في أن يكون الفاتح الأكبر والغازي الأشهر؟ هل منهم من لا يتمنى أن يقترن اسمه بفتح كل ممالك أيبيريا وأوروبا نفسها؟ هل منهم من يا لا يريد أن يفوق خالد بن الوليد أو طارق بن زياد أو صقر قريش أو محمد الفاتح غازي القسطنطينية؟ الأطفال والصبية يا أمي يتمنون ذلك.
عائشة: مؤكد يا ولدي وأنت لست أقل من هؤلاء الأبطال في شيء.
السلطان: (مستأنفا) إن الناس لا يفهمون يا أمي أن من يتكبد الهزيمة كان بوده وفعل كل ما يستطيع لكي ينتصر. وكما يمجدون المنتصر لا يرحمون المهزوم ولا يتفهمون ظروفه. إن الناس يا أمي لا تقدر أن الدولة القوية لا يخونها أبناؤها، ليس حبا وفقط، وإنما ليقينهم من نصرها، وأن الدولة الضيفعة يخونها أبناؤها، ليس كراهية أو حقدا، وإنما ليقينهم من هزيمتها. فالناس يا أمي يحبون أن يكونوا دائما في الجانب المنتصر ولا يرأفون بالمهزوم.
عائشة: قراءتك للتاريخ أضرت بك يا أبا عبدالله.
السلطان: بالعكس يا أمي، بل جعلتني إنسانا عمره آلاف الأعوام، ولدتُ بتاريخ أقدم كتاب قرأته وأموت حين تغادرني الروح، جعلتني طائرا فوق العصور، أتفحص أحوال الأمم وأسباب قوتها وضعفها. أتعلمين يا أمي؟ يشتد الناس في جلد من خانوا بغداد يوم سقوطها أمام جحافل المغول، لأنهم يا أمي لا يقدرّون أن من خان خان لأنه متيقن من الهزيمة الحتمية فأراد أن ينجوا بنفسه وأهله، أو أراد أن يفر من السفينة الغارقة.
عائشة: لكنهم خونة يا ولدي.
السلطان: نعم خونة ومجرمين وكفار بالإنسانية والأهل والأمة والدين والوطن وكل شيء رفيع مجده البشر. لكنها الظروف يا أمي هي التي فعلت بهم ذلك. (وقد أفاق إلى كلامه) لكن بماذا تسمين مع فعلته أنا في ملقة؟ أليس خيانة؟ إنه الخيانة عينها.
عائشة: أنت لم تخن يا ولدي. ملقة لم تكن معك وتنازلت عنها. وأنت ما تعاونت مع الإسبان ضد ملقة إلا لاستردادها وتوحيد غرناطة لحرب الإسبان الذين لم تدخر جهدا لدحرهم.
السلطان: كل الخونة يجدون مبررات لأفعالهم. لكنني سأمحو هذه السقطة بهزيمة الإسبان واسترداد ملقة.
عائشة: نعم يا سلطان غرناطة، أنت فعلت كل ما فعلت من أجل غرناطة. وولدي سليل سلاطين بني الأحمر ليس أقل من الأبطال الذين ذكرهم.
السلطان: بل أقل يا أمي. ليس في شخصي ولا عزيمتي، لكن في إمكاناتي وظروفي.
عائشة: مالك يا أبا عبدالله كأني بك تهزي يا ولدي. مالك تتراوح بين الثقة واليأس؟
السلطان: نعم أهزي مما أراه ينتظر غرناطة ونحن لا حول لنا ولا قوة.
عائشة: بل لنا كل الحول والقوة. اخلع عنك ثوب اليأس وارتدي ثوب البطولة.
السلطان: لو كان الأمر بيدي لما حافظت على غرناطة وحسب، بل فتحت كل بلاد العالم.
عائشة: قف عند هذا الحد يا ولدي وتشبث بالأمل. (تدخل زوجة السلطان فاطمة).
فاطمة: رفقا بنفسك يا سلطان، فأنت ستؤدي واجبك إن شاء الله.
السلطان: نعم يا فاطمة لن أدخر جهدا في الدفاع وطننا غرناطة، لكن ليعذرني التاريخ وأبناء أمتي في قادم الأيام إن حالت الظروف والإمكانات بيني وبين ما أريد.
عائشة: تعالى وكل مع أبنائك يا سلطان غرناطة، فربما تخرج للحرب ويطول غيابك.
السلطان: أبنائي؟ أتعلمين يا أمي ماذا فعل سلطان المغرب بعمي الزغل بعد أن طرده فرناندو من وادي أش؟
عائشة: لأنه خائن باع دينه وأمته وتحالف مع الإسبان.
السلطان: (ضاحكا بصوت عال) نعم وأنا الذي لم أعنهم على غزو ملقة ولا أدفع لهم جزية؟ لقد سجنه وسمل عينيه وأخذ أمواله. يا خوفي على مصير أبنائي وأبناء غرناطة.
عائشة: لقد سئمت من يأسك وخور عزيمتك. لا تتفوه بهذا الكلام أرجوك.
السلطان: أبعد الملك والعز والجاه والأملاك الفسيحة تضيق الأرض حتى لا نجد شبرا يقبل وجودنا؟
فاطمة: لا قدر الله يا سلطان لن نترك بلادنا إلا جثثا هامدة.
عائشة: والله إن لم تكف عن هذا العويل، فسوف أخرج أنا على رأس الجيش لمحاربة الإسبان وليقل الناس عنك ما يقولون.
السلطان: (ضاحكا باستبشار) تفعلينها يا أم أبي عبدالله، والله أعلم أنك تفعلينها. هيا نأكل مع الأولاد لأخرج أتفقد حال الجيش والاستعدادات. (يخرجون)
(ينزل الستار.)
المشهد السابع
قرية في جبال البشرات خارج غرناطة، حيث يجتمع الناس في أحد الحقول حول فرقة من الجنود الإسبان تحرق الحقول.
امرأة أندلسية 1: (مولولة) أحرقكم الله في نار جنهم، كما تحرقون طعام أولادي اليتامى.
خوزيه: (من فوق جواده) اخرسي يا امرأة وإلا ألحقتك بزوجك وتركناهم بلا أب ولا أم ولا طعام.
ابن أمية: (يقف مع المتجمهرين) ولما هذا التعنت والصلف أيها القائد خوزيه؟
خوزيه: إنها أوامر الملك يا ابن أمية.
ابن أمية: وماذا فعلنا لتفعلوا بنا ذلك؟
خوزيه: اسألوا أنفسكم يا ابن أمية.
ابن أمية: لتقل لنا أنت ما لا نعرفه عن أنفسنا.
امرأة أندلسية 2: ماذا سنأكل طوال الشتاء؟ لعنكم الله يا كفرة. جوعكم الله في الدنيا والآخرة كما جوعتمونا.
خوزيه: مر هؤلاء النسوة بأن يقفلن أفواههن يا سيدي ابن أمية وإلا قتلتهن أمامك الآن.
رجل أندلسي 1: منكم لله يا كفرة أتحرقون تعبنا وعرقنا طول الموسم وتجوعوننا وتستكثرون علينا حتى أن نشكو ونولول. منكم لله.
خوزيه: حتى لا ترسلوا مؤنا وإمدادات إلى غرناطة يا مؤمن.
ابن أمية: لكننا لا نرسل شيئا إلى غرناطة.
رجل أندلسي 1: وهل يفيض عنا شيئا بسبب جشعكم وضرائبكم الثقيلة؟
خوزيه: لتجوعوا مثلهم إذن. تضامنوا مع إخوانكم يا مسلمين. هل يجوز أن يكون إخوانكم في غرناطة جوعى يأكلون الكلاب والخيول وورق الشجر وأنتم تعيشون في سعة ووفرة؟ أظن أنه لا يجوز شرعا.
ابن أمية: قلت لك إننا لا نرسل شيئا إلى غرناطة ولا يفيض عن هؤلاء الفقراء ما يمكن أن يتبرعوا به.
خوزيه: وها نحن نضمن ذلك.
ابن أمية: لكنكم بذلك تدفعون الناس إلى حد اليأس والثورة.
خوزيه: أهو تهديد يا ابن أمية؟
ابن أمية: اعتبره كما تشاء. لكن ماذا يفعل الناس إذا لم يجدوا ما يطعمون به أبناءهم؟
خوزيه: يثورون يا ابن أمية. لكن أعواد المشانق لا تزال منصوبة والجلادين ملوا قلة العمل والنار في انتظار وقودها. أفهمت؟ ثوروا. ليتكم تثورون، حتى نخرج في أنفسنا.
جندي: (يدخل من خارج المشهد) سيدي القائد انتهى الرجال من حرق كل المحاصيل في الحقول.
خوزيه: حسنا. (موجها كلامه لابن أمية) كنا سنكتفي بذلك يا ابن أمية، لكن خوفا من ثورتكم سنخرج ما في بيوتكم من خزين ونحرقه أيضا أمام أعينكم.
ابن أمية: لكنني لن أسكت على هذا، سأذهب حالا إلى قائدك مركيز بلش لأرى إن كان يرضيه ذلك.
خوزيه: أسرع إليه قبل أن أنتهي إذن، لعلك تعود وقد بقيت حبة قمح أو ذبيب دون حرق.
ابن أمية: (وقد وجد أن الشدة لن تنفع) يا قائد خوزيه لما تتعنت معنا؟ أحرقت المحاصيل في الغيطان، فاترك لهؤلاء المساكين ما في بيوتهم من خزين.
خوزيه: آه منكم أيها العرب. إنكم قوم لا تخافون إلا بأعينكم ولا تقرون إلا والسياط تلهب ظهوركم. لكن حتى التوسلات لن تجدي هذه المرة.
ابن أمية: ولماذا كل هذا العنت والتجبر؟
خوزيه: لأن غرناطة ما كان لها أن تصمد أمام حصارنا كل هذا الوقت دون إمدادات من إخوتهم في الدين، أنتم يا ابن أمية. ولا تتخيلوا أن فعلنا هذا يقتصر على قراكم. أبدا فكل قرى وضياع وحواضر جبال البشرات تشهد ما تشهدون الآن. ألا ترون الجبل وقد غطته سحابة ثقيلة من الدخان؟ إنه طعامكم وخزين مقبل أيامكم. (موجها كلامه إلى الجنود) هيا يا جنود ادخلوا البيوت بيتا بيتا وأخرجوا ما فيها مؤن وأحرقوها أمام أهلها، وإن أردتم شيئا منه فهو لكم. هيا. (يضع ابن أمية رأسه في الأرض وتظلم الخشبة، ثم تظهر صورة حرائق ودخان، وفي الخلفية أغنية: من للغرباء)
(ينزل الستار.)
المشهد الثامن
يرفع الستار عن شارع غرناطة أمام الحمام العام والخان ووشة السيوف، حيث مرزوق وأحمد وحامد بين حشد من الناس.
حامد: لقد اشتدت الضائقة بالناس.
مرزوق: لم يعد في غرناطة شيء يؤكل.
أحمد: حتى الكلاب والقطط والخيول والجرذان أكلها الناس.
حامد: حتى ورق الشجر وعشب الأرض! لا أعلم إلى متى يمكن أن يطيق الناس هذه الحال أكثر من ذلك (تمر سيدة عجوز تستجدي الناس الطعام).
السيدة: بالله عليكم لقمة لأحفادي. لقد أستشهد أبوهم دفاعا عن غرناطة. أرجوكم لقمة أو حفنة قمح. (وهي تبكي) لقد تركتهم يبكون من الجوع في البيت، ولا أستطيع أن أرجع لهم خالية الوفاض. (الرجال ينكسون رؤوسهم في الأرض كأنهم لا يريدون أن يرونها أو يسمعون صوتها). يارب، لا أريد أن أراهم يموتون أمام عيني. ماذا فعلنا يارب ليفعل بنا كل ذلك.
حامد: (ينتفض من مكانه فجأة) تعالي يا أمي سأذهب معك إلى البيت لنقتسم ما فيه. وليرفع الله غضبه عنا ويحل علينا نعمته.
السيدة: (فرحة مستبشرة) صحيح يا ابني. طيب أسرع بالله عليك، حتى لا أرجع لهم بعد فوات الأوان. (يخرجان من المشهد)
مرزوق: حامد طول عمره متهور. سيعيطها ما بقي في بيته من خزين الآن ويتسول هو وامرأته وأطفاله غدا. غريب أمر هذا الرجل.
أحمد: هل أصبحت المروءة والكرم أمرا غريبا في زمننا؟
مرزوق: ولماذا لم تعطها أنت يا أبو الكرم وأنا أعلم أن في بيتك الكثير؟
أحمد: الخوف من الغد يا هذا.
مرزوق: وهذا ما أقصده، لو كنا في ظروف عادية لأعطيتها ما تريد وأكثر.
أحمد: لن تبلغوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. أفهمت؟
مرزوق: طبعا، طبعا لكن ليس من الحكمة أن أعطي الناس ما في يدي ثم أتسول منهم غدا. (يعود حامد)
أحمد: بارك الله فيك يا حامد ولا أراك جوعا أو ظمئا أنت وذريتك إلى يوم الدين.
حامد: على ما يا أحمد. هذا أقل القليل. يا فرحتي إن عشت أنا ومات كل من حولي. أيكون للحياة طعم حينها؟
أحمد: والله يا حامد لو كان أهل غرناطة في شيء يسير من كرمك ومروءتك لما وصلنا إلى هذه الحال.
حامد: هل تعلم أنني عشت هذه الحال مرات قبل ذلك (تنزل الدموع من عينيه).
أحمد: أعلم أنك كنت من أهل الحامة وقد جئت بأهلك بعد سقوطها.
حامد: (وهو يجفف عينيه) نعم وقبلها كنا نعيش في وادي المنصورة بالبشرات وتركناها وهربنا إلى الحامة بعد استيلاء الإسبان عليها.
أحمد: رفقا بنفسك يا حامد كله مقدر ومكتوب.
حامد: هل أزيدك من الشعر بيتا؟ أخبرني أبي قبل أن يستشهد في وادي المنصورة أننا في الأصل من سرقسطة في مملكة أراغون، وأن أهله بعد سقوطها هاجروا إلى بلنسية، ومن بلنسية إلى مرسية، ثم وادي المنصورة. آه وكأن هؤلاء الملاعين يطاردوننا ليستأصلوا شأفتنا من على وجه الأرض.
أحمد: لست وحدك يا حامد من عاش هو وأهله هذه المأساة. فأنا أيضا استوطن أهلي في أول الأمر في بلد الوليد في أقصى شمال قشتالة بالقرب من خليج بسكاي، وبعد سقوطها في أيدي الإسبان ظلننا ننزح جنوبا مرة بعد أخرى، حتى طال بنا المقام بعض الشيء في قرطبة، ومن قرطبة هاجر أحد أجدادي إلى هنا. كلنا في الهم عرب على حامد. كل أهل غرناطة يا أخي من اللاجئين إليها من ممالك المسلمين السابقة. فما أن تسقط مملكة أو مدينة، حتى ينزح من استطاع من أهلها جنوبا، وها نحن في جنوب الجنوب الأيبيري. ترانا وأهلونا أخطئنا حين نزحنا ولم نقبل أن نعيش عيش المدجنين تحت سلطان العدو كما فعل بعض أبناء أمتنا؟
حامد: لم أعد أعرف الحق من الباطل ولا الخطأ من الصواب. فها هم كلاب الأرض يطاردوننا إلى آخر نقطة في أيبيريا. (يدخل المجذوب)
المجذوب: جوعان يا أهل الله. أريد لقمة لله.
مرزوق: يووووووووووووه لن نخلص في يومنا. كانت ناقصة المجذوب.
المجذوب: (وهو يربت على صدره استعطافا) لقمة يا أهل الله. مال الرحمة قد انتزعت من قلوب أهل غرناطة؟
مرزوق: طبعا فأنت لا تعي ما يحدث لنا ولا المجاعة التي أوصلنا إليها الحصار. المجانين في نعيم صحيح.
المجذوب: (يقترب من حامد وقد نكس رأسه) حامد، جوعان حامد، ولم يعطني أحدهم شيئا يؤكل منذ أيام (يرفع حامد رأسه فيربت المجذوب على صدر حامد) جوعان يا حامد، أتضور جوعا.
حامد: (ينظر في عينيه وتتساقط الدموع من عينيه ثم ينهض ويصطحبه) تعالى يا عم حماده غدائي في الدكان لنتقاسمه أو خذه كله إن شئت. لعنة الله على ما يدخر لقمة لغد وأخوه يموت جوعا، تعالى. (يأخذه إلى دكانه داخل المشهد)
مرزوق: (وقد هب واقفا) لا لم يعد لي جلوس أمام الحمام ثانية، سأعود إلى بيتي في الحال، وأنت أغلق خانك وعد إلى بيتك هل هذه ظروف عمل أو بيع أو شراء.
أحمد: ما جئنا لنبيع أو نشتري، وإنما لنرى أحوال بالناس.
مرزوق: اجلس أنت يا صديقي، سأعود أنا إلى بيتي.
أحمد: لقد أفزعتك مروءة حامد، فلا نفسك تسمح بأن تفعل مثله، ولا هي راضية عما ترى. لله درك يا حامد الكرم والجود.
مرزوق: افعل أنت ما شئت. سلام (يغادر بعد أن يغلق حمامه. ويعود حامد بعد أن خرج مرزوق).
حامد: أين ذهب صاحبنا ولماذا أغلق حمامه؟
أحمد: أخذته نفسه الشحيحة إلى بيته خوفا من العطاء.
حامد: لا تقل ذلك، فلو كان عنده ما يعطيه، لما تأخر. ومن يتأخر عن أهله في هذه الأيام السوداء. (تدخل امرأة تحمل رضيعا على صدرها ويمشي وراءها ثلاثة أطفال من يمين المسرح)
المرأة: لقمة لله أسد بها جوع أطفالي. بالله عليكم يا مسلمين لقمة (تبكي) مات صغيرهم مني أمس من الجوع، ولولا قدرة الله لما بقي الرضيع. لله يا مسلمين لله.
الأطفال: (يبكون) جوعان يا أمي جوعان يا أمي. (يدخل من يسار المسرح رجل بأطفاله يستجدي الطعام والأطفال يبكون، وتدخل امرأة من يمين الخشبة بأطفالها يبكون من الجوع، وتدخل ثالثة بأطفالها من يسار الخشبة بأطفالها ورابع من يمين الخشبة، حتى يكتظ المشهد بالجوعى من أهل غرناطة والكل يبكون من الجوع وعلى فقد الأحبة بسبب الجوع).
(ينزل الستار.)
المشهد التاسع
يرفع الستار عن قصر الحمراء، وقد قسمت الخشبة إلى نصفين، في المقدمة الأقرب إلى الجمهور قاعة عرش السلطان، وفي المؤخرة الأبعد والأعلى قليلا يظهر سطح القصر الذي يقف السلطان ورجاله على أسواره يرقبون معسكر الأعداء.
ابن كماشة: (موجها كلامه إلى السلطان) من أين لهم بكل هذه الإمكانات؟ أبعد أن أحرق الله معسكرهم بمدد من عنده هو وحده، يبنون معسكرا أقوى وأشد وافضل تنظيما في غضون أسابيع؟ من أين لهم كل ذلك؟
السلطان: (لا يرد).
المنظري: لقد تداعت علينا أوروبا كلها. أوروبا كلها تحارب غرناطة المسكينة ولا مغيث.
السلطان: (لنفسه) هل جاء اليوم يا قلعة الحمراء الذي يرى فيه أهلك الأعداء بعيونهم من فوق أسوارك؟ بعد أن كان أمنهم القومي يبلغ حدود إشبيلية وقرطبة غربا وبلنسية والجزائر الشرقية شرقا وسرقسطة ومدريد شمالا والعدوة المغربية جنوبا.
أبو القاسم: أنت لم تقصر يا مولاي.
السلطان: (منفعلا) وما الجدوى من عدم تقصيري إن كانت غرناطة تضيع؟
ابن كماشة: لا أدري من أين جاءوا بهذه الأسلحة: مدافع وقاذفات وراجمات ومتفجرات لم نعهدها من قبل في حروبا معهم.
السلطان: (وهو ينظر إلى السماء يبحث عن شيء) يا طائر غرناطة الراحل جنوبا وشرقا استحلفك بالله أن تنقل عني إلى الأهل في المغرب ومصر والشام والعراق وجزيرة العرب، قل يا لهم طائر غرناطة إن زمن زمن السيف والشجاعة والإقدام قد ولى واندثر. قل لهم يا طائر غرناطة إن دانة مدفع أو تلغيم حصن يقتل فرسانا قلوبهم أحمى من النار وسواعدهم أقوى من الجياد ونفوسهم أشم من الجبال، وهم قعود لم يتقدموا خطوة.
ابن كماشة: (بصوت منخفض إلى الوزيرين) السلطان يهزي.
السلطان: (مستأنفا) قل لهم يا طائر غرناطة أن استعدوا لهم بمثل ما يستعدون لكم. قل لهم إن السيوف صدأت والجياد أعياها الصمود. قل لهم ..
موسى: (يهز السلطان) مولاي لا وقت للعويل.
السلطان: اتركني يا موسى فما ضاع ضاع منذ قرون. أتدرون ماذا يريني طائر غرناطة الحزين. يريني (السلطان يبكي) الأهل في مصر والعراق والشام قد أدخلهم الأتراك في سرداب مظلم لن يخرجوا منه إلا بعد قرون على صوت المدافع وهي تدك القاهرة، وعجبا ما أرى، ها هم الأهل في مصر يخرجون للفرنسيين بالشوم والنبابيت والنبال (يضحك بشكل هستيري). ها هي (يشير بيديه وكأنه يرى شيئا) مصر التي ردت الصليبين وأفنت جيوشهم ودحرت المغول وأوقفت مشروعهم، ها هي تخرج لصد مدافع الفرنسيين وراجماتهم بالنبابيت والشوم. (كأنه يكلم شخصا ماثلا أمامه) ارجع يا أخي بنوبتك فإنها ليست خناقة في بولاق. استيقظي يا أمي وأهربي بأطفالك، ستقتلكم دانة المدفع وأنتم نيام في بيتكم. (لرفاقه) انظروا ماذا يريني الطائر: فارسا مملوكيا مصريا خرج متوعدا مكشرا لدحر الفرنسيين. ماذا تفعل يا فارس مصر؟ لقد انتصب شامخا فوق جواده وفي يمناه سيف وفي يسراه رمح وعلى ظهره درع قد أبعده الهواء عن ظهره بسبب انطلاق الحصان بأقصى سرعته. يال مهارتك يا فارس. لكنه ليس زمن الفرسان يا ابن مصر. ليقل له أحدكم إن زمن الفروسية قد ولى واندثر. قولوا له إن زمن معركة المنصورة فات، وأن ملك الفرنسيين لن يقع في أيديهم أسيرا ذليلا. قولوا له إنك أصبحت من أهل الكهف، وأن ما في جعبتك لم يعد يصلح لهذا العصر. قولوا له إن جنديا بدينا أخرق يئن حصانه تحت كرشه يستطيع أن يصيدك يا فارس الفرسان من فوق حصانك ببندقيته كالعصفور. أنت يا أخي من وارد القبور، ولا مكان لك في هذا العصر.
موسى: (يهز السلطان) مولاي لا وقت للعويل.
السلطان: (يشير في ناحية أخرى) لا يا داي الجزائر لا تضرب السفير الفرنسي بمخفقة الذاب. فقد تركوا لنا منزلة الذباب. خدوا منه المخفقة أرجوكم. فهو لم يستعد لهذه الضربة. إنه لم يدرك بعد أن الزمان لم يعد زماننا. لقد فات زمان الفروسية يا داي الجزائر، فات الزمان الذي كانت جزائركم فيه رعب أوروبا ولجام إسبانيا وصاحبة الأمر والنهي في غرب البحر المتوسط. (يستدير لرفاقه) نعم لقد رفع عني الحجاب، كما يرفع عن كل من يحتضر، نعم فأنى أرى الآن ما لم تكن عيني تراه مع أنه كان ماثلا أمامها طول الوقت.
ابن كماشة: السلطان يهزي يا قوم.
السلطان: (وقد أفاق وهو يبكي ويمسح عينيه ووجهه) أتسكثرون على مثلي أن يهزي ويبكي وهو يرى غرناطة تضيع؟ هل عسكر الأعداء على مرمى حجر من غرناطة من قبل؟ هل حوصرت غرناطة داخل أسوارها من قبل؟ هل سيحمل غيري أوزار كل من سبقوه؟ نعم سيتعلمها التلاميذ في المدارس: من الذي أضاع غرناطة يا أولاد؟ السلطان الغالب بالله أبي عبدالله الأحمر. ولم السلطان قد سلم ولم الغالب وقد غُلب، لنعيد السؤال يا أطفال: من الذي أضاع غرناطة؟ في عهد من الصعاليك سقطت غرناطة؟ ومن هو آخر صعاليك غرناطة؟ إنه المشؤوم أبي عبيدل الصغير. المشؤوم كما أسماه أهل غرناطة، والصغير كما استصغره الإسبان واستخفوا به. أحسنتم يا صغار لننتقل إلى الأبطال بعد أن تعرفا على الصعاليك: من هو الفاتح يا أطفال ولماذا سمي كذلك؟
موسى: مولاي أرجوك فق ما زال أمامنا ما نفعله.
السلطان: (ناظرا إلى موسى باستعطاف) ماذا نفعل يا موسى والأعداء أمام أعيننا ومن خلفهم بلادهم وإمداداتهم وحلفائهم، ومن خلفنا الجوع، والأهل خلف البحر قد أدخلوا في السرداب؟ ماذا بوسعنا أن نفعل؟
موسى: نقاتل يا مولاي، لا مجال أمامنا إلا القتال.
السلطان: قاتلنا يا موسى وهزمنا، ثم قاتلنا وهزمنا، ثم قالتنا وهزمنا، وها هم الغزاة يقفون على أبواب غرناطة. أنقاتل مجددا يا موسى؟ (باستعطاف وكأنه يطلب رأيه)
موسى: نعم يا مولاي نقاتل إلى آخر نفس يخرج من صدورنا. ومتى نضحي بأنفسنا إن لم نضح بها من أجل الوطن؟ متى نقدم أرواحنا رخصية إن لم نقدمها حفاظا على نساء غرناطة من الأسر والسبي وأسواق النخاسة؟ متى تهون الروح يا مولاي إن لم تهن من أجل أطفالنا وشيوخنا وعجائزنا، ومتى يكون الموت ممتعا يا مولاي إن لم يكن تحت أسوار غرناطة؟ غرناطة الأهل والوطن والتاريخ يا مولاي.
السلطان: قاتلنا يا موسى كثيرا وهزمنا كثيرا. خلاص يا موسى انتهى زمننا.
موسى: لن ينتهي زماننا يا سلطان إلا بسقوط مدينتنا، لن ينتهي حتى بخروج أرواحنا، فالوطن يا مولاي هو البقاء وهو الأمد.
السلطان: وهذا ما يخيفني يا موسى، لأن ضياع الوطن نهاية لكل شيء: للأهل والأمة والتاريخ والأمل. أنكون أمة بغير وطن؟ أنكون يهود العرب؟
موسى: أبدا والله لن نكون. سأخرج إليهم الآن وحدي لو أبى الآخرون اتباعي. سأقاتل حتى النصر أو الشهادة. كما مات أبي تحت أسوار الحامة، سأموت أنا أيضا تحت أسوار غرناطة، ولن أسلمها وأنا حي.
ابن كماشة: تمهل يا موسى كفانا عنتريات.
أبو القاسم: لم يعد هناك مجال للتهور.
موسى: والله لولا تثبيط أمثالكم ما وصلنا إلى هذه الحال.
أبو القاسم: لا تجعل الموقف ينسيك الأدب يا موسى.
المنظري: كفى يا رجال أفنترك العدو ونتقاتل نحن؟
السلطان: وهل هذا جديد على أهل غرناطة. استأنفوا يا سادة ما جبلتم عليه. الناس جوعى ويتساقطون موتى من الجوع والعدو أمام أعيننا ونحن مصصمين على غينا القديم. واعلموا أن بينكم من شارك في تجويع أهل ملقة وإسقاطها، وها هو محاصر وجائع ينتظر السقوط.
أبو القاسم: مولاي نحن في موقف نحتاج فيه إلى سياسة وحسن تدبير وليس إلى عنتريات أو استدعاء للتاريخ.
السلطان: حسنا يا أبا القاسم، وماذا في جعبتك من حيل السياسة ومخارج الواقعية؟
أبو القاسم: مولاي أما وأن الجوع قد بلغ بالناس مداه، وأن العدو صار على مشارف المدينة، فلا مجال غير التفاوض.
ابن كماشة: نعم، نعم.
السلطان: وعلى ما نتفاوض ولم يبق غير غرناطة ونحن فيها جوعى محاصرين؟ على غرناطة نفسها أليس كذلك؟
ابن كماشة: (بصوت خفيض) الاستسلام.
السلطان: الاستسلام وتسليم غرناطة؟ وإلى أين نذهب ويذهب أهل غرناطة؟ لم يعد غيرها والبحر.
ابن كماشة: ولماذا يخرجون منها؟ لنتفاوض على شروط تؤمن لهم العيش الكريم في غرناطة.
أبو القاسم: نعم من يرد أن يرحل إلى بلاد المسلمين فليرحل ومن يرد أن يبقى فليبقى حرا كريما.
السلطان: حرا كريما تحت سيوف الأعداء يا وزرائي؟ أترونني مخبولا لأقبل هذا الكلام السخيف؟ ألا تعلمون ما حل بالمسلمين الذين قبلوا أن يعيشوا مدجنين في ممالك قشتالة وأراغون. إنهم يتجرعون كؤوس الذل مترعة في كل ساعة تمر بهم يا وجهاء غرناطة. لقد أكرهوا تحت حد السف على التخلي عن دينهم يا شرفاء غرناطة، ودخلوا في دين الغالبين مكرهين، لا فرق فيهم بين غني وفقير ولا شريف ولا وضيع. فالإسبان عادلون يا إخوتي في توزيع الذل والقهر والمهانة. هل تتخيلون مسلما مؤمنا يا سادة وهو يجلس في كنيسة يصلي صلاتهم ويعلن نبيه تقية ويأخذ أطفاله كرها ليعمدوا في الكنائس. ألا تعلمون ما حل بملقة بالأمس القريب بمشاركتنا؟
أبو القاسم: لا مخرج غير الاستسلام يا مولاي.
السلطان: ها هي كلمة الاستسلام أخذ صوتها يعلو، وبعد أن كان الواحد منكم يحدث بها نفسه خائفا من أن يسمعه غيره، ها هي غدت متداولة بيننا.
ابن كماشة: وهل عند مولاي حل آخر؟
السلطان: (مهزوما) لا يا ابن كماشة السلطان ليس عنده حل ولا عقد.
موسى: قبل أن تسلموا غرناطة سأنزل حالا لأقتل تحت أسوارها. (يخرج من المشهد)
السلطان: (ينظر إلى موسى وهو يبتعد) ليتني مثلك يا موسى لست مسئولا إلا عن حياتي. والله لو كنت مثله لسابقته إلى ما يذهب إليه. لكنني السلطان، في رقبتي مئات الآلاف من البشر، ولو لم أكن عاقلا سيكون الموت والسبي مصيرهم. أرأيتم يا وزرائي؟ ها أنا أتحدث بلغة العقل.
أبو القاسم: نعم يا مولاي وهذا هو مقصدنا من الكلام. الناس يموتون جوعا ولولا عدد أهالي غرناطة الكبير ومناعة حصونها لاقتحمها الإسبان منذ شهور.
ابن كماشة: وأنت تعرف يا مولاي العرف الذي استقر بيننا وبين الإسبان: المدينة التي تستسلم ينجو أهلها بأرواحهم وممتلكاتهم ودينهم، وتكون لهم حرية المقام أو الرحيل. أما يا مولاي المدينة التي تؤخد عنوة، لا أرانا الله، فمن ينجو منها من السيف يساق إلى أسواق العبيد.
السلطان: أعلم يا ابن كماشة. لكن ما لا تعلمه أنت أن هذا الترتيب لا يدوم طويلا. فمن من طبائع الأمور يا ابن كماشة أن يجد المغلوبين بعض التقدير والاحترام من الجيل الأول من الغزاة، لأنهم شهدوا قوتهم وعزهم وحاربوهم فرسانا لفرسان، لكن بعد أن يمضي هذا الجيل، وتأتي أجيال لم تشهد عز المغلوبين ويأتي دخلاء لم يروا في المغلوبين غير الخضوع والذلة، تتبدل الحال حتما يا وزير. فمن شهد عز القوم يا سادة يعزهم، ومن شهد ذلتهم ومسكنتهم لا ينتظرهم منه غير الاحتقار والإذلال. تلك طبائع الأمور لمن يقرأ التاريخ أو ينظر بعيدا عن موطئ قدميه.
ابن كماشة: فليرحل كل أهل غرناطة إذن؟
السلطان: وكيف لمئات الآلاف من الناس أن يرحلوا دفعة واحدة يا وزير وبيننا وبين بلاد الإسلام بحار؟ بالسحر؟
ابن كماشة: من شاء فليرحل ومن شاء فليبقى.
السلطان: والله لم أعد أبكي على ملكي، ولا حتى على غرناطة الوطن. خوفي على الناس، على النساء والأطفال والشيوخ، على بنات العرب.
أبو القاسم: لذلك يا مولاي يجب أن نسرع إلى التفاوض والحصول على أفضل شروط استسلام قبل أن يقتحموا المدينة علينا.
السلطان: حسنا يا وزرائي، من أجل أهل غرناطة، اذهبوا وفاوضوا الأعداء على أفضل شروط للاستسلام.
ابن كماشة: هم مستعدون يا مولاي للموافقة على كل شروطنا، وقد أرسلوا إلينا للتفاوض ونحن الذين رفضنا.
السلطان: وها نحن نقبل (ينظر من فوق السور في دهشة) انظروا (يأتي صوت معركة بالخيول والسيوف وتتعالى أصوات المحاربين الله أكبر من جانب، وحارب معنا يا سانتياغو يا قاطع رقاب الندلسيين، الله أكبر الله أكبر، سانتياغو سانتياغو) انظروا ها هو موسى بن غسان يخرج إليهم في بضع مئات من الفرسان. لله درك يا موسى، لقد أقنع هؤلاء بفكرة الحرب والقتال. انظروا ها هو موسى ورجاله يندفعون في وسط جيش الإسبان كالطوفان. والإسبان يتساقطون أمامهم كالذباب. بورك فيكم يا ثلة الخير. انصرهم يارب فهم عبّادك وقد أخذوا بالأسباب.
ابن كماشة: وها هو الجيش الإسباني يلتف حولهم من كل جانب.
السلطان: لكن رجالنا الأشداء يثخنون فيهم القتل. انظر لقد سقط أكثر من مئة قتيل لهم ورجالنا البواسل على جيادهم يسرعون بين الأعداء كأنهم في رقصة سمرة أندلسية. احذر يا موسى، موسى انظر وراءك، الخسيس سيطنعك من الخلف، موسى. طعنه اللئيم من الخلف. لكن موسى يواصل القتال، ورجاله ثابتون ويتمايلون في ثقة وإقدام بين جنود العدو.
أبو القاسم: وما جدوى كل ذلك يا مولاي؟ هل ستتمكن هذه العصبة القليلة من أن تهزم هذا الجيش الذي لا نرى آخره.
السلطان: اصمتوا جميعا. طالما يوجد في غرناطة أمثال موسى ورجاله، فلن أسلمها، بل وسأخرج على رأسهم في المعركة التالية. لن أسلم عرناطة وفيها رجل واحد راغب في المقاومة. انتهى.
ابن كماشة: والجوع يا مولاي؟ هذه الخيول الضامرة الواهنة التي تراها تحت رجال موسى هي كل ما تبقى في غرناطة. لقد أكل الناس الخيول يا سلطان غرناطة.
السلطان: لنأكل الطوب حتى، لو كان النصر ممكنا. سأنزل لأكون في استقبال الأبطال وأنظم الصفوف لكرة ثانية.
ابن كماشة: (وهو يهز رأسه ويمط شفتيه) كما تشاء يا مولاي. أوامرك.
(ينزل الستار.)
المشهد العاشر
يرفع الستار عن قصر الحمراء، حيث جناح زوجة الملك، وقد جلس السلطان على الأريكة واضعا رأسه بين ركبتيه.
السلطان: (بصوت عقله) سيكتب في صفحات التاريخ أن غرناطة سقطت في عهدك المشؤوم يا أبا عبدالله. لا ليست غرناطة وحدها، بل الأندلس كلها. سينسون كل من خان أمته وتآمر على قومه وحارب في صفوف الأعداء وحاصر بني جلدته مع الأعداء من قبلك يا مسكين، ولن يتذكروا غير أن غرناطة والأندلس ضاعت في عهد المشؤوم أبي عبدالله الصغير. لا يعلمون أن غرناطة سقطت والأندلس ضاعت كلها مع أول أمير عربي باع أمته وتحالف مع الأعداء، لا يعلمون أن المسلمين جميعا باعوا الأندلس حين تقاعصوا عن نجدتها، بينما تقاطر النصارى من أوروبا إلى نصرة الإسبان. أنت يا مسكين من سيتحمل الوزر كاملا. فأبناء أمتك يا مسكين لا يعترفون إلا بالنتائج ولا يتلفتون إلى الظروف والأسباب: أبو عبدالله سلم غرناطة (هنا تدخل عائشة وتتحدث كأنها كانت تسمع صوت عقله فيرتعد السلطان).
عائشة: (وهي تمسك بكتفيه) لا لن تسلم غرناطة. قلها لي عالية مدوية تخرق الآفاق حتى تصل إلى فرناندو في معسكره، قل: لا لن أسلم غرناطة طالما فيّ نفس يخرج من صدري. قلها يا سلطان عالية.
السلطان: لو كانت بالكلام يا أمي لوقفت فوق برج الرياح وقلتها في بوق المؤذن. لكن المسألة ليست بالكلام يا أم أبي عبدالله.
عائشة: أنا لست أم أحد. لست أما لمن يسلم غرناطة. كان لي ابن اسمه يوسف واستشهد في ساحة المعركة. أما فلن تكون ابني لو سلمت غرناطة.
السلطان: ألا ترين الجيوش التي أحكمت الحصار حول غرناطة من كل الاتجاهات. ألا تشمين رائحة الموت تنبعث في كل مكان في غرناطة من الجوع؟ ألا تسمعين بكاء من بقي من الأطفال من الجوع؟ ألا تعلمين ماذا يفعل بأهل المدينة التي تؤخذ عنوة؟
عائشة: أنا لا أرى ولا أسمع ولا أشم إلا الملك والسلطان.
السلطان: لا يا أمي المسألة عندي أكبر من الملك ومن السلطان. المسألة عندي شعب ستوضع رقاب رجاله تحت سيوف العدو ونساءه سيعبث بشرفهن أمام رجالهن وأبنائهن، وأطفال سيساقون في حبل طويل إلى أسواق العبيد.
عائشة: اترك هذا الكلام للنساء يا مهزوز يا يا متخاذل.
السلطان: حرب وحاربت مائة مرة، أسر وأسرت، لكن الهزيمة تلاحقنا من معركة لأخرى. (وهو يبكي) بل بعت ملقة يا أمي من أجل غرناطة، شاركت في تجويع آلاف المسلمين وأسلمت رقابهم للعدو من أجل ملكك، لكن لا فائدة. أتعلمين؟ لقد أردت أن أخرج إليهم يا أمي بعد معركة موسى بن غسان، فلم نجد خيولا تحملنا. هل نخرج إليهم يا أمي بلا خيول ليصطادونا من فوق خيولهم كالجرذان؟
عائشة: إذن سنبقى في مدينتنا حتى يقضي الله بيننا.
السلطان: وإذا كانوا سيأخذون المدينة حتما يا أمي حربا أم سلما، فلماذا لا أبادر أنا بالتفاوض على شروط استسلام مقبولة تحمي الشعب من القتل والسبي والاسترقاق.
عائشة: أتفرط في ملك آبائك بهذه السهولة؟
السلطان: بهذه السهولة؟ كأني لم أحارب ولم أؤسر ولم أخرج لهم على رأس جيشي عشرات المرات، وكأن أهل غرناطة يفيض عنهم الأكل. ثم إنني لم يعد يعنيني الملك. ما يعنيني الآن هو الشعب، الناس التي لا ناقة لها ولا جمل في ملكنا وصراعاتنا. وأنا لن أبيعهم هنا أيضا في مغامرة نتائجها باتت عارية لكل ذي عينين.
عائشة: لو سلمت المدينة فأعلم أنك لن تكون ابني.
السلطان: أمي اذهبي واجلسي على عرش غرناطة ونجها من هذا المأزق وأنا سأكون أطوع جندي في يديكي.
عائشة: لا بل لن أريك وجهي بعد الساعة (تخرج وتدخل فاطمة زوجة السلطان وهو واقف ووجهه إلى الحائط وقد تسمر في مكانه).
فاطمة: لا تجعل كلامها يؤذيك يا أبا عبدالله، فوالله أنت ما قصرت في شيء.
السلطان: (يستدير ويمسك بيديها وكأنه وجد في كلامها نجدة له) أليس كذلك يا فاطمة؟
فاطمة: والله ما قصرت يا زوجي. فعلت كل ما عليك وأكثر. لكنها الأقدار والمصائر.
السلطان: ومن ذا الذي يستطيع أن يهرب من قدره ومن مصيره؟
فاطمة: نعم يا مولاي. ولا تغضب من مولاتي الأميرة أم السلطان. فهي لا تقول ذلك إلا حبا لك وخوفا على ملكك.
السلطان: أعلم يا فاطمة، لكن كلامها يقطع في جسدي كالسياط. لقد أصبحت أخاف من لقائها يا فاطمة. فقد أصبحت ضميري الحي ونفسي اللوامة.
فاطمة: (وهي تربت على كتفه) لا عليك يا زوجي فما قد ضاع منذ زمن بعيد كما قلت. لا عليك.
(ينزل الستار.)
الفصل الثالث
المشهد الأول
يرفع الستار عن قصر الحكم بقلعة الحمراء، حيث يجلس السلطان مع وزيريه.
السلطان: ماذا وجدتم منهم؟
ابن كماشة: كل خير يا مولاي. يوافقون على كل طلباتنا.
السلطان: لا أريد أن يكره مسلم في دينه، ولا أن يظلم في ماله، ولا ولده.
أبو القاسم: هم يقرون لنا بذلك يا مولاي.
السلطان: وأن تحتفظ غرناطة بطابعها الإسلامي، فلا يمس أي من مساجدها ولا مدارسها ولا مكتباتها.
ابن كماشة: لك ذلك يا مولاي.
السلطان: (بصوت عقله) كله كلام. سيعطونا كل ما نريد كلاما. لكن الفعل سيكون أسود بلون قلوبهم الطافحة بالحقد المقدس.
ابن كماشة: هل ثمة شيء آخر تريد أن نركز عليه في المفاوضات يا مولاي.
السلطان: نعم، المولدون من النصارى الذين دخلوا الإسلام.
أبو القاسم: مالهم يا مولاي.
السلطان: لا يكرهون على ترك دينهم، ومن يرد منهم أن يعود للنصرانية يستتاب أمام عالم دين مسلم، وإن أصر يكون تعميده بعد التأكد من رغبته أمام جماعة من علماء المسلمين.
أبو القاسم: بسيطة.
السلطان: (بصوت عقله) طبعا بسيطة. ما هو كله كلام.
ابن كماشة: شيء آخر؟
السلطان: لا يكره اليهود أيضا على ترك دينهم.
ابن كماشة: واليهود أيضا؟
السلطان: نعم واليهود أيضا. وحرمة بيوت المسلمين ونسائهم لا تمس بأي حال من الأحوال.
ابن كماشة: طبعا يا مولاي.
السلطان: (بصوت عقله) طبعا، كأنك أنت من سيحكم غرناطة ويقوم على تنفيذ الاتفاقية يا ابن كماشة.
ابن كماشة: شيء آخر يا مولاي؟
السلطان: نعم. أن يوقع على الاتفاقية الملكين الكاثوليكيين وكل ذريتهما الحالية وأعضاء الكورتس والنبلاء والدوقات.
أبو القاسم: هذا كثير يا مولاي.
السلطان: انتظر (وكأنه تذكر شيئا) وأن يوقع عليها حبرهم الأعظم صاحب روما.
ابن كماشة: وما أين لهم بالبابا .. البابا في روما.
السلطان: فليرسلوا إليه الاتفاقية للتوقيع عليها والتعهد بضمان تنفيذ بنودها جميعا. وأعلموا يا مفاوضين أنهم لو كان باستطعاتهم اقتحام غرناطة لما تأخروا. صحيح أننا محاصرين، لكن تفاوضوا من موقع قوة.
أبو القاسم: أمرك يا مولاي.
السلطان: هيا اذهبوا، وحين تنتهوا من كتابة المسودة معهم هاتوها إلي لأنظر فيها وأنقحها. (يدخل موسى بن غسان وصدره مربوطا بسبب الإصابات التي تكبدها في المعركة الأخيرة).
موسى: السلام عليكم.
ابن كماشة: (بصوت خفيض) ما الذي أتى بهذا العنتري الآن؟ سترك يارب. سيفسد كل شيء.
السلطان: وعليك السلام يا موسى. تعالى اجلس بجواري فجروحك شديدة.
موسى: هل صحيح يا مولاي أنك قبلت بالتفاوض على تسليم المدينة.
السلطان: نعم يا موسى. لا مفر. قبل أن يأخذوها عنوة ويفعلوا بالناس بالأفاعيل.
موسى: (وهو يبكي ويصرخ) هذا لن يكون يا سلطان غرناطة. لن نستسلم ولن نسلم مدينتنا ونحن أحياء أبداً.
السلطان: خلاص يا موسى. (مشيرا إلى وزيريه) اذهبا أنتما إلى مهمتكما. وفقكما الله.
الوزيران: أمر مولاي. السلام عليكم. (يهم الوزيران بالخروج، لكن يوقفهم صراخ موسى).
موسى: (موجها كلامه إلى الوزيرين) فلتخبرا ملك النصارى عني أن العربي قد ولد للجواد وللرمح، فإذا طمح إلى سيوفنا، فليكسبها غالية. فخير لي قبر تحت أنقاض غرناطة في المكان الذي أموت فيه مدافعا عنه من أفخم قصور نغنمها بالخضوع لأعدائنا. (هنا يخرج الوزيران تاركين السلطان وموسى).
السلطان: (ينهض ويتجه إلى موسى ويقف قبالته ويمسكه من كتفيه) ما عاد بيدنا شيء يا فارس غرناطة. ما عاد بيدنا شيء.
موسى: كيف يا مولاي ولا زال فينا نفس ونبض.
السلطان: وما نفعهما يا موسى والجوع أنهكهما. رفقا بي وبنفسك يا موسى. المهم الآن أن نضمن أمان الناس بعد .. بعد (لا يقدر على نطقها).
موسى: بعد تسليم غرناطة يا مولاي. قلها على أذني، لأني أشم رائحتها تنبعث من القصر ومن ثياب الوزيرين.
السلطان: نعم يا موسى لا مناص من تسليم غرناطة.
موسى: لا يا مولاي لن أسلم ولن أبيع. سأقاتل حتى أموت وسيقاتل معي الشرفاء، وهم كثر، حتى آخر روح فينا. إنه خير لنا يا سلطان غرناطة أن نحصى بين من ماتوا دفاعا عن غرناطة عن أن نكون بين من يشهدوا تسليمها.
السلطان: أنت وأمي تذبحاني بإرادتكما التي لا تلين. هي تعشق الملك، وأنت تعشق غرناطة والبطولة.
موسى: وهل عشق الوطن صار نقيصة يا سلطاننا.
السلطان: اسمعني يا موسى أرجوك. والله أحبك حبي ليوسف أخي رحمه الله. ووالله يا رجل ما استسلمت إلا خوفا على أهل غرناطة من المصير الأسود الذي سيلحق بهم حتما إن أخذوا المدينة منا بحد السيف.
موسى: والله يا مولاي الأسود قادم لا محالة، حتى وإن سلمت المدينة. يا مولاي إنها حرب صليبية تحركها الأحقاد الدينية المقدسة. فلن يفلت أهل غرناطة مما تقول حتى لو استسلمنا وسلمنا المدينة. مولاي أرجوك اسمعني، فلو حفظ الإسبان عهدا مع مسلمين مغلوبين في السابق، فإن ذلك كان فقط لوجود دولة إسلامية باقية على التراب الأيبيري، يمكنها أن تردع أو أن تكون ملجئا للمضطهدين على الأقل. أما الآن، فلو سلمنا غرناطة، فسوف يكون المسلمون غرباء مستضعفين في وطنهم. صدقني يا مولاي.
السلطان: اسمعني أنت يا موسى. قضي الأمر، وذهب الوزيران للتفاوض. أرح نفسك يا أخي فجرحك لم يلتئم بعد.
موسى: جرح الجسد لا يعنيني يا سلطان. فجرحي الأكبر غرناطة ينزف نهرا من الحسرة والألم. اعذرني يا مولاي، فالأوطان لا مجاملة فيها ولا تفريط. اعذرني، سأخرج من هنا قبل أن اختنق من رائحة الاستسلام. سلام يا مولاي. (يخرج موسى)
السلطان: ليتني مكانك يا موسى. والله لفعلت مثل ما تفعل. لكن في رقبتي شعب وأهل. أأركب رأسي حتى يدخلوا علينا ونحن قاطعي الأنفاس من الجوع؟ فيسوقون أطفالنا إلى أسواق العبيد؟ ويغتصبون نسائنا أمام أعيننا؟ ويوزعونهم هدايا فيما بينهم؟ (وهو يصرخ) والله لن يكون يا موسى. لكن يكون (ينزل الستار.)
المشهد الثاني
يرفع الستار عن الخشبة وقد قسمت نصفين. الأيسر يجلس فيه فريق التفاوض حول مائدة مستطيلة على رأسها الملك فرناندو، وعلى يمين فرناندو السكركير الملكي القشتالي ايرناندوا دي ثافرا وإنييغو أورتادو دي مندوسة وبجواره كاتب، وعلى الجانب الآخر من الطاولة يجلس وزيرا غرناطة، من جهة فرناندو: ابن كماشة وأبو القاسم، وتتدلى من سقف المسرح يافطة مكتوب عليها "نوفمبر 1491". وفي النصف الأيمن من الخشبة تتوالى صورا متفرقة زمنيا مما حاق بغرناطة بعد تسليمها وتتدلى من سقفه يافطات مختلفة بأعوام الأحداث. والنصف النشط فقط من الخشبة هو الذي يضاء أو يأخذ الصوت، بينما يظل الآخر مظلما أو ينقطع عنه الصوت حتى يأتي دوره في النشاط، وساعتها يظلم النصف الآخر أو يصمت.
(النصف الأيسر من الخشبة)
أبو القاسم: المولدون يا مولاي نريد أن نضمن حريتهم الدينية وعدم إكراههم على ترك دينهم.
دي ثافرا: حتى المولدون يا وجهاء غرناطة لم تنسوهم في شروط المعاهدة.
ابن كماشة: نعم يا سيدي السكرتير الملكي، فأبو عبدالله أكد على أن يشلمهم ما يشمل المسلمين من تعهدات.
فرناندو: حسنا، اكتب يا كاتب: إذا سبق لنصراني, ذكرا كان أو أنثى, اعتناق الديانة الإسلامية قبل إبرام هذه الاتفاقية, فلا يحق لأحد من النصارى أن يهدده, أو أن ينال منه بأية صورة, و من يفعل ذلك يعاقب.
(يظلم هذا الجزء من الخشبة، ويضاء على النصف الأيمن على مجموعة من الفرسان القشتاليين وقد شدوا عددا من المسلمين من أصل إسباني نصراني إلى خوازيق لكي يندفع الفرسان نحوهم على ظهور خيولهم مسلطين رماحهم إليهم في تمرين على المثاقفة، وتتدلى من سقف المسرح يافطة كتب عليها "ملقة بعد الاستسلا عام 1487.)
فارس 1: أنتم النصارى الذين تركوا ديننا واعتنقوا ضلالات المسلمين؟ ظننتم أن الأيام لن تدور، وقد دارت دورتها، ودانت لنا إسبانيا كلها. حانت نهايتكم يا كفرة.
مولدة 1: هل يأمركم دينكم بذلك؟
فارس 2: نحن نحمي ديننا من الكفار ضعاف النفوس أمثالكم.
مولد 1: سيدي الفارس فلنعد إلى دين آبائنا وتحل المشكلة. كان آباؤنا نصارى وها نحن نعود إلى دينهم.
فارس 1: حتى لو عدتم. لقد أثبتم خياتنكم. أبعد أن خنتم إسبانيا وأعلنتم أنفسكم أندلسيين من الهمج تريدون الآن أن تعودوا بهذه البساطة؟ (موجها كلامه إلى رفاقه) ما حكم الخيانة العظمى يا فرسان قشتالة؟
الفرسان: (في صوت واحد) القتل، القتل.
فارس 1: إذن فلتندفعوا نحوهم بخيولكم وتغرسوا الرماح في صدورهم بأقوى ما تستطيعون. إنه تمرين على المثاقفة يا رفاق. والفائز هو من يخترق رمحه صدر الهدف والخازوق معا. اتفقنا.
الفرسان: (في صوت واحد) اتفقنا.
فارس 1: هيا لنقف جميعا على خط البداية على بعد مئة متر، وبعد أن أعد إلى ثلاثة، أطلقوا لخيولكم العنان. هيا (يذهبون إلى آخر المسرح من الجهة المقابلة للمولدين المقيدين). الآن، واحد، اثنان، ثلاثة (يطلق الفرسان جيادهم بأقصى سرعة نحو المقيدين ويغرسون رماحهم في صدورهم، وسط صرخات من القتلى وآهات، ثم ينكس القتلى رؤوسهم).
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيسر والمفاوضون جلوس كما هم.)
ابن كماشة: وخصوصا يا مولاي النساء النصرانيات اللاتي اعتنقن الإسلام وتزوجن من مسلمين، لا يمكن إكراههن على ترك دينهن بعد أن تزوجن وأنجبن، خاصة وإنهن جميعا وجدن أنفسهن مسلمات بالوراثة، إذ وجدوا آبائهم وأجدادهم على ذلك.
أبو القاسم: وإكراههن على التنكر للإسلام يهدد بتفكيك آلاف الأسر.
دي طلبيرة: لكن ماذا لو كانت تلك رغبتهن؟
ابن كماشة: إن كانت رغبتهن الصادقة دون إكراه، فلا مانع. فعندنا لا إكراه في الدين.
فرناندو: حسنا لننص على ذلك تفصيلا. اكتب ورائي يا كاتب: لا يجوز إرغام أية نصرانية تزوجت من أحد المسلمين, واعتنقت الدين الإسلامي, على العودة إلى النصرانية, إلا طائعة, وبعد أن تُسأل في ذلك أمام جمع من المسلمين والنصارى. وفيما يتعلق بأبناء النصرانيات وبناتهن, فلهم نفس الحقوق المنصوص عليها في هذه الفقرة. (ينظر إلى المفاوضين الغرناطيين) أعتقد أن هذا النص كاف؟
ابن كماشة: طبعا يا مولاي. فيه ما يكفي ويزيد.
(يظلم هذا الجزء من الخشبة، ويضاء النصف الأيمن على مجموعة من جنود ثيسنيروس وهم يقتادون علجة شابة ويمرون بها من أمام حمام مرزوق، وقد تجمع الناس على صراخها، وتتدلى من سقف المسرح يافطة كتب عليها "ربض البيازين بغرناطة عام 1499.)
مريم: انجدوني يا مسلمين. إنهم يسوقوني إلى العذاب حتى أرتد عن ديني.
بلاسكو دي باريونوبو: (الشرطي الأعلى رتبة) اخرسي يا كلبة.
الحشد: (بأصوات مختلطة) ماذا؟ هل بغلت بهم الجرأة على إكراه الناس على اعتناق دينهم؟
بلاسكو: (يشهر سيفه): ليذهب كل منكم إلى حال سبيله. هذه المرأة يريدها رئيس الأساقفة ثيسنيروس للتحقيق معها في أمر لا نعمله.
مريم: أي تحقيق وفيما؟ لا تصدقوه. لقد عرض علي اللعين ثيسنيروس أن أرتد عن ديني وأدخل في دينهم في مقابل مكافآت كثيرة. وحين رفضت أرسل هؤلاء لاقتيادي إلى التعذيب في سراديب محكمة الشيطان. انجدوني يا مسلمين. باسم الدين الذي يجمع بيننا لا تتركوهم يأخذوني.
بلاسكو: قلت لك أخرسي يا امرأة. فلن يخلصك أحد من أيدينا. (موجها كلام إلى الحشد) ثم إن هذه المرأة من العلوج، أي مسلمة من أصل نصراني، فهي لا تخصكم أصلا. هيا تحركوا بها أيها الجنود.
حامد: (يقف أمامهم) إلى أين؟ وما معنى علجة؟ إنها مسلمة منا، حتى ولو أشهرت إسلامها هذه الساعة. خذونا معها إن استطعتم.
بلاسكو: لا تجرون على أنفسكم الويلات. فأنتم بذلك تقامون جنود الملك ومسئولي المكتب المقدس.
إبراهيم: ليحدث ما يحدث. لن نتركها لكم. (يحاول حامد تخليص مريم من أيدي الجنود، ويعلو الضجيج، فيغرس بلاسكو سيفه في صدر حامد، فيرتد الجميع إلى الوراء في ذهول وخوف. ويتقدم بلاسكو جنوده بالأسيرة في صمت).
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيسر والمفاوضون جلوس كما هم.)
فرناندو: لكم ذلك. املي ما قلت يا أبا القاسم على الكاتب.
أبو القاسم: (يملي الكاتب) يسمح صاحبا السمو, وسلالتهما, للملك أبي عبد الله الصغير وشعبه بأن يعيشوا دائما ضمن قانونهم دون المساس بسكناهم وجوامعهم ومناراتهم. وسيأمر الملكان بالحفاظ على مواردهم, وأن يحاكموا بموجب قوانينهم وأمام قضاتهم, حسبما جرت عليه العادة، وأن يكونوا موضع احترام من قبل النصارى. كما تحترم عاداتهم وتقاليدهم إلى غير حين.
(يظلم هذا النصف من الخشبة ويضاء النصف الأيمن على قاعة محكمة التفتيش وقد جلس ثلاثة قضاة وخلف القضبان خمسة متهمين رجال وسيدتين، وفي القاعة بعض الحضور من الإسبان. وتتدلى من سقف المسرح يافطة مكتوب عليها "كل الممالك الإسبانية 1499-1609).
القاضي الأوسط: أنت يا ألونسو شوهدت مرة في أثناء القداس وأنت تتثائب وتتفلظ بالكلمات "ليغلق محمد عيني".
ألونسو: سيدي القاضي إنها وشاية من جار نصراني قديم يكرهني.
القاضي: اصمت فأنت معترف في أوراق التحقيق. ومحاميك هو المخول بالدفاع عنك الآن. هل لديك دفاع يا حضرة المحامي؟
المحامي: (يقف) لا يا مولاي فالتهمة ثابتة. كل ما أطلبه هو الرأفة لأن هؤلاء النصارى الجدد يحتاجون إلى وقت للاندماج في مجتمعنا وديننا.
القاضي: وأنت يا ريكاردو، شوهدت وأنت تغسل يديك في الغابة وهو ما اعتبره المحققون معك دليلا على ممارستك للوضوء في الطائفة المحمدية.
ريكارود: أنا يا سيدي القاضي قاطع أخشاب في الغابة، والحر يكاد يقتلنا ونحن نعمل. ولذلك نحتاج من حين لآخر لأن نبلل أيدينا ووجوهنا، وإلا قتلتنا الشمس.
القاضي: اخرس لقد سئمنا من مكركم ومخاتلتكم. هل لديك ما تدافع به يا حضرة المحامي.
المحامي: لا يا مولاي.
القاضي: فرنسيسكو دي بلنسيا، أبلغ عنك الجيران بتهمة أنك تأكل الكسكسي ولا تأكل لحم الخنزير ولا تشرب الخمر.
فرنسيسكو: سيدي أنا رجل عجوز كما ترى، وقد تنصرت وأنا كبير في السن، ولذلك لم أتمكن من استساغة لحم الخنزير أو طعم الخمر.
القاضي: تعترف إذن؟ وأنت يا مانسيبو الأريبالي، ضبط في بيتك مخطوطات باللغة العربية، واعترف عليك بعض من قومك بأنك تجوب إسبانيا بحثا عن الإسلام والمسلمين، وأنك تلبس ملابس نظيفة في أيام الجمع، وأنك .. لا داعي لأن أكمل، فالقائمة طويلة. هل لديك ما تقوله (لا يرد). حسنا هذا اعتراف بكل التهم. وأنت يا غونثاليث، ضبطوك في بيتك ليلة الجمعة وأنت تلبس نظيفا وتخطب في عدد من قومك وفي يدك عود تعزف عليه. أليست هذه خطبة الجماعة في الهرطقة المحمدية؟
غونثاليث: خطبة جمعة على أنغام العود يا قاض؟
القاضي: اخرس، أنا الذي يوجه الأسئلة هنا يا متهم. وأنت تعرف أن موسيقى الأندلسيين البائدين ورقصهم وغنائهم محظورة قانونا وممارستها مجرمة. سيدة كونستانسا، هل تستطعين أن تذكري لي أسماء أبنائك أو زوجك أو حتى اسمك الذي أخذتيه عند تعمديك
كونستانسا: (تهتهته دون أن تتمكن من تذكر اسم أحدهم.)
القاضي: لن تذكرين واحدا فقط من الأسماء، لأنكم تتعمدون وتعمدون أبناءكم في الكنيسة ثم تطلقون عليهم أسماء عربية وتستخدمونها حتى تنسون أسماءهم التي عمدوا بها. ملاعين أنتم يا أنصاف الأندلسيين. وأخيرا إيزابيلا كومبانيرو، أدنتِ عدة مرات بتهمة ممارسة الإسلام سرا، ونفيتِ أنت وزوجك الراحل عشر سنوات إلى معتكف ديني. وجاءوا بك هذه المرة بتهمتين: ترتيب جنازة إسلامية لقريب لك وعدم استدعاء الكاهن له وهو يحتضر، وتخصيص غرفة للصلاة الإسلامي في بيتك. وأظن أنك ليس لديك ما تقولينه؟ حضرة المحامي، هل لديك أية دفوع؟
المحامي: لا يا سيدي القاضي.
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيسر والمفاوضون جلوس كما هم.)
أبو القاسم: نريد حماية لممتلكات المسلمين يا مولاي.
فرناندو: بسيطة يا أبا القاسم، وهذه لكم. أملي ماشئت على الكاتب.
أبو القاسم: (يملي الكاتب): لن تصادر من المسلمين أسلحتهم أو خيولهم، أو أي شيء آخر حاضرا وإلى الأبد.
دي مندوسة: (يتدخل) طبعا باستثناء الذخيرة الحربية التي يجب تسليمها لصاحب السمو.
فرناندو: وهذه مني لك يا ابن كماشة، (مخاطبا الكاتب) اكتب عندك: ولا يحق لصاحبي السمو، لمدة ثلاث سنوات من تاريخه, تحصيل الإتاوات من الملك أبي عبدالله الصغير, وسكان غرناطة والبيازين وأرباضهما, وهي الإتاوات التي يترتب أداؤها عن دورهم وأملاكهم الموروثة, بل يكفي أن يدفع المسلمون لصاحبي السمو عشر الخبز والذرة, وعشر المواشي خلال شهري أبريل ومايو. هل رضيت يا ابن كماشة؟
ابن كماشة: بوركت يا مولاي الملك وما حرمنا الله من فيض كرمك.
دي ثافرا: مولاي الملك أبو الكرم والمروءة والشهامة.
(يظلم هذا الجزء من الخشبة، ويضاء على النصف الأيمن حيث المحاكمة.)
القاضي: وبناء على ما تقدم حكمنا على ألونسو دي أغيلار وريكاردو جورينمو وفرنسيسكو دي بلنسيا بالكفارة ومصادرة الممتلكات، وحكمنا على مانسيبو دي أريبالو وغونثاليث دي لونا وكونستنانسا لوبيز وإيزابيلا كومانيروا بتحويلهم إلى ذراع الدولة العلماني لحرقهم على الخازوق ومصادرة ممتلكاتهم وحرمان ذريتهم من وظائف الشرف أو ركوب الخيل. رفعت الجلسة.
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيسر والمفاوضون جلوس كما هم.)
أبو القاسم: حرية العبّادة يا مولاي وضرورة النص في المعاهدة على عدم الإكراه في الدين.
فرناندو: اكتب يا كاتب: لا إكراه في الدين، ولا ترغم مسلمة ولا مسلم على اعتناق النصرانية.
ابن كماشة: الآن وإلى الأبد يا مولاي.
فرناندو: الآن وإلى الأبد يا ابن كماشة.
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيمن، على مشهد تعذيب حيث يشد رجل إلى مخلعه ويقف معذبه ضاحكا من تأوهات الرجل، وقد تدلت من سقف المسرح يافطة كتب عليها "غرناطة 1487-1499)
ليون: (ضاحكا) تأوه يا حامد، وسأعطيك المزيد. (موجها كلامه إلى الرجلين الذين يشدان ذراعا المخلعة) شدا أكثر أريد أن ينفصل ذراعيه عن جسده.
حامد: آه، آه، ألا تيأسون؟
ليون: بل قل ألا تيأس أنت؟ أعوام أعذب فيك وأمزق في جسدك ولا تستجيب. لكن لا عليك فأنا لا أيأس ولا أمل ووسائلي الرحيمة لا تنفذ. أتعلم يا حامد أن ليون صفة وليس اسما؟ نعم لقد أطلفوا عليّ اسم الأسد بسبب قسوتي وغلظة قلبي. وأنت يا حامد أيضا أسد. ألم تكن قائد المقاومة في الحامة وروندة وملقة؟ ألم تكن على رأس الرافضين لتسليم هذه المدن؟ إذن أنا أسد وأنت أسد، لكنك أسد في الأسر، والأسد في الأسر جرذ يا حامد. أرح نفسك وتنكر للإسلام وادخل في ديننا.
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيسر والمفاوضون جلوس كما هم.)
الملك: لن يكره مسلم أو مسلمة على اعتناق النصرانية أبدا.
(تأتي من النصف الآخر وهو مظلم أصوات حامد الثغري وهو يتألم ويتأوه. ويأتي صوت ليون)
ليون: علقوه في السقف من ذراعيه من خلف ظهره، هيا، وهات لي ساحق الأظافر ومشهم العظام سريعا. لكن لا تأتوا بمنتزع اللسان، لأنني للأسف أريد صوته. هيا علقوه وهاتوا الساحق كي أتسلى الليلة بحامد. عذرا يا حامد فالنوم يجافيني هذه الليلة، فتحملني إلى أن يأتي النوم. (تعلو آهات حامد وصرخاته)
حامد: وكيف يكون دين امرء أكره على الدخول فيه؟
ليون: لا عليك ادخل في ديننا بالإكراه ونحن موافقون.
حامد: وكيف تثقون في رجل دخل دينكم تحت التعذيب؟
ليون: لا تتعبني يا ثغري. ادخل أنت فيه الآن ولا تكترث. فعندنا من الوسائل ما يجعلنا نقرأ أفكارك ونطاردك حتى في منامك. افعلها الآن يا رجل وافتدي نفسك من هذا العذاب.
حامد: لن أفعلها ولن أترك ديني ولو أحرقتموني حتى.
ليون: حسنا يا ثغري، كما قلت سأحرقك، لكن بعد بعد أن أهشم عظام ركبتك بهذه الآلة الجبارة. (يضحك) هل لاحظت يا حامد إننا مبدعون في اختراع أدوات التعذيب؟ نعم يا حامد مبدعون. فرجال الدين في محكمة التفتيش يزودوننا يوميا بآلات جديدة لم نكن نتخيلها. وأنت بالتأكيد جربت الكثير من هذه الاختراعات (يضحك). هل وضعوك في العروس من قبل؟ ستعجبك كثيرا بالتأكيد؟ نعم إنها صندوق يحتضنك في قلبه كالعروس، افرح يا حامد سنزوجك. لكن العروس عندنا تضيق عليك تدريجيا لتفرم عظامك وتقحم في جسمك بالبطء آلاف المسامير. ستجربها بالتأكيد لو كان لك عمر. وبعدها يا ثغري (يضحك) بعد أن تخرج من العروسة كتلة من الدماء، تعلم ماذا نفعل فيك؟ نلقيك في قِدر كبير دوار مليء بالزجاج المهشم. (يضحك ويعلو صوته) إبداع وتفنن، نعم إبداع. إن المكتب المقدس يقدم لكم خدمة فوق الممتازة يا أنصاف الأندلسيين. أفلا تشكرون؟
(يرجع الصوت إلى المفاوضين في النصف الأيسر من الخشبة).
أبو القاسم: وحرمة المساجد يا مولاي وأن لا يدخلها نصراني إلا بإذن المسلمين.
فرناندو: طبعا يا وجهاء غرناطة، مالنا ومساجدكم. اكتب يا كاتب: لا يسمح لأي نصراني بدخول المساجد, أو أي مكان لعبّادة المسلمين, دون إذن من الفقهاء. و من يخالف ذلك يعاقبه صاحبا السمو.
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيمن، على منادين يسيرون في شوارع غرناطة، حيث يمر المناد بالطبلة والبوق وقد سار وراءه الأطفال والعامة، من أمام حمام مرزوق وخان أحمد وورشة حامد وقد جلسوا مع بعض من أبناء أمتهم، وقد تلدت من سقف المسرح يافطة مكتوب عليها "غرناطة 1499")
المناد: يا أهالي غرناطة بأمر من رئيس الأساقفة ثيسنيروس، عليكم جميعا أن تتوجهوا غدا صباحا إلى كنيسة سان سلفادور، حيث سيتم الإفراج عن القائد حامد الثغري، والحاضر يعلم الغائب (يخرج المناد من الخشبة).
حامد: (وهو يضرب كفا بكف) شيء لا يصدق والله. ألا يزال المجاهد العظيم حامد الثغري حيا. لقد ظن الجميع أنه أستشهد دفاعا عن ملقة. بوركت يا أسد المقاومين.
أحمد: ولا أنا والله أصدق. أما زال البطل الذي تتحاكى غرناطة ببطولاته حيا، بعد أن ظن الناس أنه قتل قبل أكثر من عشر سنين.
حامد: نعم، بطل الأبطال. أتدري ماذا قال حين طلب وجهاء ملقة منه أن يتفاوض مع القشتاليين وهو محاصر بلا مدد أو عون؟ صرخ فيهم قائلا: إني تسلمت المدينة لأحميها، لا لأسلمها. بوركت يا ثغري وجزاك الله خيرا عن جهادك من أجل أمتك.
أحمد: وفعل الشيء نفسه قبل ذلك حين تولى الدفاع عن الحمة وروندة، وكاد والله أن يكسر شوكة الإسبان، لكن قضاء الله نفذ.
مرزوق: المهم هل ستذهبون لتشهدوا إطلاق سراحه.
حامد: طبعا. وهل مثل الثغري لا يذهب إليه.
إبراهيم: لكن ذلك سيكون في كنيسة سان سلفادور التي كانت جامع غرناطة الكبير قبل بضع سنوات فقط. هل نذهب إلى جامعنا وقد حولوه إلى كنسية؟ هل ندخل جامعنا السابق بالأحذية كما يفعل الكفرة؟
حامد: ما هذه الحيرة يا الله؟ لا لن ندخل ونعترف باغتصابهم لجامعنا. لكنه الثغري يا قوم.
مرزوق: أظن أن من أقل حقوق الرجل علينا أن نشهد إطلاق سراحه.
أحمد: معك حق.
حامد: نعم يا إخوة من له غيرنا؟ إننا أهل جاهته وعزوته، ولا بد أن نكون معه يوم تحرره من أيدي الظالمين، وأن نحمله على الأعناق ونرد له اعتباره. إن ذلك أقل ما يستحق لقاء جهاده وحسن بلائه.
مرزوق: فلنذهب إذن إلى مجاهدنا لنستقبله ونخفف عنه بعض ما لاقاه منهم.
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيسر والمفاوضون جلوس كما هم.)
دي ثافرا: إذن اتفقنا على هذه الصياغة، اكتب يا كاتب: يعامل صاحبا السمو الملك أبا عبد الله الصغير وسائر رعاياه الذين شملتهم هذه المعاهدة معاملة شريفة, وتحترم عاداتهم و تقاليدهم, وتمنح للقادة والفقهاء الحقوق, وتبقى الحقوق التي كان يتمتع بها هؤلاء زمن أبي عبد الله الصغير على حالها, ويعترف لهم بتلك الحقوق.
فرناندو: أهذا النص جيد يا وجهاء غرناطة؟
ابن كماشة: جيد يا مولاي الملك.
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيمن، على كنيسة سان سلفادور من الداخل ورئيس الأساقفة ثيسنيروس يجلس على كرسيه العالي الوثير، وأمامه يقف الأندلسيين الذين تزاحموا على الكنسية ليشهدوا إطلاق سراح الثغري وبينهم حامد وأحمد ومرزوق وإبراهيم. يسود الصمت والترقب والانتظار قبل أن يتلفظ ثيسنيروس.)
ثيسنيروس: (يصفق بيديه) هاتوا الأسير (يسود الصمت والترقب، وإذا برجلين يتقدمها ليون يمسكان رجلا ناحلا واهنا بأسمال بالية، متعثر الخطى، مطأطئ الرأس، مكبل اليدين والقدمين والرقبة بسلاسل غليظة، يمشي بينهما خائر القوة مسلوب الإرادة، في خطى ضيقة بسبب إغلال رجليه. تقدموا به إلى أن وقفوا أمام المطران). ضعوه بجانبي ليكون وجها لوجه مع أبناء أمته. (ينفذ الرجلان الأمر باقتياد الثغري إلى جانب كرسي المطرن، وهكذا بات الثغري بين المطرن وليون والجنديين من خلفه).
(يظلم الجزء الخلفي من النصف الأيمن من المسرح ليكون الجزء الأمامي بجمهور ثيسنيروس هو المضاء وحده وكأن ثيسنيروس ومجلسه قد خرجا من المشهد.)
حامد: لك الله يا ثغري. ماذا فعل بك هؤلاء الوحوش؟ والله مع أنني رأيته رأي العين وحاربت معه، فإنني أكاد لا أتعرف عليه. هل هو فعلا حامد الثغري؟
إبراهيم: ما هذا؟ أنا لم أرى الثغري من قبل. لكن حكي لي مرارا وتكرارا أنه كالمارد في عظم حجمه وطول قامته وهيبة هيئته.
مرزوق: وهل يبقى شيء على حاله؟
حامد: لا والله. ما هذا هذا بفعل السنين والأيام. لقد كان حامد أسدا مغوارا طويل القامة عريض الصدر مفتول العضلات. لقد رأيته يصرع عدة رجال بمفرده، ورأيته يحمل باب ملقة وحده وهو الباب الذي لا ينوء بحمله عشرة رجال. ليس هذا بحامد الثغري.
أحمد: بل هو حامد، لكن بعد أن عاش سنينا في ضيافة ليون الأسد. لعنكم الله يا وحوش. تنكلون بالبشر باسم الدين. ماذا فعلا هؤلاء الملاعين بالرجل؟
مرزوق: ما فات فات يا إخوتي. دعونا نرى ماذا لدى حامد ليقوله لنا.
(يظلم الجزء الأمامي من يمين الخشبة حيث الجمهور، يضاء الجزء الخلفي من يمين الخشبة على المطران وحامد وليون والجنود وهم على وقفتهم السابقة.)
ثيسنيروس: حامد قل لأبناء أمتك ما تريد أن تخبرهم به. (رفع حامد رأسه المطأطئ ونظر إلى المطران، ثم طأطأ رأسه ثانية) هه .. قل يا حامد ما جئت لتقصه على الأندلسيين (يرفع حامد رأسه وينظر إلى المطران على يساره ثم يدير رأسه لينظر إلى ليون في رعب وفزع). قص عليهم قصتك يا حامد.
حامد: (يطأطئ رأسه مجددا ويتنحنح ويتلعثم ويسعل ثم يندفع في الكلام وكأنه يريد أن يخرج ما لديه دفعة واحدة لمقاومة شيء يحول بينه وبين الكلام) جاءني هاتف في المنام في سجني ليلة أمس أخبرني بأن الله يريد مني أن أتنصر (يرفع رأسه قليلا والدموع تذرف من عينيه الغائرتين ثم يطأطئ رأسه ثانية) هذه إرادة الله ومشيئته.
ثيسنيروس: إنه هاتف الحق والخير والصواب الذي جاءك يا حامد. خذوه ونفذوا ما أمرتكم به سريعا.
(يظلم الجزء الخلفي من يمين المسرح ليكون الجزء الأمامي بجمهور ثيسنيروس هو المضاء وحده وكأن ثيسنيروس ومجلسه قد خرجا من المشهد. يعلو صوت البكاء والنحيب بين جمهور الكنيسة وعبارات الاستغراب وعدم التصديق.)
سيدة 1: (وهي تبكي وتنتحب) ليس هذا حامدا الثغري. لا يمكن أن يقول حامد ذلك. لا، المجاهد البطل حامد لا يرتد عن دينه الذي بذل حياته دفاعا عنه.
مرزوق: (وهو يبكي) بل هو حامد، لكن بعد أن مسخته اثنتي عشرة عاما من التعذيب والتنكيل.
سيدة 2: (وهي تبكي في انهيار) لا، لا يمكن أن يكون حامدا. فحامد يموت ولا يتخلى عن دينه وأمته.
أحمد: ألا لعنة الله على الطغاة والمتجبرين. ماذا فعلوا بك يا قائدنا. لا، لقد بدلوه. إنها هيئة حامد وجسمه. لكنه ليس لسانه وعقله. لا، لا يمكن أن يتفوه حامد بهذا الكلام.
حامد: (وهو يبكي بصوت مسموع) آه يا حامد يا مجاهد غرناطة وأسدها الجسور. ليتك مت في أيديهم يا قائدنا واحتفظت بدينك وتركت لنا ذكراك العطرة الطيبة.
سيدة 3: (وهي تبكي) لا تظلموه يا أهله. لعله دعى الله ألف مرة أن ينهي حياته. لكن للأسف لا يملك المرء القدرة على إنهاء حياته متى يريد. لا بد أنك عانيت وقاسيت ما لا يتخيله عقل بشر يا مجاهد غرناطة.
حامد: اثتني عشرة عاما ونحن نظن أنه في معية ربه هانئا بجهاده وشهادته، وهو (يبكي وينتحب) طيلة هذه السنوات وهو في مطامر محكمة الشيطان يتفنون في تعذيبه. لك الله يا حامد مهما فعلت ومهما قلت.
(يضاء الجزء الخلفي من الخشبة على المطران وليون والجنود وهم على وقفتهم السابقة.)
ثيسنيروس: (يصفق بيديه) هاتوه (يدخل حامد بين رجلين وقد فكوا قيوده وغسلوا وجهه وصففوا شعره وألبسوه الحرير. لكنه لا يزال يمشي بالخطى الثقيلة الضيقة السابقة وكأن الأغلال لا تزال في قدميه. اقتادوه إلى رئيس الأساقفة ووقفوا أمامه، وركعّوه عند ركبتي المطران الذي تناول كأس التعميد من يد أحد معاونيه وغمس أطراف أصابعه فيه ثم نثر بعضا من مائه على رأس الثغري وهو يتمتم بكلماته المقدسة) هل تختار لك اسما نصرانيا أم أختار لك أنا (حامد لا يرد ولا يرفع رأسه). إذن اختار لك أنا. ها قد تم تعميدك كاثوليكيا باسم غونثاليث فرناندو زغري. ومن الآن فصاعدا ستعامل معاملة النبلاء. (يظلم يمين الخشبة ويستمر صوت ثيسنيروس). ما رأيكم يا أهل غرناطة يا من رفضتم سخائي وكرمي معكم وتمسكتم بضلالكم وزندقتكم؟ ها هو مجاهدكم وقائد مقاومتكم قد عرف الحق ودخل طائعا كما ترون في عقيدتنا الكاثوليكية المقدسة. هل ستصرون على عنادكم؟ اعلموا أن الله ما نصرنا عليكم إلا لأننا أصحاب الدين الحق وأنتم أهل باطل. واعلموا أن الله حين اختار الملكين الكاثوليكين لتشريفهما بإكمال استراداد إسبانيا، إنما كان ذلك لتطهيرها من الكفار أمثالكم. وقد قرر الملكان المقدسان أنه لن يوجد على أرض إسبانيا بعد اليوم دين غير دين النصارى، ولذلك قررنا تحويل كل المساجد إلى كنائس ومصادرة الكتب وقرون الآذان. وأنتم لا سبيل أمامكم إلا الذهاب إلى الكنائس للتعميد على الفور، والسيف للرافضين والمترددين. وحتى العبور إلى العدوة المغربية أو حتى الاقتراب من الشاطئ أصبح محرما عليكم. (صوت آخر) آه الوزير ابن كماشة دعني بنفسي أختار لك اسما نصرانيا، سيكون لك شأن عظيم في الكنيسة، ستكون قسا يا ألونسو. ما رأيك في ألونسو دي غرنانا؟ هذا هو اسمك النصراني الجديد. (صوت آخر) الأمير ابن زيان وزوجته فاطمة إن وليكما في التعميد هما جلالة الملك والملكة، لذا سيكون اسميكما فرناندو وإيزابيلا. (صوت آخر) ملكة غرناطة ثريا لا تحتاج بالطبع إلى تعميد فهي نصرانية صادقة وقد عادت إلى اسمها السابق إليزابيث دي سوليس. وها هما أبناكِ يا ملكة غرناطة يعمدان في دين آبائك سعد باسم فرناندو دي جرانادا ونصر باسم دون خوان دي جرانادا. وقد عينهما الملكان دوقين وأقطعهما ضياعا ومناطق كاملة في البشرات، وسيعين الدوق فرناندو لاحقا حاكما لمنطقة جيليقة. (صوت آخر) الوزير سيدي يحيى النيار وابنه وزوجته اسمكم من الآن دون بيدرو دي جرانادا للأب، ودون ألونسو دي جرانادا بنغيش للابن، وللأم .. للأم .. ليسعفني أحدكم باسم لهذه النصرانية الجديدة. (صوت آخر) الوزير أبو القاسم سيكون لك في الكنيسة شأن كبير يا دون بيرناردينو دي ألمرية. (صوت آخر) أنت من نسل بني أمية حكام قرطبة وتسكن في بالور، ليكن اسمك النصراني إذن ايرناندو دي بالور. مرحبا بكم في حضن الكنيسة أيها النصارى الجدد. لكن عليكم أن تكونوا نصارى صادقين وأتباع مخلصين لصاحبي الجلالة، وأنصحكم صادقا بأن تقطعوا كل صلة لكم بالماضي حتى تتمكنوا من العيش بسلام في مجتمعنا.
(صوت ثيسنيروس ينعق في مجلس كنيسة طليلة كالغراب في السادس عشر من أكتوبر 1500)
ثيسنيروس: أحب أن أزف إليكم ثاني أسعد خبر في تاريخ إسبانيا كلها يا كهنة الرب. لم يبق في غرناطة شخص واحد غير نصراني، وقد كرست كل المساجد كنائس يصلى فيها للرب. فإن كان أسعد يوم طلعت عليه الشمس في إسبانيا هو اليوم الذي تسلم فيه الملكان مفاتيح غرناطة، فاليوم لا يقل عنه عظمة وبهجة، فقد تسلمت القرون التي كانوا يستخدمونها لرفع الأذان. وبذلك نكون فتحنا الديار والقلوب. هنيئا لنا هذا النصر المبين.
(يظلم النصف الأيمن تماما، ويضاء النصف الأيسر والمفاوضون جلوس كما هم.)
أبو القاسم: بيوتنا يا مولاي. تعلم أن للبيوت عندنا حرمة عظيمة. فلا يمكن أن يتلصص عليها أحد أو ينتهك حرمتها أو يدخلها دون استئذان أهلها.
فرناندو: حرمة البيوت مصونة بالتأكيد، ومن ينتهك حرمتها يعاقب بأشد العقاب.
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الآخر على مناد يسير في شوارع غرناطة. وتتدلى من سقف المسرح يافطة مكتوب عليها "غرناطة 1513")
المناد: بأمر من صاحبي الجلالة المظعمين الملك فرناندو والملكة إيزابيلا، أنه لما تأكد أن بعض النصارى الجدد يصرون على ضلالهم القديم ويمارسون بدع الطائفة المحمدية متخفين داخل بيوتهم، قرر صاحبا الجلالة منع النصارى الجدد جميعا من غلق أبواب بيوتهم في أيام الجمع وعدم منع أو مقاومة أي نصراني قديم يريد أن يفحص ما يجري داخل بيوتهم. ومن يخالف هذه الأوامر يعاقب بالقتل ومصارة الممتلكات. وعلى كل المواطنين الصالحين أن يبلغوا عن أي شخص يخالف هذه التعليمات. وقد أعذر من أنذر.
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيسر والمفاوضون جلوس كما هم.)
ابن كماشة: عاداتنا يا مولاي من أكل وملبس ولغة وغناء ورقص إلى غير ذلك.
(تضاء يافطة فقط في النصف الأيمن من المسرح مكتوب عليها ""بطليوس شمال قشتالة 1543" ويأتي الصوت).
إسباني 1: (يتحرش بأندلسية) أنت أيتها العاهرة الأندلسية ما هذا الذي تضيعنه على رأسك؟ ألا تعلمي أن غطاء الرأس محظور قانونا. هاته يا عاهرة.
الأندلسية: العاهرة هي أمك يا ساقط. أما أنا فأندلسية حرة. ولدت أندلسية، وسأموت أندلسية.
إسباني 2: أتجرأين يا كلبة. لنأخذها حالا إلى محكمة التفتيش.
(يتغير الصوت)
إسباني 1: ما هذا الغماء الذي تضعه على رأسك يا نصف الأندلسي.
أندلسي: إنها عمامتي يا سيدي.
إسباني 2: ألا تعلم أنها محظورة قانونا وأنكم يجب أن تلبسوا كما نلبس.
إسباني 3: لنأخذها منه حتى يصير عاري الرأس (يضحكون) هل تخجل حين تكون عاري الرأس؟ قلعوه هذه العباءة المغربية أيضا، وهذا السروال الغريب ليكون عاريا تماما، ربما يموت خجلا ويريحنا (يضحكون).
(يتغير الصوت)
إسباني 1: لماذا تضعين هذا الغماء على رأسك يا امرأة؟ ولماذا لبسك نظيف؟ آه أننا يوم الجمعة. هل صليتي الجمعة يا كافرة؟
أندلسية: شلت يدك. كيف تجرؤ على خطف حجابي يا جبان؟
إسباني 2: (ضاحكا) آه انظروا إنها كلبة أندلسية شرسة.
الأندلسية: الأندلسي الواحد بألف من أمثالكم يا كلاب إسبانيا.
إسباني 1: احتفظي بهذه الشجاعة إذن أمام محكمة التفتيش.
(يظلم هذا الجزء من المسرح، ويضاء النصف الأيسر والمفاوضون جلوس كما هم.)
أبو القاسم: حرمة نساء المسلمين يا مولاي لا تمس بأي شكل من الأشكال.
دي طلبيرة: مالنا ونساؤكم. عيشوا حياتكم كما تريدون.
(يأتي صوت من النصف الآخر من المسرح والنصف الأيمن لا يزال مضاء.)
القاضي: ماريا دي مندوسة، لقد شوهدت وأنت تستحمين وتغسلين شعرك. هل الشاهد موجود؟
الشاهد: نعم سيدي القاضي.
القاضي: قل شهادتك بإيجاز.
الشاهد: في يوم ألا أستطيع أن أحدده قبل شهور يا سيدي القاضي رأيت ماريا تأخذ إبريق ماء من البستان، فخمنت أنها ستستحم به لأنها نصرانية جديدة، وساورني شك في أنها لا تزال على إسلامها، خاصة يا سيدي وأنها دائما ما ترتدي ملابس نظيفة في أيام الجمع، فتبعها إلى بيتها، وتسللت إلى البيت بعد أن دخلت، فرأيتها يا سيدي "عارية تماما كيوم ولدتها أمها، وحافية القدمين، وتنحني لتغسل شعرها.
القاضي: ما قولك يا ماريا فيما يقوله الشاهد؟
ماريا: هل الاستحمام في دينكم حرام؟ ألا تخجلون من أنفسكم؟ تحاكموني على الاستحمام؟ ولا تلتفون إلى انتهاك حرمة بيتي وجسدي؟
القاضي: إذن أنت تعترفين بالاغتسال الإسلامي. وبما أن محاميك ليس لديه ما يقوله، فقد قررت المحكمة تحويل أوراقك إلى ذراع الدولة العلماني لإعدامك حرقا على الخازوق. رفعت الجلسة.
(يعود الصوت إلى المفاوضين)
ابن كماشة: ولغتنا الجميلة يا مولاي. أقصد اللغة العربية.
دي ثافرا: مالها يا ابن كماشة.
ابن كماشة: نريد ضمانات بألا يرغم الناس على تركها واستخدام أي لغة أخرى.
فرناندو: ولماذا نفعل ذلك أصلا: أملوا على الكاتب ما تريدون للحفاظ على لغتكم يا وجهاء غرناطة.
(يظلم هذه الجزء من المسرح ويضاء النصف الأيمن على مناد يجوب شوارع غرناطة بالطبلة والبوق وخلفه الأطفال وعامة الناس، وقد تدلت من سقف المسرح يافطة مكتوب عليها "غرناطة 1513".)
المناد: يحظر على النصارى الجدد من الآن فصاعدا استخدام اللغة العربية في الشوارع أو في البيوت أو بين أبناء أمتهم، ومن يضبط متلبسا بهذا الجرم أو يبلغ عنه، يتعرض لأقسى العقوبات.
(يظم النصف الأيمن بعد خروج المنادي ويأتي صوت آخر).
القاضي: انت أيتها المتهمة، هل تستطيعين أن تذكري لي اسمك النصراني أو اسم أحد أفراد أسرتك.
المتهمة: سيدي اسمي (تتهته) سان .. سان .. سانشيز.
القاضي: هذا الاسم الذي تتذكرينه وتنطقينه بالكاد هو اسم ابنتك الصغرى يا امرأة التي لم يمر على تعميدها بضع شهور. منافقون أنتم أيها الأندلسيين.
(يعود الصوت والإضاءة إلى المفاوضين)
أبو القاسم: وكتبنا لا مولاي يجب أن تصان، ففيها فقه ديننا وعلم آبائنا وتاريخ أمتنا.
(يثبت المشهد على المفاوضين وينتقل الصوت إلى نصف المسرح المظلم الذ تدلت منه يافة كتب عليها "غرناطة 1501.)
مناد: (مع طبلة وبوق) بأمر من صاحبي الجلالة العظيمين الملك فرناندو والملكة إيزابيلا الإلهيين، يؤمر كل نصراني جديد في مملكة غرناطة بتسليم أي كتب أو مخطوطات أو أوراق مكتوبة باللغة العربية إلى اللجنة التي يترأسها رئيس الأساقفة ثيسنيروس خلال ثلاثة أيام من تاريخه، ومن يتخلف أو يضبط عنده أو يبلغ عنه بأن لديه قصاصة مكتوبة باللغة العربية يعرض نفسه للقتل. وعلى كل أهل غرناطة أن يتجمعوا يوم الأربعاء القادم في ساحة باب الرملة ليشهدوا محرقة الكتب العظيمة.
(في وسط الظلام تظهر نار عيظمة وصوت ليبها، ويدخل هذا الصوت)
أندلسي: أرجوك يا سيدي أترك لي هذا الكتاب فقط. انظر زخرفته البديعة. كما أنه ليس كتابا دينيا. إنه كتاب في الطب. انظر الرسوم التشريحية.
إسباني: طالما أنه ليس كتابا دينيا فهاته. أمر نيافة المطران بمصادرة الكتب غير الدينية لأخذها إلى مكتبته في جامعة شلمنقة.
(صوت آخر وقد تدلى من سقف المسرح يافطة مكتوب عليها "غرناطة 1525")
القاضي: سليمة بنت جعفر، ألا ينادوك بهذا الاسم بدلا من اسمك النصراني؟ أنت متهمة بعدة تهم خطيرة: أولا حيازة كتب ومخطوطات عربية، رغم علمك بجرم ذلك الفعل. ثانيا أنت متهمة بممارسة السحر وتستخدمين هذا المخطوطات في أعمالك السحرية. ثالثا أنت متهمة بأنك حملت من الشيطان، لأن زوجك غاب منذ أعوام ولا يعلم عنه شيء. رابعا أنت متهمة باعداء الطيران ليلا. فما ردك باختصار، هه باختصار.
سليمة: أما الكتب والمخطوطات فهي كتابات في الطب الذي تعلمته وأمارسه لمداواة الناس، وليست كتبا دينية ولا علاقة لها بدين المسلمين. أما السحر فلا أعرفه ولا أمارسه ولا أقر به. أما الحمل من الشيطان، فإن زوجي سعدا عاد إلى البيت خلسة منذ أعوام وقضي بعض الوقت ثم غادر لأنه مطارد من محكمة التفتيش بتهمة الثورة واعتناق الإسلام، بمعنى أنني حملت من زوجي الذي لا أعرف عنه شيئا اليوم. كما أنني لم أزعم أنني أطير ليلا.
القاضي: لكن هناك شهود سمعوك تقرين بأن محمدا طار ليلا من مكة إلى أورشاليم ومن أورشاليم إلى السماء.
سليمة: أنا لم أقل ذلك ولا أعرف شيئا مما تقول.
القاضي: لو أنكرت مئة عام. إن التهم المنسوبة أليك تكفي لحرقك ألف مرة يا ساحرة. تحول أوراقها إلى ذراع الدولة العلماني لحرقها على الخازوق.
(يعود الصوت والضوء إلى النصف الأيسر من المسرح والمفاوضون جلوس كما هم.)
فرناندو: هل ثمة شيء آخر تودون تضمينه في المعاهدة؟
أبو القاسم: أهم شيء يا مولاي.
فرناندو: وما هو حرية الحركة والتنقل للمسلمين داخل إسبانيا ومن إسبانيا وإليها يسا مولاي. فالسلطان (يجد حرجا بعد قول هذه الكلمة) أقصد أبى عبدالله الصغير يريد أن يضمن للمسلمين حرية الانتقال إلى العدوة المغربية وما عداها وحرية العودة إلى إسبانيا متى يشاءون، وأن تتحمل الدولة الإسبانية نفقات نقلهم إلى العدوة طيلة السنوات الثلاث الأولى التالية لتسليم المدينة.
فرناندو: أما حرية الحركة والتنقل فلا مساس بها، لكن لماذا أتحمل أنا نفقات نقل المسلمين إلى العدوة؟
دي مندوسة: هذا كثير يا سادة. إنها معاهدة استسلام وليست شروط تملونها علينا.
أبو القاسم: أنا أضمن لكم أن أحدا من فقراء غرناطة لن يغادرها ولو بعد مئة سنة. أما الأغنياء والموسرون الذين قد يرغبون في الهجرة، فلن ينتظروا منكم شيئا.
ابن كماشة: إنه مجرد نص يا مولاي، حتى يرضى أبو عبدالله وأهل غرناطة.
فرناندو: أمركم يا وجهاء غرناطة. اكتب يا كاتب ما يريدون (يظلم هذه النصف من المسرح، ويضاء النصف الأيمن على مناد يسير في الشارع بطبلة وبوق وخلفه الأطفال والعامة من أمام الحمام والخان.)
مناد 1: (يدخل من يمين المسرح) بأمر مولاي صاحبي الجلالة يحظر على النصارى الجدد من أهل غرناطة الخروج منها إلى أي مكان داخل أو خارج إسبانيا، ويحظر عليهم الاقتراب من الساحل لمسافة عشرين ميلا. (يخرج من مؤخرة المسرح.)
مناد 2: (يدخل من مؤخرة المسرح) بأمر مولاي صاحب الجلالة ملك أراغون يحظر على النصارى الجدد في بلنسية وعموم مملكة أراغون الاتصال بأهل غرناطة أو الإقامة على مسافة أقل من عشرين ميلا من الساحل.
(يضاء النصف الأيمن من المسرح والمفاوضون جلوس كما هم.)
فرناندو: هل ثمة شيء آخر تودون إضافته إلى الاتفاقية؟
أبو القاسم: التشريد يا مولاي.
فرناندو: أي تشريد؟
أبو القاسم: ألا ينفى الناس من بيوتهم أو يشردون في الأرض.
فرناندو: (بقرف) املي ما تريد على الكاتب.
(يظلم هذا الجزء من المسرح ويضاء النصف الأيمن، على الجنود وهم يجمعون الأندلسيين لتشتيتهم إلى أقاصي مملكة قشتالة. وتتدلى من سقف المسرح يافطة مكتوب عليها "ربض البيازين عام 1510").
الكونت تدنيا: اجمعوا الرجال فقط في المرحلة الأولى، وسيلحق بهم النساء لاحقا.
الضابط: أمرك يا سيدي. (يدخل فرانثيثكو نونيث مولاي من وجهاء الأندلسيين والمدافع عنهم والمتحدث باسمهم.)
نونيث: (شاب في مقتبل العمر) سيدي الكونت، هل أنت راض عن هذا الطرد والتشريد؟
الكونت: وما جدوى رضاي من عدمه. هذه إرادة الملكين. وقد أعطاهما قومك مبررا بثورتهم في ربض البيازين.
نونيث: لكن هذا خرق لمعاهدة تسليم المدينة.
الكونت: سيد نونيث أنت تعلم أنني لست من المتعصبين ضدكم. صدقني ليس بيدي شيء.
نونيث: على الأقل يا سيدي، هجروا الأسرة الواحدة معا حتى لا تتشتت ويضيع النساء والأطفال من أرباب الأسر.
الكونت: هذه تكتيات عمليات يا سيد نونيث، وسوف نحرص على لم شمل العائلات في مقار النفي النهائية.
نونيث: كيف يا سيدي يهجر النساء والأطفال دون الأزواج والآباء؟
الكونت: قضي الأمر.
(يضاء النصف الأيسر من المسرح والمفاوضون جلوس كما هم.)
فرناندو: (يملي الكاتب) فلا يجوز في أي حال من الأحوال تشريد مسلمي غرناطة من قراهم ومدنهم أو إخراجهم من بيوتهم. وتلك أمانة في رقبة الملكين الكاثوليكيين وذريتيهما وخلفائهما. (يتوجه إلى وزيري غرناطة بالحديث) هل هذا يكفي يا وزيري غرناطة؟
ابن كماشة: يكفي يا مولاي.
(يظلم هذا الجزء من المسرح ويضاء النصف الأيمن، على الجنود وهم يجمعون الأندلسيين لتشتيتهم إلى أقاصي مملكة قشتالة. تتدلى من سقف المسرح يافطة مكتوب عليها "غرناطة عام 1569". تتجمع النساء في الشوارع في يوم شديد البرودة حيث يتساقط الجليد كثيفا، وقد جمعن لإبعادهن عن غرناطة).
أندلسية 1: (منتحبة) إلى أين سنترك بيوتنا؟ وكيف سنلتقي برجالنا وأهلينا؟
أندلسية 2: (باكية) آه يا غرناطة الحبيبة. آه يا وطن الأجداد وقبرهم. كيف سنعيش بعيدا عنك يا حبيبة.
أندلسية 3: بل قولي من الذي سينجو من هذا الجو وكلنا جوعى وجرحى وعرايا بعد عامين من الحرب؟ (يدخل بيريث دي هيتا في صحبة الأمير دون خوان النمساوي الأخ غير الشقيق للملك فيليب).
دون خوان: هل تراني سعيدا بما أرى وأفعل يا بيريث؟
دي هيتا: بالطبع لا يا مولاي.
دون خوان: إن هذا الطرد أبشع منظر رأيته في حياتي، حتى الأمطار والثلوج والرياح لم ترحم هؤلاء المساكين، انظر كيف يلتصقون ببعضهم وهم ينوحون. منظر قاسي يا رفيقي.
دي هيتا: لقد قطعت قلبي مناظر نسائهم وهم يغادرون بيوتهن. لقد رأيتهن يا مولاي تبكين وتنظرن إلى بيوتهن وتعانقن جدرانها وتقبلنها مرات ومرات، وهن تتذكرن ماضيهن المجيد وإبعادهن الحالي والمستقبل المشؤوم الذي ينتظرهن. هل بلغك يا مولاي أن النساء اللاتي أبعدن حتى الآن لم يستطعن العثور على أزواجهن وعائلاتهن؟ علاوة على اللصوص وقطاع الطرق الذين اعتبروا طرد النصارى الجدد رخصة مفتوحة للسرقة والقتل والسبي والاغتصاب.
دون خوان: لم أؤيد ذلك من البداية، لكن أعداءهم في غرناطة والمستفيدين من طردهم كانوا أقوى من رغبتي، وجلالة الملك كان أميل للاستماع إليهم.
دي هيتا: مساكين هؤلاء القوم.
(يعود الضوء والصوت إلى النصف الأيمن من المسرح والمفاوضون جلوس كما هم.)
فرناندو: ها قد انتهينا من مطالبكم لأهل غرناطة وعامتها. هاتي مطالبكم لأنفسكم.
ابن كماشة: لا مطالب لنا يا مولاي. نحن خدمك المخلصين وسنكون دوما في خدمتك.
(يذهب الصوت إلى نصف المسرح المظلم، حيث صوت المناد.)
المناد: لقد قرر مولاي الملك فيليب الثالث العظيم طرد الأندلسيين جميعا من ممالكه كلها إلى شمال أفريقيا لما ثبت عليهم من رياء في تدينهم النصراني وخيانة بحق الدولة الإسبانية. وعلى أهل الديار جميعا من الأندلسيين أن يبيعوا مملكاتهم ويتجمعوا أمام المجلس البلدي بعد ثلاثة أيام، ومن يتخلف سيعدم في الحال، وها هي المناشق قد نصبت على جوانب الطرق لتحذير من له عينين.
(يعود الصوت إلى النصف الأيسر من المسرح والمفاوضون جلوس كما هم.)
فرناندو: مفهوم، مفهوم، وأنا بالتأكيد لن أتخلى عنكم، وستحتفظون بمكانتكم التي كانت لكم في عهد ابن الأحمر وأحسن منها.
ابن كماشة: مولانا الملك رمز الكرم والشهامة. وإليه يرجع الأمر.
أبو القاسم: نحن لا نريد إلا رضا مولانا الملك.
(يظلم هذا الجزء من المسرح ويضاء النصف الأيمن على الأندلسيين وقد جمعوا على شاطئ البحر لنقلهم إلى شمال أفريقيا. تتدلى من سقف المسرح يافطة مكتوب عليها "ميناء بلنسية عام 1609".)
أندلسي 1: أبعد كل هذا العذاب نطرد من ديارنا؟ وإلى أين لا ندري. أنا لا أعرف سوى إسبانيا وطنا.
أندلسي 2: بعد أن تنصر كثير منا عن قناعة وصاروا كاثوليك مؤمنين يرمون بنا إلى المسلمين الهمج في شمال أفريقيا.
أندلسية 1: (وهي تخفض صوتها) اسكت لا تقل هذا الكلام ثانية. أتريد لنا أن نضطهد في شمال أفريقيا بسبب ديننا كما اضهدنا هنا. لا تنطق بهذا الكلام ثانية.
أندلسي 1: (بعدوانية) ولما أنت صادق في اعتناق النصرانية لماذا طردوك إذن؟ لماذا لم تثبت لهم ذلك وتتمسك بموقفك.
أنددلسي 2: (زوجته تقرصه) لا يسمعون لأحد. طالما أنك من أصل أندلسي فإن ذلك يعد دليلا على أن تدينك النصراني مزيف. لم أعد أعرف هل هذا الموقف منهم عداء لدين أم كراهية لعرق. فلا أعرف إن كانوا يكرهوننا لأننا من نسل المسلمين أو لأننا من أصول أفريقية؟
أندلسي 3: لكل ذلك وغيره. تعرفون؟ قال لي محقق محكمة التفتيش وهو يعذبني ذات مرة أنهم يكرهوننا لأننا نذكرهم بالذل الذي تعرضوا له طيلة القرون التي كان أسلافنا فيها أسياد إسبانيا. (يدخل رجل عليهم مسرعا.)
أندلسي 4: هل سمعتم ما سمعت؟
أندلسي 1: ماذا؟
أندلسي 4: عاد بعض المبعدين الأوائل بمراكب صغيرة وقالوا إن ربابنة السفن وبحارتها يجردون الركاب من ممتلكاتهم ويلقون بهم في عرض البحر ويستبقون النساء الشابات والأطفال لبيعهم عبيدا.
أندلسي 2: وها هو الوصول إلى الشاطئ الآخر سالما أصبح حلما بعيد المنال.
أندلسي 1: ما كل هذا الذل والشقاء الذي كتب على أمتنا؟
أندلسي 4: المحظوظون فقط تلقي بهم السفن على شواطئ نائية أو جزر مهجورة بعد تجريدهم حتى من ملابسهم. (تنضم أندلسية إلى المجموعة ولديها ما تقوله)
أندلسية 2: هذا الرجل الذي يتوسط هذه المجموعة (تشير إليه) يحكي كلاما مفزعا.
أندلسية 1: عن سرقة الناس وألقائهم في البحر؟
أندلسية 2: غيره. يقول إن من وصلوا إلى وهران سالمين هاجمهم الأعراب وهم في طريقهم إلى المدن الداخلية وسرقوا أموالهم وأخذوهم عبيدا لأن مظهر المبعدين يشبه كفار إسبانيا.
أندلسي 2: (موجها كلامه إلى زوجته) رأيتي يا من تحذرينني من لساني. ها هم الأعراب يقتلون المسلمين الصادقين لمجرد أن مظهرهم إسباني. (رافعا رأسه إلى السماء) إلى أين المفر يارب؟
أندلسي 1: لنعد إذن إلى ديارنا في إسبانيا.
أندلسية 3: (زوجة أندلسي 1) أي ديار يا زوجي ألم ترى المخالفين لأوامر الملك وهم معلقين على المشانق على امتداد الطريق؟ لا مهرب من قضاء الله. ولا سبيل إلا أن نستسلم للمتسلطين علينا. ربما نعبر البحر في أمان ونستقر أخيرا في ديار الإسلام بين أبناء ديننا، ربما.
(يضاء النصف الأيمن من المسرح والمفاوضون جلوس كما هم.)
فرناندو: أقول لكم أنا عن مكافأتكم. سيكون لك منكم ولأبي عبدالله ضياعا كبيرة ومبلغ مالي ضخم عند تسليم المدينة وراتب سنوي لمن يبقى في غرناطة.
ابن كماشة: كرم مولاي لا حدود له.
أبو القاسم: وتأكد يا مولاي إننا سنظل دوما خدمك المخلصين.
فرناندو: وبعد أن أخذتم لأهل غرناطة ولأنفسكم وسلطانكم ما أردتم، أطلب أنا مطالبي.
ابن كماشة: تفضل يا مولاي.
فرناندو: أولا أريد خمسمائة رجل من أعيان غرناطة ووجهائها ليكونوا رهينة عندي إلى أن أطمئن إلى تسليم المدينة.
أبو القاسم: مولاي، نحن سنسلمك المدينة ومعها رقابنا ورقاب الغرناطيين جميعا. فما الداع إلى هذا الشرط.
ابن كماشة: نعم يا مولاي، أي ضمان أكثر من السماح لكم بدخول المدينة بجيوشكم.
فرناندو: وكيف أضمن ألا يكون التسليم حيلة منكم لتنقضوا على رجالي وتغلقوا الأبواب وتعلمون فيهم القتل.
دي مندوسة: نعم، مولاي أعطاكم كل ما تريدون وأكثر، وأنتم في المقابل عليكم التزامات يجب أن تقوموا بها.
فرناندو: ولا تخافوا على الرهائن مطلقا. فما أن أتسلم المدينة وأطمئن إلى صدق نيتكم، سوف أطلق سراح رهائنكم وفوقهم الأمير الصغير ابن أبي عبدالله المتحجز عندنا منذ الإفراج عن أبيه.
ابن كماشة: مع أنها ستكون ثقيلة على وجهاء غرناطة، فإنني أعدك يا مولاي بأنني سأبذل قصارى جهدي أنا والوزير أبي القاسم لإقناعهم بقبول هذا الشرط.
فرناندو: ثمة شرط آخر.
أبو القاسم: ما هو؟
فرناندو: أن يقبل أبو عبدالله يدي ويد جلالة الملكة إيزابيلا وهو يسلمنا مفاتيح المدينة.
ابن عاكشة: لن يقبل يا مولاي، ولا أمه الأميرة عائشة، ولا أي رجل في غرناطة.
فرناندو: هذا شرطي الأخير. وأمامك الاتفاقية كاملة بكل ما اشترطم لأنفسكم في جانب، وشرطي هذا في جانب آخر.
أبو القاسم: مولاي، لقد أظهرت معنا شهامة ومروءة غير مسبوقين، فأتتم علينا مروءتك يا جلالة الملك.
ابن كماشة: مولاي عفوا، إن كنت تريد المدينة، فها أنت ستأخذها، وتنازل أرجوك عن هذا الشرط الذي سيبدد كل ما اتفقنا عليه. نحن طامعون في مروءتك يا ملك الإسبان.
فرناندو: حسنا لأخففها قليلا: ينحني أبو عبدالله ليقبل يدي ويد الملكة ونحن نسحبها ولا نتركه يقبلها.
أبو القاسم: لن يرضى يا مولاي أبدا. أرجوك تنازل بكرمك وعفوك عن هذا الشرط.
فرناندو: (متفكرا حيث يسود الصمت) حسنا يا وجهاء غرناطة، لا داعي لهذا الشرط تماما. سيتم تسليم مفاتيح المدينة في نصف المسافة بين قعلة الحمراء ومعسكرنا في سانتافية.
ابا كماشة: حاضر.
فرناندو: وأن يسلم أبو عبدالله مفاتيح المدينة لي، وأنا بدورها سأسلمها إلى جلالة الملكة. اتفقنا.
أبو القاسم: اتفقنا.
فرناندو: سأوقع على الاتفاقية أنا والملكة والأمراء وكبار النبلاء ومجلس الدولة لكي يطمئن أبو عبدالله ويوقع عليها وننتهي من هذا الأمر. تفضلا الآن وابعثا بأحدكم يأخذ الاتفاقية موقعة من جانبا ليوقع عليها ابن الأحمر.
الوزيران: (ينهضان) أمر مولانا الملك وينحنيان له ويخرجان من القاعة بظهريهما.
دا ثافرا: كنت كريما معهم كثيرا يا مولاي.
فرناندو: غرناطة غير كل المدن التي فتحناها يا كونت. يمكنك أن تقول إن نصف أو ثلث المسلمين في إسبانيا كلها قد تجمعوا في غرناطة بعد أن استولينا على مدنهم واحدة تلو الأخرى. ولو أضفت إلى ذلك أسوار غرناطة وحصونها المنيعة، لعرفت أن اقتحام المدينة لن يكون يسيرا أو بتكلفة بسيطة. وأيضا عليك ألا تستهون بقتال اليائسين يا كونت.
دا ثافرا: بالتأكيد يا مولاي. فاليائس ليس لديه ما يخسره.
فرناندو: وإذا كنت أستطيع أن أنال غرناطة دون أن أخسر واحدا من جنودي، فلماذا إذن أعرض حياة الآلاف منهم للخطر.
دي مندوسة: القرب من مولاي الملك غنيمة. فجلالتك مدرسة في السياسة والدهاء.
فرناندو: هيا اكتبوا الاتفاقية في صيغتها النهائية وأرسلوا بها إلى مدريد لتوقعها الملكة والأمراء والنبلاء وأوقع أنا بعدهم حتى نرسلها إلى غرناطة. الملكة تستعجل دخول قلعة الحمراء، كأنها أول قلعة إسلامية تدين لها.
الحضور: (ينهضون) أمر مولاي.
(ينزل الستار.)
المشهد الثالث
يرفع الستار على قصر الحكم بقلعة الحمراء، حيث السلطان ووزيريه.
ابن كماشة: ضمّنا كل ما طلبت وأكثر يا مولاي في الاتفاقية.
السلطان: (جالس مطأطئ الرأس) لا يرد.
أبو القاسم: ستكون اتفاقية لم تحظ بها مدينة أو مملكة استسلمت من قبل.
السلطان: (يرفع رأسه في حسرة) إنجاز كبير.
ابن كماشة: لم ننسى فيها أي جماعة أو طائفة تعيش على أرض غرناطة.
أبو القاسم: المولدون واليهود والعلوج. الكل شملناهم بالحماية والأمان.
السلطان: الحماية والأمان في قبضة الأعداء؟
أبو القاسم: مولاي إننا نفعل ما بوسعنا في ظل هذه الضائقة المحكمة.
ابن كماشة: وقد كان الملك فرناندو كريما وشهما معا إلى أبعد الحدود. فقد خصص لمولاي منطقة كاملة في البشرات وثلاثين ألف دوقة ذهبية.
السلطان: وأنتم يا ابن كماشة، ألم يخصص لكم شيئا؟
ابن كماشة: ولم يخصص لنا؟ نحن مشمولين بالحماية والإعفاءات الضريبية التي منحها للفرسان والقادة وحسب.
السلطان: وما فائدة المال والأملاك إن غاب العز والسيادة؟
ابن كماشة: لقد أرسل الملك الاتفاقية في صورتها النهائية التي أقرها جلالتك إلى مدريد لتوقع عليها الملكة إيزابيلا وذريتهما وكبار النبلاء وأعضاء مجلس الدولة.
السلطان: وصاحب روما؟
أبو القاسم: الطريق إلى روما طويل يا مولاي، ولو أصررنا على ذلك سيتأخر الأمر شهورا، يكون الناس في غرناطة قد ماتوا جميعا من الجوع.
ابن كماشة: وأنت تعلم يا مولاي أن البابا يقر الملكين على كل ما يفعلانه.
السلطان: لا أريد إقراره. أريده ضمانه الشخصي للمعاهدة وتعهده بتنفيذ بنودها تنفيذا أمينا.
أبو القاسم: لقد أجابنا الملك فرناندو إلى كل ما نريد، فمن الكرم والشهامة أن نتنازل له عن هذا المطلب.
السلطان: لا كرم ولا شهامة في حقوق الناس وحرياتهم وأمنهم.
ابن كماشة: مولاي الملك فرناندو أثبت شهامة ومروءة لا أظنهما يسمحان له بالتنصل من العهد.
السلطان: أين شهامته ومروءته وهو يغزو بلادنا؟ حسنا يا وجهاء غرناطة، سيكون لكم ما أردتم، ما أن تأتي الاتفاقية سأوقع عليها وينتهي الأمر.
أبو القاسم: عين العقل يا مولاي.
السلطان: (بصوت عقله) عين العقل أن أسلم عرناطة، أن أتخلى عن الوطن. ألا لعنة الله على هذا العقل. (يدخل الحاجب)
الحاجب: مولاي الأميرة أم السلطان على الباب.
الوزيران: (في صوت واحد) اسمح لنا بالانصراف يا مولاي.
السلطان: (بصوت عقله) وأواجهها وحدي؟ آه يا أم أبي عبدالله الجميع يخافك ويخشى لقاءك. لكن إن الكل يستطيعون أن يهربوا من عينيك ولسانك، فأنا ابن بطنك لا أستطيع.
الوزيران: (في صوت واحد) اسمح لنا بالانصراف يا مولاي.
السلطان: (يشير لهم بالانصراف ويخرجان من الباب الخارجي، وتدخل الأميرة من باب جناح السلطان)
عائشة: هل فر الجرذان؟
السلطان: أي جرذين يا أم؟
عائشة: الجرذان الذين ظلا ورائك حتى تنازلت عن ملكك.
السلطان: أعلم يا أمي أنهما يميلان إلى الاستسلام وتسليم المدينة. فما أنا بالسلطان المأفون الذي يلعب به وزراؤه. لكن لولا الظروف لما استكنت لهما. والله لولا الظروف لعلقت رأسيهما على أبواب غرناطة. لكنهما يا أمي أيضا معذوران. فهما أيضا كانا يودان أن يكونا أشهر من الوزير المنصور، وأن يكتب التاريخ عن أياديهما البيضاء والحمراء في الدفاع عن أمتهما. لكنها الظروف يا أم أبي عبدالله.
عائشة: ما هذا القلب الذي يجد أعذارا حتى للخائنين والمتخاذلين ومثبطي الهمم؟ هذا القلب لا يليق بسلطان. قلب السلطان لا يجب أن يعرف إلى شهوة الحكم، ويصنف الناس إلى وطنيين وخونة وفقا لدعمهم لملكه أو تقويضهم له. لكن ماذا أقول والسلطان يتنازل عن ملكه؟
السلطان: (وقد يأس من كسب عطفها) نعم يا أمي أتنازل غير مكره، نعم، نعم.
عائشة: هل وقعت اتفاقية الاستسلام والخنوغ والذلة والمهانة أم لم توقعها بعد؟
السلطان: ليس بعد يا أمي.
عائشة: ستوقعها إذن؟
السلطان: قلت لك ألف مرة يا أم أبي عبدالله إن الظروف أقوى مني ومن أقوى قائد عرفته أمتنا وسجل التاريخ سيرته بحروف من نور.
عائشة: أم أبي عبدالله، عبدالله المستسلم، مسلم مفاتيح غرناطة، المتخلي عن ملك آبائه؟
السلطان: كفاني يا أمي ما أنا فيه من كمد وضيق. ألا تكوني عوني على الزمن الرديء؟
عائشة: أكون عونك في الحرب والقتال والزود عن حومة الملك، لا في الاستسلام والتسليم والفرار. (يدخل الحاجب معلنا أن موسى بن غسان على الباب).
الحاجب: مولاي موسى بن غسان يريد لقاءك.
السلطان: اصرفه يا حاجب، ها أنت تراني مع الأميرة أم السلطان.
عائشة: بل أدخله يا حاجب (وبعد أن ينصرف الحاجب) أم تراك تخشى لقاء فارس غرناطة الأبي الرافض للذل والهوان، كما تخشى لقائي؟
السلطان: (بصوت عقله) والله يا أم ما أحببت في هذه المدينة وفي تلك المحنة غير جلادي عائشة وموسى. أحببتهما وتمنيت أن أكون مكانهما، لكن .. (يدخل موسى).
موسى: السلام على مولاتي الأميرة الأم ومولاي السلطان.
عائشة: تفضل يا ولدي (بصوت عقلها) وكم كنت أتمنى أن تكون أنت ولدي السلطان.
موسى: مولاي هل صحيح ما سمعت من أن المفاوضات انتهت وأنه لم يبق غير التوقيع والتسليم؟ (السلطان لا يرد).
عائشة: نعم يا موسى. عقد بيع غرناطة جاهز ينتظر توقيع البائع.
السلطان: ها قد اجتمع خصماي الحبيبان معا، وأنا لا طاقة لي بأحدكما، فماذا أفعل وقد وحدتما سهامكما ضدي.
موسى: لا تسلم يا مولاي أرجوك، أتوسل إليك بالله والدين والوطن، أتوسل إليك بالتاريخ الذي قرأته وعلمتني إياه وحببتني فيه.
عائشة: قل له يا موسى، لعله يسمع منك.
موسى: أتوسل إليك يا مولاي بأطفال غرناطة الخضر، بنسائها الحرائر، بشيوخها وعجائزها الضعفاء، برجالها الذين ما تخلفوا يوما عن اللقاء.
السلطان: من أجل هؤلاء يا موسى أسلم مدينتي. حتى لا أقدمهم قربانا على مذبح طموحي وأنانيتي. حتى لا يفعل فيهم ما فعل بأهل ملقة (وهو يخفي رأسه). من أجلهم يا أمي اشترط في المعاهدة شروطا تحمي حياتهم ودينهم وأعراضهم وأملاكهم.
موسى: ومتى كان عدونا يلتزم بمعاهدة أو اتفاق يا قارئ التاريخ؟ قل لي متى التزم؟
عائشة: ما أحلى كلامك يا موسى.
السلطان: لن أكرر كلامي معكما. لقد أرهقتماني. إن خيرا لي أن أقتل ألف مرة من أن يلهب كلامكما ظهري.
عائشة: بل قل خير لك أن تقتل ألف مرة عن أن تسلم غرناطة.
السلطان: والله لو كان قتلي ألف ألف مرة يحول دون سقوطها لما ترددت. لكن لا مهرب ولا محيد. فالطريق الذي سار فيه الأجداد قبل قرون حين تنازعوا وتقاتلوا وتحالفوا مع أعدا الأمة ضد بعضهم البعض هذه هي نهايته الحتمية. وما أنا إلى خطوة صغيرة على طريق طويل. أنا من شارك في حصار المسلمين وتركيعهم للأعداء لحماية ملكي، أنا لست إلا نبتا من غرس من سبقوني. ارحموني بالله عليكم.
(ينزل الستار.)
المشهد الرابع
ينزل الستار عن شارع غرناطة أمام الحمام والخان وقد تجمع الناس ليلا بينهم حامد وأحمد ومرزوق وغيرهم.
حامد: عرفتم أن تسليم المدينة يسير على قدم وساق وأن المفاوضات انتهت ولم يبق غير التسليم؟
مرزوق: ومن في غرناطة لم يعلم؟ الكل لا يشغله إلا مصير المدينة ومصيرهم.
حامد: وماذا ستفعلون؟
مرزوق: ومن نحن حتى نفعل؟ ولي الأمر هو الذي يقرر ويفعل.
أحمد: مرزوق يمكنك أن تتركنا وتعود إلى بيتك الآن. فلا وقت للحكمة والعقل الذي مللنا حديثك عنهما.
مرزوق: بالعقل يا إخوتي نحن ..
حامد: (مقاطعا) لعنة الله على العقل. نحن مجانين يا مرزوق. خلي بين المجانين يا أخي وما يريدون.
مرزوق: كلكم لا يعجبه كلامي. حسنا سأنصرف، وأروني ماذا ستفلعون؟ تذكر يا حامد أنك كنت ضد الفتنة والانقسام (ينصرف).
حامد: وماذا بعد ضياع الوطن يا رجل؟ كنت ضد الفتنة من أجل الوطن، والآن أدعو للثورة على السلطان أيضا من أجل الوطن.
إبراهيم: ماذا تقترح علينا يا حامد؟
حامد: هذه مدينتنا قبل أن تكون مدينة ابن الأحمر، إنها وطننا وقبر أجدادنا وسكن أولادنا من بعدنا. ولن نتنازل عنها ولن نسلمها طالما بقيت فينا الحياة.
محمد: وهل سنفعل أكثر مما فعل موسى بن غسان الذي خرج أكثر من مرة ليقاتل الأعداء في بضعة رجال ليقوي الهمم ويعرقل التفاوض؟ ماذا يمكن أن نفعل أكثر من ذلك؟
علي: نثور على ابن الأحمر ونتولى الأمر ونمزق الاتفاقية.
محمد: من الذين سيثورون يا رجال؟ أهل غرناطة الجوعى؟ لقد جعل الجوع الرجال أنصاف أحياء لا يقوون على الكلام، ناهيكم عن العمل والثورة والقتال.
حامد: أيا كان الحال. لن نسلم غرناطة إلا ونحن جثث على أرضها. حتى لو يبق غير رجل واحد حي، عليه أن يصمد حتى يفارق الحياة.
أحمد: لكن يا حامد، ضع لنا خطة لننفذها.
حامد: أعرف أناسا كثر غير راضين عن تسليم المدينة، سننسق معهم ونرى ما يمكن أن نفعله ونخطط لخلع ابن الأحمر الضعيف المتخاذل المشؤوم.
(ينزل الستار.)
المشهد الخامس
قصر الحكم بقلعة الحمراء، حيث يجلس السلطان وبجواره أمه وزوجته وكل الوزراء والوجهاء وقادة الجيش والفرسان.
ابن كماشة: (يناول السلطان) الاتفاقية يا مولاي موقعة من الملكين وذريتيهما وعلية القوم في ممالكهما.
السلطان: اتفاقية تسليم غرناطة؟ (يتناولها من ابن كماشة بيد مرتعشة وينظر حلوه بحثا عن ريشة للتوقيع) أين أضع توقيعي (يعلو صوت البكاء والعويل من الجميع رجالا ونساء).
السلطان: (وهو يبكي وينتحب) اشهدوا علي يا وجهاء غرناطة، أنني والله ما سلمت غرناطة إلا بعد أن فعلت كل ما وسعي.
موسى: (مقاطعا بصوت عال) لا يا مولاي لا يزال في وسعنا الكثير.
السلطان: (بصوت عقله) موسى وأمي لا يعطياني فرصة حتى لتسيجل المواقف ونيل فروسية الكلام والاستمتاع بلحظة الحزن النبيل. (بصوت مسموع) أعلموا يا وجهاء غرناطة وانقلوا عني أن قاتلت وأسرت ثم قاتلت مرات ومرات دفاعا عن وطننا، لكن الحصار والظروف الصعبة غلبتني وغلبتنا جميعا.
عائشة: (وهي تبكي) الرجال هم الذين يصنعون الظروف يا من كنت سلطانا.
السلطان: (متجاهلا كلامها) وحيث أن الهزيمة آتية لا محالة.
موسى: الجيش يهزم قبل أن يدخل المعركة فقط لأن جنوده يدخلونها مهزومين.
السلطان: وحيث أن الهزيمة آتية لا محالة، ومن أجل شعب غرناطة، ومن أجل الأطفال والنساء والشيوخ وحتى الرجال والجنود، آثرت أن أسلم المدينة، قبل أن تقتحم عليهم ويصيرون ملكا للفاتحين.
عائشة: في كل الحالات سيكونون ملكا للفاتحين.
موسى: أتظن أنك تحميهم بتسليم المدينة؟ لا والله. إن كان خوفك علينا من الموت فإن الموت أقل ما نخشى، وإن كان تسليمك للمدينة للحفاظ على الناس وحياتهم ودينهم، فوالله لن ننولها من الأعداء. فأمامنا نهب مدننا وتدميرها وتدنيس مساجدنا وأمامنا الجور الفاحش والسياط والأغلال والأنطاع والمحارق، وهذا ما سوف تراه تلك النفوس الوضيعة التي تخشى الآن الموت الشريف، أما أنا فوالله لن أراه.
السلطان: (وهو يبكي) أنتم تعرفون قبلي أن الاستسلام محتوم وأن التسليم لا مفر منه. لكنكم تصنعون من أنفسكم أبطالا على حسابي أنا المسئول عن هذا الشعب. (يعلو البكاء والنحيب والعويل)
موسى: (موجها كلامه إلى الجميع) اتركوا العويل للنساء والأطفال، فنحن لنا قلوب لم تخلق لإرسال الدمع ولكن لتقطر الدماء، وحاشا لله أن يقال إن أشراف غرناطة خافوا أن يموتوا دفاعا عنها. وليس في الأمر تصنع بطولة، وإنما عين عقل ترى ما سيحل بغرناطة وأهلها بعد التسليم. ولن أكذب عين عقلي، ولن أشهد تسليم مدينتي، سأخرج لهم وحدي قاتلا أو مقتولا، أبدا لن أكون بينكم وأنتم تشهدون الصليب يرفع على برج الرياح، لن أشهد الأعداء يطئون مساجدنا بأحذيتهم، لن أسمح لعيني أن ترى رايات قاطع رقاب الأندلسيين ترفرف فوق قلعة الحمراء، وأهون لي أن أفقد البصر ولا أرى رايات قشتالة ترفرف على أبواب وأسوار مدينتنا. سأخرج الآن ولا أعلم مصيري، لكن أبدا لن أشهد سقوط غرناطة (يخرج مسرعا، ويعلو البكاء والنحيب مجددا).
السلطان وعاشئة: (في صوت واحد) موسى لا فائدة، موسى، موسى (يخرج غير عابئ بالنداء).
أبو زيان: (منتحبا) أشهد يارب أني حذرتهم، فلم يحذرو، أريتهم سقوط غرناطة قبل أن تسقط فتعاموا وصموا أذانهم. أشهد يارب أني حاولت التأليف بين قلوبهم، لكن شهوة الملك اللعينة انتصرت عليهم وعليّ وعلينا جميعا. لكم الله رعايا الحكام المسلمين، لك الله يا غرناطة، لك الله يا أمة الأندلس.
(ينزل الستار.)
المشهد السادس
موسى ينطلق بحصانه على طول نهر، وإذا بسرية من سرايا جيش قشتالة توقفه.
قائد السرية: من الفارس؟ (موسى لا يرد) من أنت يا فارس وفي أي كتيبة وما كلمة السر؟ (يشهر موسى سيفه ويندفع فيهم) عربي؟ فارس عربي؟ اهجموا عليه يا جنود (تدور معركة طويلة يقتل موسى فيها أربعة فرسان قبل أن يصاب بطعنة غائرة، فيواصل القتال ويقتل جنديين آخرين، ثم يفجر أحد الجنود الإسبان بطن حصانه بالرمح، فيسقط الحصان والفارس، ويقوم موسى يقاتل بخنجره وينال منهم أكثر، لكن الجرح ينزف غزيرا والقوة تخور، فيتراجع موسى إلى حافة النهر، ويتبعه الجنود ويشتبك معهم وينال منهم، وحين تخور قواه ويوشك النصارى على أسره، يلقي موسى بنفسه في النهر)
موسى: (وهو يلقي بنفسه في النهر) أبدا لن أكون شيئا تافها في أيدي أعدائي، فالموت عندي أهون ألف مرة من الذل والهوان (ويسقط في مؤخرة المسرح).
(ينزل الستار.)
المشهد السابع
يجلس السلطان وحيدا، ويدخل عليه الوزيران.
السلطان: ماذا وراءكم؟
ابن كماشة: مولاي رائحة الثورة تفوح من كل مكان في غرناطة.
السلطان: (غير مكترث) أي ثورة؟ ومن أجل ماذا؟ ولماذا ولم يعد هناك ملك نتقاتل عليه؟
أبو القاسم: تلك القلة المارقة الرافضة لتسليم المدينة يا مولاي.
ابن كماشة: يسيرون بين الناس بالفتنة وقد جمعوا حولهم خلقا كثيرا.
السلطان: وماذا بوسعهم أن يفعلوا وقد ضاع كل شيء؟
ابن كماشة: ينوون الإطاحة بمولاي و..
السلطان: (ضاحكا في هستيريا) الإطاحة بمن ومن أجل ماذا؟ خلاص، لا ملك ولا سلطان.
ابن كماشة: إنهم لا يريدون الملك يا مولاي. يريدون فقط تعطيل ما اتفقنا عليه مع الملك فرناندو.
أبو القاسم: سيفسدون كل جهودنا في التفاوض وكل الحقوق والضمانات التي انتزعناها لهم.
السلطان: وفي النهاية ستقسط المدينة، ثاروا أو لم يثوروا.
ابن كماشة: نعم يا مولاي، لكن في حال ثورتهم ستسقط تحت حد السيف، وهذا ما نخشاه ونسعى إلى تجنبه.
السلطان: وما العمل؟
ابن كماشة: لا حل غير مباغتتهم وتقديم موعد تسليم المدينة.
السلطان: أنطلب نحن بأنفسنا تقديم موعد طردنا؟
أبو القاسم: لا تزال سبعة أيام تفصلنا عن السادس من يناير 1492 الذي اتفقنا على تسليم المدينة فيه. ولو ثار الناس سيفسدون كل شيء، وسيذبحوننا بالتأكيد.
السلطان: (وهو يتحسس رقبته) يذبحوننا؟ وماذا ترون؟
ابن كماشة: نرى يا مولاي أن نباغتهم ونقدم موعد التسليم قدرما نستطيع. فهم يعلمون موعد التسليم ويخططون لثورتهم بناء عليه.
السلطان: افعلوا ما يتراءى لكم.
أبو القاسم: بعد إذنك سنذهب على الفور إلى فرناندو ونتفق معه على أن يكون تسليم غدا ليلا وفي سرية تامة، حتى يصحوا أهل المدينة في الغد فيجدون أنفسهم أمام الأمر الواقع.
السلطان: اذهبوا واتفقوا (يطأطئ رأسه مجددا)
(ينزل الستار.)
المشهد الثامن
يرفع الستار عن قلعة الحمراء في الخلفية والجنود النصارى مصطفين في صلاة وتراتيل كنسية وأمامهم الملكين الكاثوليكيين ودي ثافرا وطلبيرة، وقد رفع صليب ضخم على برج الرياح ورايات قشتالة ترفرف على أسوار القلعة.
الجنود: (في صوت واحد لدى رؤية الرايات والصليب ترتفع على أسوار قلعة الحمراء) قشتالة، قشتالة، المجد والرفعة لإسبانيا ومليكينا العظيمين حاميا دين الرب المقدس.
فرناندو: (مخاطبا الجنود) في هذا اليوم البهيج الذي نكمل فيه استرداد إسبانيا كاملة من أعداء الرب الهمج الذين جاءوا إليها قبل ثمانية قرون من مجاهل أفريقيا البربرية، أعلن الملكة إيزابيلا العظيمة ملكة غرناطة الجديدة (تسجد إيزابيلا أمام الجنود شكرا لله، وتتعالى أصوات الجنود بالبكاء فرحا ويعانق بعضهم بعضا. ثم تعزف الجوقة الملكية ترنيمة "لك الحمد يا ألله" Te Deum Laudamus. ويدخل الكاردينال مندوسة من يمين المسرح على رأس موكب من الجنود والرهبان والأساقفة نحو المدينة المفتوحة في عرض مهيب للأبهة والقوة العسكرية القشتالية. وبعد أن يمر موكب مندوسة ويخرج من المسرح. بعدها يدخل من مؤخرة المسرح أبو عبيدل وكأنه ينزل من قلعة الحمراء ويهبط التل ومعه حاشية من الفرسان والأقارب والخدم.
السلطان: (بعد أن بلغ الملكين يمد يده إلى فرناندو بمفاتيح غرناطة) هذه مفاتيح غرناطة يا جلالة الملك.
فرناندو: (يأخذها ويناولها لإيزابيلا) تفضلي يا مولاتي ملكة غرناطة (تمد إيزابيلا يدها وتأخذ المفاتيح، ويولي أبو عبدالله دبره هو وحاشيته إلى منفاه في جبال البشرات التي سيغادرها بعد عام بطلب من الملكين. ويخرج هو وحاشيته من المشهد، ويعلو صوت التراتيل الكنسية، ويأتي أهل غرناطة على طرفي المسرح في خوف وذهول ووجل يرقبون ما يحدث، ويخفت صوت التراتيل، ويعلو صوت بكاء أهل غرناطة).
حامد: (منتحبا) الصليب يرفع على قلعة الحمراء؟ ليتني مت قبل هذا اليوم.
أحمد: ورايات قشتالة ورايات قاطع رقاب الأندلسيين ترفرف في مدينتنا.
أندلسية 1: لو كنتم في شجاعة وإقدام موسى بن غسان لما رأينا ذلك اليوم.
حامد: نعم أبى موسى أن يراه ولم يراه. لك الله يا موسى.
أندلسية: لقد سقطت غرناطة وضاعت الأندلس إلى الأبد. وداعا غرناطة الوطن والأمة.
(ينزل الستار.)
المشهد التاسع
يرفع الستار عن أبي عبدالله وحاشيته يغادرون غرناطة وخلفهم قلعة الحمراء تظهر في الأفق من بعيد، ويقف أبو عبدالله ليلقي نظرة أخيرة على قعلته ومملكته، ثم تنهال الدموع من عينيه.
عائشة: ابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال (السلطان ينظر إليها ولا يرد). ليكن الله في عون ملوك سلب ملكهم وأصبحوا بلا وطن.
السلطان: (وهو يتغلب على بكاءه ونحيبه) بل ليكن الله في عون الغرباء الذين تركناهم خلف ظهورنا
(تظلم الخشبة تدريجيا وينزل الستار)
انتهت المسرحية بحمد الله ليلة الخميس الموافق 7/11/2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.